أرشيف المقالات

هل ينبغي أن تزاحم المرأة الرجل؟

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
8 للآنسة زينب الرافعي قامت في كلية الآداب بالجامعة المصرية مناظرة بين طائفتين من طلبة الكلية وطالباتها حول الغاية التي تتعلم من أجلها الفتاة: أهي تتعلم لتزاحم الرجل في ميدانه، أم لتشق طريقها لنفسها في الحياة؟ والمقالة التالية هي كلمة الآنسة الأديبة زينب الرافعي في هذه المناظرة، ولها كانت الغلبة.
والآنسة زينب هي كريمة الفقيد المرحوم مصطفى صادق الرافعي رجل وامرأة: هذه قسمة الطبيعة، فهل كانت عبثاً؟ رجل وامرأة: هما العنصران اللذان تتكون منهما الإنسانية، فهل أخطأت الطبيعة حين جعلت معنى الإنسانية يتكون من عنصرين لا عنصر واحد؟ عجباً! إن الإنسان لا يمكن أن يقهر الطبيعة وهو جزء منها، لأنه خاضع لسلطانها، لأنها بقوانينها الصارمة تسيطر عليه وتوجهه وجهته من غير أن يكون له اختيار إن القوانين لا توضع لمصلحة فرد واحد، ولكنها تشرع لمصلحة الجماعة عامة، والقانون الذي فرضته الطبيعة على البشرية أن الإنسانية اثنان: رجل وامرأة، فكيف تريدونه على ذلك التفسير الخاطئ حين تقولون إن الإنسانية رجل ورجل: رجل له شارب ولحية، ورجل ناعم أمرد.
اذكروا لي إنساناً واحداً يستطيع أن يقول بعقل: لماذا يمشي الناس على أرجلهم ولا يمشون على أيديهم؟ قد تكون الأرجل أقوى وأشد صلابة من اليدين، وهي بذلك أقدر على عمل الأيدي، ولكن الطبيعة خلقت الرجلين ليمشي بهما من يريد أن يمشي، وخلقت اليدين لتعمل؛ فما أحمق من يتخيل إنساناً يستطيع أن يجعل رجليه لغير المشي ويديه لغير ما تعمل اليدان! هكذا خلقت الطبيعة الإنسان، والطبيعة قانون عام مطاع لا يجدي أن يتمرد عليه متمرد.
ولكن تعالوا حدثوني حديثكم عن المعنى الذي تريدون حين تزعمون أن من حق المرأة أن تنافس الرجل في ميدانه، وأن تضطلع بما يضطلع به من العمل؟ أتريدونها أن تحمل الفأس، وتجري خلف المحراث، وتحرس قنطرة الترعة، وتمهد السكك الزراعية.
؟ أم تريدونها على أن تعمل بالمنشار، وتدق بالقدوم، وتصعد على الخشب الممدود فوق العمائر لتبني، وتحفر حيطان البيوت لتضع أسلاك النور وأنابيب الماء.
؟ أم تريدونها على أن تقف في خطوط النار وفي جرابها سيف يلمع، وعلى كتفها بندقية تقذف بالشرر، أو تجري على الصخر وراء المدفع وفي يدها زناده، أو تحفر الخندق بيديها الناعمتين لتصد عدوان المغير، أو تبني الثكنات لتقيم فيها أخواتها العسكريات الرشيقات الخفيفات الأجسام.
؟ حدثوني أيها المؤيدون، أتريدونها لهذا لتهون عليكم وتبتذل وتذل، أم تريدون لها النعمة والصون والعزة؟ ما أهون شأنك عند نفسك أيتها الفتاة لو لبيت هذا النداء! أسمع همساً تختلج به الشفاه: إنهم يقولون: لسنا نريد لها هذا.
فحدثوني ماذا تريدون؟ أتريدونها للقضاء والنيابة، ولإدارة الأعمال في المتاجر، وللكتابة والحسابة، وللقيام على شئون الطلاب في المدارس والكليات، وللدفاع عن المظلومين في المحاكم، ولتخطيط المصورات الهندسية للبناء؟ حسن! قد يكون هذا خيالاً لذيذاً يداعب كل فتاة في أحلامها، ولكن.

ولكن ليس الرجال جميعاً نواباً، وقضاة، وتجاراً، وكتبة وحسبة، ومعلمين ومحامين ومهندسين إن هذه الوظائف على كثرتها لا يقوم بها إلا ربع الرجال، وثلاثة أرباعهم لغير ذلك من المهام الشاقة والأعمال المضنية، فخبريني يا فتاة: أتريدين أن تكوني رجلاً كاملاً يقوم بواجباته كلها ويحتمل ما عليه من تكاليف الرجولة بشقائها وآلامها؟ أم تريدين أن تكوني ربع رجل؟ يا لها من صفقة خاسرة! إن أعدى أعداء المرأة لا ينتتض من مكانتها الاجتماعية بأكثر من دعواه بأنها نصف الرجل، فما لك ترضين بالأقل لتعودي ربع رجل.
؟ لا يا أختي، إن لك وظيفة أخرى غير مزاحمة الرجل في ميدانه، وإنها لأجل شاناً وأعظم خطراً من كل ما يقوم به الرجال من أعمال.
إن لك وظيفة الأم التي تلد الرجل، ووظيفة المربية في البيت التي تربي الطفل لتخلق منه الرجل، ووظيفة الزوج التي تملأ قلب زوجها بأفراح الحياة لتشد فيه عزيمة الرجل إنك سيدة الرجل فلا تبتذلي نفسك دون ذلك لتوهمي الرجل أنه خير منك ثم ماذا؟ سأحاول أن أمزق النقاب قليلاً لأتحدث إليكم في جرأة الفتاة التي تعتز بأنها فتاة، لأقول لكم إن المرأة لم تخلق لتقوم في الحياة بوظيفة الرجال: المرأة التي يستهويها الثوب الأنيق فتقف أمام المرآة طويلاً تنظر إليه، وتنظر إلى نفسها فيه - هذه المرأة لا تعرف قيمة الزمن، والزمن هو الميزان في كل الأعمال ستحاول فتيات من زميلاتي أن يعترضن، ولكن هذه هي الحقيقة.
لقد خلقت المرأة وليس أحب إليها من زينتها شيء.
الزينة لنفسها لا لشيء آخر، وكأن كل أنثى تشعر في أعماق نفسها أنها ليست شيئاً بغير الزينة.
أجمل الجميلات وأدم الدميمات في ذلك سواء، فأين هذا من خشونة الرجل؟ أترونها بذلك تصلح لأن تزاحمه وتعمل في ميدانه؟ هيهات يا أختاه! وحذار أيتها الفتاة أن يخدعك معسول المنى.

إن مكانك هناك.
هناك على العرش في مملكة البيت أيتها الملكة إلى هنا أقف قليلاً لأنظر في وجوهكم ووجوهكن أثر الاقتناع ومظهر الطمأنينة إلى عدل الطبيعة هل بلغت موضع الإحساس من نفوسكم؟ إن شفاهاً تبتسم، وإن همساً يتطاير من هنا ومن هناك. اسمعوا: هذه فلانة ناظرة مدرسة ثانوية من مدارس الحكومة، في الدرجة الرابعة أو الثالثة لا أدري، تقبض كل شهر خمسين جنيهاً، وتحكم على عشرين أو ثلاثين من خيار المعلمين والمعلمات، وتسيطر بإرادتها على بضع مئات من بنات الطبقة العالية في مصر، تلميذاتها، ولها في البيت ولد، ولها زوج! أتحسبون أن هذه السيدة سعيدة بما بلغت من جاه وما أدركت من نجاح في مزاحمة الرجل؟ وا رحمتاه لها مما تعاني، وألف رحمة للأمة منها، وألف ألف لزوجها المسكين، وما شئتم من الرحمات فاستمطروها على ولدها المحروم، اليتيم في حياة أبويه أتعرفون من يقوم لها بشئون البيت! لو كان هو زوجها لقلنا: شيء مكان شيء! ولو كان له امرأة أخرى لقلنا: قد انتصف لنفسه! ولو كان في البيت مديرة مصرية لقلنا: ذهبت واحدة لعمل وحلت أختها في عمل غيره.
ولكن.

وا أسفاه! إن في البيت مديرة حقاً، ولكنها مديرة أجنبية، مديرة لا تعرف من لغتنا، ولا من تقاليدنا.
ولا من ديانتنا؛ مديرة ليس لها عواطف الأم، ولا حنان الزوجة، ولا غيرة الأخت، حتى ولا شعور التراحم بالرابطة الوطنية.
لقد ذهبت السيدة الجليلة لتزاحم الرجل، ولكنها أخلت مكانها لأجنبية، لقد باعت أمومتها واشترت الوظيفة، لقد جحدت وطنيتها حين جحدت أنها امرأة.

ليت شعري أليست تغار هذه المراة، أليست تغار على زوجها حين استهانت بالرابطة التي بينهما فاستأجرت له زوجة؟ أليست تغار على ولدها الذي تجاهلت حقه في حنانها فاستأجرت له أماً؟ أليست تغار على بيتها الذي لا تحل فيه إلا كما يحل المسافر في فندق؟ أليست تغار على وطنها حين أفسحت لامرأة أجنبية أن تكون مكانها سيدة بيت؟ ليست هذه وحدها التي خرجت لتزاحم الرجل في ميدانه فما زحمت إلا نفسها.
إنهن كثيرات أيها السادة، وإن أسفي لشديد؛ نعم نجحت بضع نساء في مزاحمة الرجل ولكن بعد ما أسلمن بيوتهن إلى الأجنبيات.
لكأني بكل امرأة من هذا النوع تهتف في أعماق نفسها قائلة: (لقد احتل الرجال مراكز الأعمال جميعاً فليجلوا عنها بقوة المرأة.
ولا علينا بعد ذلك أن تحتل الأجنبيات كل بيوت مصر!)
علموا لنا أولاً مديرات البيوت وربات المنازل وأمهات الرجال وزوجات الأبطال، ثم ادعوا بعد ذلك واستطيلوا وقولوا يجب أن تنزل المرأة إلى ميدان الرجل لتزاحمه حتى تجليه.
ربوها أولاً على أن تؤدي وظيفتها الأساسية، وظيفة الأم الصالحة التي تنشئ للأمة الرجال.
ووظيفة الزوجة المسعدة التي تملأ بيتها أفراحاً ومسرة، ووظيفة سيدة البيت التي تديره وتدبره لتجعله جنة الأسرة؛ ووظيفة المرأة الكاملة التي هي الحنان والعطف والرحمة والمحبة، بازاء الرجل الذي هو العقل والحزم والقوة واليد العاملة؛ فإذا بلغتم الغاية من كل ذلك فافتحوا لها الباب وقولوا: اذهبي إلى الطريق راشدة فاصنعي ما تريدين، وزاحمي الرجل إن وجدت السعادة في زحامه (يتبع) زينب الرافعي

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن