أرشيف المقالات

زواجه ( صلى الله عليه وسلم ) من عائشة ( رضي الله عنها )

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
2زواجه (صلى الله عليه وسلم) من عائشة (رضي الله عنها)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.   اللهم إنَّا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال.   كان السر من تعدُّد زوجاته - صلى الله عليه وسلم - نشرَ تعاليمه الأسرية للناس، وكذلك كان زواجه من عائشة - رضي الله عنها - لكن أثار المستشرقون في هذا الزواج شبهة أنه - صلى الله عليه وسلم - تزوَّج عائشة وكانت طفلةً.   والحقيقة أنه ليس في هذا الزواج - حتى لو كانت الغاية منه الدنيا - أمرٌ غريب؛ لأن زواج الرجل الكبير من بنت صغيرة كان أمرًا شائعًا واعتياديًّا عند العرب وفي عصر الرسالة النبوية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوَّج من عائشة إلا بعد أن كانت بالغةً الأنوثة، يقول أحد الكتَّاب: "تزوَّجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - تكريمًا لوالدها أبي بكر رجلِ الإسلام الأول؛ وإليك بعض الحقائق عنها: 1- لم يكن هناك شهادات ميلاد تثبت سنة الولادة وتحدد العمر بالضبط، ولكن كانوا يعرفون استعداد البنت للزواج كما يعرف الفلاح نضج الثمرة؛ وذلك بملامح الفتاة، وهذا الأمر تجيد النساء معرفته.   2- البيئة العربية كانت تزوِّج البنت بمجرد بلوغها النضج؛ خوفًا من الانحراف.   3- كانت السيدة عائشة كاملةَ الأنوثة يوم أن عرضت السيدة خولة بنت حكيم على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوَّج من عائشة، بل أكثر من ذلك أنها كانت مخطوبة لرجل مشرك اسمه جبير بن مطعم، وبعد عامين من خطبتها أصرَّ جبير على الكفر، ففرَّق أبو بكر بينهما، وخطبها النبي تكريمًا لأبي بكر، أليس ذلك يكرم؟".   4- كما أن أمها زوجة أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - كانت ترى أن ابنتها قد كبِرت عندما فُسِخت خطبتها من جبير بن مطعم بن عدي، ولمَّا علمت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطبها لنفسِه، قالت لأبي بكر - رضي الله عنه -: هذه ابنتُك عائشة، قد أذهب الله عن طريقها جبيرًا وأهله، فادفعها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - تلقَ الخير والبركة، والأمُّ حين تخطب بنتها للزواج تكون أعرف الناس بها وبعلامات الأنوثة فيها.   لا شك أن عائشة - رضي الله عنها - تزوجت في سن مبكرة، لكنها كانت سنًّا مقبولة وكاملة الأنوثة، ولا تنسَ أن عامل المناخ له أثر في نضوج المرأة سريعًا.   وقد تبيَّن أيضًا أن الغاية من تعدُّدِ زوجاته هو نشر الرسالة البيتيَّة إلى الناس، فلا أحد يعلم ما يقوله ويفعله في بيته غير نسائه؛ فهن أقرب الناس إليه.   وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستحيي أن يشرح للنساء القضايا النسوية، فكانت نساؤه تقوم بهذه المهمة، وهي مهمة كبيرة لا تكفيها امرأة واحدة.   كما أراد الله - سبحانه وتعالى - أن تكون نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مرجعًا للناس بعد وفاته، فقد كان الصحابة يرجعون دائمًا بعد وفاته إلى زوجاته، ويسألونهن عن فتاوى وأمور جديدة لم تحصل من قبلُ، فيجدون الإجابة عندهن بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال كذا وكذا، وفعل كذا وكذا، فأكثر نسائه - صلى الله عليه وسلم - عِشْن بعده بسنوات كثيرة، وحصلت في حياتهن إشكالات كان الناس يجدون حلها عند زوجاته - صلى الله عليه وسلم.   فالرسولُ - صلى الله عليه وسلم - توفِّي سنة 11 هـ، أما أكثر زوجاته، فقد توفاهنَّ الله بعده بسنوات: فزينب بنت جحش - رضي الله عنها - توفِّيت سنة 50 هـ.   وسَوْدة - رضي الله عنها - توفِّيت سنة 45 هـ، وكذلك حفصة - رضي الله عنها - توفِّيت في هذه السنة.   وجُوَيْرية بنت الحارث - رضي الله عنها - توفِّيت سنة 56 هـ.   وأم حبيبة - رضي الله عنها - توفِّيت سنة 44 هـ.   وأم سلمة - رضي الله عنها - توفِّيت سنة 59 هـ.   وعائشة - رضي الله عنها - توفِّيت سنة 59 هـ.   وميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - توفِّيت سنة 61 هـ.   فنلحظ أن زوجاته - صلى الله عليه وسلم - توفَّاهن الله بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بزمن طويل؛ فقد توفِّيت مثلاً أم حبيبة بعده بـ 33 سنة، وتوفيت أم سلمة بعده بـ 48 سنة، وكذلك كان وفاة عائشة، وتوفِّيت ميمونة بعده بـ 50 سنة - رضي الله عنهن جميعًا.   فالصحابة خلال هذه السنوات الطويلة بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - كانوا يسألون زوجاته عن أمور استجدَّت بعده، وكانوا أكثر ما يسألون عائشة - رضي الله عنها - لأنها كانت أصغرَهن سنًّا، وأكثرهن حفظًا وعلمًا، وذكاءً ونشاطًا.   وقد ورد حديث قيل بأنه ضعيفٌ، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يشير إليها في حياته ويقول: ((خُذوا نصفَ دينِكم من هذه))، وهذا الحديث لا غرابة فيه إذا ثبتت صحته، بل هو الواقع معناه، ويكفي دليلاً على ذلك أن أحد الأساتذة - وهو الدكتور عبدالمحسن - قد حصل على شهادة الدكتوراه في أطروحته بعنوان: "تفسير عائشة أم المؤمنين"، وكانت هذه الأطروحة مؤلفة من ألف صفحة تقريبًا، واعتمدت على أكثر من ستِّمائة مصدر ومرجع.   فقد كان هذا دورَها في تفسير القرآن الكريم، ولها دورٌ آخر في الحديث كدورها في التفسير، فقد كانت مفسِّرة ومحدِّثة يعتمد عليها المفسرون في جانب التفسير، ويعتمد عليها المحدِّثون في جانب الحديث.   ولهذا السر ولهذه الحكمة أمر الله - سبحانه - نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوَّج من عائشة - رضي الله عنها - إذ إن زواجه منها كان بأمرٍ من الله - جل وعلا.   فعن عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رأيتكِ في المنام ثلاثَ ليالٍ، جاءني بك المَلَك في سَرَقةٍ من حريرٍ (أي: في قطعة من الحرير الجيد)، فيقول لي: هذه امرأتك، فأكشفُ عن وجهكِ فإذا أنتِ هي، فأقول: إن يك هذا من عندِ الله يُمضِه))؛ رواه الشيخان والترمذي، ولفظه: جاء جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - بصورة عائشةَ في خرقةِ حريرٍ خضراء، فقال: إنَّ هذه زوجتُك في الدنيا والآخرة.   وفي أصول العقيدة الإسلامية أن الله - سبحانه - كان قادرًا على أن يعصم محمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - من كل خطأ غير متعمَّد، ومن كل سهو، كما عصمه من كل ذنب، لكنهم قالوا: إن في جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقعُ في خطأ أو سهو تشريعًا للناس؛ لأنه لو لم يُخطِئ أو يَسْهُ، لما علِم الناس ماذا يصنعون إذا وقعوا في مثل هذا الخطأ أو السهو، فقالوا مثلاً: إن سهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة تشريعٌ للناس وتعليم لهم كيفية سجود السهو؛ لأن دلالة الفعل أوضح وأقوى من دلالة القول.   ونقول استنادًا إلى ذلك: إن زواجه - صلى الله عليه وسلم - كانت الغاية منه تعليم الناس كيف يكون الزواج، وكيف تكون معاملة الزوجين، حتى تقبيله - صلى الله عليه وسلم - لزوجاته كان تشريعًا وتعليمًا لهم، فقد سُئِلت عائشة مثلاً - رضي الله عنها - بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل الصائم في رمضان إذا قبَّل زوجته وهو صائم: أيفطر أم لا؟   فأجابت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبِّل إحدى زوجاته وهو صائم، فقيل لها: أأنت كنت تلك الزوجة؟ فابتسمت - رضي الله عنها.   كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإن تزوَّج عائشة - رضي الله عنها - وهو كبير السنِّ، إلا أنه لم يزل يتمتع حتى وفاته بنشاط الشباب وقوته، وكان أجمل رجال قريش، وكانت كل شابَّة وهو في ذلك العمر تتمنَّاه، فلم ترد أية إشارة في السنة أو السيرة أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تحسُّ بالغبن، لأنها تزوجت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل تجد نفسَها محسودةً على زواجها منه، والدليل على ذلك أنها كانت تغارُ عليه من نساء كثيراتٍ طلبن منه أن يتزوجهن، قال ابن كثير في تفسيره: "والغرض من هذا أن اللائي وهبن أنفسهن للنبي - صلى الله عليه وسلم - كثير، كما قال البخاري...
وعن عائشة قالت: كنت أغار من اللائي وهبن أنفسَهن للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأقول: أتهبُ المرأة نفسها؟"[1].   وفي تفسير ابن كثير أيضًا أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوَّج واحدة من هؤلاء النسوة اللواتي طلبن الزواج منه، على الرغم من أن ذلك كان مباحًا له بأمرٍ من الله - سبحانه.


[1] تفسير ابن كثير.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣