أرشيف المقالات

فوائد العلم بأسباب النزول

مدة قراءة المادة : 33 دقائق .
2فوائد العلم بأسباب النزول   مقدمة: يعتبر علم أسباب النزول من علوم القرآن المهمة، التي لا يمكن الاستغناء عنها في تفسير كلام الله - جل في علاه - وذاك لأن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب، كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - في مقدمة التفسير.   وهو من الشروط المفروضة، والعلوم المحفوظة، لمن رام تفسير القرآن، كما بيَّنه غيرُ واحد من الأعلام، كالإمام السيوطي في الإتقان، والإمام الزركشي في البرهان - عليهم رحمة العلي المنان.   ولأهمية هذا العلم؛ فقد كان محطَّ اهتمام وتأليف منذ القدم، يقول الإمام السيوطي - رحمه الله تعالى -: أفرده بالتصنيف جماعة، أقدمهم علي بن المَدِينِي شيخ البخاري، ومن أشهرها كتاب الواحدي، على ما فيه من إعواز، وقد اختصره الجعبري، فحذف أسانيده، ولم يزد عليه شيئًا، وألَّف شيخ الإسلام أبو الفضل بن حجر كتابًا مات عنه مُسْوَدَّةً، فلم نقف عليه كاملاً، وقد ألفْتُ فيه كتابًا موجزًا محرَّرًا لم يؤلَّف مثله في هذا النوع سميته: "لباب النقول في أسباب النزول"؛ الإتقان في علوم القرآن: 1/ 87.   ولعل كتاب ابن حجر الذي أشار إليه الإمام السيوطي هو "العجاب في بيان الأسباب"، والعلم عند الله.   ومن الكتب التي أُلِّفَت في هذا الموضوع: الاستيعاب في بيان الأسباب، والصحيح المسند من أسباب النزول، للعلامة اليمني مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله تعالى - وإرشاد الرحمن لأسباب النزول.   وقد عدَّه الإمام الزركشي النوع الأول من علوم القرآن في كتابه البرهان، فقال: "النوع الأول: معرفة أسباب النزول"، وذكره الإمام جلال الدين السيوطي - رحمه الله تعالى - في النوع التاسع.   تعريف أسباب النزول: ينقسم القرآن من حيث النزول إلى قسمين: ابتدائي وسببِي: فالابتدائي: هو ما نزل ابتداء دون سبب من واقعة أو حدث، وهذا هو الغالب؛ فمعظم القرآن نزل ابتداء.   لكن هذا لا ينفي أن يكون هذا القسم نزل لأسباب يمكن التعبير عنها بأنها أسئلة بلسان الحال، وهي حاجة الناس إلى تقرير أصول الاعتقاد الصحيح الذي به فلاحهم وسعادتهم في الدارين، وكذا ترسيخ أصول الأخلاق والآداب السامية التي لا يتصور نهضة أمة أو رُقِيُّها بدون التخلق أو التأدب بها، وكذا بيان أصول المعاملات التي تحفظ حقوق الناس في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وعقولهم، وتنظم علاقاتهم فيما بينهم أفرادًا وجماعات وشعوبًا.   السببي: هو ما نزل لسبب؛ بيانًا لحكم واقعة حدثت، أو جوابًا لسؤال أو أسئلة طرحت، أو رَدًّا على شبهة أُلْقِيَتْ.   وقد نقل الإمام السيوطي في الإتقان عن الجعبري قوله: "نزول القرآن على قسمين: قسم نزل ابتداء، وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال"؛ الإتقان في علوم القرآن: 1/ 59.   معنى أسباب النزول: أسباب النزول يقصد بها الوقائع والأحداث التي وقعت في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزل القرآن الكريم للتحدث عنها، أو لبيان أحكامها، سواء كان هذا البيان أثناء وقوع الحادثة، أو بعده، أو قبله، وكذا ما نزل جوابًا على سؤال، فالسبب يكون إما: • حادثةً وقعت تحتاج إلى بيان: ومن الأمثلة: قوله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66].   قال الإمام الطبري - رحمه الله تعالى - في تفسيره: حدثنا الحارث قال: حدثنا عبدالعزيز قال: حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب وغيره، قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى قُرَّاءَنَا هؤلاء إلا أرغَبَنَا بطونًا، وأكذَبَنَا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء! فرُفع ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما كنا نخوض ونلعب! فقال: ((﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [التوبة: 65] إلى قوله: ﴿ مُجْرِمِينَ ﴾)) [التوبة: 66]، وإنَّ رِجْلَيْهِ لَتَنْسِفَانِ الحجارة، وما يلتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متعلق بنسْعَةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم.   • أو فعلاً واقعًا يحتاج إلى معرفة حكمه: مثاله: قوله تعالى: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].   • أو سؤالاً ينزل القرآن بجوابه: فأسباب النزول يقصد بها كذلك ما نزل من القرآن جوابًا على أسئلة تُطْرَح، وقد يكون السؤال من مسلم؛ كالأسئلة التي يلقيها الصحابة - رضي الله عنهم - على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كقوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222]، و﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ﴾ [الأنفال: 1] و﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ [البقرة: 189].   أو مِنْ مشرك؛ كقوله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ [يس: 78]، روى الإمام ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن العاصي بن وائل أخذ عظمًا من البطحاء ففتَّه بيده، ثم قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيحيي الله تعالى هذا بعد ما أرى؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم، يميتك الله ثم يحييك، ثم يدخلك جهنم))، قال: ونزلت الآيات من آخر" يس"؛ تفسير ابن أبي حاتم: 10/ 3203.   وفي رواية أن السائل أبَيُّ بن خلف، لكنَّ العلاَّمة مقبل الوادعي - رحمه الله تعالى - اكتفى بذكر الرواية الأولى في مسنده ص: 174.   وقد يكون السؤال عن أمر ماضٍ؛ كالسؤال عن ذي القرنين: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ﴾ [الكهف: 83]، أو عن أمر حاضر؛ نحو قوله - جل وعلا -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، أو عن أمر مستقبل؛ مثل قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾ [الأعراف: 187].   فوائد معرفة أسباب النزول: يعتبر العلم بأسباب النزول من أصول التفسير المهمة، وركائزه المتينة، التي لا بد لمن رام التصدر لتفسير كلام الله تعالى أن يكون مُلِمًّا بها، يقول الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى -: "التفسير علم يُفهَم به كتاب الله المنزَّل على نبيه محمد، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه، واستمداد ذلك من علم اللغة، والنحو، والتصريف، وعلم البيان، وأصول الفقه، والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ"؛ البرهان في علوم القرآن: 1/ 13.
فعلم أسباب النزول من الأهمية بمكان، وكيف لا يكون كذلك وهو بحث تاريخي يبين الأحوال والملابسات التي نزلت فيها كثير من آيات القرآن الكريم؟ لذا كان لهذا العلم الفوائد العظيمة، والثمرات الجليلة، خلافًا لمن يزعم أنْ لا فائدة تحته، وفي هذا المعنى يقول العلامة الزركشي: "وأخطأ من زعم أنه لا طائل تحته؛ لجريانه مجرى التاريخ، وليس كذلك، بل له فوائد"؛ البرهان: 1/ 22.   فمن فوائد العلم بأسباب النزول: 1- معرفة الحكمة من التشريع، أو بعبارة أخرى: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم: فشرْعُ اللهِ تعالى للأحكام المختلفة مبْنِيٌّ على الحكمة، فهو الحكيم سبحانه في أقواله وأفعاله، خلافًا لمن ينفي صفة الحكمة عنه سبحانه، ويقول: إنه يفعل لمجرد المشيئة، كبعض الأشاعرة - تعالى الله علوًّا كبيرًا عما يقولون - بل إنه سبحانه لا يفعل إلا لحِكَم، ولا يشرع إلا لحِكَم، كما قال تعالى: ﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ﴾ [القمر: 5].
وعلم أسباب النزول يعين على معرفة الحكمة أو الحكم مما شرعه الله تعالى في كتابه، وفي ذلك نفْعٌ للمؤمن وغير المؤمن.
"أما المؤمن، فيزداد إيمانًا على إيمانه، ويحرص كل الحرص على تنفيذ أحكام الله، والعمل بكتابه؛ لما يتجلى له من المصالح والمزايا التي نيطت بهذه الأحكام، ومن أجْلِها جاء هذا التنزيل.   وأما الكافر، فتسوقه تلك الحكم الباهرة إلى الإيمان، إن كان منصفًا، حين يعلم أن هذا التشريع الإسلامي قام على رعاية مصالح الإنسان، لا على الاستبداد والتحكم والطغيان، خصوصًا إذا لاحظ سير ذلك التشريع، وتدرجه في موضوع واحد"؛ مناهل العرفان: 82. ومن الحِكَم التي يمكن استفادتها: • التيسير على الناس، ورفع الحرج عنهم. • بيان رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين. • رعاية المصالح العامة للمجتمع الإسلامي. • التدرج في التشريع. • تربية الله تعالى لهذه الأمة.   2- تخصيص الحكم بصورة السبب لمن يقول: إن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ: فمثلاً قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [النور: 6، 7]، هذه الآية نزلت في هلال بن أمية - رضي الله عنه - ففي صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بشَرِيك بن سَحْمَاء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((البيِّنة أو حَدٌّ في ظهرك))، فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً، ينطلق يلتمس البينة؟! فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((البينة وإلا حَدٌّ في ظهرك))، فقال هلال: والذي بعثك بالحق، إني لصادق، فليُنزِلَنَّ الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ [النور: 6] فقرأ حتى بلغ: ﴿ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 9]؛ صحيح البخاري: كتاب التفسير - باب تفسير سورة النور - ح رقم: 4470.   فعند من يقول: إن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، يجعل حكم الملاعنة الذي نزل في هذه الآية خاصًّا بهلال بن أمية فقط، أما غيره، فتعدية الحكم إليه يكون بالقياس أو بحديث: "حُكْمِي على الواحد حكمي على الجماعة".   ومن الأمثلة كذلك: قوله تعالى في صدر سورة المجادلة: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ [المجادلة: 1]، فقد ذكر المفسرون أنها نزلت في خولة بنت حكيم، جاءت تشتكي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- زوجها أوس بن الصامت الذي ظاهَرَها، فالحكم الذي ذكره الله تعالى في صدر هذه السورة خاص بخولة وأوس بن الصامت، وأما غيرهما، فيعرف حكمه بالقياس أو بالحديث.   وبَدَهِيٌّ أنه لا يمكن معرفة المقصود بهذا الحكم ولا القياس عليه، إلا إذا عُلِم السبب.   أما قول العلامة الزرقاني في مناهله: "وبدون معرفة السبب تصير الآية معطلة خالية من الفائدة"؛ 1/ 113، ففيه نظر، بل لا يجب أن يقال؛ لأن آيات القرآن هي من كلام الله، سواء علم السبب أم لم يُعلَم، وكلامه سبحانه لا يتصف بالتعطيل، بل كله فوائد وحِكَم، ويكفي أننا نتعبد بتلاوته في الصلاة وغيرها، ونؤجر عليه بكل حرف حسنة، وغير ذلك من الحكم.   تنبيه: بالنسبة لحديث: "حُكْمِي على الواحد حكمي على الجماعة"، فقد ذكره العلامة الزرقاني في مناهله، ويُكثِر مِنْ ذِكْرِهِ الأصوليون في كتبهم، وقد بحثت عنه فوجدته حديثًا لا يصح.
جاء في المقاصد الحسنة للإمام شمس الدين السخاوي - رحمه الله تعالى -: "ليس له أصل، كما قاله العراقي في تخريجه، وسئل عنه المِزِّي والذهبي فأنكراه"؛ 1/ 312.   3- معرفة أن سبب النزول لا يخرج عن حكم الآية إذا ورد مخصِّص له: فقد يكون اللفظ عامًّا ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته، فاللفظ العام يبقى شاملاً لسبب النزول بعد التخصيص؛ وذلك لأن دخول صورة السبب في اللفظ العام قطعي، فلا يجوز إخراجها بالاجتهاد الذي هو ظَنِّي، وقد نقل الإمام السيوطي عن أبي بكر الباقلاني الإجماع على ذلك.   4- فهم كلام الله تعالى على الوجه الصحيح، وإزالة ما قد يقع من الإشكال أو الالتباس في فهم بعض الآيات: ولعل هذه الفائدة من أهم فوائد العلم بأسباب النزول، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب"؛ مقدمة التفسير.   ونقل الإمام الزركشي في برهانه عن أبي الفتح القشيري قوله: "بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز"؛ البرهان: 1/ 40.   ويقول الإمام أبو الحسن الواحدي كما نقل عنه الإمام السيوطي في الإتقان: "لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها".   وقال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن؛ الإتقان: 1/ 88.   ولا بأس من ذكر أمثلة تبيِّن هذه الفائدة الجليلة من فوائد علم أساب النزول: المثال الأول: قوله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].
قال أسلم أبو عمران: "غزونا من المدينة نريد القسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل منا على العدو، فقال الناس: مه مه! لا إله إلا الله! يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب الأنصاري: إنما تَأَوَّلُونَ هذه الآية هكذا، أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو يبلي من نفسه؟! إنما نزلتْ هذه الآية فينا - معشر الأنصار - لما نصر الله نبيه، وأظهر الإسلام، قلنا بيننا خفيًّا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195].
فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها، ونَدَع الجهاد".
رواه أبو داود، وابن أبي حاتم، وصححه الحاكم والذهبي، وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة تحت رقم: 13. يقول العلامة الألباني - رحمه الله تعالى -: "واعلم أن هذا التكثر المفضي إلى الانصراف عن القيام بالواجبات، التي منها الجهاد في سبيل الله - هو المراد بالتهلكة المذكورة في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195].
وفي ذلك نزلت الآية، خلافًا لما يظن كثير من الناس"؛ السلسلة الصحيحة: 1/ 11.   المثال الثاني: رُوِي في الصحيح أن مروان بن الحكم أشكل عليه معنى قوله تعالى: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 188].   وقال: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي، وأحبَّ أن يحمَدَ بما لم يفعل - معذبًا، لنعذبَنَّ أجمعون.   وبقي في إشكاله هذا حتى بيَّن له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب، حيث قال: "وما لكم ولهذه؟! إنما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- يهود، فسألهم عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم، ثم قرأ ابن عباس الآية"؛ متفق عليه، واللفظ للبخاري ح رقم: 4568، وبذلك زال الإشكال عنه، وفهم مراد الله من كلامه هذا ووعيده.   المثال الثالث: روى الإمام البخاري بسنده عن الزهري عن عروة قال: سألت عائشة - رضي الله عنها - فقلت لها: أرأيتِ قول الله: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾ [البقرة: 158]، فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت: بئس ما قلتَ يا بن أختي؛ إن هذه لو كانت كما أولتَها عليه، كانت: لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يُهِلُّون لمناةَ الطاغيةِ التي كانوا يعبدونها عند المُشَلَّل، فكان مَنْ أَهَّلَ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، قالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158] الآية، قالت عائشة - رضي الله عنها -: وقد سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف؛ صحيح البخاري: 1644.   5- معرفة اسم من نزلت فيه الآية، وتعيين المبهم فيها: من فوائد معرفة أسباب النزول معرفة من نزلت فيه الآية على التعيين؛ حتى لا يشتبه، ومن أمثلة ذلك أن مروان قال: إن عبدالرحمن بن أبي بكر هو الذي أُنْزِلَ فيه: ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي ﴾ [الأحقاف: 17]، فردَّتْ عليه عائشة - رضي الله عنها - وقالت: والله ما هو به، ولو شئْتُ أن أسميه لسميته".   ففي الصحيحين عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية، فخطب يذكر يزيد بن معاوية؛ لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبدالرحمن بن أبي بكر شيئًا، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة، فلم يقدروا، فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه: ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي ﴾ [الأحقاف: 17]، فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئًا من القرآن، إلا أن الله أنزل عُذري.
وفي رواية النسائي: لما بايع معاوية لابنه، قال مروان: سُنَّة أبي بكر وعمر، فقال عبدالرحمن بن أبي بكر: سُنَّة هِرَقْل وقيصر، فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه: ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي ﴾ [الأحقاف: 17]، فبلغ ذلك عائشة، فقالت: كذب، والله ما هو به ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن مروان، ومروان في صلبه، فمروان فضض من لعنة الله؛ سنن النسائي:11427 - بترقيم شعيب الأرناؤوط.
  6- دفع توهم الحصر: فالآية قد تفيد بظاهرها الحصر، لكن سبب النزول يدفع هذا التوهم، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145].   يقول العلامة عبدالعظيم الزرقاني - رحمه الله تعالى -: "ذهب الشافعي إلى أن الحصر في هذه الآية غير مقصود، واستعان على دفع توهمه بأنها نزلت بسبب أولئك الكفار الذين أبوا إلا أن يُحرِّموا ما أحل الله ويُحِلوا ما حرم الله؛ عنادًا منهم، ومحادَّة لله ورسوله، فنزلت الآية بهذا الحصر الصوري مشادة لهم، ومحادَّة من الله ورسوله، لا قصدًا إلى حقيقة الحصر.   نقل السبكي عن الشافعي أنه قال ما معناه: إن الكفار لما حرَّموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة، جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلاً منزلة من يقول لك: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا حلاوة، والغرض: المضادة، لا النفي والإثبات على الحقيقة، فكأنه تعالى قال: لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، ولم يقصد حل ما وراءه؛ إذ القصد إثبات التحريم، لا إثبات الحل" ا هـ.   وقد نقل هذا الكلامَ الإمام السيوطي - رحمه الله تعالى - دون عزو.   7- بيان أن القرآن نزل من عند الله - جل وعلا -: فكون النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سئل عن شيء من أمور الغيب الماضي أو المستقبل ينتظر فترة ثم يجيب، أو تحدُث واقعة فيأتيه بيانها وحكمها، كل هذا يدل دلالة قوية على أن هذا القرآن الكريم من عند عالم الغيب - سبحانه وتعالى.   ولْنَضرِبْ مثالين على هذا: المثال الأول: قال الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - في صحيحه: "حدثنا عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم قال: كنت مع عمي، فسمعت عبدالله بن أُبَي ابن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، ولئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذلَّ، فذكرتُ ذلك لعمي، فذكر عمي للنبي -صلى الله عليه وسلم- فدعاني فحدثته، فأرسل إلى عبدالله بن أُبَي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، وكذبني النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدَّقهم، فأصابني غمٌّ لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي، وقال عمي: ما أردْتَ إلا أن كذبك النبي -صلى الله عليه وسلم- ومقتك! فأنزل الله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ﴾ [المنافقون: 1]، وأرسل إليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرأها وقال: ((إن الله قد صدقك))؛ صحيح البخاري: 4904.   فالرسول -صلى الله عليه وسلم- كذَّب في بداية الأمر زيد بن أرقم - رضي الله عنه - حتى نزل القرآن، فتبين له صدقُهُ، وكذب كبير المنافقين عبدالله بن أُبي - عليه لعنة الله - مما يدل على أن هذا القرآن ليس من تأليفه -صلى الله عليه وسلم- ولا من تأليف غيره من البشر، بل هو من عند عالم الغيب الذي لا تخفى عليه خافية.   المثال الثاني: روى الإمام ابن جرير في تفسيره بسنده عن أبي العالية أن خويلة ابنة الدليج أتت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وعائشة تغسل شقَّ رأسه، فقالت: يا رسول الله، طالت صحبتي مع زوجي، ونَفَضْتُه بطني، وظاهَرَ مني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حَرُمْتِ عَلَيْهِ))، فقالت: أشكو إلى الله فاقتي، ثم قالت: يا رسول الله، طالت صحبتي، ونفضْت له بطني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حَرُمْتِ عَلَيْهِ))، فجعل إذا قال لها: ((حرمْتِ عليه))، هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي، قال: فنزل الوحي، وقد قامت عائشة تغسل شقَّ رأسه الآخر، فأومأت إليها عائشة أنِ اسكتي، قالت: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السُّبات، فلما قضى الوحي، قال: ((ادْعي زَوْجَكِ))، فَتَلاها عَلَيْهِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ﴾ [المجادلة: 1] إلى قوله: ﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ﴾ [المجادلة: 3]: أي يرجع فيه ﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ﴾ [المجادلة: 3]: ((أَتَسْتَطِيعُ رَقَبَةً؟))، قال: لا، قال: ﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ﴾ [المجادلة: 4]، قال: يا رسول الله، إني إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرَّات خشيت أن يعشو بصري، قال: ﴿ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾ [المجادلة: 4]، قال: ((أتَسْتَطيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟))، قال: لا يا رسول الله، إلا أن تعينني، فأعانه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأطعَم؛ جامع البيان في تأويل آي القرآن: 23/ 219.   وفي رواية عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعُه كلَّ شيء؛ إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى عليَّ بعضُه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي تقول: يا رسول الله، أَكَلَ شبابي، ونثرْتُ له بطني، حتى إذا كبِرت سني، وانقطع ولدي، ظاهَرَ مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [المجادلة: 1]؛ صحيح ابن ماجه وغيره.   والملاحظ من خلال الروايتين اختلاف اسم المجادِلَة التي اشتكت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد ذكر هذا الاختلافَ الإمامُ الطبري في جامع البيان، يقول - رحمه الله تعالى -: واختلف أهل العلم في نسبها واسمها، فقال بعضهم: خولة بنت ثعلبة، وقال بعضهم: اسمها خُوَيلة بنت ثعلبة، وقال آخرون: هي خويلة بنت خويلد، وقال آخرون: هي خويلة بنت الصامت، وقال آخرون: هي خويلة ابنة الدليج.   وعودًا على بدء، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتبين له الحكم الصحيح في مسألة الظهار إلا بالوحي، وهذا مما يدل على أن القرآن الكريم إنما هو تنزيل من الله تعالى.   8- بيان عناية الله تعالى برسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- في الدفاع عنه: فمن فوائد معرفة أسباب النزول ظهور عناية الله - جل جلاله - بنبيِّه -صلى الله عليه وسلم- والدفاع عنه، ومن أمثلة ذلك: آيات الإفك التي نزلت دفاعًا عن فراشه -صلى الله عليه وسلم- وتطهيرًا له عما دنسه به المنافقون والأفاكون، وتبرئة لأحب وأعز أزواجه إليه؛ أم المؤمنين عائشة بنت الصديق - رضي الله عنها.   9- ظهور عناية الله سبحانه بعباده في تفريج كُرَبهم، والتخفيف عنهم: ومن أوضح الأمثلة على هذا الأمر، ما يتعلق بسبب نزول آية التيمم، ففي صحيح البخاري عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، انقطع عِقد لي، فأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التماسه وأقام الناسُ معه، وليسوا على ماءٍ، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعَتْ عائشة؛ أقامت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء! فجاء أبو بكر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- واضعٌ رأسَه على فخذي قد نام، فقال: حبسْتِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء! فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكانُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمموا، فقال أُسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثْنَا البعير الذي كنت عليه، فأصبنا العقد تحته"؛ صحيح البخاري: 334.   ففي هذا الحديث العظيم يتبين لنا فائدة جلية من فوائد علم أسباب النزول؛ حيث نلتمس عظم رحمة الله تعالى بعباده، ومدى عنايته بهم في إزالة غمومهم، وتفريج كربهم، والتخفيف عنهم.   10- تيسير حفظ القرآن الكريم: فإن معرفة أسباب النزول والحوادث والملابسات والقرائن التي احتفت بنزول الآيات، كل ذلك مما يساعد على فهم كلام الله تعالى، وتيسير الحفظ، وترسيخ الآيات في ذاكرة الإنسان، يقول العلامة الزرقاني - رحمه الله تعالى -: وذلك لأن ربط الأسباب بالمسببات،والأحكام بالحوادث، والحوادث بالأشخاص والأزمنة والأمكنة، كل أولئك من دواعي تقرُّر الأشياء، وانتقاشها في الذهن، وسهولة استذكارها عند استذكار مقارناتها في الفكر، وذلك هو قانون تداعي المعاني المقرر في علم النفس؛ مناهل العرفان: 1/ 113.   المراجع: • جامع البيان في تأويل آي القرآن؛ للطبري. • الإتقان في علوم القرآن؛ للإمام جلال الدين السيوطي. • البرهان في علوم القرآن؛ للإمام بدر الدين الزركشي. • مناهل العرفان في علوم القرآن؛ للعلامة محمد عبدالعظيم الزرقاني. • مقدمة في التفسير؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية. • أصول في التفسير؛ للعلامة ابن عثيمين. • المقاصد الحسنة؛ للسخاوي. • السلسلة الصحيحة؛ للألباني. • صحيح البخاري. • السنن الأربعة.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢