أرشيف المقالات

خطوات نحو النصر والتمكين

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2خطوات نحو النصر والتمكين
لا يزال الحق والباطل في معركتهما المستمرة باستمرار الأزمان وبتعاقب الأجيال، لا تقف، ولن يزال الحق له الغلبة والنصر في النهاية، ولكن دائمًا هناك جولات بينهما، وباستقراء التاريخ تعرف دائمًا أن هناك قبل النصر والتمكين خطواتٍ نحو النصر والتمكين.   خطوة الفترة الهادئة: وهي الفترة التي تعتبر بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة، يعيش كل الناس منشغلين في هذه الخطوة بمأكلهم ومشربهم ونومهم، أيامهم متشابهة لا تكاد تجد فروقًا بين أيام الحياة، لا يُبالون مَنْ حَكَمَهُم، أو من يحكمهم، بل لا تشغلهم في الحياة إلا متطلباتهم وحياتهم الشخصية، وربما لا تشغلهم كثيرًا "سنحيا كرامًا" وتلك المصطلحات التي تشبهها، والتي ينادي بها أقل القليل في هذه الفترة.   خطوة الانفجار وبداية المعركة: في هذه الخطوة يتم إثارة قضية من قضايا الحق، وتخرج معركة الحق والباطل - التي ربما لم يكن يراها الكثيرون لفترة طويلة بارزة - إلى العلن؛ ليدافع عنها من يدافع، ويتخاذل من يتخاذل، وهنا تبدأ المعركة.   خطوة وضوح الأطراف: فبعد أن تظهر معركة الحق مع الباطل بكل وضوح، تكون هذه الخطوة التي يتم فيها استقطاب من الطرفين، فيميل مريدو الحق إليه، وينحرف مريدو الباطل عن الحق، وهذا يزيد من سخونة المعركة، ويدفع أهل الباطل في هذه الخطوة لفعل كل ما في وُسعهم من أساليب تُعَبِّر عن مسلكهم الباطل بكل فجاجة؛ ليستحوذوا على عقول وقلوب الناس، ويصطف في النهاية طرفان، طرف في صف الحق، وطرف حاد عنه، وصار مع الباطل.   خطوة الابتلاء والتمحيص: في هذه الخطوة يصل الباطل إلى قمة الطغيان والبطش والتنكيل بأهل الحق، وكل من ينصرهم ويقف في صفهم، وما من معركة إلا كانت هذه الخطوة محطة بدء لما يعقبها من مراحل التمحيص؛ وذلك لأن الله عز وجل جعل الابتلاء سُنَّة من سننه في مثل هذه المعارك؛ قال تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3] وذلك ليمحِّص الله عز وجل صفوف أهل الحق، ففي كل ابتلاء تثبُتُ فئة، وتهرب أخرى؛ فمن الناس من يخرج من صف الْحَق لمجرد توهُّم الابتلاء؛ قال تعالى: ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ﴾ [المائدة: 52]، وهكذا تمضي مراحل التمحيص حتى تُنقَّى صفوف الحق من المنافقين والْمُرجفين وأنصار الباطل جميعهم؛ استعدادًا للمعركة الفاصلة.   خطوة تحقق أسباب الهزيمة عند أهل الباطل: وهي الأسباب المؤدية لهزيمتهم، ولا أتكلم هنا عن عتاد وقوة، بل عن ضعف إيمانهم ومعاداتهم للحق وأهله، وتسلُّطهم عليهم، ومحاربتهم إياهم، وتجبرهم وتكبرهم عليهم، وقتلهم وسحلهم، واستباحة أعراضهم، والتضييق الشديد على كل من يتحدث عن قضية الحق التي ينصرونها، بل وعدم السماح لأحد أن يسمع قضايا الحق التي يتبنونها حتى لا يكون معهم.   خطوة تحقق أسباب النصر عند أهل الحق: فأهل الحق لا يمتنعون عن خوض المعارك في الدفاع عن الحق لقلة العدد والعتاد، ثم يلجؤون إلى الاستكانة بين يدي جلاَّديهم، لا يصدعون حتى بقول الحق، ولو قولاً فقط في وجوههم، ولا يعتمدون كل الاعتماد على قياس الأسباب في النصر، دون الالتفات إلى التوكل على الله، وأَخْذ الأسبابِ المستطاعة، ثم الانطلاق للدفاع عن الحق.   وأهل الحق لا يعادون إخوانهم ممن يقفون على ثغور الدفاع عن الحق؛ لأنهم ليسوا من جماعتهم أو حزبهم، ولا يذهبون بِذُلٍّ إلى أهل الباطل، يفرضون عليهم باطلهم، فيرضخون لهم دون أي مقاومة.   وأهل الحق لا يتوددون إلى القوي الظالم المتجبّر على أناس من أهل الحق؛ خشية أن يصيبهم ظُلْمُه وبطشه، ولا يرجفون كل الناس من حولهم ليصيبهم ما أصابهم من خوف وجزع، مُدَّعين أنهم يحمون دعوة هم أصلاً أكثر الناس تفريطًا في حقها.   وأهل الحق لا تُخْرس ألسنتهم إذا ما استُبِيحت أعراض النساء، وسُحلن، وضُرِبْن، وإذا ما سُجِن الرجال من إخوانهم، وإذا أصيب من أهل الباطل - ممن يخافونهم - أحدٌ، ذهبوا إليه مسرعين يدينون ويُحَرِّضون، وأهل الحق لا يُسَفِّهون أحلام أنصار الحق، ولا يقللون جهدهم – فضلاً عن تحقيره - مُدَّعين أنه لا فائدة في مسالك النصرة التي اتخذوها لنصرة الحق.   أهل الحق ينصرون الحق بإخلاص، مُتَّبعين منهج الحق لنصرته، وعندها يكونون قد استعدوا لخوض المعركة الفاصلة.   خطوة المعركة الفاصلة: وهي المعركة التي يستوفي فيها أهل الحق أسبابَ النصر من الإخلاص لله، والاتباع لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل على الأرض، والأخذ بالأسباب المستطاعة أمام أهل الباطل الذين هم أيضًا استوفوا أسباب الهزيمة جميعها، وفي هذه المعركة يُنصَر أهل الحق نصرًا مؤَزَّرًا بأمر الله.   فيا أهل الحق، استعينوا بالله، وأخلِصوا، واتَّبِعوا واعملوا؛ حتى تنالوا نصرًا عزيزًا من الله عز وجل.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير