أرشيف المقالات

حدث في السنة الثامنة من الهجرة (4)

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2حدث في السنة الثامنة من الهجرة (4)   8- وفي جُمادى الآخرة من هذه السنة: كانت سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل، فنصرهم الله. الشرح: جهز النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه السرية لتأديب قُضاعة، التي غرَّها ما حدث للمسلمين في مؤتة فتجمعت للإغارة على المدينة، فعلم بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فجهَّز جيشًا قوامه ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار بقيادة عمرو بن العاص - رضي الله عنه -.   ومضى الجيش يسير الليل ويكمن النهار حتى إذا قرب من القوم بلغه أن لهم جمعًا كثيرًا، فبعث عمرو - رضي الله عنه - رافعَ بن مَكيث الجهني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستمدَّه، فبعث إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا عُبيدة بن الجراح في مائتين فيهم أبو بكر وعمر، وعقد له لواءً.   ونزل الجيش على ماء لقبيلة جذام يقال له: السلسل.   وبذلك سُمِّيت ذات السلاسل، وقيل سُمِّيت بذلك لأن المشركين ارتبط بعضهم ببعض مخافة أن يفروا – وهذا المكان الذي نزلوا فيه بينه وبين المدينة عشرة أيام.   فحمل المسلمون عليهم فهربوا في البلاد، وتفرقوا، وبعث عمرو عوفَ بن مالك الأشجعي بريدًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بقفولهم وسلامتهم وما كان في غزاتهم[1].   9- وفي هذه السرية أجنب عمرو بن العاص، فتيمم من شدة البرد، فأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الشرح: يقول عَمْرُو بن الْعَاصِ - رضي الله عنه -: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ فأَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأصحابي الصُّبْحَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: "يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟"، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ الله يَقُولُ: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، فَضَحِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا[2].   10- وفي شعبان من هذه السنة: كانت سرية أبي قتادة إلى خَضِرة وهي أرض مُحارب بنجدٍ فغنموا وأسروا. الشرح: قال ابن سعد - رحمه الله -: ثم سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى خضرة، وهي أرض مُحارب بنجد في شعبان سنة ثمان، قالوا: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا قتادة، ومعه خمسة عشر رجلاً إلى غطفان، وأمره أن يشنَّ عليهم الغارة، فسار الليل وكمن النهار، فهجم على حاضر منهم عظيم، فأحاط به، فصرخ رجل منهم: يا خضرة! وقاتل منهم رجال، فقتلوا من أشراف لهم، واستاقوا النعم، فكانت الإبل مائتي بعير والغنم ألفي شاة، وسَبَوْا سبيًا كثيرًا، وجمعوا الغنائم، وغابوا في هذه السرية خمس عشرة ليلة[3].   عَنْ عبد الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فَكُنْتُ فِيهَا، فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا[4].   وقيل: هذه السرية التي ذكرها ابن عمر - رضي الله عنهما - في الحديث المتقدم هي سرية أبي قتادة تلك[5].   11- وفي شعبان أيضًا من هذه السنة: كانت سرية ابن أبي حَدْرَد إلى الغابة، فقتلوا رئيس القوم، وغنموا. الشرح: عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلميِّ قال: تزوجتُ امرأة من قومي فأصدقتها مائتي درهم، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستعينه على نكاحي، فقال: "وكم أصدقْتَ؟" قلت: مائتي درهم يا رسول الله.
قال: "سبحان الله، لو كنتم إنما تأخذون الدراهم من بطن واد ما زدتُم! والله ما عندي ما أعينك به".   قال: فلبثتُ أيامًا، وأقبل رجل من بني جُشم بن معاوية يقال له رفاعة بن قيس، أو قيس بن رفاعة في بطن عظيم من جُشم، حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة، يريد أن يجمع قيسًا على حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال: وكان ذا اسم وشرف في جُشم، قال: فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجلين من المسلمين فقال: اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتونا به أو تأتونا منه بخبر وعلم، قال: وقدم لنا شارفًا عَجْفاء، فحُمل عليها أحدنا، فوالله ما قامت به ضعفًا، حتى دعَمَها الرجالُ من خلفها بأيديهم حتى استقلت، وما كادت، ثم قال: تبلغوا على هذه واعتقبوها.   قال فخرجنا ومعنا سلاحُنا من النبل والسيوف، حتى جئنا قريبًا من الحاضر عُشَيْشِيَة مع غروب الشمس، فكمنتُ في ناحية، وأمرتُ صاحَبيِّ فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم وقلتُ لهما: إذا سمعتماني قد كبَّرْتُ وشددتُ على العسكر، فكَبِّرَا وشُدَّا معي، قال: فوالله إنا لكذلك ننتظر أن نرى غِرَّة أو نُصيب منهم شيئًا، غَشِيَنا الليل حتى ذهَبتْ فحمةُ العشاء، وقد كان لهم راع قد سرح في ذلك البلد، فأبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه، قال: فقام صاحبهم ذلك رفاعة بن قيس، فأخذ سيفه فجعله في عنقه، ثم قال: والله لأتبعن أثر راعينا هذا ولقد أصابه شر، فقال نفر ممن معه: والله لا تذهب، نحن نكفيك.
فقال: والله لا يذهب إلا أنا.
قالوا: فنحن معك.
قال: والله لا يتبعني منكم أحد، قال: وخرج حتى مر بي، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده، فوالله ما تكلم، ووثبت إليه فاحترزتُ رأسه، ثم شددت في ناحية العسكر وكبرت، وشد صاحباي وكبرا، فوالله ما كان إلا النجاء ممن كان فيه عندك، بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم من أموالهم.
قال: فاستقنا إبلاً عظيمة وغنمًا كثيرة، فجئنا بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجئت برأسه أحمله معي.
قال: فأعانني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيرًا، فجمعت إليَّ أهلي.   وأما الواقدي، فذكر أن محمد بن سهل بن أبي حَثْمَة حدثه عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث ابن أبي حَدْرَد في هذه السرية مع أبي قتادة، وأن السرية كانت ستة عشر رجلاً، وأنهم غابوا خمس عشرة ليلة، وأن سهمانهم كانت اثني عشر بعيرًا يُعْدَلُ البعير بعشر من الغنم وأنهم أصابوا في وجوههم أربع نسوة، فيهن فتاة وضيئة، فصارت لأبي قتادة، فكلم محمية بن الجزء فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا قتادة عنها فقال: اشتريتها من المغنم، فقال: هَبْها لي، فوهبها له، فأعطاها رسول الله محميةَ بن جزء الزُّبَيْديّ[6].   (الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)


[1] انظر هذه السرية "سيرة ابن هشام"، "الطبقات" 2/131، "زاد المعاد" 3/340-342. [2] صحيح: أخرجه أبو داود (334)، كتاب: الطهارة، باب: إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم؟. [3] "الطبقات الكبرىٰ" مختصرًا. [4] متفق عليه: أخرجه البخاري (4338)، كتاب: المغازي، باب: السرية التي قِبَل نجد، ومسلم (1749)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الأنفال. [5] انظر: "الطبقات" 2/132. [6] "تاريخ الطبري" 3/20، 21، من رواية بن إسحاق بسند صحيح، لولا عنعنة ابن إسحاق.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢