أرشيف المقالات

في معنى " الحديث " لغة واصطلاحا وما يتصل به

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2في معنى " الحديث " لغة واصطلاحا وما يتصل به
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومَن تَبِع هداه، أما بعد، فهذه مذكِّرة موجزة في "علم الحديث"، انتخبتها من المؤلفات في هذا العلم قديمًا وحديثًا؛ ضارعًا إلى الله جل علاه، أن ينفع بها، كما نفع بأصولها، إنه سميع قريب.   مقدمة في معنى "الحديث" لغة واصطلاحًا، وما يتَّصِل به: الحديث في لسان العرب: الجديد من الأشياء، نقيض القديم؛ ويُطلَق على الكلام، قليله وكثيره؛ لأنه يحدث ويتجدَّد شيئًا فشيئًا، وجمعه أحاديث.   وأما الحديث في اصطلاح علمائه، فهو: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم: من قول أو فعل، أو تقرير، أو وصف خَلْقي أو خُلُقي.   ومعنى التقرير: أن يقول أحدٌ أمامه صلى الله عليه وسلم قولاً، أو يفعل فعلاً، فلا يُنكِره عليه؛ أو لا يكون أمامه، ولكن يَبلُغه فيسكت عليه، فسكوته هذا تقرير له، يَكتسِب به صفة الشرعيَّة؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه، لا يُقِر أمرًا غير مشروع.   أما صفاته الخَلقِيَّة، فمِثْل ما ورد في الأحاديث: من كونه أبيض الوجه مُشربًا بحمرة، وأنه ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد، وأنه إذا مشى فكأنما ينحطُّ من صَبب؛ أي: مكان مُنحدِر.   وأما صفاته الخُلُقيَّة، فكما ثبت من أنه صلوات الله وسلامه عليه كان أجود الناس، وأشجع الناس، وأشدهم تواضعًا وعطفًا على الفقراء والمساكين، والأرامل واليتامى! وأعظمهم حِلمًا وعفوًا، مع قدرته على العقوبة، وأنه ما كان يُواجه أحدًا بما يكره، إلى غير ذلك من مكارم الأخلاق التي بعثه الله بها ليُتمها.   والحديث بهذا المعنى خاص بالمرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، على ما ذهب إليه كثير من المحدِّثين وجَروا عليه في كتبهم.   ومن العلماء من يُدخِل في تعريف الحديث أقوالَ الصحابة والتابعين وأفعالهم، ولعل هذا أَوْلى بالقَبُول وأجدر؛ ويشهد له صنيع جمهور المحدِّثين؛ فقد جمعوا في كتبهم بين أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته؛ وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم، ويأتي قريبًا ما يُعزِّز هذا القول ويؤكِّده في تعريف الحافظ والحجة.   ألفاظ تدور بين المحدِّثين: ويتَّصِل بلفظ "الحديث" ومعناه، ألفاظ دارت بين المحدثين، ينبغي الوقوف على معناها، لطلاب العلم عامة، وللراغبين في "علم الحديث" خاصة، منها: الخبر، والأثر، والسُّنة، والمتن، والسند، والإسناد، والمُسنَد، والمُسنِد، والمحدِّث، والحافظ، والحجة، والحاكم: فالخبر: مُرادِف للحديث بالمعنى الأول الذي ذهب إليه كثير من المحدِّثين كما أسلفنا، وقيل: إنهما متباينان؛ فالحديث ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والخبر ما جاء عن غيره؛ وقيل: إن الخبر أعم من الحديث؛ لشموله ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غيره؛ والحديث خاص بما جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه.   والأثر: الحديث الموقوف على الصحابي؛ وقيل: الحديث مطلقًا؛ مرفوعًا أو موقوفًا.   والسنة مرادفة للحديث بالمعنى المتقدِّم؛ وقيل: الحديث خاص بقوله صلى الله عليه وسلم وفِعْله، والسنة أعم.   والمتن: غاية ما ينتهي إليه السند من الكلام.   والسند: الطريق الموصل إلى المتن؛ أي: الرواة الموصلون إليه.   والإسناد: رفْع الحديث لقائله، وقيل: إنه بمعنى السند.   والمسنَد - بفتح النون -: ما اتَّصَل سنده من أوَّله إلى منتهاه، ولو كان موقوفًا.   وقيل: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً، متصلاً أو منقطعًا، ويُطلَق المسنَد أيضًا على الكتاب الذي جُمِع فيه مرويات الصحابي.   والمسنِد - بكسر النون -: من يروي الحديث بإسناده.   والمحدِّث: من يتحمَّل الحديثَ، ويعتني به رواية ودراية.   والحافظ: من يحفظ مائة ألف حديث متنًا وإسنادًا ولو بطرق متعددة، أو يعي ما يحتاج إليه.   والحجة: من أحاط بثلاثمائة ألف حديث.   والحاكم: من أحاط بالسنة.   تنبيه: كثير من الأحاديث يُروى كل واحد منها بطرق متعددة، قد تبلُغ العشرة أو العشرين أو تزيد، ويُعَد كل طريق منها بمنزلة حديث مُستَقِل، مع أنها كلها تدور على حديث واحد؛ ويضاف إلى هذا أن المحدِّثين كانوا يُدخِلون في الأحاديث أقوالَ الصحابة والتابعين وأفعالهم وفتاواهم، وما أكثرها! فلا تَعجبوا بعد هذا إذا سمعتم أن الحُجَّة من أحاط بثلاثمائة ألف حديث، مع أن الموجود في كتب الأحاديث لا يَبلُغ نصف هذا المقدار! فتنبَّهوا لهذا التنبيه، ينفعْكم في مواطن كثيرة.   تعريف علم الحديث بقسميه ونشأته وتدوينه: اعلموا - علَّمكم الله - أن علم الحديث قسمان: علم الحديث دراية؛ وعلم الحديث رواية: فأما علم الحديث رواية: فهو علم يَشتمِل على نقْل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قولاً أو فعلاً، أو تقريرًا أو صفة؛ ويدخل في هذا العلم تاريخُ حياته صلى الله عليه وسلم ومغازيه وسيرته؛ وكل ما روي عنه قبل بعثته وبعدها.   وموضوعه: أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته.   وفائدته: الاحتراز عن الخطأ في نقل ما أضيف إليه صلوات الله وسلامه عليه، ومعرفة كيفية الاقتداء به في أفعاله وصفاته؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].   وفضله: أنه من أشرف العلوم قدرًا، وأرقاها شرفًا؛ إذ عليه تُبنى قواعد الأحكام الشرعية، وبه تَظهر تفاصيل ما أُجمِل في الآيات القرآنية.   وواضعه: محمد بن شهاب الزهري شيخ البخاري؛ أي: إنه أول مَن دوَّنه التدوين العام كما يأتي.   وحكمه: الوجوب الكفائي.   واستمداده: من أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته.   ونسبته: إلى غيره من العلوم التباين.   وغايته: الفوز بالسعادة الأبدية لمن اهتدى به، وتأدَّب بأدبه.   السُّنة المطهَّرة هي القِسْم الثاني من الوحي؛ لأن الوحي متلو، وهو القرآن الكريم، وغير متلو، وهو الحديث النبوي والحديث القدسي، وسيأتي إيضاح الفرق بينهما إن شاء الله.   والسنة ردء القرآن وظهيره؛ لأنها إما مقرِّرة ومؤكِّدة لما جاء فيه؛ وإما مبيِّنة ومفسِّرة له؛ وإما منشئة ومُثبِتة لحُكْمٍ سكت عنه القرآن، فتثبته السنة وتنشئه بطريق القياس على ما نص عليه، أو بتطبيق أصوله وقواعده العامة، وأحيانًا تَستَقِل السنةُ بالتشريع، كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، وحسبنا قوله - عز من قائل -: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، فقد جعل سبحانه أمر رسوله من أمره، ونهيه من نهيه، كما جعل سبحانه أقوالَ رسوله وأفعالَه وأحواله شارحةً لكتابه العزيز ومُبيِّنة له؛ فقال - وقوله الحق -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44].   انظر: الأعلام ص 16 وما بعدها، ومقدمة التدريب، والبخاري للدكتور الحسيني ص: 14، والناقد ص: 8 وما بعدها.   كلمة في نشأة هذا العلم وتدوينه: بدأ تدوين هذا العلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان من أصحابه رضي الله عنهم مَن يَكتُب ويُحدِّث بما كتب، ذكَر البخاري في صحيحه في كتاب العلم أن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما كان يكتب الحديث؛ وأن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول: ما من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر حديثًا عنه مني، إلا ما كان من عبدالله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب، وروى الإمام أحمد في المسند بإسناد صحيح أن عبدالله بن عمرو بن العاص كان يكتب كلَّ شيء يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهتْه قريش؛ لأنه كان عليه الصلاة والسلام يتكلَّم في الرضا والغضب، فذكر ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ((اكتب، فوالذي نفسي بيده، ما خرج مني إلا حق)).   ومن الأحاديث المروية: رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم وكتبه إلى الملوك والعظماء يدعوهم إلى الإسلام، كما كتب إلى هرقل عظيم الروم؛ وإلى المقوقِس عظيم القبط؛ وإلى أصحمة ملك الحبشة.   ومنها غير ذلك مما هو مدوَّن في موضعه، وانظروا: الناقد الحديث ص13- 15، وأعلام المحدِّثين ص 17- 18.   كان هذا التدوين محدودًا غير شائع لأمرين: للاعتماد على قوة حِفْظهم، وسيلان أذهانهم، وعدم توفُّر أدوات الكتابة فيهم.   ولما ورد من النهي عن كتابة الأحاديث، والإذن في كتابة القرآن؛ الأعلام ص16- 17، والبخاري، والناقد 14.



شارك الخبر

المرئيات-١