أرشيف المقالات

علاج العين والحسد والفرق بينهما

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
2علاج العين والحسد والفرق بينهما[1]
1- الحاسد أعم من العائن، فالعائن حاسد خاص، فكل عائن حاسد، وليس كل حاسد عائنًا؛ ولذلك جاء ذكر الاستعاذة في سورة الفلق من الحاسد، فإذا استعاذ المسلم من شر الحاسد دخل فيه العائن، وهذا من شمول القرآن وإعجازه وبلاغته[2].   2- الحسد يتأتى عن الحقد والبغض وتمني زوال النعمة، أما العين فيكون سببها الإعجاب والاستعظام والاستحسان.   3- الحسد والعين يشتركان في الأثر؛ حيث يسببان ضررًا للمَعِين والمحسود، ويختلفان في المصدر، فمصدر الحسد تحرُّك القلب، واستكثارُ النعمة على المحسود، وتمَنِّي زوالها عنه، أما العائن فمصدره انقداحُ نظرة العين؛ لذا فقد يصيب من لا يحسده من جماد، أو حيوان، أو زرع، أو مال، وربما أصابت عينه نفسَهُ، فرؤيته للشيء رؤية تعجُّب وتحديق، مع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المَعِين.   4- الحاسد يمكن أن يحسد في الأمر المتوقَّع قبل وقوعه، بينما العائن لا يَعِين إلا الموجود بالفعل.   5- لا يحسد الإنسان نفسه ولا ماله، ولكنه قد يَعِينُهما.   6- لا يقع الحسد إلا من نفس خبيثة حاقدة، ولكن العين قد تقع من رجل صالح، من جهة إعجابه بالشيء دون إرادة منه إلى زواله، كما حدث من عامر بن ربيعة، عندما أصاب سهلَ بنَ حنيف بعين، رَغْم أن عامرًا رضي الله عنه من السابقين إلى الإسلام، بل ومن أهل بدر، وممن فرَّق بين الحسد والعين ابنُ الجوزي، وابن القيم، وابن حَجَر، والنووي، وغيرهم - رحمهم الله جميعًا.   ويستحب للمسلم إذا رأى شيئًا فأعجبه أن يبرِّك عليه، بمعنى أن يدعوَ بالبركة، سواء كان هذا الشيء له، أو لغيره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سهل بن حنيف: ((ألاَ برَّكْتَ عليه؟))؛ أي: دعوْتَ بالبركة؛ لأن هذا الدعاء يمنع تأثير العين.   الجن يَعِينون الإنس: 1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان، ثم أعين الإنس، فلما نزلت المعوذتان أخذهما وترك ما سوى ذلك"[3].   2- وعن أمِّنا أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارة في وجهها سَفعة - بقعة سوداء - فقال: ((استرقوا لها؛ فإن بها النظرة))[4]، قال الفراء: قوله: سَفْعَة؛ أي: نظرة من الجن.   ومن هذين الحديثين يتبين لنا أن العين تقع من الجن، كما تقع من الإنس؛ ولذا يجب على كل مسلم أن يذكر اسم الله عندما يخلع ثوبه، أو ينظر في المرآة، أو يقوم بأي عمل؛ كي يدفع عن نفسه أذى الجن، من عين أو غيرها.   علاج العين: هناك عدة طرق لعلاج العين، أذكر منها: الطريقة الأولى: اغتسال العائن: إذا عُرِف العائنُ يؤمر بالاغتسال، ثم يؤخذ الماء الذي اغتسل فيه، ويُصَبُّ على المحسود من خلفه، فيبرأ بإذن الله تعالى.   فعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: "اغتسل أبي سهلُ بنُ حنيف بالخرار[5]، فنزع جبَّة كانت عليه، وعامرُ بن ربيعة ينظر إليه، وكان سهل شديدَ البياض، حسَن الجلْد، فقال عامر: ما رأيتُ كاليوم، ولا جِلْد مُخبَّأَة[6] عذراء، فوُعِك[7] سهل مكانه، واشتد وعكه، فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوعكه، فقيل له: ما يرفع رأسه، فقال: ((هل تتهمون له أحدًا؟)) قالوا: عامر بن ربيعة، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيَّظ عليه، فقال: ((علامَ يقتل أحدكم أخاه؟! ألا برَّكْتَ، اغتَسِلْ له))، فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلةَ إزاره في قَدَح، ثم صب عليه من ورائه، فبرأ سهل من ساعته"[8].   واختُلِف في داخلة الإزار، فقيل: المراد موضعه من الجسد، وقيل: المراد مذاكيره، وقيل المراد وَرِكه؛ إذ هو معقد الإزار.   قال القاضي ابن العربي: الظاهر والأقوى، بل الحق: أنه ما يلي الجسد من الإزار[9].   صفة الاغتسال: قال ابن شهاب الزهري - رحمه الله تعالى -: الغسل الذي أدركنا علماءنا يصفونه: أن يؤتى للرجل العائن بقَدَح، فيُدِخِل كفه فيه فيمضمض، ثم يَمُجُّه في القدح، ثم يغسل وجهه في القدح، ثم يُدخِل يده اليسرى، فيصب على كفه اليمنى في القَدَح، ثم يُدخِل يده اليمنى فيصب بها على كفه اليسرى صبة واحدة، ثم يُدخِل يده اليسرى، فيصب على مرفقه الأيمن، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه الأيسر، ثم يُدخِل يده اليسرى فيصُب بها على قدمه اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى فيصُبُّ بها على قدمه اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على ركبته اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى، ويصب بها على ركبته اليسرى، كل ذلك في قَدَح، ثم يُدخِل داخلة إزاره في القدح، ولا يوضع القدح في الأرض، فيصب على رأس الرجل الذي أصيب بالعين من خلفه صبةً واحدة؛ ا هـ[10].   مشروعية غسل العائن: 1- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((العين حق، ولو كان شيء سابقَ القَدَر لسبقَتْه العين، وإذا استُغْسِلَ أحدُكُم فليغْسِل))[11].   2- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يؤمر العائن، فيتوضأ، ثم يغتسل منه المَعِين"[12].   ومن هذين الحديثين وغيرهما تؤخذ مشروعية الوضوء، أو الاغتسال من العائن للمَعِين.   الطريقة الثانية: تضع يدك على رأس المصاب وتقول: بسم الله أَرْقِيك، والله يشفيك من كل داء يؤذيك، ومن كل نفس أو عينِ حاسدٍ، الله يشفيك، بسم الله أَرْقِيك [13].   الطريقة الثالثة: تضع يدك على رأس المصاب وتقول: بسم الله يُبْريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل ذي عين [14].   الطريقة الرابعة: تضع يدك على رأس المصاب وتقول: اللهم ربَّ الناس، أذهب الباس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا [15].   الطريقة الخامسة: تضع يدك على مكان الألم، وترقيه بسور: الإخلاص والفلق والناس[16].   الطريقة السادسة: تحضر إناء به ماء، وتقرأ عليه المعوذات، ثم تقول: اللهم ربَّ الناس، أذهب الباس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا 3 مرات.   بسم الله أرقيك، والله يشفيك من كل داء يؤذيك، ومن كل نفس أو عينِ حاسد الله يشفيك 3 مرات.   ثم يسكب الإناء على رأس المحسود مرة واحدة من خلفه؛ بحيث يعم الماء جميع جسده.   يَشْفى بإذن الله.   نماذج عملية لعلاج العين: النموذج الأول: طفل رفض ثدي أمه كنت في زيارة بعض الأقارب، فذكروا لي أن طفلاً عندهم قد رفض ثدي أمه، منذ عدة أيام، بعدما كان يرضع رضاعة طبيعية، فقلت لهم: أحضِروا الطفل، فأحضروه، فرَقَيْته بالمعوِّذات، وما تيسر من الأدعية الواردة، ثم قلت لهم: اذهبوا به إلى أمه، وجاؤوا في الحال يبشرونني أن الطفل قد التقم ثدي أمه، والفضل لله وحده، ولا حول ولا قوة إلا بالله.   النموذج الثاني: صبي يتوقف عن الكلام: كان صبيًّا فصيحًا بليغًا نجيبًا بارزًا بين زملائه في المرحلة المتوسطة، يتكلم باسمهم في المناسبات، ويتحدث إلى الناس في الحفلات، وفي يوم من الأيام توفي أحد أبناء قريته، فذهب هذا الصبي مع قبيلته للعزاء، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ألقى على الناس موعظة بليغة، فما أمسى تلك الليلة إلا أبكم لا يتكلم، فجزع أبوه، وذهب به إلى المستشفى، وقام الأطباء بإجراء التحليلات والإشاعات اللازمة، ولكن دون جدوى، فجاءني به، فلما رأيته كادت الدموع تذرف من عيني؛ لأنني أعرفه بنشاطه الإسلامي في المدرسة - لولا أن تمالكْتُ نفسي - وسألته، فقص أبوه القصة، والولد صامت، فعلمْتُ أن الولد أصيب بعين، فرقيته بالمعوِّذات، ثم قرأْتُ له على الماء رقية العين، وقلت لأبيه: يشرب ويغتسل من هذا الماء سبعة أيام ثم يأتيني، وبعد سبعة أيام جاءني الولد، وقد سُرِّي عنه، فأصبح فصيحًا كعادته، فعلَّمْتُه التحصينات التي يقولها في الصباح والمساء؛ لكي تُحصِّنَه ضد العين.   والحمد لله، ولا قوة إلا بالله.   النموذج الثالث: أمر عجيب! أما هذا الأمر، فقد حدث في بيتنا، والأمر باختصار أنه جاءني رجل وامرأة عجوز، فدخل الرجل عندي في المجلس يحكي لي قصة أمه، ودخلَتْ العجوز عند أهلي ثم استدعيتُها، فقرأْتُ عليها، ثم انصرفا، فنظرت في البيت فإذا فيه دود أبيض كثير جدًّا، فتعجبْتُ من ذلك، فقام أهلي بتنظيف البيت بالمكنسة، ولكن سرعان ما ظهر الدود مرة أخرى في كل الغرف، فقلت لأهلي: تعالَي نفكر في الأمر، ماذا قالت لك هذه العجوز؟ قالت: كانت تنظر إلى جوانب البيت، وتطيل النظر، لكن ما تتكلم بشيء - ففهمت أنها عين - رغم أن بيتنا متواضع جدًّا، ولكن لعل هذه العجوز تعيش في البدو، ولم تر الحضر قط، المهم أحضرت ماء، وقرأت عليه رقية العين، وقمت برشِّه في جوانب البيت، فسرعان ما اختفى الدود، وعاد البيت كما كان، والحمد لله الواحد الديان.


[1] راجع العين في المقالة السابقة، تأثير العين وكلام العلماء في حقيقتها. [2] راجع بدائع الفوائد 2/232، وزاد المعاد 4/167. [3] رواه الترمذي 2059 في الطب وحسنه، وابن ماجه 3511، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2830. [4] رواه البخاري 10/171، ومسلم 2197. [5] وادٍ من أودية المدينة. [6] أي: فتاة مُختبئة في خِدْرها. [7] أي: أصيب بمغْص شديد. [8] رواه أحمد والنسائي، وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الجامع 3908. [9] عارضة الأحوذي 8/217. [10] راجع السنن للبيهقي 9/252. [11] رواه مسلم 5/32. [12] رواه أبو داود 3880 بإسناد صحيح. [13] رواه مسلم 2186. [14] رواه مسلم 2186. [15] رواه البخاري في كتاب الطب، باب دعاء العائد للمريض، ومسلم في كتاب السلام باب استحباب رقية المريض. [16] رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب المعوذات.



شارك الخبر

المرئيات-١