أرشيف المقالات

قراءة البسملة في الصلاة

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2قراءة البسملة في الصلاة فوائد وأحكام من سورة الفاتحة (2)
وقع خلاف كبير في مسألة الجهر والإسرار بالبسملة قبل الفاتحة؛ وذلك لأن الفاتحة هي أم القرآن، ولا تصح الصلاة إلا بها.   عن أنس قال: صلَّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم)[1].   عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدَّثه قال: صلَّيت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بـ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة، ولا في آخرها[2].   قال الإمام النووي[3]: اعلم أن مسألة البسملة عظيمة مهمة، ينبنيعليها صحة الصلاة التي هي أعظم الأركان بعد التوحيد"[4].   وقال ابن العثيمين رحمه الله: في هذا خلاف بين العلماء؛ فمنهم مَن يقول: إنها آية من الفاتحة، ويقرأ بها جهرًا في الصلاة الجهرية، ويرى أنها لا تصح إلا بقراءة البسملة؛ لأنها من الفاتحة.   ومنهم مَن يقول: إنها ليست من الفاتحة؛ ولكنها آية مستقلة من كتاب الله؛ وهذا القول هو الحق؛ ودليل هذا: النص، وسياق السورة.   أما النص، فقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول: ((قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ قال: مجَّدني عبدي، وقال مرةً: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))، وهذا كالنص على أن البسملة ليست من الفاتحة.   وفي الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "صليتُ خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر؛ فكانوا لا يذكرون ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 1] في أول قراءة، ولا في آخرها"، والمراد لا يجهرون؛ والتمييز بينها وبين الفاتحة في الجهر وعدمه يدل على أنها ليست منها.   أما من جهة السياق من حيث المعنى: فالفاتحة سبع آيات بالاتفاق؛ وإذا أردتَ أن توزِّع سبع الآيات على موضوع السورة وجدت أن نِصْفَها هو قوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وهي الآية التي قال الله فيها: ((قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين))؛ لأن ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ واحدة.   • ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ الثانية. • ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ الثالثة، وكلها حق لله عز وجل. • ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ الرابعة؛ يعني: الوسط؛ وهي قسمان: قسم منها حق لله؛ وقسم حق للعبد. • ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ للعبد. • ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ للعبد. • ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ للعبد.   فتكون ثلاث آيات لله عز وجل وهي الثلاث الأولى، وثلاث آيات للعبد، وهي الثلاث الأخيرة، وواحدة بين العبد وربه، وهي الرابعة الوسطى، ثم من جهة السياق من حيث اللفظ، فإذا قلنا: إن البسملةَ آية من الفاتحة؛ لزم أن تكون الآية السابعة طويلة على قدر آيتين، ومن المعلوم أن تقارب الآية في الطول والقصر هو الأصل.   فالصواب الذي لا شك فيه أن البسملة ليست من الفاتحة، كما أن البسملة ليست من بقية السور[5].   وذكر ابن القيم في الهَدْي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم تارة، ويخفيها أكثر مما جهر بها، ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائمًا في كل يوم وليلة خمس مرات أبدًا حضرًا وسفرًا، ويخفى ذلك على خلفائه الراشدين، وعلى جمهور أصحابه، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا من أمحل المحال حتى يحتاج إلى التشبث فيه بألفاظ مجملة وأحاديث واهية؛ فصحيح تلك الأحاديث غير صريح، وصريحها غير صحيح"؛[6] انتهى.   وقال الألباني[7] في تمام المنة (ص 169): والحق أنه ليس في الجهر بالبسملة حديث صريح صحيح، بل صح عنه صلى الله عليه وسلم الإسرار بها من حديث أنس، وقد وقفت له على عشرة طرق، ذكرتها في تخريج كتابي "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم"، أكثرها صحيحة الأسانيد، وفي بعض ألفاظها التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر بها، وسندها صحيح على شرط مسلم، وهو مذهب جمهور الفقهاء، وأكثر أصحاب الحديث، وهو الحق الذي لا ريب فيه، ومَن شاء التوسع في هذا البحث فليراجع "فتاوى شيخ الإسلام"؛ ففيها مقنع لكل عاقل منصف".


[1] أخرجه مسلم برقم/ 605. [2] أخرجه مسلم برقم/ 606. [3] محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف الحوراني الشافعي، كان إمامًا بارعًا حافظًا أمَّارًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، تاركًا للملذات، ولم يتزوج، أتقن علومًا شتى، ولِيَ مشيخة دار الحديث الأشرفية، أفردت ترجمته في رسائل عديدة، وقد عدد ابن العطار - أحد تلاميذه - تصانيفه واستوعبها، ومن هذه التصانيف: تهذيب الأسماء واللغات والمنهاج في شرح مسلم، التقريب والتيسير في مصطلح الحديث، الأذكار، رياض الصالحين، وهو كتاب جامع ومشهور، المجموع شرح المهذب، الأربعون النووية، مختصر أسد الغابة في معرفة الصحابة، وغيرها. [4] المجموع للنووي 3/289-290 [5] المصدر: موقع الشيخ العثيمين - رحمه الله - التفسير: سورة الفاتحة - سورة البقرة - المجلد الأول. [6] زاد المعاد في هَدْي خير العباد لابن قيم الجوزية، الناشر: مؤسسة الرسالة - مكتبة المنار الإسلامية - بيروت - الكويت (1/194). [7] محمد ناصر الدين الألباني (1332هـ- 1914م، 1420هـ - 1999م)، شخصية إسلامية علمية فذة، وصاحب مدرسة متميزة في علم الحديث، أغنى الحقل العلمي بها، وقد أفاد - بعلمه الغزير ومؤلفاته ودروسه - عددًا كبيرًا من طلاب العلم ودارسي الحديث النبوي الشريف، ولد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني السوري الجنسية - رحمه الله - في أشقودرة بألبانيا، وتلقَّى تعليمه في دمشق على يدِ عددٍ من الشيوخ وكبار رجال العلم، حبب الله - سبحانه وتعالى - إليه علم الحديث النبوي الشريف، فعكف على دراسته طوال سني عمره، وتفوق فيه على جميع معاصريه، بدأ التأليف منذ مطلع شبابه، حتى بلغ عدد مؤلفاته أكثر من مائة كتاب، وطبع نحو سبعين منها؛ ومن أبرز كتبه: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، سلسلة الأحاديث الصحيحة، سلسلة الأحاديث الضعيفة، تحقيق كتاب مشكاة المصباح للتبريزي، صحيح الجامع الصغير وزياداته، ضعيف الجامع الصغير وزياداته، وغيرها من مؤلفات ومراجع لا غنى عنها لدارسي الحديث، حاز الألباني جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1419هـ، 1999م.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١