أرشيف المقالات

من دفع ماشية لشخص لتربيتها بجزء من نسلها

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2من دفع ماشية لشخص لتربيتها بجزء من نسلها
الأعيان المستفاد منها في المضاربة نوعان: النوع الأول: ما للعامل أثر في تنميته وتحصيل كسبه كأن يعمل على الدابة، أو الرقيق ليحصل من أجرته كسباً، فهذا يجوز المضاربة فيه بجزء مشاع معلوم من الربح.   النوع الثاني: ما ليس للعامل أثر في تنميته كالدر والنسل والصوف وعسل النحل ونحوه، فهل يجوز المضاربة به أو لا؟.
محل خلاف بين العلماء، وهو محل البحث هنا.   اختيار ابن تيمية: اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - جواز دفع دابته لمن يقوم عليها بجزء من درها ونسلها وصوفها، وكذا النحل بجزء من نتاجه، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [1].   أقوال العلماء في المسألة: القول الأول: لا يجوز. وهذا مذهب الحنفية [2]، وقياس مذهب المالكية [3]، والشافعية [4]، وهو مذهب الحنابلة في المشهور [5].   القول الثاني: أنه يجوز.   وهو رواية عن الإمام أحمد [6] اختارها ابن تيمية.   أدلة القول الأول: 1- قالوا: لأنه نماء حصل بغير عمل منه فلم تصح المضاربة عليه، والمضاربة هي مال وعمل له أثر في النماء، وعليه فله أجرة مثله، لا ربحاً مشاعاً من المضاربة [7].   ونوقش: أن العناية بالنحل والدابة عمل ساعد على النماء وزيادته، فكان له من ربحه.   2- أن منفعة الدابة لا تصلح مالاً للشركة كالعروض، فالشركة فاسدة، ولذا يعطى أجر مثله [8].   ونوقش: لا نسلم عدم صلاحيتها مالاً للشركة.   3- قالوا: هذه إجارة لا مضاربة، والإجارة هنا فاسدة للجهالة بمقدار الأجرة.   ونوقش: لا نسلم أنها إجارة بل هي مضاربة.   3- أن القراض شرع رخصة للحاجة، ولا حاجة هنا للقراض؛ لإمكان الاستئجار بأجرة معلومة [9].   ونوقش: لا نسلم أنه رخصة بل مباح بحكم الأصل.   أدلة القول الثاني: 1- أن هذه مضاربة صحيحة فيها عمل ومال، والعامل له تأثير في النماء، فاستحق نصيبه المتفق عليه، والمؤمنون على شروطهم، ومنعه من نصيبه يحتاج إلى دليل صريح، وأموال العباد مبنية على المشاحة.   2- أن بعض المخالفين سلم بجوازه في صور شبيهة كأن يدفع دابته ليعمل عليها والربح بينهما على ما شرطاه [10]، ومسألتنا مثلها، وتجويزهم لشيء ومنعهم من آخر نظير له تناقض.   الترجيح: والراجح - والله أعلم - هو القول الثاني: 1- لقوة أدلته وظهور حجته.   2- ضعف أدلة المخالفين ومناقشتها.   3- أن الأصل في الشروط والعقود الصحة، وعلى المانع الدليل.   ومن أسباب الخلاف في المسألة: ما رآه بعضهم من كون القراض رخصة شرع للحاجة.   ومن أسبابه ظن بعض الفقهاء أن هذه المسألة من أبواب الإجارة فلذا شرطوا العلم بالأجرة [11].   قال ابن تيمية: والشبهة التي منعت أولئك المعاملة: أنهم ظنوا أن هذه المعاملة إجارة، والإجارة لابد فيها من العلم بقدر الأجرة، ثم استثنوا من ذلك المضاربة لأجل الحاجة، إذ الدراهم لا تؤجر ا.هـ.
[12].
والله أعلم.


[1] انظر: مجموع الفتاوى: (30/ 114-115)، (29/ 78)، (25/ 62)، الفتاوى الكبرى: (5/ 403)، الاختيارات: (146)، المستدرك: (4/ 39)، الفروع: (4/ 395)، الإنصاف: (5/ 454-455)، مطالب أولي النهى: (3/ 544). [2] النظر: البحر الرائق: (5/ 198)، المبسوط: (11/ 218)، بدائع الصنائع: (6/ 65)، شرح فتح القدير: (6/ 194)، مجمع الأنهر: (1/ 728)، حاشية ابن عابدين: (4/ 351). [3] انظر: مواهب الجليل: (5/ 404)، حاشية الخرشي: (7/ 7)، حاشية الدسوقي: (4/ 10)، منح الجليل: (7/ 451). [4] انظر: مغني المحتاج: (2/ 421، 452)، شرح البهجة: (3/ 285)، تحفة المحتاج: (6/ 86)، نهاية المحتاج: (5/ 224)، حاشية الجمل: (3/ 514)، تحفة الحبيب: (3/ 192)، التجريد لنفع العبيد: (3/ 147). [5] انظر: الفروع: (4/ 395)، الإنصاف: (5/ 454)، دقائق أولي النهى: (2/ 339)، كشاف القناع: (3/ 525)، مطالب أولي النهى: (3/ 544). [6] انظر: الفتاوى الكبرى: (5/ 403)، الاختيارات: (146)، المستدرك: (4/ 39)، الفروع: (4/ 395)، الإنصاف: (5/ 454-455)، مطالب أولي النهى: (3/ 544). [7] انظر: كشاف القناع: (3/ 526)، الإنصاف: (5/ 454)، الفروع: (4/ 395)، شرح المنتهى: (2/ 339)، مطالب أولي النهى: (3/ 544). [8] انظر: المبسوط: (11/ 218)، البحر الرائق: (5/ 198، 199)، بدائع الصنائع: (6/ 65). [9] انظر: تحفة المحتاج: (6/ 86)، نهاية المحتاج: (5/ 224)، حاشية الجمل: (3/ 192). [10] انظر: كشاف القناع: (3/ 525)، الإنصاف: (5/ 454). [11] انظر: المبسوط: (11/ 218)، تحفة المحتاج: (6/ 86)، مغني المحتاج: (2/ 421). [12] مجموع الفتاوى: (20/ 355).



شارك الخبر

المرئيات-١