أرشيف المقالات

حكم بيع العصير لمن يتخذه خمرا

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
2حكم بيع العصير لمن يتخذه خمرا المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع
قوله: (ولا يصح بيع عصير ونحوه ممن يتخذه خمرًا، ولا سلاح في فتنة بين المسلمين، ولا عبد مسلم لكافر إذا لم يعتق عليه...) إلى آخره[1].
قال في «المقنع»: «ولا يصح بيع العصير ممن يتخذه خمرًا، ولا بيع السلاح في الفتنة، ولا لأهل الحرب، ويحتمل مع التحريم؛ ولا يصح بيع عبد مسلم لكافر إلا أن يكون ممن يعتق عليه، فيصح في إحدى الروايتين[2]، وإن أسلم عبد الذِّمِّي أُجبر على إزالة ملكه عنه، وليس له مكاتبته، وقال القاضي: له ذلك»[3].
قال في «الحاشية»: «قوله: (ولا يصح بيع العصير...) إلى آخره؛ لأن ذلك إعانة على المعصية، وقد قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، ونهى عليه السلام عن بيع السلاح في الفتنة.
تنبيه: محلُّ هذا: إذا عُلم أنه يفعل به ذلك، وقيل: أو ظنه، اختاره الشيخ تقي الدين[4].
قوله: (ولا لأهل الحرب ولا بيع مأكول)، ونحوه لمن يشرب عليه الخمر، ولا بيع الأقداح لمن يشرب بها، ولا بيع الجوز والبيض ونحوهما للقمار، ولا بيع الأَمَة والغلام لمن عُرِف بوطء الدُّبُر، أو للغناء.
قوله: (لكافر)؛ لأنه يُمنع استدامة ملكه فمُنع ابتداؤه كالنكاح، وقال أبو حنيفة: يصح، ويُجبر على إزالة ملكه».
أبو حنيفة[5]: يصح، ويُجبر على إزالة ملكه»[6]. وقال في «الشرح الكبير»: «وليس له كتابته؛ لان الكتابة لا تزيل مِلك السيد عنه، ولا يجوز إقرار مِلك الكافر عليه، وقال القاضي: له ذلك؛ لأنه يُزيل يده عنه فأشبه بيعه، والأول أَوْلَى»[7] انتهى.
قلت: قول القاضي أقرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كاتِبْ يا سلمان)[8].
وقال البخاري: «باب: بيع السلاح في الفتنة وغيرها»، وكره عمران بن حصينٍ بيعه في الفتنة.
حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالكٍ، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن كثير، عن أبي محمدٍ – مولى أبي قتادة – عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حُنينٍ، فبعتُ الدِّرعَ، فابتعت به مُخْرفًا في بني سِلمة، فإنه لأول مالٍ تأثَّلْتُه في الإسلام[9]».
قال الحافظ: «قوله: (باب: بيع السلاح في الفتنة وغيرها)، أي: هل يمنع أم لا؟ قوله: (وكره عمران بن حصين بيعه في الفتنة)، أي: في أيام الفتنة، وهذا وَصَله ابن عدي في «الكامل» من طريق أبي الأشهب، عن أبي رجاء، عن عمران[10].
ورواه الطبراني في «الكبير» من وجه آخر، عن أبي رجاء، عن عمران [341أ] مرفوعًا، وإسناده ضعيف[11]. وكأن المراد بالفتنة: ما يقع من الحروب بين المسلمين؛ لأن في بيعه إذ ذاك إعانة لمن اشتراه، وهذا محله إذا اشتبه الحال، فأما إذا تحقق الباغي فالبيع للطائفة التي في جانبها الحق لا بأس به.
قال ابن بطَّال: إنما كره بيع السلاح في الفتنة؛ لأنه من باب التعاون على الإثم، ومن ثَم كره مالك[12] والشافعي[13] وأحمد[14] وإسحاق بيع العنب ممن يتخذه خمرًا.
وذهب مالك إلى فسخ البيع[15]. وكأن المصنف أشار إلى خلاف الثوري في ذلك حيث قال: بع حلالك ممن شئت[16].
قوله: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فبعت الدرع)، كذا وقع مختصرًا، فقال الخطابي[17]: سقط شيء من الحديث لا يتم الكلام إلا به، وهو أنه قتل رجلًا من الكفَّار، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سَلَبه وكان الدرع من سَلَبِه.
وتَعَقَّبَهُ ابن التيم: بأنه تعسُّف في الردِّ على البخاري؛ لأنه إنما أراد جواز بيع الدرع، فذكر موضعه من الحديث وحذف سائره، وكذا يفعل كثيرًا.
قال الحافظ: وهو كما قال، وليس ما قاله الخطابي بمدفوع، وقد استُشكِل مطابقته للترجمة. قال الإسماعيلي: ليس في هذا الحديث من ترجمة الباب شيء. وأُجيب: بأن الترجمة مشتملة على بيع السلاح في الفتنة وغيرها، فحديث أبي قتادة منزل على الشق الثاني وهو بيعه في غير الفتنة»[18].
وقال البخاري أيضًا: «باب: شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان: (كاتِبْ)، وكان حُرًّا فظلموه وباعوه، وسُبي عمَّار وصهيب وبلال.
وقال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [النحل: 71].
حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيبٌ، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة، فدخل بها قرية فيها ملكٌ من الملوك، أو جبَّارةٌ من الجبابرة...
الحديث بطوله، وفيه: فقالت: أشعرتَ أن الله كبت الكافر، وأخدم وليدة)[19].
وذكر حديث عائشة: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في غلام...
الحديث[20]، وحديث صهيب[21]. وحديث حكيم بن حزام: قال: يا رسول الله، أرأيت أمورًا كنتُ أتحنَّث بها في الجاهلية من صِلة وعتاقة وصدقة، هل لي فيها أجر؟ قال حكيم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَسْلَمْتَ على ما سَلَفَ لك من خير)[22].   قال الحافظ: «قوله: (باب: شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه). قال ابن بطَّال: غرض البخاري بهذه الترجمة: إثبات ملك الحربي، وجواز تصرّفه في ملكه بالبيع والهِبة والعتق وغيرها؛ إذ أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم سلمان عند مالكه من الكفَّار، وأمره أن يكاتب، وقَبِل الخليل هِبة الجبَّار، وغير ذلك مما تضمنه حديث الباب[23].
قوله: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان – أي: الفارسي – (كَاتِبْ)، وكان حُرًّا فظلموه وباعوه)، هذا طرف من حديث وَصَله أحمد والطبراني من طريق ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، عن سلمان، قال: كنت رجلًا فارسيًّا...
فذكر الحديث بطوله، وفيه: ثُمَّ مَرَّ بي نَفَرٌ من كلب تُجَّار، وَحَمَلُوني معهم حتى إذا قامُوا[24] بي وادي القُرَى ظَلَمُوني فَبَاعُوني من رجل يهودي...
الحديث، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كاتِب يا سَلْمان)، فكاتبتُ صاحبي على ثلاثمئة وَدِيَّةٍ[25]...
إلى أن قال: وفي هذا كله تقرير أحكام المشركين على ما كانوا عليه قبل الإسلام»[26]. «قوله: (وقال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ﴾...
الآية، موضع الترجمة منه: قوله تعالى: ﴿ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ [النحل: 71]، فأثبت لهم ملك اليمين مع كون ملكهم غالبًا كان على غير الأوضاع الشرعية.
وقال ابن المنيِّر[27]: مقصوده: صحة ملك الحربي وملك المسلم عنه.
ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث: أحدها: حديث أبي هريرة في قصة إبراهيم عليه السلام وسارة مع الجبَّار، وموضع الترجمة منه: قول الكافر: (أعطوها هاجر)، وقَبول سارة منه وإمضاء إبراهيم عليه السلام ذلك، ففيه: صحة هِبة الكافر.
ثانيها: حديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة، وموضع الترجمة منه: تقرير النبي صلى الله عليه وسلم ملك زمعة للوليدة، وإجراء أحكام الرِّق عليها.
ثالثها: حديث صهيب، قوله: (قال عبد الرحمن بن عوف لصُهيب: اتق الله، ولا تَدَّعِ إلى غير أبيك)، كان صهيب يقول: إنه ابن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل، ويسوق نسبًا ينتهي إلى النمر بن قاسط، وأن أُمَّه من بني تميم، وكان لسانه أعجميًّا؛ لأنه رُبِّي بين الروم فغلب عليه لسانهم.
وقد روى الحاكم من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، قال: قال عمر لصُهيب: ما وجدت عليك في الإسلام إلا ثلاثة أشياء: اكتنيت أبا يحيى، وإنك لا تُمْسِك شيئًا، وتُدعى إلى النمر بن قاسط!
فقال: أما الكنية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّاني. وأما النفقة فإن الله يقول: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ: 39].
وأما النسب فلو كنت من وَرْثة لانتسبتُ إليها، ولكن كانت العرب تسبي بعضها بعضًا، فسباني ناسٌ بعد أن عرفت مولدي وأهلي فباعوني فأخذتُ بلسانهم، يعني: لسان الروم[28].
رابعها: حديث حكيم بن حزام، وموضع الترجمة: ما تضمنه من وقوع الصدقة والعتاقة من المشرك، فإنه يتضمن صحة ملك المشرك؛ إذ صحة العتق متوقفة على صحة الملك»[29] انتهى مُلخَّصًا.


[1] الروض المربع ص240. [2] شرح منتهى الإرادات 3/158، وكشاف القناع 7/373و 374. [3] المقنع 2/20. [4] انظر: حاشية المقنع 2/20، المبدع 4/42. [5] فتح القدير 4/345، وحاشية ابن عابدين 5/241و 242. [6] انظر: المبدع 4/43. [7] الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 11/175و 176. [8] أخرجه أحمد 5/441، وابن سعد 4/53، من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه. قال الهيثمي في المجمع 9/336: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع. قال الألباني في السلسلة الصحيحة 2/560: إسناده حسن. قال ابن حجر في تغليق 3/266: صحيح بشواهده. [9] البخاري (2100). [10] الكامل 2/229. [11] الطبراني 18/136 (286). قال الهيثمي في المجمع 4/108: فيه بحر بن كثير، وهو متروك. [12]الشرح الصغير 2/5، وحاشية الدسوقي 3/7. [13] تحفة المحتاج 4/316، ونهاية المحتاج 3/471. [14] شرح منتهى الإرادات 3/157، وكشاف القناع 7/373. [15] الشرح الصغير 2/5، وحاشية الدسوقي 3/7. [16] شرح صحيح البخاري 6/231، ولم نقف في شرحه على كراهية أحمد وإسحاق لبيع العنب ممن يتخذه خمراً، ولعله من كلام ابن حجر. [17] أعلام الحديث 2/1027. [18] فتح الباري 4/323. [19] البخاري (2217). [20] البخاري (2218). [21] البخاري (2219). [22] البخاري (2220). [23] شرح صحيح البخاري 6/341و 342. [24] كذا في الأصل، والصواب: «قدموا»، كما في الفتح. [25] تقدم تخريجه 4/220. [26] فتح الباري 4/211و 212. [27] المتواري على أبواب البخاري ص249. [28] المستدرك 3/398. [29] فتح الباري 4/411 – 413.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير