أرشيف المقالات

فقه ابن تيمية ونصائحه (2)

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
2فقه ابن تيمية ونصائحه (2) من سماعات ابن القيم من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى   ◄ مجالسة الثقلاء: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ورأيتُ يومًا عند شيخِنا قدس الله روحه: رجلاً من هذا الضرب والشيخُ يحمله وقد ضَعف القوى عن حمله، فالتفت إليَّ وقال: مجالسة الثقيل حمى الربع، ثم قال: لكن قد أدمنَتْ أرواحُنا على الحمَّى فصارت لها عادة، أو كما قال"[1].   ◄ قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "بلغَني عن شيخنا أبي العبَّاس ابن تيميَّة قدَّس الله روحه أنه قال: ما ترَكتُها عقيبَ كلِّ صلاة[2].   ◄ الصدقة بين يدي مناجاته عز وجل: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وشاهدتُ شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه إذا خرج إلى الجمعة يأخذ ما وجَد في البيت من خبز أو غيره، فيتصدق به في طريقه سرًّا، وسمعتُه يقول: إذا كان الله قد أمرَنا بالصدقة بين يدي مناجاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالصدقة بين يدي مناجاته تعالى أفضلُ وأولى بالفضيلة"[3].   ◄ التوبة والاستغفار والاستغاثة واللجوء إلى الله عز وجل: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وشهدت شيخ الإسلام قدس الله روحه إذا أعيَتْه المسائل واستصعبَت عليه فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار، والاستغاثة بالله، واللَّجَأ إليه، واستنزال الصواب مِن عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته، فقلَّما يلبَث المدد الإلهيُّ أن يتَتابع عليه مدًّا، وتزدلف الفتوحات الإلهية[4]إليه بأيَّتهن يبدأ"[5].   ◄ إلزام: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وأخبرني شيخ الإسلام قدس الله روحه أنه لام بعض هذه الطائفة على محبَّة ما يُبغضه الله ورسوله، فقال له الملوم: المحبة نار تَحرق من القلب ما سوى مرادِ المحبوب، وجميع ما في الكون مرادة؛ فأيَّ شيء أبغض منه؟!
قال الشيخ: فقلت له: إذا كان قد سخط على أقوام ولعنهم وغضب عليهم وذمَّهم فواليتَهم أنت وأحببتَهم وأحببتَ أفعالهم ورضيتها؛ تكون مواليًا له أو مُعاديًا؟! قال: فبُهت الجَبري"[6].   ◄ الدلالة على مفتي: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "كان شيخنا قدس الله روحه شديدَ التجنب لذلك، ودَلَلتُ مرة بحضرته على مُفتٍ أو مَذهب فانتهَرني، وقال: ما لك وله! دَعه.
ففهمتُ من كلامه: إنك لتَبوء بما عساه يحصل له من الإثم، ولمن أفتاه"[7].   ◄ تفسير: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "كثيرًا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾: تدفع الرياء.
﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]: تدفع الكبرياء[8].   ◄ أنفع الدعاء: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة قدس الله روحه: تأمَّلتُ أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] "[9].   ◄ التسبيح: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "عبَّر لي شيخنا أبو العبَّاس ابن تيميَّة قدس الله روحه عن هذا المعنى بعبارة لطيفةٍ وجيزة، فقال: المعنى: سبِّح ناطقًا باسم ربك، متكلمًا به.
وكذا ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ﴾ [الأعلى: 1]؛ المعنى: سبح ربك ذاكرًا اسمَه، وهذه الفائدة تُساوي رحلة لكن لمن يَعرف قدرَها، فالحمد لله المنَّان بفضله، ونسأله تمام نعمته"[10].   ◄ بين إدراك السمع والبصر: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية قدس الله روحه ونوَّر ضريحه: وفصلُ الخطاب: أن إدراك السمع أعمُّ وأشمل، وإدراك البصر أتمُّ وأكمل، فهذا له التمام والكمال، وذاك له العمومُ والشمول، فقد ترجح كلٌّ منهما على الآخر بما اختصَّ به.
تم كلامه"[11].   ◄ حكمة عارف: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يحكي عن بعض العارفين أنه قال: العامَّة تعبَّدوا الله، وهؤلاء يعبدون نفوسهم، وصدَق رحمه الله"[12].   ◄ جواب الحكيم: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ولقد شاهدتُ مِن شيخ الإسلام ابن تيميَّة قدس الله روحه في ذلك أمرًا عجيبًا؛ كان إذا سُئل عن مسألة حكميَّة ذكَر في جوابها مذاهبَ الأئمة الأربعة - إذا قَدر - ومأخذ الخلاف، وترجيحَ القول الراجح، وذكَر متعلقات المسألة التي ربما تكونُ أنفعَ للسائل من مسألته، فيكون فرحُه بتلك المتعلقات واللوازم أعظمَ مِن فرحه بمسألته، وهذه فتاويه رحمه الله بين الناس فمن أحبَّ الوقوف عليها رأى ذلك[13].   ◄ الحي القيوم: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ومن تَجريبات السالكين التي جرَّبوها فألفَوْها صحيحة: أن مَن أدمن: يا حيُّ يا قيوم لا إله إلا أنت؛ أورثَه ذلك حياة القلب والعقل! وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه شديدَ اللَّهَج بها جدًّا، وقال لي يومًا: لهذين الاسمين - وهما: الحي القيوم - تأثيرٌ عظيم في حياة القلب، وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم[14].   ◄ تواضع: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وكان يقول كثيرًا - يعني: شيخ الإسلام -: ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا في شيء.
وكان كثيرًا ما يتمثل بهذا البيت: أنا المُكدِّي وابن المكدِّي = وهكذا كان أبي وجدي   وكان إذا أُثني عليه في وجهه يقول: والله إني إلى الآنَ أجدِّد إسلامي كلَّ وقت، وما أسلمتُ بعدُ إسلامًا جيدًا.
  وبعَث إليَّ في آخِر عمره قاعدة في التفسير بخطِّه، وعلى ظهرها أبيات بخطه من نظمه: أنا الفقيرُ إلى ربِّ البريَّاتِ أنا المُسَيكينُ في مجموعِ حالاتي أنا الظَّلوم لنفسي وهْي ظالمتي والخيرُ إن يأتِنا مِن عندِه ياتي لا أستطيعُ لنَفسي جلبَ منفعةٍ ولا عن النفسِ لي دَفْع المضَرَّاتِ وليس لي دونَه مولًى يُدبِّرني ولا شفيعٌ إذا حاطَت خطيئاتي إلا بإذنٍ مِن الرحمنِ خالقِنا إلى الشفيع كما قد جا في الاياتِ ولستُ أملك شيئًا دونه أبدًا ولا شريكٌ أنا في بعضِ ذرَّاتِ ولا ظهيرَ له كي يَستعين به كما يكون لأرباب الولاياتِ والفقر لي وصفُ ذاتٍ لازمٌ أبدًا كما الغنى أبدًا وصفٌ له ذاتي وهذه الحالُ حالُ الخلقِ أجمعِهم وكلُّهم عنده عبدٌ له آتي فمَن بَغى مطلبًا من غير خالقِه فَهْو الجهول الظَّلوم المشركُ العاتي والحمدُ لله ملءَ الكونِ أجمعِه ما كان منه وما مِن بَعدُ قد ياتي[15]"   ◄ التوسع في المباحات: قال ابن القيِّم رحمه الله تعالى: "قال لي يومًا شيخُ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في شيءٍ من المباح: هذا يُنافي المراتبَ العالية، وإن لم يكن تركُه شرطًا في النَّجاة، أو نحو هذا من الكلام"[16].   ◄ استقامة: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: استقاموا على محبته وعبوديَّته؛ فلم يلتَفِتوا عنه يَمنة ولا يَسرة"[17].   ◄ إنصاف: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وما رأيتُ أحدًا قطُّ أجمعَ لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وكان بعضُ أصحابه الأكابر يقول: وَدِدت أني لأصحابي مِثلُه لأعدائه وخصومه!
وما رأيتُه يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم، وجئتُ يومًا مبشِّرًا له بموت أكبر أعدائه وأشدِّهم عداوةً وأذًى له، فنهَرني وتنكَّر لي واسترجَع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله، فعزَّاهم، وقال: إني لكم مكانَه، ولا يكون لكم أمرٌ تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا ساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام؛ فسُرُّوا به ودعَوا له وعظَّموا هذه الحال منه؛ فرحمه الله، ورضى عنه[18].   ◄ من كمال أدب الصلاة: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: هذا من كمال أدب الصَّلاة: أن يقف العبد بين يدَي ربِّه مُطرِقًا خافضًا طرْفَه إلى الأرض، ولا يرفع بصَره إلى فوق، قال: والجهميَّة لما لم يفقَهوا هذا الأدبَ ولا عرفوه؛ ظنوا أنَّ هذا دليلٌ أن الله ليس فوق سمواته على عرشه، كما أخبر به عن نفسه، واتفقت عليه رسلُه وجميع أهل السنة.
قال: وهذا مِن جهلهم؛ بل هذا دليل لمن عقَل عن الرسول على نقيضِ قولهم؛ إذ مِن الأدب مع الملوك: أنَّ الواقف بين أيديهم يُطرِق إلى الأرض، ولا يرفع بصرَه إليهم، فما الظن بمَلكِ الملوك سبحانه؟!"[19].   ◄ مِن علل النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وسمعتُه - يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه - يقول في نهيه عن قراءة القرآن في الركوع والسجود: إن القرآن هو أشرفُ الكلام، وهو كلام الله؛ وحالتا الركوع والسجود حالتا ذلٍّ وانخفاض من العبد؛ فمن الأدب مع كلام الله: أن لا يقرأ في هاتين الحالتين، ويكون حال القيام والانتصاب أولى به"[20].   ◄ الفقر والغنى ابتلاء من الله عز وجل: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: والفقر والغنى ابتلاءٌ من الله لعبده كما قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ﴾ [الفجر: 15 - 17]؛ أي: ليس كل من وسَّعتُ عليه وأعطيته: أكون قد أكرمتُه، ولا كل من ضيَّقتُ عليه وقتَّرت: أكون قد أهنتُه"[21].   ◄ الشاكرون: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول - في قوله عز وجل: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53] -: هم الذين يَعرفون قدر نعمة الإيمان، ويشكرون الله عليها[22].   ◄ سير العارف: قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "قال شيخ الإسلام: العارف يَسير إلى الله بين مُشاهدة المنَّة، ومُطالعة عيب النفس والعمل، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح من حديث بُريدة رضي الله تعالى عنه: ((سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهمَّ أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتَني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدِك ما استطعت، أعوذ بك من شرِّ ما صنعتُ، أبوء بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ إنه لا يَغفر الذنوب إلا أنت))، فجمَع في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي)): مشاهدة المنَّة، ومطالعة عيب النفس والعمل..."[23].



[1] بدائع الفوائد (2/ 498).
وانظر: مقال لي بعنوان: رباعيات ابن القيم رحمه الله (3). [2] زاد المعاد (1/ 285). [3] زاد المعاد (1/ 394). [4] كذا في الأصل. [5] إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 187). [6] شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص:4). [7] إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 227). [8] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 54). [9] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 78). [10] بدائع الفوائد (1/ 24). [11] بدائع الفوائد (1/ 78). [12] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 360)، وتقدم معنا في السلسلة الأولى من: "من فقه ابن تيمية ونصائحه" نحوُ هذا. [13] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 294). [14] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 448) [15] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 524 - 525). [16] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 26). [17] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 104). [18] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 345). [19] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 385). [20] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 386). [21] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 442). [22] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 481). [23] الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 11).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣