أرشيف المقالات

حكم أخذ العوض على المصارعة

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
2حكم أخذ العوض على المصارعة   المصارعة ثابتة في السنة، ووردت بها الآثار في الأصل، ولا إشكال في جوازها إذا لم يكن في ذلك ضرر، ومحل الخلاف بين العلماء في أخذ العوض على ذلك.   اختيار ابن تيمية: اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الراجح عنه جواز ذلك، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [1].   تحرير محل النزاع في المسألة: أ- لا خلاف بين جمهور الفقهاء في جواز السباق في المصارعة بغير عوض إذا لم يكن في ذلك ضرر، وخالف الحنفية فمنعوا منها مطلقاً بعوض أو بغير عوض في المشهور عندهم [2]، وليس هذا محل البحث.   ب– ومحل البحث هنا هو فيما إذا كان ذلك بعوض، وقد اختلف العلماء فيه على أقوال.   القول الأول: لا يجوز. وهو مذهب الحنفية [3]، والمالكية [4]، والشافعية [5]، والحنابلة [6]، والظاهرية [7].   القول الثاني: أنه يجوز.
وهو قول ثانٍ عند الشافعية [8]، ووجه عند الحنابلة [9]، ورجحه ابن تيمية، وابن القيم [10].   أدلة القول الأول: 1- حديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" [11]. وهذه دلالة حاصرة للجواز بما ذكر، وتنفي الجواز عما سواه. ونوقش: أ- أنه عام مخصص بحديث ركانة. ب- أنه قيس على علته ما في معناه من المصارعة ونحوها، والقياس دليل معتبر صحيح. ج- ثم النفي هنا يحتمل نفي الكمال. د- أنه لفظ عام، والخاص مقدم على العام، تأخر أو تقدم عند الجمهور [12].   2- الإجماع السابق الذي حكاه ابن عبدالبر على عدم جواز العوض فيما سوى الثلاثة [13]. ونوقش: أ- أن الإجماع مردود بوجود خلاف سابق. ب- ثم غاية ما فيه أنه لم يعرف مخالفاً، وقد ثبت خلاف في المسألة.   3- أن المصارعة لا يحتاج إليها في الجهاد فالحاجة الماسة إلى هذه الثلاثة فقط [14].   أدلة القول الثاني: 1- حديث مصارعة النبي – صلى الله عليه وسلم – لركانة السابق ذكره، وفيه: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صرعه وأخذ غنمه [15]. ونوقش: بأن سنده ضعيف.   وأجيب عن المناقشة: أ- أنه ورد بسند متصل، قال عنه ابن تيمية وابن القيم: إنه سند جيد [16]. ب- وذكر ابن تيمية - رحمه الله - أن مصارعة النبي – صلى الله عليه وسلم – لركانة معروفة عند العلماء، وإنما الذين أنكروه مصارعة أبي جهل له [17].   2- أن المصارعة فيها قوة وتدريب على منازلة العدو، وتحتاج إلى مران وتدريب ومراس، فتقاس على ما ورد به النص؛ لأن الحكمة الإعانة على الجهاد، وهذا منه [18].   3- ومما استدل ابن تيمية على نظائر ذلك: الاستدلال بعموم قوله: ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل… ﴾ الآية [19].   والمصارعة تدخل في معنى هذا.   الترجيح: والراجح - والله أعلم - هو القول الثاني: 1- لقوة أدلته وظهورها. 2- مناقشة أدلة المخالفين. 3- موافقته لمقصود الشارع من مشروعية السبق.   وسبب الخلاف: هو الخلاف في تفسير النفي في الحديث "لا سبق" هل هو نفي كمال أو نفي صحة؟ والله أعلم.


[1] انظر: الاختيارات: (160)، الفروع: (4/462)، الإنصاف: (6/91)، المستدرك: (4/58)، ويحتمل أن لابن تيمية قولاً ثانياً بعدم الجواز يوافق فيه المذهب كما ورد في بعض مواضع الاستدلال عنده مثل: مجموع الفتاوى (31/49)، (32/227)، لكنه محتمل غير صريح، لأنه في مقام المحاجة والاستدلال على الخصم فقد يكون مراده الاحتجاج عليه بمذهبه، ولو ثبت فقد رجع عنه إلى الجواز، لأنه يحتمل أن يكون موافقاً للمذهب باعتباره فقيهاً حنبلياً ثم تبين له رجحانه، والقول بالجواز هو الذي نسبه له تلاميذه العارفون باختياراته، وقد صحبوه إلى وفاته، كابن مفلح وابن القيم، ومن بعدهم البعلي ويعد من أعرف أهل زمانه باختياراته.
وانظر: مجموع الفتاوى: (32/224)، 227، 250، 251)، مختصر الفتاوى المصرية: (523). [2] انظر: الفتاوى الهندية: (5/352)، روضة الطالبين: (10/351)، كشاف القناع: (4/48)، مجموع الفتاوى: (32/224، 227، 250، 251)، (30/216)، الموسوعة الفقهية: (24/125). [3] انظر: بدائع الصنائع: (6/206)، تبيين الحقائق: (6/31-32)، درر الحكام: (1/321)، البحر الرائق: (8/554)، مجمع الأنهر: (2/549)، حاشية ابن عابدين: (6/426، 805)، الفتاوى الهندية: (5/352). [4] انظر: التمهيد: (14/89)، التاج والإكليل: (4/613)، حاشية الخرشي: (3/156)، حاشية الدسوقي: (2/210)، منح الجليل: (3/240)، الفواكه الدواني: (2/350)، حاشية الصاوي: (2/326). [5] انظر: الأم: (4/230)، أسنى المطالب: (4/229)، شرح البهجة: (5/180)، حاشية قليوبي: (4/266)، تحفة المحتاج: (9/399)، مغني المحتاج: (4/395)، نهاية المحتاج: (8/166)، حاشية الجمل: (5/281)، تحفة الحبيب: (4/349)، التجريد لنفع العبيد: (4/311). [6] انظر: المحرر: (1/358)، المغني: (13/404)، الكافي: (2/336)، الفروع: (4/458، 462)، المبدع: (5/122)، الإنصاف: (6/90، 91)، كشاف القناع: (4/49)، مطالب أولي النهى: (3/704)، منار السبيل: (1/425)، حاشية ابن قاسم: (5/348). [7] انظر: المحلى: (5/425 م 972). [8] انظر: تحفة المحتاج: (9/399)، مغني المحتاج: (4/395)، نهاية المحتاج: (8/166). [9] انظر: الفروع: (4/458، 462)، الإنصاف: (6/90-91). [10] انظر: الفروسية: (7-34). [11] سبق تخريجه ص: (1090). [12] انظر: الفروسية: ( 0207-210). [13] انظر: التمهيد: (14/89). [14] انظر: الفروسية: (100، 204). [15] سبق تخريجه ص: (1092). [16] انظر: الفروسية: (199)، الفروع: (4/461-462). [17] انظر: الفروسية: (203). [18] انظر: مجموع الفتاوى: (32/227). [19] سورة الأنفال: من الآية ( 60 ).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن