أرشيف المقالات

تفسير ربع: يسألونك عن الأهلة (الربع الثاني عشر من سورة البقرة)

مدة قراءة المادة : 126 دقائق .
2تفسير ربع: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ (الربع الثاني عشر من سورة البقرة)   قال الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والْحَجِّ ولَيْسَ البِرُّ بِأَن تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ولَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾. إعراب مفردات الآية[1]: (يسألون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل و(الكاف) ضمير مفعول به (عن الأهلّة) جارّ ومجرور متعلّق بـ(يسألون)، (قل) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (هي) ضمير منفصل في محلّ رفعمبتدأ (مواقيت) خبر مرفوع (للناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لمواقيت (الحج) معطوف على الناس بالواو مجرور مثله (الواو) عاطفة (ليس) فعل ماض ناقص جامد (البرّ) اسم ليس مرفوع (الباء) حرف جرّ زائد (أن) حرف مصدريّ ونصب (تأتوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون..
والواو فاعل (البيوت) مفعول به منصوب (من ظهور) جارّ ومجرور متعلّق بـ(تأتوا) بتضمينه معنى تدخلوا و(ها) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن تأتوا) في محلّ جرّ بالحرف الزائد- وهو المحلّ القريب- وفي محلّ نصب خبر ليس- وهو المحلّ البعيد.
(الواو) عاطفة (لكنّ) حرف استدراك ونصب (البرّ) اسم لكنّ منصوب وهو على حذف مضاف أي ذا البرّ (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع خبر (اتّقى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف والفاعل ضمير مستتر تقديره هو وهو العائد (الواو) استئنافيّة (ائتوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (البيوت) مفعول به منصوب (من أبواب) جارّ ومجرور متعلّق بـ(ائتوا)، و(ها) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (اتّقوا) مثل ائتوا (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (لعلكم تفلحون) تقدّم إعراب نظيرها «[2]».
روائع البيان والتفسير: سبب نزول هذه الآية ما جاء في الصحيح المسند من أسباب النزول للمحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي-رحمه الله- في البخاري "ج4 ص/ 370 "عن البراء يقول: نزلت هذه الآية فينا كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه فكأنه عير بذلك فنزلت ﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾.اهـ[3].
• ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والْحَجِّ ﴾ -قال السعدي -رحمه الله-: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ ﴾ جمع - هلال - ما فائدتها وحكمتها؟ أو عن ذاتها، ﴿ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ﴾ أي: جعلها الله تعالى بلطفه ورحمته على هذا التدبير يبدو الهلال ضعيفا في أول الشهر، ثم يتزايد إلى نصفه، ثم يشرع في النقص إلى كماله، وهكذا، ليعرف الناس بذلك، مواقيت عباداتهم من الصيام، وأوقات الزكاة، والكفارات، وأوقات الحج.
ولما كان الحج يقع في أشهر معلومات، ويستغرق أوقاتا كثيرة قال: ﴿ وَالْحَجِّ ﴾، وكذلك تعرف بذلك أوقات الديون المؤجلات، ومدة الإجارات، ومدة العِدَد والحَمْل، وغير ذلك مما هو من حاجات الخلق، فجعله تعالى حسابا، يعرفه كل أحد، من صغير، وكبير، وعالم، وجاهل، فلو كان الحساب بالسنة الشمسية، لم يعرفه إلا النادر من الناس.اهـ[4].
• وزاد ابن عثيمين في بيانها ما مختصره: قوله تعالى: ﴿ يسألونك عن الأهلة ﴾؛ ﴿ الأهلة ﴾ جمع هلال؛ وهو القمر أول ما يكون شهراً؛ وسمي هلالاً لظهوره؛ ومنه: الاستهلال؛ والإهلال هو رفع الصوت، كما في حديث خلاد بن السائب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابيأن يرفعوا أصواتهم بالإهلال»[5] يعني بالتلبية؛ ومنه قولهم: «استهل المولود» [6]إذا صرخ بعد وضعه.
وقوله تعالى: ﴿ يسألونك عن الأهلة ﴾ يعني: الحكمة فيها بدليل الجواب: ﴿ قل هي مواقيت للناس والحج ﴾ وأما ما ذكره أهل البلاغة من أنهم سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن السبب في كون الهلال يبدو صغيراً، ثم يكبر؛ فأجاب الله سبحانه وتعالى ببيان الحكمة؛ وقالوا: إن هذا من أسلوب الحكيم أن يجاب السائل بغير ما يتوقع إشارة إلى أنه كان ينبغي أن يُسأل عن هذا؛ فالصواب أنهم لم يسألوا الرسول عن هذا؛ ولكن سألوه عن الحكمة من الأهلة، وأن الله سبحانه وتعالى خلقها على هذا الوجه؛ والدليل: الجواب؛ لأن الأصل أن الجواب مطابق للسؤال إلا أن يثبت ذلك بنص صحيح.
ثم ذكر- رحمه الله- في فوائد هذه الآية فائدة جليلة قال: إن ميقات الأمم كلها الميقات الذي وضعه الله لهم وهو الأهلة؛ فهو الميقات العالمي؛ لقوله تعالى: ﴿ مواقيت للناس ﴾؛ وأما ما حدث أخيراً من التوقيت بالأشهر الإفرنجية فلا أصل له من محسوس، ولا معقول، ولا مشروع؛ ولهذا تجد بعض الشهور ثمانية وعشرين يوماً، وبعضها ثلاثين يوماً، وبعضها واحداً وثلاثين يوماً من غير أن يكون سبب معلوم أوجب هذا الفرق؛ ثم إنه ليس لهذه الأشهر علامة حسية يرجع الناس إليها في تحديد أوقاتهم بخلاف الأشهر الهلالية فإن لها علامة حسية يعرفها كل أحد.اهـ[7].
• ﴿ ولَيْسَ البِرُّ بِأَن تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ولَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ -قال أبوجعفر الطبري -رحمه الله-: وليس البر أيها الناس بأن تأتوا البيوت في حال إحرامكم من ظهورها، ولكن البر من اتقى الله فخافه وتجنب محارمه، وأطاعه بأداء فرائضه التي أمره بها، فأما إتيانُ البيوت من ظهورها فلا برَّ لله فيه، فأتوها من حيثُ شئتُم من أبوابها وغير أبوابها، ما لم تعتقدوا تحريم إتيانها من أبوابها في حال من الأحوال، فإن ذلك غيرُ جائزٍ لكم اعتقادُه، لأنه مما لم أحرمه عليكم.
ثم قال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ يعني تعالى ذكره بذلك: واتقوا الله أيها الناس، فاحذروه وارهبوه بطاعته فيما أمركم به من فرائضه، واجتناب ما نهاكم عنه، لتفلحوا فتنجحوا في طلباتكم لديه، وتدركوا به البقاءَ في جَنَّاته والخلودَ في نعيمه.اهـ[8].
﴿ وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ﴾ إعراب مفردات الآية[9]: (الواو) استئنافيّة (قاتلوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون...
والواو فاعل (في سبيل) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من فاعل قاتلوا (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (يقاتلون) مضارع مرفوع...
والواو فاعل و(كم) ضمير مفعول به (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة (تعتدوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعل (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (لا) نافية (يحبّ) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (المعتدين) مفعول بهمنصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير: • ﴿ وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ ﴾ • ذكر أبو جعفر الطبري في تفسيرها اختلاف أهل التفسير علي قولين فقال- رحمه الله: قال بعضهم هذه الآية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك.
وقالوا: أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين، والكف عمن كفّ عنهم، ثم نُسخت بـ"براءة".
وذكر ممن قال بذلك الربيع وابن زيد- رحمهما الله تعالى.
ثم قال: وقال آخرون: بل ذلك أمر من الله تعالى ذكره للمسلمين بقتال الكفار، لم ينسخ.
وإنما الاعتداءُ الذي نهاهم الله عنه، هو نهيه عن قتل النساء والذَّراريّ.
قالوا: والنهي عن قتلهم ثابتٌ حُكمه اليوم.
قالوا: فلا شيء نُسخ من حكم هذه الآية.
وذكر ممن قال بذلك: عمر بن عبد العزيز ومجاهد- رحمهما الله تعالى.
ثم قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله: وأولى هذين القولين بالصواب، القولُ الذي قاله عمر بن عبد العزيز؛ لأن دعوى المدَّعي نَسْخَ آية يحتمل أن تكون غيرَ منسوخة، بغير دلالة على صحة دعواه، تحكُّم.
والتحكم لا يعجِز عنه أحد.اهـ[10].
• وأضاف ابن عثيمين- رحمه الله- في بيانها ما مختصره: قوله تعالى: ﴿ قاتلوا ﴾ فعل أمر؛ والمقاتلة مفاعلة من الجانبين؛ يعني اقتلوهم بمقاتلتهم إياكم؛ ولكن قال: ﴿ في سبيل الله ﴾ أي في دينه، وشرعه، ولأجله؛ فسبيل الله سبحانه وتعالى يتناول الدين، وأن يكون القتال في حدود الدين، وعلى الوجه المشروع، ولله وحده؛ فهو يتضمن الإخلاص، والمتابعة؛ ولهذا قدم المقاتَل من أجله قبل المقاتَل إشارة إلى أنه ينبغي الإخلاص في هذا القتال؛ لأنه ليس بالأمر الهين؛ فإن المقاتِل يَعرض رقبته لسيوف الأعداء؛ فإذا لم يكن مخلصاً لله خسر الدنيا والآخرة؛ قتل، ولم تحصل له الشهادة؛ فنبه بتقديم المراد ﴿ في سبيل الله ﴾ ليكون قتاله مبنياً على الإخلاص.
قوله تعالى: ﴿ الذين يقاتلونكم ﴾ أي ليصدوكم عن دينكم؛ وهذا القيد للإغراء؛ لأن الإنسان إذا قيل له: «قاتل من يقاتلك» اشتدت عزيمته، وقويت شكيمته؛ وعلى هذا فلا مفهوم لهذا القيد.
ثم قال- رحمه الله وقوله تعالى: ﴿ ولا تعتدوا ﴾ أي في المقاتلة؛ والاعتداء في المقاتلة يشمل الاعتداء في حق الله، والاعتداء في حق المقاتَلين؛ أما الاعتداء في حق الله فمثل أن نقاتلهم في وقت لا يحل القتال فيه، مثل أن نقاتلهم في الأشهر الحرم على القول بأن تحريم القتال فيها غير منسوخ؛ وأما في حق المقاتَلين فمثل أن نُمَثِّل بهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة[11].اهـ[12].
• وزاد السعدي- رحمه الله –فقال: والنهي عن الاعتداء يشمل أنواع الاعتداء كلها، من قتل من لا يقاتل، من النساء، والمجانين والأطفال، والرهبان ونحوهم والتمثيل بالقتلى، وقتل الحيوانات، وقطع الأشجار ونحوها، لغير مصلحة تعود للمسلمين.
ومن الاعتداء، مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها، فإن ذلك لا يجوز.اهـ[13].
﴿ واقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ والْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ ولا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ ﴾ إعراب مفردات الآية[14]: (الواو) عاطفة (اقتلوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل و(هم) ضمير متّصل مفعول به (حيث) ظرف مكان مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب متعلّق بـ(اقتلوهم)، (ثقفتم) فعل ماض وفاعله، و(الواو) حرف إشباع الضمّة في الميم و(هم) ضمير متّصل مفعول به (الواو) عاطفة (أخرجوهم) مثل اقتلوهم (من) حرف جرّ (حيث) اسم مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق بـ(أخرجوهم)، (أخرجوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ..
والواو فاعل و(كم) ضمير مفعول به (الواو) اعتراضيّة (الفتنة) مبتدأ مرفوع (أشدّ) خبر مرفوع (من القتل) جارّ ومجرور متعلّق بأشدّ (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة (تقاتلوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون...
والواو فاعل و(هم) ضمير متّصل مفعول به (عند) ظرف مكان منصوب متعلّق بـ(تقاتلوهم)، (المسجد) مضاف إليه مجرور (الحرام) نعت للمسجد مجرور مثله (حتّى) حرف غاية وجرّ (يقاتلوا) مضارع منصوب- (أن) مضمرة بعد حتّى وعلامة النصب حذف النون..
والواو فاعل و(كم) ضمير مفعول به (في) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ(يقاتلوا).
والمصدر المؤوّل (أن يقاتلوا) في محلّ جرّ بـ(حتّى) متعلّق بـ(تقاتلوهم).
(الفاء) استئنافيّة (إن) حرف شرط جازم (قاتلوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ في محلّ جزم فعل الشرط..
والواو فاعل (كم) ضمير مفعول به (الفاء) رابطة لجواب الشرط (اقتلوهم) مثل الأول.
(الكاف) حرف جرّ وتشبيه «[15]»، (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم و(اللام) للبعد و(الكاف) خطاب (جزاء) مبتدأ مؤخّر مرفوع (الكافرين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير: • ﴿ واقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ﴾ قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله- ما مختصره: يعني تعالى ذكره بذلك: واقتلوا أيها المؤمنون الذين يقاتلونكم من المشركين حيث أصبتم مَقاتلهم وأمكنكم قتلهم، وذلك هو معنى قوله: "حيثثقفتموهم".اهـ[16].
• وأضاف ابن عثيمين - رحمه الله- ما مختصره: أي اقتلوهم في أي مكان ﴿ ثقفتموهم ﴾ أي ظفرتم بهم -؛ أولاً قال تعالى: ﴿ قاتلوا ﴾ [آل عمران: 167]، ثم قال تعالى: ﴿ واقتلوا ﴾؛ والقتل أشد؛ يعني متى وجدنا هذا المحارب الذي يقاتلنا حقيقة أو حكماً، فإننا نقتله في أي مكان؛ لكنه يستثنى من ذلك المسجد الحرام؛ لقوله تعالى: ﴿ ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ﴾.
ثم قال: وقوله تعالى: ﴿ أخرجوهم من حيث أخرجوكم ﴾؛ الإخراج يكون من شيء إلى شيء؛ أما القتال فيكون في شيء؛ القتال يكون في مكان؛ والإخراج يكون من المكان؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ أخرجوهم من حيث أخرجوكم ﴾ أي من المكان الذي أخرجوكم منه، فمثلاً إذا قدر أن الكفار غلبوا على هذه البلاد، وأخرجوا المسلمين منها، فإن المسلمين يجب عليهم أن يقاتلوهم؛ فإذا قاتلوهم يخرجونهم من البلاد من حيث أخرجوهم؛ فهم الذين اعتدوا علينا، واحتلوا بلادنا؛ فنخرجهم من حيث أخرجونا.اهـ[17].
• ﴿ والْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ ﴾ قال ابن كثير-رحمه الله-: ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتلُ الرجال، نبَّه تعالى على أنّ ما هم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به والصد عن سبيله أبلغ وأشد وأعظم وأطَم من القتل؛ ولهذا قال: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ قال أبو مالك: أي: ما أنتم مقيمون عليه أكبر من القتل.
وقال أبو العالية، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والضحاك، والربيع ابن أنس في قوله: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ يقول: الشرك أشد من القتل.اهـ[18].
• وزاد ابن عثيمين - رحمه الله- في بيان قوله تعالى: ﴿ والفتنة أشد من القتل ﴾؛ فقال: «الفتنة» هي صدّ الناس عن دينهم، كما قال تعالى: ﴿ إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ﴾ [البروج: 10]؛ فصد الناس عن دينهم فتنة أشد من قتلهم؛ لأن قتلهم غاية ما فيه أن نقطعهم من ملذات الدنيا؛ لكن الفتنةتقطعهم من الدنيا، والآخرة، كما قال تعالى: ﴿ وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ﴾ [الحج: 11].اهـ[19].
• ﴿ ولا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ ﴾ - قال ابن كثير في تفسيره ما مختصره: قوله ﴿ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ كما جاء في الصحيحين: "إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، وإنها ساعتي هذه، حَرَام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعْضَد شجره، ولا يُخْتَلى خَلاه.
فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم" [20].
يعني بذلك -صلوات الله وسلامه عليه -قتالَه أهلها يومَ فتح مكة، فإنه فتحها عَنوة، وقتلت رجال منهم عند الخَنْدمَة، وقيل: صلحًا؛ لقوله: من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
ثم قال- رحمه الله: وقوله ﴿ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ يقول تعالى: لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام إلا أن يَبْدَؤوكم بالقتال فيه، فلكم حينئذ قتالهم وقتلهم.اهـ[21].
• وزاد ابن عثيمين: قوله تعالى: ﴿ فإن قاتلوكم فاقتلوهم ﴾ أي إن قاتلوكم عند المسجد الحرام فاقتلوهم؛ وتأمل كيف قال تعالى: ﴿ فاقتلوهم ﴾؛ لأن مقاتلتهم إياكم عند المسجد الحرام توجب قتلهم على كل حال.
قوله تعالى: ﴿ كذلك جزاء الكافرين ﴾ أي مثلُ هذا الجزاء - وهو قتل من قاتل عند المسجد الحرام - جزاء الكافرين؛ أي عقوبتهم التي يكافَؤون بها.اهـ[22].
﴿ فَإنِ انتَهَوْا فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ إعراب مفردات الآية[23]: (الفاء) عاطفة (إن) حرف شرط جازم (انتهوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين في محلّ جزم فعل الشرط..
والواو فاعل (الفاء) رابطة لجواب الشرط (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (غفور) خبر إنّ مرفوع (رحيم) خبر ثان مرفوع.
جملة: «إن انتهوا» لا محلّ لها معطوفة على جملة قاتلوكم في الآية السابقة.
روائع البيان والتفسير: •﴿ فَإنِ انتَهَوْا فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ قال أبو جعفر الطبري - رحمه الله- في تفسيرها: عني تعالى ذكره بذلك: فإن انتهى الكافرون الذين يقاتلونكم عن قتالكم وكفرهم بالله، فتركوا ذلك وتابوا،"فإن الله غفور" لذنوب من آمن منهم وتاب من شركه، وأناب إلى الله من معاصيه التي سلفت منه وأيامه التي مَضت "رحيم" به في آخرته بفضله عليه، وإعطائه ما يعطى أهل طاعته من الثواب بإنابته إلى محبته من معصيته.
اهـ[24].
• وزاد ابن عثيمين- رحمه الله- بياناً فقال: قوله تعالى: ﴿ فإن انتهوا ﴾ أي كفوا عن قتالكم؛ ويحتمل أن يكون المراد: كفوا عن قتالكم، وعن كفرهم؛ فعلى الأول يكون المراد بقوله تعالى: ﴿ فإن الله غفور رحيم ﴾ طلب مغفرة المسلمين لهم بالكف عنهم؛وعلى الثاني يكون المراد أن الله غفر لهم؛ لقوله تعالى: ﴿ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ﴾ [الأنفال: 38].اهـ[25].
• ﴿ وقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ إعراب مفردات الآية[26]: (الواو) عاطفة (قاتلوا) سبق إعرابه «[27]»، و(هم) ضمير متصل مفعول به (حتى) حرف غاية وجر (لا) نافية (تكون) مضارع تامّ منصوب بـ(أن) مضمرة بعد حتّى (فتنة) فاعل مرفوع.
والمصدر المؤوّل (ألّا تكون فتنة) في محلّ جرّ بـ(حتّى) متعلّق بـ(قاتلوهم).
(الواو) عاطفة (يكون) مضارع تامّ أو ناقص منصوب معطوف على تكون الأول (الدين) فاعل أو اسم يكون مرفوع (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الدين أو بمحذوف خبر يكون (الفاء) استئنافية (إن انتهوا) سبق إعرابها في الآية السابقة (الفاء) رابطة للجواب (لا) نافية للجنس (عدوان) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب (إلّا) أداة حصر (على الظالمين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر لا وعلامة الجرّ الياء «[28]».
روائع البيان والتفسير: •﴿ وقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ قال ابن كثير – رحمه الله: ﴿ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ أي: شرك.
قاله ابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والربيع، ومقاتل بن حيان، والسُّدي، وزيد بن أسلم.
﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ﴾ أي: يكونَ دينُ الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيحين: عن أبي موسى الأشعري، قال: سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يُقاتل شجاعة، ويقاتل حَميَّة، ويقاتل رياء، أيّ ذلك في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"[29].
وفي الصحيحين: "أمرْتُ أنْ أقاتلَ الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" [30] وقوله: ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ يقول: فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك، وقتال المؤمنين، فكُفُّوا عنهم، فإنّ مَنْ قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم، ولا عُدوانَ إلا على الظالمين، وهذا معنى قول مجاهد: لا يُقَاتَلُ إلا من قاتل.
أو يكون تقديره؛ فإن انتهوا فقد تَخَلَّصُوا من الظلم، وهو الشرك، فلا عدوان عليهم بعد ذلك، والمراد بالعُدْوان هاهنا المعاقبة والمقاتلة، كقوله: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ وقوله: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾ [الشورى: 40]، ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: 126].
ولهذا قال عكرمة وقتادة: الظالم: الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله.اهـ[31].
• وذكر ابن عثيمين في تفسيره لقوله تعالى ﴿ وقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ﴾ فائدة جليلة قال – رحمه الله-: وجوب مقاتلة الكفار حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله؛ وقتال الكفار في الأصل فرض كفاية؛ وقد يكون مستحباً؛ وقد يكون فرض عين وذلك في أربعة مواضع: الموضع الأول: إذا حضر صف القتال فإنه يكون فرض عين؛ ولا يجوز أن ينصرف؛ لقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار * ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ﴾ [الأنفال: 15، 16].
الموضع الثاني: إذا حصر بلده العدو فإنه يتعين القتال من أجل فكّ الحصار عن البلد؛ ولأنه يشبه من حضر صف القتال.
الموضع الثالث: إذا احتيج إليه؛ إذا كان هذا الرجل يحتاج الناس إليه إمّا لرأيه، أو لقوته، أو لأيّ عمل يكون؛ فإنه يتعين عليه.
الموضع الرابع: إذا استنفر الإمام الناس وجب عليهم أن يخرجوا، ولا يتخلف أحد؛ لقوله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة...
﴾ [التوبة: 38 إلى قوله تعالى: ﴿ إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم...
﴾ [التوبة: 39] الآية.
وما سوى هذه المواضع فهو فرض كفاية؛ واعلم أن الفرض سواء قلنا فرض عين، أو فرض كفاية لا يكون فرضاً إلا إذا كان هناك قدرة؛ أما مع عدم القدرة فلا فرض؛ لعموم الأدلة الدالة على أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولقوله تعالى: ﴿ ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ﴾ [التوبة: 91]؛ فإذا كنا لا نستطيع أن نقاتل هؤلاء لم يجب علينا؛ وإلا لأثَّمْنا جميع الناس مع عدم القدرة؛ ولكنه مع ذلك يجب أن يكون عندنا العزم على أننا إذا قدرنا فسنقاتل؛ ولهذا قيدها الله عز وجل بقوله تعالى: ﴿ إذا نصحوا لله ورسوله ﴾ [التوبة: 91]؛ ليس على هؤلاء الثلاثة حرج بشرط أن ينصحوا لله ورسوله؛ فأما مع عدم النصح لله ورسوله، فعليهم الحرج حتى وإن وجدت الأعذار في حقهم فالحاصل أننا نقول إن القتال فرض كفاية؛ ويتعين في مواضع؛ وهذا الفرض كغيره من المفروضات من شرطه القدرة؛ أما مع العجز فلا يجب؛ لكن يجب أن يكون العزم معقوداً على أنه إذا حصلت القوة جاهدنا في سبيل الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من النفاق»[32].اهـ [33].
﴿ الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ والْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ ﴾ إعراب مفردات الآية[34]: (الشهر) مبتدأ مرفوع (الحرام) نعت للشهر مرفوع مثله (بالشهر) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر تقديره مقابل (الحرام) نعت للشهر مجرور مثله (الواو) عاطفة (الحرمات) مبتدأ مرفوع (قصاص) خبر مرفوع (الفاء) عاطفة (من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (اعتدى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (على) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ(اعتدى)، (الفاء) رابطة لجواب الشرط (اعتدوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (عليه) مثل عليكم متعلّق بـ(اعتدوا)، (بمثل) جارّ ومجرور متعلّق بـ(اعتدوا)، (ما) حرف مصدريّ «[35]»، (اعتدى) مثل الأول (عليكم) مثل الأول متعلّق بـ(اعتدى).
والمصدر المؤوّل من ما والفعل في محلّ جرّ مضاف إليه.
(الواو) استئنافيّة (اتّقوا) مثل اعتدوا (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (اعلموا) مثل اعتدوا (أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (اللّه) اسم أنّ منصوب (مع) ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف خبر أنّ (المتّقين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
والمصدر المؤوّل من (أنّ) واسمها وخبرها سدّ مسدّ مفعولي اعلموا.
روائع البيان والتفسير: • ﴿ الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ والْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ ﴾ -قال السعدي - رحمه الله-في بيانها: يقول تعالى: ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ ﴾ يحتمل أن يكون المراد به ما وقع من صد المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية، عن الدخول لمكة، وقاضوهم على دخولها من قابل، وكان الصد والقضاء في شهر حرام، وهو ذو القعدة، فيكون هذا بهذا، فيكون فيه، تطييب لقلوب الصحابة، بتمام نسكهم، وكماله.
ويحتمل أن يكون المعنى: إنكم إن قاتلتموهم في الشهر الحرام فقد قاتلوكم فيه، وهم المعتدون، فليس عليكم في ذلك حرج، وعلى هذا فيكون قوله: ﴿ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ﴾ من باب عطف العام على الخاص، أي: كل شيء يحترم من شهر حرام، أو بلد حرام، أو إحرام، أو ما هو أعم من ذلك، جميع ما أمر الشرع باحترامه، فمن تجرأ عليها فإنه يقتص منه، فمن قاتل في الشهر الحرام، قوتل، ومن هتك البلد الحرام، أخذ منه الحد، ولم يكن له حرمة، ومن قتل مكافئا له قتل به، ومن جرحه أو قطع عضوا، منه، اقتص منه، ومن أخذ مال غيره المحترم، أخذ منه بدله، ولكن هل لصاحب الحق أن يأخذ من ماله بقدر حقه أم لا؟ خلاف بين العلماء، الراجح من ذلك، أنه إن كان سبب الحق ظاهرا كالضيف، إذا لم يقره غيره، والزوجة، والقريب إذا امتنع من تجب عليه النفقة من الإنفاق عليه فإنه يجوز أخذه من ماله.
وإن كان السبب خفيا، كمن جحد دين غيره، أو خانه في وديعة، أو سرق منه ونحو ذلك، فإنه لا يجوز له أن يأخذ من ماله مقابلة له، جمعا بين الأدلة.اهـ[36].
• وأضاف ابن عثيمين- رحمه الله -في تفسير وبيان قوله تعالى ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ﴾ فقال: قوله تعالى: ﴿ فمن اعتدى عليكم ﴾ أي من تجاوز الحد في معاملتكم سواء كان ذلك بأخذ المال، أو بقتل النفس، أو بالعرض، أو بما دون ذلك، أو أكثر فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم.
وقوله تعالى هنا: ﴿ فاعتدوا عليه ﴾: ليس أخذنا بالقصاص اعتداء؛ ولكنه سمي اعتداءً؛ لأنه مسبَّب عن الاعتداء؛ فكأنه يقول: أنتم إذا اعتدى عليكم أحد فخذوا حقكم منه؛ ثم فيه نكتة أخرى أن العادي يرى نفسه في مقام أعز من المعتدى عليه، وأرفع منه؛ ولو كان يرى نفسه في مكان دونه لم يعتدِ؛ فكأنه يقول: إن قصاصكم يعتبر أيضاً عزاً لكم؛ كما أنه هو طغى واعتدى، فأنتم الآن يعتبر قصاصكم بمنزلة المرتبة العليا بالنسبة إليهم؛ وإن شئت فقل: أطلق على المجازاة اعتداءً من باب المشاكلة اللفظية.
قوله تعالى: ﴿ بمثل ما اعتدى عليكم ﴾: ادعى بعضهم أن الباء هنا زائدة، وقال: إن التقدير: فاعتدوا عليه مثل ما اعتدى عليكم؛ على أن تكون «مثل» هنا مفعولاً مطلقاً أي عدواناً، أو اعتداءً مثل اعتدائه؛ ولكن الصواب أنها ليست زائدة، وأنّها أصلية؛ وأن المعنى: اعتدوا عليه بمثله؛ فالباء للبدل؛ بحيث يكون المثل مطابقاً لما اعتدى عليكم به في هيئته، وفي كيفيته، وفي زمنه، وفي مكانه؛ فإذا اعتدى عليكم أحد بقتال في الحرم فاقتلوه؛ وإذا اعتدى عليكم أحد بقتال في الأشهر الحرم فقاتلوه؛ فتكون الباء هنا دالة على المقابلة، والعوض.
قوله تعالى: ﴿ واتقوا الله ﴾ أي اتخذوا وقاية من عذابه بفعل أوامره، واجتناب نواهيه؛ وفي هذا المقام اتقوا الله فلا تتعدَّوا ما يجب لكم من القصاص؛ لأن الإنسان إذا ظُلِم فإنه قد يتجاوز، ويتعدى عند القصاص.
قوله تعالى: ﴿ واعلموا أن الله مع المتقين ﴾؛ أمر بالعلم بأن الله مع المتقين؛ وهو أوكد من مجرد الخبر؛ والمراد به العلم مع الاعتقاد.
وقوله تعالى: ﴿ مع المتقين ﴾ أي المتخذين وقاية من عذاب الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه.
اهـ[37].
﴿ وأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ وأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ﴾
إعراب مفردات الآية[38]: (الواو) عاطفة (أنفقوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (في سبيل) جارّ ومجرور متعلّق بـ(أنفقوا)، (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة (تلقوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعل (بأيدي) جارّومجرور متعلّق بـ(تلقوا) بتضمينه معنى ترموا بأيديكم «[39]»، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة و(كم) ضمير مضاف إليه (إلى التهلكة) جارّ ومجرور متعلّق بفعل تلقوا (الواو) عاطفة (أحسنوا) مثل أنفقوا (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (يحبّ) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (المحسنين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء.
روائع البيان والتفسير: سبب نزول هذه الآية ما جاء في الصحيح المسند من أسباب النزول للمحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي–رحمه الله- قال: في البخاري-رحمه الله -: "ج9/ - ص251 عن حذيفة- ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ قال نزلت في النفقة.اهـ[40].
• ﴿ وأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ - قال السعدي في تفسيرها ما مختصره: يأمر تعالى عباده بالنفقة في سبيله، وهو إخراج الأموال في الطرق الموصلة إلى الله، وهي كل طرق الخير، من صدقة على مسكين، أو قريب، أو إنفاق على من تجب مؤنته.
وأعظم ذلك وأول ما دخل في ذلك الإنفاق في الجهاد في سبيل الله، فإن النفقة فيه جهاد بالمال، وهو فرض كالجهاد بالبدن، وفيها من المصالح العظيمة، الإعانة على تقوية المسلمين، وعلى توهية الشرك وأهله، وعلى إقامة دين الله وإعزازه، فالجهاد في سبيل الله لا يقوم إلا على ساق النفقة، فالنفقة له كالروح، لا يمكن وجوده بدونها، وفي ترك الإنفاق في سبيل الله، إبطال للجهاد، وتسليط للأعداء، وشدة تكالبهم، فيكون قوله تعالى: ﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ كالتعليل لذلك، والإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين: ترك ما أمر به العبد، إذا كان تركه موجبا أو مقاربا لهلاك البدن أو الروح، وفعل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح، فيدخل تحت ذلك أمور كثيرة، فمن ذلك، ترك الجهاد في سبيل الله، أو النفقة فيه، الموجب لتسلط الأعداء، ومن ذلك تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة أو سفر مخوف، أو محل مسبعة أو حيات، أو يصعد شجرا أو بنيانا خطرا، أو يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك، فهذا ونحوه، ممن ألقى بيده إلى التهلكة.اهـ[41].
• ﴿ وأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ﴾ قال ابن عثيمين- رحمه الله- قوله تعالى: ﴿ وأحسنوا ﴾ أي افعلوا الإحسان في عبادة الخالق؛ وفي معاملة المخلوق؛ أما الإحسان في عبادة الخالق فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»[42]؛ وأما الإحسان في معاملة الخلق: فأن تعاملهم بما تحب أن يعاملوك به من بذل المعروف، وكفّ الأذى.
قوله تعالى: ﴿ إن الله يحب المحسنين ﴾ تعليل للأمر بالإحسان؛ ولو لم يكن من الإحسان إلا هذا لكان كافياً للمؤمن أن يقوم بالإحسان.اهـ[43].   ﴿ وأَتِمُّوا الحَجَّ والْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ ولا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ إعراب مفردات الآية[44]: (الواو) استئنافيّة (أتموا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (الحجّ) مفعول به منصوب (العمرة) معطوف على الحج بالواو منصوب مثله (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بـ(أتمّوا) (الفاء) عاطفة (إن) حرف شرط جازم (أحصرتم) فعل ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط..
و(تم) ضمير في محلّ رفع نائب فاعل (الفاء) رابطة لجواب الشرط (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ وخبره محذوف تقديره واجب عليكم «[45]»، (استيسر) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من الهدي) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من فاعل استيسر (الواو) عاطفة (لا) ناهية جازمة (تحلقوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعل (رؤوس) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه (حتّى) حرف غاية وجرّ (يبلغ) مضارع منصوب بـ(أن) مضمرة بعد حتّى (الهدي) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة الظاهرة (محلّ) مفعول به منصوب و(الهاء) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن يبلغ...) في محلّ جرّ متعلّق بـ(تحلقوا).
(الفاء) عاطفة (من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (كان) فعل ماض ناقص في محلّ جزم فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر تقديره هو (من) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من اسم كان (مريضا) خبر كان منصوب (أو) حرف عطف (الباء) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (أذى) مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف من (رأس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لأذى، و(الهاء) ضمير مضاف إليه (الفاء) رابطة لجواب الشرط (فدية) مبتدأ مرفوع، وخبره محذوف تقديره عليه فدية (من صيام) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لفدية (أو) حرف عطف (صدقة) معطوف على صيام مجرور مثله، وكذلك (نسك).
(الفاء) عاطفة (إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق بالجواب وهو معنى الاستقرار أي فعليه ما استيسر أي يستقرّ عليه الهدي (أمنتم) فعل ماض مبنيّ على السكون..
و(تم) ضمير فاعل (الفاء) رابطة لجواب الشرط إذا (من) اسم شرط جازم «[46]» في محلّ رفع مبتدأ (تمتّع) فعل ماض مبنيّ على الفتح في محلّ جزم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (بالعمرة) جارّ ومجرور متعلّق بـ(تمتّع)، (إلى الحجّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من فاعل تمتّع أي تمتّع مستمرّا بالتمتّع إلى الحج (الفاء) رابطة لجواب الشرط من (ما استيسر من الهدي) مثل الأولى في الآية ذاتها (الفاء) عاطفة (من) مثل الأول (لم) حرف نفي «[47]»، (يجد) مضارع مجزوم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الفاء) رابطة لجواب الشرط من (صيام) مبتدأ مرفوع والخبر محذوف تقديره عليه صيام (ثلاثة) مضاف إليه مجرور (أيّام) مضاف إليه مجرور (في الحجّ) جارّ ومجرور متعلّق بصيام (الواو) عاطفة (سبعة) معطوف على ثلاثة مجرور مثله (إذا) ظرف للزمن المستقبل مجرّد من الشرط في محلّ نصب متعلّق بصيام (رجعتم) فعل ماض وفاعله.
(تي) اسم إشارة مبنيّ على السكون الظاهر على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين في محلّ رفع مبتدأ و(اللام) للبعد و(الكاف) للخطاب (عشرة) خبر مرفوع (كاملة) نعت لعشرة مرفوع مثله (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ والإشارة إلى الحكم المذكور و(اللام) للبعد و(الكاف) للخطاب (اللام) حرف جرّ (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ ذا (لم) حرف نفي وقلب وجزم (يكن) مضارع ناقص مجزوم (أهل) اسم يكن مرفوع و(الهاء) ضمير مضاف إليه (حاضري) خبر يكن منصوب وعلامة النصب الياء وحذفت النون للإضافة (المسجد) مضاف إليه مجرور (الحرام) نعت للمسجد مجرور مثله.
(الواو) استئنافيّة (اتّقوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (اعلموا) مثل اتّقوا (أنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم أنّ منصوب (شديد) خبر مرفوع (العقاب) مضاف إليه مجرور.
والمصدر المؤوّل من (أنّ) واسمها وخبرها سدّ مسدّ مفعوليّ اعلموا.
روائع البيان والتفسير: سبب نزول هذه الآية ماجاء في الصحيح المسند من أسباب النزول للمحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله - ما نصه: قال الطبراني كما في مجمع البحرين من زوائد المعجمين مخطوط "ج2 / ص141":
عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال: جاء إلى رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال: كيف تأمرني في عمرتي، فأنزل الله عز وجل ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من السائل عن العمرة" فقال: أنا.
فقال: "ألق ثيابك واغتسل واستنشق ما استطعت وما كنت صانعا في حجتك فاصنع في عمرتك".اهـ[48].
ثم قال- رحمه الله-: قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ الآية 196 قال الإمام البخاري في صحيحه "ج4 / ص387 ":حدثنا أبو نعيم حدثنا سيف قال: حدثني مجاهد قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى أن كعب بن عجرة حدثه قال: وقفت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالحديبية ورأسي يتهافت قملا فقال:"يؤذيك هوامك؟" قلت نعم قال: "فاحلق رأسك أو احلق" قال: فيَّ نزلت هذه الآية {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} إلى آخرها، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "صم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق بين ستة أو انسك مما تيسر".اهـ[49].
• ﴿ وأَتِمُّوا الحَجَّ والْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ ﴾ -قال البغوي –رحمه الله- في بيانها بتصرف يسير: قوله عز وجل ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ قرأ علقمة وإبراهيم النخعي[50] ﴿ وأقيموا الحج والعمرة لله ﴾ واختلفوا في إتمامهما فقال بعضهم: هو أن يتمهما بمناسكهما وحدودهما وسننهما، وهو قول ابن عباس وعلقمة وإبراهيم النخعي ومجاهد، وأركان الحج خمسة..
الإحرام والوقوف بعرفة، وطواف الزيارة، والسعي بين الصفا والمروة، وحلق الرأس أو التقصير.
وللحج تحللان، وأسباب التحلل ثلاثة: رمي جمرة العقبة يوم النحر وطواف الزيارة والحلق، فإذا وجد شيئان من هذه الأشياء الثلاثة حصل التحلل الأول، وبالثلاث حصل التحلل الثاني، وبعد التحلل الأول تستبيح جميع محظورات الإحرام إلا النساء، وبعد الثاني يستبيح الكل، وأركان العمرة أربعة: الإحرام، والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق، وقال سعيد بن جبير وطاووس: تمام الحج والعمرة أن تحرم بهما مفردين مستأنفين من دويرة أهلك، وسئل علي بن أبي طالب عن قوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ قال أن تحرم بهما من دويرة أهلك ومثله عن ابن مسعود، وقال قتادة: تمام العمرة أن تعمل في غير أشهر الحج، فإن كانت في أشهر الحج ثم أقام حتى حج فهي متعة، وعليه فيها الهدي إن وجده، أو الصيام إن لم يجد الهدي، وتمام الحج أن يؤتى بمناسكه كلها حتى لا يلزم عامله دم بسبب قران ولا متعة وقال الضحاك: إتمامها أن تكون النفقة حلالا وينتهي عما نهى الله عنه، وقال سفيان الثوري: إتمامها أن تخرج من أهلك لهما، ولا تخرج لتجارة ولا لحاجة.اهـ[51].
• وذكر السعدي–رحمه الله –فوائد جليلة مستخلصة من الآية وتفسيرها فقال: يستدل بقوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ﴾ على أمور: أحدها: وجوب الحج والعمرة، وفرضيتهما. الثاني: وجوب إتمامهما بأركانهما، وواجباتهما، التي قد دل عليها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: "خذوا عني مناسككم " الثالث: أن فيه حجة لمن قال بوجوب العمرة. الرابع: أن الحج والعمرة يجب إتمامهما بالشروع فيهما، ولو كانا نفلا. الخامس: الأمر بإتقانهما وإحسانهما، وهذا قدر زائد على فعل ما يلزم لهما. السادس: وفيه الأمر بإخلاصهما لله تعالى. السابع: أنه لا يخرج المحرم بهما بشيء من الأشياء حتى يكملهما، إلا بما استثناه الله، وهو الحصر، فلهذا قال: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ﴾ أي: منعتم من الوصول إلى البيت لتكميلهما، بمرض، أو ضلالة، أو عدو، ونحو ذلك من أنواع الحصر، الذي هو المنع.
ثم قال- رحمه الله-: ﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ أي: فاذبحوا ما استيسر من الهدي، وهو سُبع بدنة، أو سبع بقرة، أو شاة يذبحها المحصر، ويحلق ويحل من إحرامه بسبب الحصر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لما صدهم المشركون عام الحديبية، فإن لم يجد الهدي، فليصم بدله عشرة أيام كما في المتمتع ثم يحل.اهـ[52].
• ﴿ ولا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ قال ابن كثير -ر حمه الله-: قوله: ﴿ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ وليس معطوفًا على قوله: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ كما زعمه ابن جرير، رحمه الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم، حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم، فأما في حال الأمن والوصول إلى الحرم فلا يجوز الحلق ﴿ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة، إن كان قارنًا، أو من فعْل أحدهما إن كان مُفْردًا أو متمتعًا، كما ثبت في الصحيحين عن حَفْصَةَ أنها قالت: يا رسول الله، ما شأن الناس حَلّوا من العمرة، ولم تَحِلّ أنت من عمرتك؟ فقال: "إني لَبَّدْتُ رأسي وقلَّدت هَدْيي، فلا أحلّ حتى أنحر" [53].اهـ[54].
• وأضاف البغوي -رحمه الله- بتصرف يسير: قوله تعالى ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ﴾ معناه لا تحلقوا رءوسكم في حال الإحرام إلا أن تضطروا إلى حلقه لمرض أو لأذى في الرأس من هوام أو صداع.
ثم قال: قوله تعالى: ﴿ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ ﴾ أي ثلاثة أيام ﴿ أَوْ صَدَقَةٍ ﴾ أي ثلاثة آصُع على ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع ﴿ أَوْ نُسُكٍ ﴾ واحدتها نسيكة أي ذبيحة، أعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدناها شاة، أيتها شاء ذبح، فهذه الفدية على التخيير والتقدير، ويتخير بين أن يذبح أو يصوم أو يتصدق، وكل هدي أو طعام يلزم المحرمَ يكون بمكة ويتصدق به على مساكين الحرم إلا هديا يلزم المحصر فإنه يذبحه حيث أحصر، وأما الصوم فله أن يصوم حيث شاء.اهـ [55].
• ﴿ فَإذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ -قال السعدي في بيانها- رحمه الله- إجمالاً: ﴿ فَإِذَا أَمِنْتُمْ ﴾ أي: بأن قدرتم على البيت من غير مانع عدو وغيره، ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ﴾ بأن توصل بها إليه، وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منها.
﴿ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾ أي: فعليه ما تيسر من الهدي، وهو ما يجزئ في أضحية، وهذا دم نسك، مقابلة لحصول النسكين له في سفرة واحدة، ولإنعام الله عليه بحصول الانتفاع بالمتعة بعد فراغ العمرة، وقبل الشروع في الحج، ومثلها القِران لحصول النسكين له.
ويدل مفهوم الآية على أن المفرد للحج ليس عليه هدي، ودلت الآية على جواز، بل فضيلة المتعة، وعلى جواز فعلها في أشهر الحج.
﴿ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ﴾ أي الهدي أو ثمنه ﴿ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ﴾ أول جوازها من حين الإحرام بالعمرة، وآخرها ثلاثة أيام بعد النحر، أيام رمي الجمار، والمبيت بـ"منى" ولكن الأفضل منها أن يصوم السابع، والثامن، والتاسع، ﴿ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ﴾ أي: فرغتم من أعمال الحج، فيجوز فعلها في مكة، وفي الطريق، وعند وصوله إلى أهله.
﴿ ذَلِكَ ﴾ المذكور من وجوب الهدي على المتمتع ﴿ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ بأن كان عند مسافة قصر فأكثر، أو بعيدا عنه عرفات، فهذا الذي يجب عليه الهدي، لحصول النسكين له في سفر واحد، وأما من كان أهله من حاضري المسجد الحرام، فليس عليه هدي لعدم الموجب لذلك.
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ أي: في جميع أموركم، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ومن ذلك، امتثالكم لهذه المأمورات، واجتناب هذه المحظورات المذكورة في هذه الآية.
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ أي: لمن عصاه، وهذا هو الموجب للتقوى، فإن من خاف عقاب الله انكف عما يوجب العقاب، كما أن من رجا ثواب الله عمل لما يوصله إلى الثواب، وأما من لم يخف العقاب، ولم يرج الثواب؛ اقتحم المحارم، وتجرأ على ترك الواجبات.اهـ [56].
﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدَالَ فِي الحَجِّ ومَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى واتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ إعراب مفردات الآية[57]) (الحجّ) مبتدأ مرفوع «[58]»، (أشهر) خبر مرفوع «[59]»، (معلومات) نعت لأشهر مرفوع مثله (الفاء) عاطفة (من) اسم شرط جازم في محلّ رفع مبتدأ (فرض) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي فرض على نفسه.
(في) حرف جرّ و(هنّ) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بـ(فرض)، (الحجّ) مفعول به منصوب (الفاء) رابطة لجواب الشرط (لا) نافية للجنس (رفث) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب (الواو) عاطفة (لا فسوق) مثل لا رفث، وكذلك (لا جدال)، (في الحجّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر لا جدال «[60]»، (الواو) عاطفة (ما) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ نصب مفعول به عامله (تفعلوا) وهو مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون..
والواو فاعل (من خير) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من ما و(من) هنا بيانيّة «[61]»، (يعلم) مضارع مجزوم جواب الشرط و(الهاء) ضمير مفعول به (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع.
(الواو) استئنافيّة (تزوّدوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل، والمفعول به محذوف تقديره: ما يبلّغكم لسفركم (الفاء) تعليليّة (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (خير) اسم إنّ منصوب (الزاد) مضاف إليه مجرور (التقوى) خبر إنّ مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف.
(الواو) عاطفة (اتّقوا) مثل تزوّدوا و(النون) للوقاية و(الياء)المحذوفة للتخفيف ضمير مفعول به، أصله اتّقوني (يا) أداة نداء (أولي) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الياء فهو ملحق بجمع المذكّر السالم (الألباب) مضاف إليه مجرور.
روائع البيان والتفسير: سبب نزول قوله تعالى﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ في الآية ماجاء في الصحيح المسند من أسباب النزول للمحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي–رحمه الله-قال ما نصه: في البخاري -رحمه الله-:( ج/ 4- ص/ 127) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون، فإذا قدموا المدينة سألوا الناس فأنزل الله تعالى ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾.اهـ[62].
• ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدَالَ فِي الحَجِّ ﴾قال القرطبي- رحمه الله:ما مختصره: قوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ﴾ لما ذكر الحج والعمرة سبحانه وتعالى في قوله:﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ﴾ [البقرة: 196] بين اختلافهما في الوقت، فجميع السنة وقت للإحرام بالعمرة، ووقت العمرة، وأما الحج فيقع في السنة مرة، فلا يكون في غير هذه الأشهر.
اهـ[63].
• وزاد البغوي- رحمه الله- فقال: قوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ أي وقت الحج أشهر معلومات؛ وهي: شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، ويروى عن ابن عمر: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وكل واحد من اللفظين صحيح غير مختلف، فمن قال عشر عبر به عن الليالي ومن قال تسع عبر به عن الأيام، فإن آخر أيامها يوم عرفة، وهو يوم التاسع وإنما قال أشهر بلفظ الجمع وهي شهران وبعض الثالث لأنها وقت، والعرب تسمي الوقت تاما بقليله وكثيره فتقول العرب: أتيتك يوم الخميس وإنما أتاه في ساعة منه، ويقول زرتك العام، وإنما زاره في بعضه، وقيل الاثنان فما فوقهما جماعة لأن معنى الجمع ضم الشيء إلى الشيء، فإذا جاز أن يسمى الاثنان جماعة جاز أن يسمى الاثنان وبعض الثالث جماعة وقد ذكر الله تعالى الاثنين بلفظ الجمع فقال: ﴿ فقد صغت قلوبكما ﴾ ( 4-التحريم) أي قلباكما، وقال عروة بن الزبير[64] وغيره: أراد بالأشهر شوالا وذا القعدة وذا الحجة كملا لأنه يبقى على الحاج أمور بعد عرفة يجب عليه فعلها، مثل الرمي والذبح والحلق وطواف الزيارة والبيتوتة بمنى فكانت في حكم الجمع ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ﴾ أي فمن أوجب على نفسه.اهـ[65].
• قلت ولكن ابن عثيمين فسرها وبينها خلاف البغوي فقال- رحمه الله-: قوله تعالى: ﴿ الحج أشهر معلومات ﴾ يعني أن الحج يكون في أشهر معلومات؛ وهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة؛ وقيل: العشر الأول من ذي الحجة؛ والأول أصح؛ وقد استُشكل كون الخبر ﴿ أشهر ﴾؛ ووجه الإشكال: أن الحج عمل، والأشهر زمن؛ فكيف يصح أن يكون الزمن خبراً عن العمل؟ وأجيب بأن هذا على حذف مضاف؛ والتقدير: الحج ذو أشهر معلومات؛ فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه؛ وقيل: التقدير: الحج وقته أشهر معلومات؛ والتقدير الأول أقرب.
ثم قال في فوائد الآية-رحمه الله-ما مختصره: أن أشهر الحج ثلاثة؛ لقوله تعالى: ﴿ أشهر ﴾؛ وهي جمع قلة؛ والأصل في الجمع أن يكون ثلاثة فأكثر؛ هذا المعروف في اللغة العربية؛ ولا يطلق الجمع على اثنين، أو اثنين وبعض الثالث إلا بقرينة؛ وهنا لا قرينة تدل على ذلك؛ لأنهم إن جعلوا أعمال الحج في الشهرين وعشرة الأيام يرد عليه أن الحج لا يبدأ فعلاً إلا في اليوم الثامن من ذي الحجة؛ وينتهي في الثالث عشر؛ وليس العاشر؛ فلذلك كان القول الراجح أنه ثلاثة أشهر كاملة؛ وهو مذهب مالك؛ وهو الصحيح؛ لأنه موافق للجمع؛ وفائدته أنه لا يجوز تأخير أعمال الحج إلى ما بعد شهر ذي الحجة إلا لعذر؛ لو أخرت طواف الإفاضة مثلاً إلى شهر المحرم قلنا: هذا لا يجوز؛ لأنه ليس في أشهر الحج والله تعالى يقول: ﴿ الحج أشهر ﴾؛ فلا بد أن يقع في أشهر الحج؛ ولو أخرت الحلق إلى المحرم فهذا لا يجوز؛ لأنه تعدى أشهر الحج.
اهـ[66].
• "قلت أنا "سيد مبارك": وهذا الاختلاف في تفسير قوله تعالى ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ بين أئمة التفسير ذكره أبو جعفر الطبري في تفسيره وذكر كل الأقوال ونذكر هنا ترجيحه ليكون فصل الخطاب – والله أعلم بالصواب.
• قال -رحمه الله-: والصواب من القول في ذلك عندنا قول من قال: إن معنى ذلك الحج شهران وعشر من الثالث; لأن ذلك من الله خبر عن ميقات الحج، ولا عمل للحج يعمل بعد انقضاء أيام منى، فمعلوم أنه لم يعن بذلك جميع الشهر الثالث، وإذا لم يكن معنيا به جميعه، صح قول من قال: وعشر ذي الحجة. فإن قال قائل: فكيف قيل:"الحج أشهر معلومات" وهو شهران وبعض الثالث؟ قيل: إن العرب لا تمتنع خاصة في الأوقات من استعمال مثل ذلك، فتقول:"له اليوم يومان منذ لم أره"، وإنما تعني بذلك: يوما وبعض آخر، وكما قال جل ثناؤه: ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 203] وإنما يتعجل في يوم ونصف.
وقد يفعل الفاعل منهم الفعل في الساعة، ثم يخرجه عاما على السنة والشهر، فيقول:"زرته العام، وأتيته اليوم"، وهو لا يريد بذلك أن فعله أخذ من أول الوقت الذي ذكره إلى آخره، ولكنه يعني أنه فعله إذ ذاك، وفي ذلك الحين، فكذلك"الحج أشهر"، والمراد منه: الحج شهران وبعض آخر.
فمعنى الآية إذا: ميقات حجكم أيها الناس شهران وبعض الثالث، وهو شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة.اهـ[67]. • وذكر السعدي- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى ﴿ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ ما نصه: أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج، وخصوصا الواقع في أشهره، وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه، من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية، خصوصا عند النساء بحضرتهن.
والفسوق وهو: جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام. والجدال وهو: المماراة والمنازعة والمخاصمة، لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة.
والمقصود من الحج الذل والانكسار لله، والتقرب إليه بما أمكن من القربات، والتنزه عن مقارفة السيئات، فإنه بذلك يكون مبرورا، والمبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وهذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان، فإنها يتغلظ المنع عنها في الحج.اهـ[68].
• ﴿ ومَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى واتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ قال القرطبي- رحمه الله- في تفسيرها إجمالاً: والمعنى أن الله يجازيكم على أعمالكم، لأن المجازاة إنما تقع من العالم بالشيء.
وقيل: تحريض وحث على حسن الكلام مكان الفحش، وعلى البر والتقوى في الأخلاق مكان الفسوق والجدال.
وقيل: جعل فعل الخير عبارة عن ضبط أنفسهم حتى لا يوجد ما نهوا عنه.اهـ[69].
• وزاد السعدي بياناً عن المقصود بزاد التقوي في الآية فقال-رحمه الله-:وأما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه، في دنياه وأخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار، وهو الموصل لأكمل لذة، وأجل نعيم دائم أبدا، ومن ترك هذا الزاد، فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين.
فهذا مدح للتقوى.
ثم أمر بها أولي الألباب فقال: ﴿ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ ﴾ أي: يا أهل العقول الرزينة، اتقوا ربكم الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول، وتركها دليل على الجهل، وفساد الرأي.اهـ [70].
﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ واذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وإن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ إعراب مفردات الآية[71]: (ليس) فعل ماض ناقص جامد (على) حرف جرّ و(كم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر ليس (جناح) اسم ليس مؤخّر مرفوع (أن) حرف مصدريّ ونصب (تبتغوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون..
والواو فاعل (فضلا) مفعول به منصوب (من ربّ) جارّ ومجرور متعلّق بـ(تبتغوا) «[72]»، و(كم) مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن تبتغوا...) في محلّ جرّ بحرف جرّ محذوف تقديره في أن تبتغوا..
والجارّ والمجرور متعلّق بمحذوف نعت لجناح.
(الفاء) عاطفة (إذا) ظرف للزمن المستقبل تضمّن معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق بالجواب اذكروا (أفضتم) فعل ماض مبنيّ على السكون و(تم) ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل (من عرفات) جارّ ومجرور متعلّق بـ(أفضتم)، (الفاء) رابطة لجواب الشرط (اذكروا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (عند) ظرف مكان منصوب متعلّق بـ(اذكروا) «[73]»، (المشعر) مضاف إليه مجرور (الحرام) نعت للمشعر مجرور مثله (الواو) عاطفة(اذكروا) مثل الأول و(الهاء) ضمير مفعول به (الكاف) حرف جرّ وتعليل «[74]»، (ما) حرف مصدريّ (هدى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر (كم) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.
والمصدر المؤوّل (ما هداكم) في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بـ(اذكروه) أي لأجل هدايته إيّاكم.
(الواو) استئنافيّة (إن) مخفّفة من الثقيلة، وهي هنا مهملة وجوبا...
(كنتم) فعل ماض ناقص مبنيّ على السكون..
و(تم) ضمير اسم كان (من قبل) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف دلّ عليه لفظ الضالّين..
أو متعلّق بالضالّين المذكور، و(الهاء) ضمير مضاف إليه (اللام) هي الفارقة التي تميّز بين إن النافية والمخفّفة من الثقيلة (من الضالّين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كنتم، وعلامة الجرّ الياء.
روائع البيان والتفسير: سبب نزول قوله تعالى ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ ما جاء في الصحيح المسند من أسباب النزول للمحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي–رحمه الله-قال ما نصه: في البخاري -رحمه الله -في صحيحه "ج/ 5 –ص/ 224 ": عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فأنزل الله تعالى: "لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ" قرأ ابن عباس هكذا.اهـ[75].
• ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ ﴾. قال ابن عثيمين-رحمه الله-:لما أمر الله بالتزود، وبيَّن أن خير الزاد التقوى، وأمر بالتقوى، قد يقول قائل: إذا اتجرت أثناء حجي صار عليّ في ذلك إثم؛ ولهذا تحرج الصحابة من الاتجار في الحج؛ فبين الله عزّ وجلّ أن ذلك لا يؤثر، وأنه ليس فيه إثم؛ فقال تعالى:﴿ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم ﴾ أي أن تبتغوا الرزق، وتطلبوه بالتجارة؛ كقوله تعالى: ﴿ وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ﴾ [المزمل: 20].
ومعنى ﴿ أفضتم ﴾: دفعتم؛ والتعبير ب﴿ ـ أفضتم ﴾ يصور لك هذا المشهد كأن الناس أودية تندفع؛ و﴿ عرفات ﴾ على صيغ الجمع؛ وهي اسم لمكان واحد؛ وهو معروف؛ وسمي عرفات لعدة مناسبات: قيل: لأن الناس يعترفون هناك بذنوبهم، ويسألون الله أن يغفرها لهم. وقيل: لأن الناس يتعارفون بينهم؛ إذ إنه مكان واحد يجتمعون فيه في النهار؛ فيعرف بعضهم بعضاً. وقيل: لأن جبريل لما علَّم آدم المناسك، ووصل إلى هذا قال: عرفت. وقيل: لأن آدم لما أهبط إلى الأرض هو وزوجته تعارفا في هذا المكان. وقيل: لأنها مرتفعة على غيرها؛ والشيء المرتفع يسمى عُرْفاً؛ ومنه: أهل الأعراف، كما قال تعالى: ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالاً ﴾ [الأعراف: 48]؛ ومنه: عُرْف الديك؛ لأنه مرتفع؛ وكل شيء مرتفع يسمى بهذا الاسم.
وعندي - والله أعلم - أن هذا القول الأخير أقرب الأقوال؛ وكذلك الأول: أنه سمي عرفات؛ لأن الناس يعترفون فيه لله تعالى بالذنوب؛ ولأنه أعرف الأماكن التي حوله.
و﴿ عرفات ﴾ مشعر حلال خارج الحرم؛ ومع ذلك فهو الحج، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»[76]؛ والحكمة من الوقوف فيها أن يجمع الحاج في نسكه بين الحل والحرم؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تحرم بالعمرة من التنعيم؛ لتجمع فيها بين الحل والحرم.اهـ[77].
• ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ ﴾ قال البغوي-رحمه الله-: قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾ بالدعاء والتلبية ﴿ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى المحسر، وليس المأزمان ولا المحسر من المشعر، وسمي مشعرا من الشعار وهي العلامة لأنه من معالم الحج، وأصل الحرام: من المنع فهو، ممنوع أن يفعل فيه ما لم يؤذن فيه، وسمي المزدلفة جَمعا: لأنه يجمع فيه بين صلاتي العشاء، والإفاضة من عرفات تكون بعد غروب الشمس، ومن جَمْعٍ قبل طلوعها من يوم النحر.اهـ[78].
• وزاد السعدي-رحمه الله: في قوله: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾ دلالة على أمور: أحدها: الوقوف بعرفة، وأنه كان معروفا أنه ركن من أركان الحج، فالإفاضة من عرفات، لا تكون إلا بعد الوقوف.
الثاني: الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام، وهو المزدلفة، وذلك أيضا معروف، يكون ليلة النحر بائتا بها، وبعد صلاة الفجر، يقف في المزدلفة داعيا، حتى يسفر جدا، ويدخل في ذكر الله عنده، إيقاع الفرائض والنوافل فيه.
الثالث: أن الوقوف بمزدلفة، متأخر عن الوقوف بعرفة، كما تدل عليه الفاء والترتيب.
الرابع، والخامس: أن عرفات ومزدلفة، كلاهما من مشاعر الحج المقصود فعلها، وإظهارها.
السادس: أن مزدلفة في الحرم، كما قيده بالحرام.
السابع: أن عرفة في الحل، كما هو مفهوم التقييد بـ"مزدلفة ".اهـ[79].
• ﴿ واذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وإن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ -قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله: يعني بذلك جل ثناؤه: واذكروا الله أيها المؤمنون عند المشعر الحرام بالثناء عليه، والشكر له على أياديه عندكم، وليكن ذكركم إياه بالخضوع لأمره، والطاعة له والشكر على ما أنعم عليكم من التوفيق، لما وفقكم له من سنن إبراهيم خليله بعد الذي كنتم فيه من الشرك والحيرة والعمى عن طريق الحق وبعد الضلالة كذكره إياكم بالهدى، حتى استنقذكم من النار به بعد أن كنتم على شفا حفرة منها، فنجاكم منها.
وذلك هو معنى قوله:"كما هداكم".
اهـ ـ[80].
• وزاد ابن عثيمين- رحمه الله-: قوله تعالى: ﴿ لمن الضالين ﴾: يشمل الضال عن جهل؛ والضال عن علم؛ فالضال عن جهل: الذي لم يعلم بالحق أصلاً؛ والضال عن علم: الذي ترك الطريق الذي ينبغي أن يسلكه - وهو الرشد -؛ والعرب من قبل هذا الدين ضالون؛ منهم من كان ضالاً عن جهل؛ ومنهم من كان ضالاً عن علم؛ فمثلاً قريش لا تفيض من عرفة؛ وإنما تقف يوم عرفة في مزدلفة؛ قالوا: لأننا نحن أهل الحرم؛ فلا نخرج عنه؛ فكانوا يقفون في يوم عرفة في مزدلفة، ولا يفيضون من حيث أفاض الناس؛ وإذا جاء الناس وباتوا فيها خرجوا جميعاً إلى منى؛ وهذا من جهلهم، أو عنادهم.اهـ[81].
﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ واسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ إعراب مفردات الآية[82]: (ثمّ) حرف عطف (أفيضوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (من) حرف جر (حيث) اسم مبنيّ على الضمّ في محلّ جرّ متعلّق بـ(أفيضوا)، (أفاض) فعل ماض (الناس) فاعل مرفوع (الواو) عاطفة (استغفروا) مثل أفيضوا (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم (إنّ) منصوب (غفور) خبر إن مرفوع (رحيم) خبر ثان مرفوع.
روائع البيان والتفسير:
سبب نزول قوله تعالى:﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾ ماجاء في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي–رحمه الله- في البخاري -رحمه الله-" ج/ 3 –ص/ 515 ": قال عروة كان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا الحمس –والحمس قريش وما ولدت- وكانت الحمس يحتسبون على الناس يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها وتعطي المرأة المرأة الثياب تطوف فيها فمن لم يعطه الحمس طاف بالبيت عريانا وكان يفيض جماعة الناس من عرفات ويفيض الحمس من جمع.
قال وأخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها أن هذه الأية نزلت في الحمس ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾ قال كانوا يفيضون من جمع فدفعوا إلى عرفات.
ثم قال- رحمه الله-: وقال البخاري -رحمه الله- "ج/ 8 –ص/ 186": عن عائشة رضي الله عنها كانت قريش ومن يدينون دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس وكان سائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾.اهـ[83].
• ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ واسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ -قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله- بتصرف يسير: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: المعني بقوله:"ثم أفيضوا"، قريش ومن ولدته قريش، الذين كانوا يسمون في الجاهلية"الحمس"، أمروا في الإسلام أن يفيضوا من عرفات، وهي التي أفاض منها سائر الناس غير الحمس.
وذلك أن قريشا ومن ولدته قريش، كانوا يقولون:"لا نخرج من الحرم".
فكانوا لا يشهدون موقف الناس بعرفة معهم، فأمرهم الله بالوقوف معهم.
ثم ذكر –رحمه الله – أقوال من قال بذلك كأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، ومجاهد والسدي- رحمهما الله- ثم قال: وقال آخرون: المخاطبون بقوله:"ثم أفيضوا"، المسلمون كلهم، والمعني بقوله:"من حيث أفاض الناس"، من جمع، وبـ "الناس"، إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام.
و ذكر ممن قال ذلك الضحاك- رحمه الله -،ثم رجح الطبري أحد القولين فقال: والذي نراه صوابا من تأويل هذه الآية، أنه عنى بهذه الآية قريش ومن كان متحمسا معها من سائر العرب لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله.اهـ[84].
• وذكرالسعدي القولين في سياق شرحه للآية مع بيان بقية الآية فقال- رحمه الله-: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾ أي: ثم أفيضوا من مزدلفة من حيث أفاض الناس، من لدن إبراهيم عليه السلام إلى الآن، والمقصود من هذه الإفاضة كان معروفا عندهم، وهو رمي الجمار، وذبح الهدايا، والطواف، والسعي، والمبيت بـ"منى" ليالي التشريق وتكميل باقي المناسك.
ولما كانت هذه الإفاضة، يقصد بها ما ذكر، والمذكورات آخر المناسك، أمر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد، في أداء عبادته وتقصيره فيها، وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة.
وهكذا ينبغي للعبد، كلما فرغ من عبادة، أن يستغفر الله عن التقصير، ويشكره على التوفيق، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة، ومن بها على ربه، وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة، فهذا حقيق بالمقت، ورد الفعل، كما أن الأول، حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر.
وحسنة الآخرة، هي السلامة من العقوبات، في القبر، والموقف، والنار، وحصول رضا الله، والفوز بالنعيم المقيم، والقرب من الرب الرحيم، فصار هذا الدعاء، أجمع دعاء وأكمله، وأولاه بالإيثار، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به، والحث عليه.اهـ[85].
﴿ فَإذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا ومَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ﴾ إعراب مفردات الآية[86]: (الفاء) عاطفة (إذا) ظرف للزمن المستقبل يتضمّن معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق بفعل اذكروا (قضيتم) فعل ماض وفاعله (مناسك) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه (الفاء) رابطة لجواب الشرط (اذكروا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون..
والواو فاعل (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (كذكر) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف مفعول مطلق أي ذكرا كذكركم «[87]»، و(كم) ضمير مضاف إليه (آباء) مفعول به منصوب و(كم) مضاف إليه (أو) حرف عطف للتخيير أو لإباحة أو بمعنى الواو (أشدّ) معطوف على ذكر مجرور مثله، وعلامة الجرّ الفتحة عوضا من الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للوصفية ووزن أفعل «[88]»، (ذكرا) تمييز منصوب والمعنى: كونوا أشدّ ذكرا للّه منكم لآبائكم (الفاء) استئنافيّة (من الناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (من) اسم موصول مبني في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر «[89]» (يقول) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، وهو العائد (ربّ) منادى مضاف منصوب (نا) ضمير في محلّ جرّ مضاف إليه وقد حذفت أداة النداء (آت) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة و(نا) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (في الدنيا) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من مفعول آت المحذوف أي آتنا نصيبنا حاصلا في الدنيا (الواو) عاطفة (ما) نافية مهملة (اللام) حرف جرّ و(الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (في الآخرة) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من خلاق (من) حرف جرّ زائد (خلاق) مجرور لفظا مرفوع محلّا مبتدأ مؤخّر.
روائع البيان والتفسير: • ﴿ فَإذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ﴾ قال القرطبي-رحمه الله- بتصرف يسير: قوله تعالى: ﴿ فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ ﴾ قال مجاهد: المناسك الذبائح وهراقة الدماء.
وقيل: هي شعائر الحج، لقوله عليه السلام: (خذوا عني مناسككم).
المعنى: فإذا فعلتم منسكا من مناسك الحج فاذكروا الله وأثنوا عليه بآلائه عندكم.

ثم قال: و﴿ قَضَيْتُمْ ﴾ هنا بمعنى أديتم وفرغتم، قال الله تعالى: ﴿ فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ ﴾ [الجمعة: 10] أي أديتم الجمعة.
وقد يعبر بالقضاء عما فعل من العبادات خارج وقتها المحدود لها.
ثم قال- رحمه الله: قوله تعالى:﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ ﴾ كانت عادة العرب إذا قضت حجها تقف عند الجمرة، فتفاخر بالآباء، وتذكر أيام أسلافها من بسالة وكرم، وغير ذلك، حتى إن الواحد منهم ليقول: اللهم إن أبي كان عظيم القبة، عظيم الجفنة «[90]»، كثير المال، فأعطني مثل ما أعطيته، فلا يذكر غير أبيه، فنزلت الآية ليلزموا أنفسهم ذكر الله أكثر من التزامهم ذكر آبائهم أيام الجاهلية.
هذا قول جمهور المفسرين.
وقال ابن عباس وعطاء والضحاك والربيع: معنى الآية واذكروا الله كذكر الأطفال آباءهم وأمهاتهم: أبه أمه، أي فاستغيثوا به والجئوا إليه كما كنتم تفعلون في حال صغركم بآبائكم.
اهـ[91].
• وأضاف ابن كثير-رحمه الله – في تفسيرها ما مختصره: والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عز وجل؛ ولهذا كان انتصاب قوله: ﴿ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ على التمييز، تقديره كذكركم آباءكم أو أشد منه ذكرًا.
و"أو" هاهنا لتحقيق المماثلة في الخبر، كقوله: ﴿ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ [البقرة: 74]، وقوله: ﴿ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ﴾ [النساء: 77]، ﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ [الصافات: 147]، ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ [النجم: 9].
فليست هاهنا للشك قطعًا، وإنما هي لتحقيق الخبر عنه بأنه كذلك أو أزْيَد منه.اهـ[92].
• ﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا ومَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ﴾ -قال ابن عثيمين- رحمه الله- ما مختصره: قوله تعالى: قوله تعالى: ﴿ فمن الناس ﴾؛ «من» للتبعيض؛ والمعنى: بعض الناس؛ بدليل أنها قوبلت بقوله تعالى: ﴿ ومنهم ﴾؛ فيكون المعنى: بعضهم كذا؛ وبعضهم كذا؛ وهذا من باب التقسيم؛ يعني: ينقسم الناس في أداء العبادة لا سيما الحج إلى قسمين.
قوله تعالى: ﴿ من يقول ربنا آتنا في الدنيا ﴾ أي أعطنا في الدنيا؛ والمفعول محذوف؛ والتقدير: آتنا نصيبنا في الدنيا، بحيث لا يسأل إلا ما يكون في ترف دنياه فقط؛ ولا يسأل ما يتعلق بالدين؛ وربما يكون قوله تعالى: ﴿ ربنا آتنا في الدنيا ﴾ شاملاً للقول باللسان، والقول بالحال أي قد يقول صراحة -: ربنا آتنا في الدنيا مثلاً سكناً جميلاً؛ سيارة جميلة؛ وما أشبه ذلك؛ وربما يقوله بلسان الحال لا بلسان المقال؛ لأنه إذا دعا في أمور الدنيا أحضر قلبه، وأظهر فقره؛ وإذا دعا بأمور الآخرة لم يكن على هذه الحال.
ثم قال-رحمه الله-: قوله تعالى: ﴿ وما له في الآخرة من خلاق ﴾؛ يعني ما له في الآخرة من نصيب؛ لأنه لا يريد إلا الدنيا؛ فلا نصيب له في الآخرة مما دعا به؛ وقد يكون له نصيب من أعمال أخرى.اهـ[93].
﴿ .ومِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ إعراب مفردات الآية[94]: (الواو) عاطفة (من) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم(من يقول..
في الدنيا) سبق إعرابها مفردات وجملا «[95]»، (حسنة) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (في الآخرة حسنة) مثل نظيرها المتقدمة «[96]»، (الواو) عاطفة (ق) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة و(نا) ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (عذاب) مفعول به منصوب (النار) مضاف إليه.   روائع البيان والتفسير: • ﴿ ومِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ • قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله: اختلف أهل التأويل في معنى"الحسنة" التي ذكر الله في هذا الموضع. فقال بعضهم.
يعني بذلك: ومن الناس مَن يقول: ربَّنا أعطنا عافية في الدنيا وعافية في الآخرة و ذكر ممن قال بذلك كقتادة- رحمه الله- ثم قال: وقال آخرون: بل عَنى الله عز وجل بـ"الحسنة" - في هذا الموضع- في الدنيا، العلمَ والعبادة، وفي الآخرة: الجنة وذكر ممن قال ذلك الحسن- رحمه الله.ثم قال: وقال آخرون:"الحسنة" في الدنيا: المال، وفي الآخرة: الجنة.
ذكر ممن قال ذلك السدي- رحمه الله ثم بين الراجح من الأقوال عنده فقال: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن قوم من أهل الإيمان به وبرسوله، ممن حجَّ بَيته، يسألون ربهم الحسنة في الدنيا، والحسنة في الآخرة، وأن يقيهم عذاب النار.
وقد تجمع"الحسنةُ" من الله عز وجل العافيةَ في الجسم والمعاش والرزق وغير ذلك، والعلم والعبادة.
وأما في الآخرة، فلا شك أنها الجَّنة، لأن من لم يَنلها يومئذ فقد حُرم جميع الحسنات، وفارق جميع مَعاني العافية.
وإنما قلنا إن ذلك أولى التأويلات بالآية، لأن الله عز وجل لم يخصص بقوله - مخبرًا عن قائل ذلك- من معاني"الحسنة" شيئًا، ولا نصب على خُصوصه دلالة دالَّةً على أن المراد من ذلك بعض دون بعض، فالواجب من القول فيه ما قلنا: من أنه لا يجوز أن يُخَصّ من معاني ذلك شيء، وأن يحكم له بعمومه على ما عَمَّه الله.اهـ[97].
• وزاد ابن عثيمين -رحمه الله- في بيانها فقال: ﴿ من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة ﴾؛ ﴿ حسنة ﴾: مفعول «آتِ» الثاني؛ وأما﴿ حسنة ﴾ الثانية فهي معطوفة على الأولى؛ يعني من الناس من تكون همته عليا يريد الخير في الدنيا، والآخرة؛ يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة؛ وحسنة الدنيا كل ما يستحسنه الإنسان منها، مثل الصحة، وسعة الرزق، كثرة البنين، والزوجات، والقصور، والمراكب الفخمة، والأموال؛ وأما حسنة الآخرة فقيل: إنها الجنة؛ لقوله تعالى: ﴿ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ﴾ [يونس: 26]؛ ولا شك أن الحسنة العظمى في الآخرة هي الجنة؛ لكن في الآخرة حسنات يستحسن المرء وقوعها غير الجنة، مثل أن يبيض وجهه، وأن تثقل موازينه، وأن يعطى كتابه بيمينه؛ فإنه إذا أعطي الكتاب بيمينه يقول: هاؤم اقرؤوا كتابيه فرحاً مسروراً.
قوله تعالى: ﴿ وقنا عذاب النار ﴾ أي اجعل لنا وقاية من عذاب النار؛ وهذا يشمل شيئين: الأول: العصمة من الأعمال الموجبة لدخول النار. الثاني: المغفرة للذنوب التي توجب دخول النار.اهـ[98].
﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا واللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ ﴾ إعراب مفردات الآية[99]: (أولاء) اسم إشارة مبنيّ على الكسر في محلّ رفع مبتدأ و(الكاف) حرف خطاب (اللام) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (نصيب) مبتدأ مؤخّر مرفوع (من) حرف جرّ و(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف نعت لنصيب «[100]»، (كسبوا) فعل ماض وفاعله (الواو) استئنافيّة (اللّه) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع (سريع) خبر مرفوع (الحساب) مضاف إليه مجرور، وقد أضيفت الصفة إلى فاعلها.
روائع البيان والتفسير: • ﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا واللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ ﴾ -قال أبو جعفر الطبري- رحمه الله – ما مختصره: يعني بقوله جل ثناؤه: "أولئك" الذين يقولون بعد قضاء مناسكهم: ﴿ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وَقِنا عذاب النار ﴾، رغبةً منهم إلى الله جل ثناؤه فيما عنده، وعلمًا منهم بأن الخيرَ كله من عنده، وأن الفضل بيده يؤتيه من يَشاء.
فأعلم جل ثناؤه أنّ لهم نصيبًا وحظًّا من حجِّهم ومناسكهم، وثوابًا جزيلا على عملهم الذي كسبوه، وباشروا معاناته بأموالهم وأنفسهم،خاصًّا ذلك لهم دون الفريق الآخر، الذين عانوا ما عانوا من نَصَب أعمالهم وتعبها، وتكلَّفوا ما تكلفوا من أسفارهم، بغير رغبةٍ منهم فيما عند رَبهم من الأجر والثواب، ولكن رجاء خسيس من عَرض الدنيا، وابتغاء عَاجل حُطامها.
ثم قال- رحمه الله-: وأما قوله: ﴿ والله سريع الحساب ﴾، فإنه يعني جل ثناؤه: أنه محيط بعمل الفريقين كليهما اللذين من مسألة أحدهما: ﴿ رَبنا آتنا في الدنيا ﴾، ومن مسألة الآخر: ﴿ ربنا آتنا في الدنيا حَسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ﴾، فَمُحْصٍ له بأسرع الحساب، ثم إنه مجازٍ كلا الفريقين على عمله.
وإنما وصف جل ثناؤه نفسه بسرعة الحساب، لأنه جل ذكره يُحصي ما يُحصي من أعمال عباده بغير عَقد أصابع، ولا فكرٍ ولا رَوية، فِعلَ العَجَزة الضَّعَفة من الخلق، ولكنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يَعزب عنه مثقال ذرة فيهما، ثم هو مُجازٍ عبادَه على كل ذلك.
فلذلك امتدح نفسه جل ذكره بسرعة الحساب، وأخبر خلقه أنه ليس لهم بمِثْلِ، فيحتاجَ في حسابه إلى عَقد كف أو وَعْي صَدر.اهـ [101]


[1] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 385). [2] في الآية (185) من هذه السورة. [3] قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- بتحقيقه- ص( 26) الحديث أعاده البخاري رحمه الله في كتاب التفسير فقال حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق به ج9 ص249 وأخرجه مسلم ج18 ص161 وأخرجه الطيالسي ج2 ص12 وأخرجه الحاكم في المستدرك ج1 ص483 من حديث جابر وفيه كانت الأنصار والعرب –أي غير الحمس- وفيه بيان المبهم في حديث البراء أنه قطبة بن عامر وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي وليس كما قالا فإن أبا الجواب وهو الأحوص بن جواب وعمار بن رزيق1 لم يخرج لهما البخاري شيئا كما في تهذيب التهذيب فهو على شرط مسلم فقط. [4] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/ 88). [5]صحح الألباني إسناده فيالمشكاة برقم ( 2549 )، وصحيح أبي داود برقم ( 1592). [6] سبق تخريجه. [7] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 299). [8] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3/ 561 / 3088). [9] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 389). [10] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3 / 561 / 3088). [11] انظرحديثرقم/ 6917 في صحيح الجامع للألباني. [12] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4/ 300). [13] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/ 89). [14] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق (2/ 391). [15] أو اسم بمعنى مثل في محلّ رفع خبر مقدّم، أو مبتدأ خبره جزاء الكافرين. [16] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3/ 564 / 3095). [17] تفسير العلامة محمد العثيمين - مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 303). [18] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع( 1/ 525). [19] تفسير العلامة محمد العثيمين - مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 303). [20] أخرجه البخاري برقم/ 3957- باب منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح،ومسلم برقم/ 82- باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها. [21] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع ( 1 / 525). [22] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4/ 303). [23] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق (2/ 393). [24] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (3/ 569/ 3111). [25] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4/ 307). [26] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 394). [27] في الآية (190) من هذه السورة. [28] يجوز أن يكون الخبر محذوفا أي لا عدوان على أحد..
وحينئذ (إلا) أداة استثناء و(على الظالمين) بدل من الخبر بإعادة الجارّ. [29] أخرجاه في الصحيحين البخاري برقم (6904) - باب قوله تعالى ﴿ ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ﴾، ومسلم برقم (3525)- باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. [30] أخرجه البخاري برقم (24 )- باب ﴿ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ﴾،ومسلم برقم (33) - بابالأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. [31] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 526). [32] الحديث أخرجه مسلم برقم / 3533-باب ذم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو. [33] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 306). [34] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 395). [35] - أو اسم موصول والعائد محذوف تقديره اعتدى عليكم به، والجملة صلة الموصول. [36]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 / 89). [37]- تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 310). [38]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 398). [39] - الباء عند ابن هشام زائدة، وأيدي مجرور لفظا منصوب محلا مفعول به لفعل تلقوا. [40]قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعي–رحمه الله- بتحقيقه- ص(27 ):
وأخرجه الترمذي ج4 ص73 وقال حديث حسن غريب صحيح من حديث أبي أيوب، ولفظه قال أسلم أبو عمران التجيبي قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقالوا سبحان الله يلقي بنفسه إلى التهلكة فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: يا أيها الناس إنكم لتؤولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام، وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن أمولنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرد علينا ما قلناه ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم. وأخرجه أبو دواد بمثل حديث الترمذي إلا أنه قال وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وأخرج حديث الترمذي ابن حبان ص401 من موارد الظمآن، وأخرجه الطيالسي ج2 ص13 وأخرجه الحاكم ج2 ص275 وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي لكن أسلم أبو عمران لم يخرجا له شيئا فهو ليس على شرطهما وهو ثقة كما في تهذيب التهذيب.
وفي مجمع الزوائد ج6 ص317 وعن أبي جبيرة بن الضحاك قال كانت الأنصار يتصدقون ويعطون ما شاء الله فأصابتهم مصيبة فأمسكوا فأنزل الله عز وجل ﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح وزاد في الأوسط ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.
وعن النعمان بن بشير في قوله: ﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ قال: كان الرجل يذنب فيقول لا يغفر الله لي فأنزل الله تعالى: ﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.
رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح ا.
هـ.
وفي الفتح ج9 ص251 من حديث البراء نحوه قال الحافظ: وسنده صحيح ثم قال والأول أظهر لتصدير الآية بذكر النفقة فهو المعتمد في نزولها ا.
هـ.
وأقول: لا داعي لإلغاء الروايتين أعني رواية النعمان والبراء مع صحتهما فالآية تشمل من ترك الجهاد وبخل وتشمل من أذنب وظن أن الله لا يغفر له ولا مانع من أن تكون الآية نزلت في الجميع.
والله أعلم. [41]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1/ 90). [42]- الحديث أخرجاه في الصحيحين وهو في البخاري برقم / 48- باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- وتمام متنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما بارزا للناس إذ أتاه رجل يمشي فقال يا رسول الله ما الإيمان قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث الآخر قال يا رسول الله ما الإسلام قال الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال يا رسول الله ما الإحسان قال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال يا رسول الله متى الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك عن أشراطها إذا ولدت المرأة ربتها فذاك من أشراطها وإذا كان الحفاة العراة رءوس الناس فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله ﴿ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ﴾ ثم انصرف الرجل فقال ردوا علي فأخذوا ليردوا فلم يروا شيئا فقال هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم"، ومسلم نحوه برقم/ 9- باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان من حديث عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-. [43]- تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 313). [44]-انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 400). [45] - أو في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره: الواجب ما استيسر..
ويجوز أن يكون ما في موضع نصب مفعول به لفعل محذوف تقديره اهدوا أو أدّوا. [46] - يجيز أبو البقاء العكبري جعلها اسم موصول، والخبر جملة ما استيسر من الهدي على زيادة الفاء. [47] - الأولى أن يكون (لم) للنفي فقط ليبقى الاستقبال شاملا الشرط، ويكون الجزم من عمل اسم الشرط -[48]قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعي–رحمه الله- بتحقيقه- ص(29) لم يروه عن أبي الزبير إلا إبراهيم ولم يدخل أبو الزبير بين عطاء وصفوان أحدا.
ورواه مجاهد عن عطاء عن صفوان عن أبيه قلت هذا في الصحيح سوى قوله ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ ا.
هـ.
وقال: في مجمع الزوائد ج3 ص205 وعن يعلى بن أمية قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم متضمخ بالخلوق عليه مقطعات قد أحرم بعمرة وذكر الحديث ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح ا.
هـ.
وذكره الحافظ في الفتح وسكت عليه.
وأما استغراب ابن كثير رحمه الله له في تفسيره فلا وجه له لأن قوله عند الطبراني فنزل عليه﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ مبين لحديث الصحيحين الذي فيه، فنزل عليه الوحي وأما كونه عند ابن أبي حاتم عن صفوان بن أمية فالظاهر أنها سقطت منه عن أبيه ويكون الحديث عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه كما في الصحيحين والأوسط والطبراني وغيرهما من كتب الحديث. [49] قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعي–رحمه الله- بتحقيقه- الحديث أخرجه أيضا الإمام البخاري في كتاب التفسير ج9 ص252 وفي المغازي ج8 ص451 وص463 ومسلم ج8 ص119 و120 والترمذي ج4 ص73. وقال حديث حسن صحيح وأبو داود ج2 ص111 وابن ماجه رقم 3079 والإمام أحمد ج4 ص231 و242 و243 والطيالسي ج2 ص13 والدارقطني ج2 ص298 وابن جرير ج2 من طرق إلى كعب بن عجرة. [50] إبراهيم النخعي أبو عمران، وأبو عمار، إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخع، الفقيه، الكوفي، النخعي؛ أحد الأئمة المشاهير، تابعي رأي عائشة رضي الله عنها ودخل عليها، ولم يثبت له منها سماع وكان إبراهيم إذا طلبه إنسان لا يحب أن يلقاه خرجت الخادم فقالت اطلبه في المسجد؛ وقال آخر: كنا إذا خرجنا من عند إبراهيم يقول: إن سئلتم عني فقولوا لا ندري أين هو، فإنكم إذا خرجتم لا تدرون أين أكون .
توفي سنة ست وقيل خمس وتسعين للهجرة، وله تسع وأربعون سنة، وقيل: ثمان وخمسون سنة، والأول أصح.- نقلاً عن وفيات الأعيان لأبن خلكان بتصرف (1/ 35). [51] انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 / 217). [52] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة(1/ 90). [53] صحيح البخاري برقم (1464)-باب التمتع والإقران والإفراد بالحج،و مسلم برقم (2161)- باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا في وقت تحلل الحاج المفرد. [54] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 535). [55] انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 223). [56] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1/ 90). [57] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 407). [58] وذلك على حذف مضاف أي أشهر الحجّ أشهر معلومات. [59] يجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره وقته أشهر، والجملة خبر الحجّ من غير تأويل حذف مضاف. [60] وخبر (لا) الأولى والثانية محذوف أي فلا رفث في الحج ولا فسوق في الحجّ، واستغني عن ذلك بخبر الأخيرة. [61] ثمّة أوجه أخرى للتعليق ذكرت بالتفصيل في إعراب الآية (106) من هذه السورة. [62] قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- بتحقيقه- ص(31 ) ورواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة مرسلا.
الحديث أخرجه أبو دواد ج2 ص75 وعزاه ابن كثير والشوكاني إلى عبد بن حميد والنسائي وأخرجه ابن جرير في تفسيره ج2 ص279. [63] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دارالكتبالمصرية – القاهرة (2 / 405). [64] عروة بن الزبير (22 - 93 هـ = 643 - 712 م) بن العوام الأسدي القرشي أبو عبد الله: أحد الفقهاء السبعة بالمدينة.
كان عالما بالدين، صالحا كريما، لم يدخل في شئ من الفتن.
وانتقل إلى البصرة، ثم إلى مصر فتزوج وأقام بها سبع سنين.
وعاد إلى المدينة فتوفي فيها.
وهو أخو عبد الله بن الزبير لأبيه وأمه.
و " بئر عروة " بالمدينة " منسوبة إليه-نقلا عن الأعلام للزركلي(4/ 226). [65] معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 235). [66] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4 / 334). [67] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (4/ 121/ 3553) [68] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1/ 91). [69] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دارالكتب المصرية – القاهرة (2/ 410). [70] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة(1/ 90). [71] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق (2/ 412). [72] أو بمحذوف نعت ل (فضلا). [73] أو بمحذوف حال من فاعل اذكروا. [74] أي بسبب هدايته إيّاكم، ويبعد أن تكون للتشبيه فلا يصحّ أن تكون بمعنى مثل. [75] قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعي–رحمه الله- بتحقيقه- ص(31ذ ) الحديث أخرجه أيضا في كتاب التفسير ج9 ص252 عن شيخه محمد عن ابن عيينة وأخرجه أبو داود ج2 ص75 والحاكم ج1 ص449 وج2 ص277 وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي وأخرجه ابن جرير ج2 ص273.
وأخرج أبو داود ج2 ص75 والإمام أحمد ج2 ص155 والدارقطني ج2 ص292 وابن جرير ج2 ص282 من حديث ابن عمر نحوه وسنده صحيح.
[76] انظر حديث رقم/ 3172 في صحيح الجامع. [77] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين ( 4/ 338). [78] انظر معالم التنزيل للبغوي - الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 229). [79] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة(1/ 92). [80] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (4/ 183/ 3830). [81] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4/ 340). [82] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 415 ) [83] قال في الصحيح المسند من أسباب النزول المحدث العلامة أبي عبد الرحمن مقبل بن هادى الوادعى–رحمه الله- بتحقيقه- ص(32) الحديث أخرجه مسلم ج8 ص197 وأبو داود ج2 ص132 والترمذي ج3 ص625 والنسائي ج5 ص255 والطيالسي ج2 ص13 وابن حبان كما في موارد الظمآن ص425 وابن جرير ج2 ص291ا وأخرج ابن جرير ج2 ص292 من حديث ابن عباس نحوه ولكنه من حديث ابن عباس ضعيف لأنه من طريق حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وهو ضعيف وقد نسب هنا إلى جده والمعتمد على حديث عائشة السابق والله أعلم. [84] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (4/ 190/ 3842). [85] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 1 / 92). [86] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 416). [87] أو متعلّق بمحذوف حال من الواو في اذكروا أي اذكروا مبالغين كذكركم. [88] الإعراب أعلاه اختاره العكبري: أمّا الجلال فله توجيه آخر وافق فيه أبا حيان، فإن كلمة (أشدّ) منصوبة على الحال من لفظ (ذكرا) الآتي بعده وهو المفعول المطلق لفعل اذكروا اللّه، ولفظ أشد هو نعت للمصدر المذكور فلّما تقدّم عليه أعرب حالا أي اذكروا اللّه ذكرا مماثلا لذكركم آباءكم أو ذكرا أشدّ.
وعلى هذا فالجارّ والمجرور (كذكركم) هو أيضا حال من لفظ (ذكرا) المذكور، وهو نعت تقدّم على المنعوت أيضا..
ولكلّ وجهة [89] هذا هو الظاهر، ولكنّ صحة المعنى وبلاغة التعبير تدعو لجعل الجارّ والمجرور نعتا لمبتدأ محذوف تقديره بعض من الناس من يقول..
و(من) قد يكون اسم موصول، أو نكرة موصوفة ويكون في محلّ رفع خبر. [90] الجفنة: أعظم ما يكون من القصاع. [91] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي- الناشر: دارالكتب المصرية – القاهرة (2/ 231). [92] تفسير القرآن العظيم لابن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1/ 557). [93] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4/ 346 ) [94] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 419 ) [95] في الآية (200) السابقة. [96] في الآية (200) السابقة. [97] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة ( 4 / 203/ 3875). [98] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (4/ 347). [99] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان – دمشق(2/ 420). [100] يجوز أن تكون مصدريّة، والمصدر المؤوّل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف نعت لنصيب. [101] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري،تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (4/ 207/ 3885).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣