أرشيف المقالات

استحباب الإبراء من الغيبة

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2استحباب الإِبْرَاء من الغِيبة   ذكر الإمام النووي رحمه الله في كتابه "الأذكار" (ص: 297): "أنه يُستحَب لصـاحب الغِيبة أن يبرئ المغتـاب منها، ولا يجب عليه ذلك؛ لأنه تبرُّع وإسقـاط حق، فكـان إلى خيرته، ولكن يُستحَب له استحبابًا مؤكدًا الإبراء ليخلِّص أخاه المسلم من وبال هذه المعصية، ويفوز هو بعظيم ثواب الله تعالى في العفو ومحبة الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، وطريقه في تطييب نفسه بالعفو أن يُذكِّر نفسَه أن هذا الأمر قد وقع ولا سبيل إلى رفعه، فلا ينبغي أن أفوِّت ثوابه، وخلاص أخي المسلم، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43]، وقال تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ ﴾ الآيةَ [الأعراف: 199]، والآيات بنحو ما ذكرنا كثيرة.   وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)).   • وقد قال الشافعي رحمه الله: "مَن استُرضي فلم يرضَ، فهو شيطان"، وقد أنشد المتقدمون: قيل لي قد أسا إليك فلان ومُقام الفتى على الذلِّ عارُ قلت: قد جاءنا وأحدَثَ عذرًا ديةُ الذنب عندنا الاعتذارُ   فهذا الذي ذكرنا من الحث على الإبراء عن الغِيبة هو الصواب".
ا.هـ.   وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغضب: عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال قط من صدقة، فتصدَّقُوا، ولا عفا رجل عن مظلمة ظُلمها إلا زاده الله تعالى بها عزًّا، فاعفوا يزِدْكم الله عزًّا، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة يسألُ الناس، إلا فتح الله عليه باب فقر))؛ (ورواه الإمام أحمد والترمذي بنحوه، وهو في "صحيح الجامع": 3024).   وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" وأحمد عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ارحموا تُرحَموا، واغفروا يغفِرِ الله لكم، وويل لأقماع القول، وويل للمُصرِّين الذين يُصِرُّون على ما فعلوا وهو يعلمون))؛ (قال المنذري في الترغيب: رواه أحمد بإسناد جيد).   • وأخرج الطبراني عن جرير رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَم، ومَن لا يَغْفِرْ لا يُغفَر له، ومَن لا يَتُبْ لا يُتَب عليه))؛ (السلسلة الصحيحة: 483).   • قال منصور الفقيه: وقال نبينا فيما رواه عن الرحمن في علم الغيوبِ مُحالٌ أن ينالَ العفوَ من لا يَمُنُّ به على أهل الذنوبِ (بهجة المجالس: 1/ 372).   • وأخرج أبو داود والترمذي عن أبي قابوس مولى عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم مَن في السماء))؛ (الصحيحة: 925).   • وقال إبراهيم التيمي: "إن الرجل ليظلمني، فأرحمه"؛ (سير أعلام النبلاء: 5/ 61).   • وأخرج الإمام أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: ((يا عقبةُ بنَ عامر، صِلْ مَن قطعك، وأعط مَن حرمك، واعفُ عمَّن ظلمك))؛ (الصحيحة: 891).   • وإبراء المغتاب إذا جاء نادمًا معتذرًا يشمله عموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أقال مسلمًا، أقال الله تعالى عثرته))؛ (رواه أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي).   • ونقل المناوي عن ابن عبدالسلام قوله: "إقالة النادم من الإحسان المـأمور به في القرآن" (فيض القدير: 6/ 79).   والجزاء من جنس العمل، قال الشاعر: أقِلني أقالَك من لم يَزَلْ يَقيكَ ويصرف عنك الرَّدَى   • وأخرج الترمذي عن أم المؤمنين عائشة قالت: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا مُتَفَحِّشًا، ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح"؛ (صححه الألباني في مختصر الشمائل: ص: 182).   • وعن الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما قال: "لو أن رجلاً شتمني في أذني هذه، وأعتذر إليَّ في أذني الأخرى، لقبلت عذره"؛ (الآداب الشرعية لابن مفلح: 1/ 302).   • وروى الخلَّال عن الحسن قال: (أفضل أخلاق المؤمن العفو)؛ (السابق: 1/ 71).   • وقال الإمام أحمد بعد المحنة: "كلُّ من ذكرني ففي حل إلا مبتدعًا، وقد جعلت أبا إسحاق - يعني: المعتصم - في حلٍّ، ورأيت الله يقول: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [النور: 22]، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالعفو في قصة مِسْطح، قال أبو عبدالله: وما ينفعك أن يُعذِّب الله أخاك المسلم بسببك"؛ (نزهة الفضلاء: ص: 828).   • وقال الأحناف: "إن اعتذر إليك معتذرٌ، تلقه بالبشر".   • وقال عبدالقاهر بن طاهر التميمي: يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترفْ ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترفْ أبشِرْ بقول الله في آياته إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلفْ (الحاوي للسيوطي: 1/ 277).   • وقال الخليفة المنتصر بالله لما عفا عن أبي العَمَرَّد الشاري: "لذة العفو أعذب من لذة التشفِّي، وأقبح فعال المقتدر الانتقام"؛ (نزهة الفضلاء: ص: 867).   • وقال محمد بن أبي حاتم: "سمعته - أي: الإمامَ البخاري - يقول لأبي معشر الضرير: "اجعلني في حلٍّ يا أبا معشر، فقال: من أي شيء؟ قال: رويتُ يومًا حديثًا فنظرت إليك، وقد أعجبت به، وأنت تحرِّك رأسك ويدك، فتبسَّمتُ من ذلك، قال: أنت في حلٍّ، رحمك الله يا أبا عبدالله"؛ (المصدر السابق: ص: 904).   • وقال عبدالله بن محمد بن زياد: "كنت عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبدالله، قد اغتبتك، فاجعلني في حلٍّ، قال: أنت في حلٍّ إن لم تَعُدْ، فقلت له: أتجعله في حلٍّ يا أبا عبدالله، وقد اغتابك؟ قال: ألم ترني اشترطتُ عليه؟!"؛ (حلية الأولياء: 9/ 174).


حرمة أهل العلم: ص: 111-116، بتصرف واختصار.
الأقماع: جمع قمع، وهو "الإناء الذي يجعل في رأس الظرف ليُملأ بالمائع، شبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون به، بالأقماع التي لا تعي شيئًا مما يفرغ فيها، فكأنه يمر عليها مجتازًا كما يمر الشراب في القمع"؛ (أفاده المناوي في الفيض: 1/ 474).




شارك الخبر

مشكاة أسفل ١