أرشيف المقالات

انشغال المرء بعيوب نفسه والسعي لإصلاحها

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2انشغال المرء بعيوب نفسه والسعي لإصلاحها
وهذا من أنفع الطرق لسد باب الغِيبة، فلو انشغل الإنسان بعيب نفسه عن التفرُّغ لتتبع عيوب الناس، لكف عن أعراض الناس، والوقوع في الغِيبة، والأمر كما قيل: "من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره".   • وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد، والطبراني، وابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله، أوصني، قال: ((أوصيك بتقوى الله؛ فإنها زين لأمرك كله...)) ثم ذكر الحديث:...
قال: قلت: يا رسول الله، زدني، قال: ((ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك)).   وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك))؛ أي: ليمنعك عن غيبة الناس وأذاهم الذي تعلمه من نقصك في حق نفسك، وأنك في حاجة إلى إصلاح النفس، فعليك أن تشغل بهذا عن ذكر الناس.   • وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((طوبى لمَن شغله عيبه عن عيوب الناس))؛ (رواه البزار بسند ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع: 3644).   • يقول الحسن البصري رحمه الله: "يا بن آدم، إنك لن تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك، وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتصلحه من نفسك، فإذا فعلت ذلك كان شُغْلَك في خاصة نفسك، وأحبُّ العباد إلى الله مَن كان هكذا"؛ (الإحياء: 3 /152).   • يقول الإمام أبو حاتم بن حبان رحمه الله: "الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه، فإن مَن اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، أراح بدنه ولم يُتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه، هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإن مَن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه، عمي قلبُه، وتعب بدنه، وتعذَّر عليه ترك عيوب نفسه، وإن من أَعْجَزِ الناس مَن عاب الناس بما فيهم، وأعجز منه من عابهم بما فيه، ومَن عاب الناس عابوه"؛ (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء: ص: 125).   • وقال بعضهم: عجبتُ لمَن يبكي على موت غيره دُمُوعًا ولا يبكي على موته دَمَا وأعجب من ذا أن يرى عيب غيره عظيمًا وفي عينيه عن عيبه عَمَى   • وصدق الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((يبصر أحدكم القذى[1] في عين أخيه[2]، وينسى الجذع[3] في عينيه))؛ (رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في الصحيحة رقم 33).   • وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" بسند صحيح (رقم886) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "عجبتُ من الرجل يفِرُّ من القدر وهو مواقعه، ويرى القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه، ويخرج الضغن من نفس أخيه ويدع الضغن في نفسه، وما وضعت سرِّي عند أحد فلُمته على إفشائه، وكيف ألومه وقد ضقت به ذرعًا؟".   • وكان عيسى ابن مريم عليه السلام يقول: "لا تنظروا إلى عيوب الناس كالأرباب، وانظروا إلى عيوبكم كالعبيد، إن الرجل يبصر القذاة في عين أخيه، ولا يبصر الجذع في عينيه، وإنما الناس رجلان: معافًى ومبتلًى، فاحمدوا الله على العافية، وارحموا المبتلى".   • وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن مجاهد قال: "ذكروا رجلاً عند ابن عباس، فقال: إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك، فاذكر عيوبك"؛ (رواه البخاري في الأدب المفرد).   وكما قيل: فإنْ عبتَ قومًا بالذي فيك مِثلُه فكيف يصيب الناسَ من هو أعورُ وإن عبت قومًا بالذي ليس فيهمُ فذلك عند الله والناس أكبرُ   • وقال آخر: المرء إن كان عاقلاً ورعًا أشغله عن عيوب غيره ورعُه كما العليل السقيم أشغله عن وجع الناس كلِّهم وجعُه   • وروى ابن أبي الدنيا في كتابه "الصمت" أنه قيل للربيع بن خثيم: ما نراك تغتاب أحدًا؟ فقال: لست عن حالي راضيًا، حتى أتفرغ لذم الناس، ثم أنشد: لنفسيَ أبكي لستُ أبكي لغيرها ♦♦♦ لنفسيَ من نفسي عن الناس شاغلُ   • وجاء في "عيون الأخبار" أن زاهدًا لقي أخًا له، فقال له: يا أخي، إني لأحبك في الله، فقال الآخر: لو علمتَ مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله، فقال له الزاهد: لو علمتُ منك ما تعلم من نفسك، لكان لي فيما أعلم من نفسي شغلٌ عن بغضك.   • يقول المنتصر بن بلال الأنصاري رحمه الله: لا تلتمس من مساوي الناس ما سَتروا فيهتكَ الناس سترًا من مساويكا واذكُر محاسن ما فيهم إذا ذُكروا ولا تَعِبْ أحدًا عيبًا بما فيكا   • ويقول أحدهم: قبيحٌ من الإنسان ينسى عيوبه ويذكر عيبًا في أخيه قد اختفى ولو كان ذا عقل لَمَا عاب غيره وفيه عيوب لو رآها قد اكتفى   • يقول الحسن البصري رحمه الله كما في "كتاب الصمت" (ص: 198): "إذا رأيت الرجل يشتغل بعيوب غيره ويترك عيوب نفسه، فاعلم أنه قد مُكِرَ به".   • وكذا قال بكر بن عبدالله رحمه الله: "إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس ناسيًا لعيبه، فاعلموا أنه قد مُكِر به"؛ (صفة الصفوة: 3 /249).   • ويقول عون بن عبدالله رحمه الله كما في كتاب "الصمت" أيضًا (ص: 746): "ما أحسب أحدًا تفرَّغ لعيوب الناس إلا من غفلة قد غفلها عن نفسه".   • ولله در القائل: إذا شئت أن تحيا ودينك سالم وحظُّك موفور وعرضك صَيِّنُ لسانك لا تذكُرْ به عورة امرئ فكلُّك عورات وللناس ألسُنُ وعينك إن أبدتْ إليك مساوئًا فصُنْها وقل يا عينُ للناس أعينُ (شذرات الذهب: 3 /350).


[1] القذى: ما يقع في العين والماء والشراب من نحو تراب وتبن ووسخ.
[2] في عين أخيه: أي أخيه في الإسلام.
[3] الجذع: واحد جذوع النخل.




شارك الخبر

مشكاة أسفل ١