أرشيف المقالات

سب الدين أو الملة

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2 سب الدين أو الملة
اتفق الفقهاء على أن من سب ملة الإسلام أو دين المسلمين يكون كافرًا، وسب الدين أعظمه الوقوع في الذات الإلهية، فإذا وقع من مسلمٍ فقد ارتد عن الإسلام؛ (الجامع لأحكام القرآن: 8/ 182)، (الموسوعة الفقهية: 24/ 139).   فسب أي شعيرة من شعائر الدين: كالصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والكعبة المشرفة...
ونحوها مما جاء الدليل صريحًا على حرمته وتوقيره، هو كفر، والساب لهذه الشعيرة كافر خارج عن الملة؛ لأنه سب الدين، وسب المشرع لهذا الدين، وهو الله رب العالمين.   • واستدل بعض العلماء بقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ﴾ [التوبة: 12] على وجوب قتل كل من طعن في الدين؛ إذ هو كافر، والطعن أن ينسب إليه ما لا يليق به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين؛ لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله، واستقامة فروعه"؛ اهـ (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 8/ 80).   • يقول فضيلة الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى -: "سب الدين من أعظم الكبائر، ومن أعظم المنكرات، وهكذا سب الرب عز وجل، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام، ومن أسباب الردة عن الإسلام، فإذا كان مَن سب الرب سبحانه أو سب الدين ينتسب للإسلام، فإنه يكون مرتدًّا بذلك عن الإسلام، ويكون كافرًا يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة الشرعية، وقال بعض أهل العلم: "إنه لا يستتاب، بل يقتل؛ لأن جريمته عظيمة، ولكن الأرجح أنه يستتاب؛ لعل الله يمن عليه بالهداية فيلزم الحق.   ولكن ينبغي أن يُعزَّر بالجلد والسجن؛ حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة، وهكذا لو سب القرآن، أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأنبياء، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل؛ فإن سب الدين أو سب الرب عز وجل أو سب الرسول من نواقض الإسلام، وهكذا الاستهزاء بالله أو برسوله أو بالجنة أو بالنار أو بأوامر الله؛ كالصلاة والزكاة؛ فالاستهزاء بشيء من هذه الأمور من نواقض الإسلام.   قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66]، نسأل الله العافية"؛ (حكم سب الله، لعبدالملك القاسم: ص4).   وسئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: ما حكم من سب الدين والرب، وذلك إذا نشأ بين قوم قد اعتادوا هذا الأمر في ساعة غضب، وكذلك كيف تكون معاملته، إذا كان يعتقد نفسه مسلمًا؟   فأجاب - رحمه الله تعالى -: "قال أهل العلم: "من سب الله أو رسوله، أو كتابه، أو دينه، فهو كافر، جادًّا أو لاعبًا.   واستدلوا لذلك بقول الله تعالى عن المنافقين الذين كانوا يسبون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [التوبة: 65]، فقال لهم بعد أن حكى استهزاءهم: ﴿ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 66]، وجاء رجل منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما كنا نتحدث حديث الركب؛ لنقطع به عناء الطريق"، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على أن يقول له: ﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66][1].   أما إذا قالها عند غضب شديد، بحيث لا يملك نفسه، ولا يدري ما يقول، فإنه لا يكفر بذلك؛ لأنه غير مريد للقول.   ولهذا لو طلق الإنسان زوجته في غضبٍ شديدٍ، لا يملك نفسه، فإن زوجته لا تطلق؛ لأنه لم يُرِدْ طلاقها.   وتعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدَّث عن فرح الله سبحانه وتعالى بتوبة العبد، وأنه أشد فرحًا بذلك من رجل كان في السفر، ومعه بعيره، عليها طعامه وشرابه، فضلَّت عنه، فطلبها ولم يجدها، فنام تحت شجرة ينتظر الموت، ما بقي عليه إلا أن يموت، فإذا بخطام الناقة متعلقًا بالشجرة، فأخذه وقــال: "اللهم أنت عبدي، وأنــا ربك"، يريد أن يقـــول: "أنت ربي، وأنــا عبدك"، فقــال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أخطأ من شدة الفرح))، ولم يقل: هذا كافر.   فالمهم أن من سب الله، أو رسوله، أو دينه، أو كتابه، جادًّا كان أو هازلًا - فهو كافر.   أما من فعل ذلك غاضبًا، وهو لم يملك نفسه، ولا يدري ما يقول، فإنه لا يكفر؛ لأنه لا اعتداد بقوله، بل هو في حكم المجنون.   ولكن ينبغي عليه إذا أفاق، وذهب عنه الغضب: أن يراجع نفسه، ويستغفر الله تعالى، ويطهر لسانه من هذا الشيء القبيح، ويتعود ذكر الله تعالى والثناء عليه، فإذا تعود لسانه ذلك، فإنه لن ينطق بالسباب، ولو عند الغضب"؛ (المناهي اللفظية: ص80).  

[1] (أخرجه ابن جرير في "تفسيره": 10/ 119).  



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣