أرشيف المقالات

الفطرة المنزلة عند الإمام ابن تيمية

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2الفطرة المنزلة عند الإمام ابن تيمية
يقول ابن تيمية: "ولهذا كان كثير من أرباب العبادة والتصوف يأمرون بملازمة الذكر، ويجعلون ذلك هو باب الوصول إلى الحق، وهذا حسَن إذا ضموا إليه تدبر القرآن والسنة واتباع ذلك.
وكثير من أرباب النظر والكلام يأمرون بالتفكر والنظر، ويجعلون ذلك هو الطريق إلى معرفة الحق.
والنظر صحيح إذا كان في حق ودليل كما تقدم فكل من الطريقين فيهما حق، لكن يحتاج إلى الحق الذي في الأخرى".
إن مجرد النظر والعمل مجتمعين أو منفردين "لا يحصلان إلا أمرًا مجملًا[1]، ولا تتم المعرفة المفصلة فإنه ينبغي أن يضم إلى أحدهما ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي الفطرة المنزلة - لكى يتحقق الإيمان النافع، وهذه هي الطريقة الإيمانية النبوية المحمدية[2] لأنها تتضمن القسمين: الفطري والإيماني، فالإنسان مع "الإيمان بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إذا نظر واستدل كان نظره في دليل وبرهان، وهو ثبوت الربوبية، والنبوة.
وإذا تجرد وتصفى، كان معه من الإيمان ما يذوقه بذلك ويجده"[3].
ويستخرج شيخنا العديد من الآيات القرآنية التي تخبرنا أن جميع الرسل أمروا بالتوحيد بعبادة الله وحده وهذا أصل الإيمان الأول، ثم يقترن بأصل ثان وهو الإيمان بالتوسل الذى يرتبط أيضًا بالإيمان باليوم الآخر (فهذه الأصول الثلاثة: توحيد الله، والإيمان برسله، وباليوم الآخر هي أمور متلازمة"[4].
وسنرى كيف بنى ابن تيمية نظرياته الهادمة لآراء الفلاسفة على أساس عدم توافر هذه الأصول الثلاثة أو أحدها، وذلك عند عرضنا لموقفه من العالم الطبيعي.
أما فيما يتحلق بالعلم الإلهي - أو العلم بالله والإيمان به، فإن أول الأصول التي يبدأ منها الناظر والمريد هو الإيمان بالله والرسول - صلى الله عليه وسلم - "فإن هذا الأصل إن لم يصحب الناظر والمريد والطالب في كل مقام، وإلا خسر خسرانًا مبينًا.
وحاجته إليه كحاجة البدن إلى الغذاء أو الحياة أو الروح"[5].
وسنقف برهة لبحث ما يعنيه بما يذوق الإنسان ووجده، لا سيما أنه سبق أن وقفنا على نص آخر يتحدث فيه عن تطلع المريدين لله والسائرين له، إلى معرفة صفاته أو مشاهدة قلوبهم في الدنيا.
ربما نستنتج أن هذا يؤدي إلى نوع شبيه بالحلول، وهو ما تنبه إليه الشيخ وأوجد له التفسير الذي رآه صحيحًا فيقرر "إن المؤمن لابد أن يقوم بقلبه من معرفة الله والمحبة له، ما يوجب أن يكون للمعروف المحبوب في قلبه من الآثار ما يشبه الحلول من بعض الوجوه، لا أنه حلول ذات المعروف المحبوب، لكن هو الإيمان به ومعرفة أسمائه وصفاته"[6].
هذا فيما يتعلق بالدار الأولى حيث يعد أطيب ما فيها معرفته عز وجل[7]، أما الآخرة حيث المشاهدة، فسنرجئ الحديث عن آرائه المتصلة بها بعد عرضنا لمشكلة الذات والصفات التي تفسر في الوقت نفسه حقيقة ما أشيع عنه من القول بالتجسيم.


[1] نفس المصدر ص 77. [2] نفس المصدر ص 73 ويعرف الإيمان بقول: (فالإيمان نظير سلوك الرجل الطريق التي وصفها له السالكون، فإنهم متفقون على ذلك.
والقرآن تصديق الرسول فيما تخبر به، وهو نظير اتباع الدليل منزلة، ولابد من طريق الله منهما.
ص 71 ن.
م). [3] ابن تيمية.
مجموع فتاوى ج 2 ص 67. [4] نقض المنطق ص 175. [5] مجموع فتاوى ج 2 ص 67. [6] ابن تيمية.
مجموع فتاوى ج 2 ص 383. [7] جامع الرسائل ص 111.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣