أرشيف المقالات

مهلا أيها الداعية.. كن عادلا في دعوتك

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2مهلًا أيها الداعية.. كن عادلًا في دعوتك   أثناء سيرك أيها الداعي إلى الله، وفي طريقك إلى دعوة الناس - يواجهُك أصنافٌ مختلفة منهم؛ فمنهم: الفقيرُ، ومنهم: الغنيُّ، ومنهم: ذو السلطة والجاه والمنصب، فلعلَّك تُنزل الناس منازلَهم، وتهتم بدعوةِ وجهائِهم قبل فقرائِهم وبسطائِهم؛ باعتبار أن بأيديهم تغييرَ حال الأمة؛ لِمَا يَملكونه من جاهٍ وسلطان؛ فتبذل أقصى ما تستطيع لدعوتهم والتأثير عليهم؛ حتى تبلغ الأمة أهدافها المرجوَّة؛ فيقع التقصيرُ منك في حق البسطاء، ولو بشكل جزئي.   وهذا ما عاتب الله عز وجل نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم فيه حين جاءه الصحابي الجليل عبدالله بن أم مكتوم، وكان ضريرًا ومؤذنًا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه طالبًا للعلم، يسأل رسول الله بحرصٍ عن بعض المسائل الشرعية، وقد كان معه صلى الله عليه وسلم كبار قريش، وكان يأمل في إسلامهم، إلا أن سؤال عبدالله بن مكتوم ضايق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأعرض عنه ولم يَستجِبْ لطلبه، بل كان همُّه أن يسلم أحد كبار قريش؛ لأن وراءه قومَه؛ فلعلهم يدخلون أفواجًا في دينه؛ فعاتبه الله تعالى في فاتحة سورة عبس قائلًا: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴾ [عبس: 1 - 4]؛ قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات: ومن ها هنا أمر الله تعالى رسولَه صلى الله عليه وسلم ألَّا يخص بالإنذار أحدًا؛ بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف، والفقير والغني، والسادة والعبيد، والرجال والنساء، والصغار والكبار، ثم الله تعالى يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.   قال الحافظ أبو يعلى في مسنده: "حدَّثنا محمد بن مهدي، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا مَعْمرٌ، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ [عبس: 1] جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُكلِّم أُبيَّ بن خلف، فأعرض عنه؛ فأنزل الله عز وجل: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴾ [عبس: 1، 2]، فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يُكرِمُه".
انتهى
لذلك؛ كان الإسلام عدلًا في كل شيء حتى في الدعوة إليه سبحانه؛ فإنه لا يرضى إلا العدل والإحسان، فلا تكُنِ الدعوة إلى الوجهاء من الناس؛ فيبتعدَ الفقراء والضعفاء، ويكرهوا ذلك، ولا تكن للفقراء وحدَهم؛ فيتضايقَ الوجهاءُ، بل كان العدل ميزانًا لكل شيء.   ولعلك أيها الداعية، قد تضنُّ، والضنُّ كثيرُه ظلم، إن هذا فقير لن يستطيع أن يُقدِّم شيئًا، ولكن لا تدري لعلَّ الله يُحيي به أمة! وذلك الغني ذو الحسب والنَّسَب يكون فيه شرٌّ مستطيرٌ، والعكس صحيح، والخير كل خير فيمَن اختاره الله، وهداه إلى صراطه المستقيم، نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ علينا بمنِّه وفضله.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣