أرشيف المقالات

طرق ووسائل لعلاج الغضب

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2طرق ووسائل لعلاج الغضب
من وسائل علاج الغضب: • معرفة أنَّ الغضب دليل على الضعف، وأنَّ القوي الشديد هو الذي يملِك نفسه عند الغضب: فالبعض يتصوَّر أنَّ الرجولةَ أو القوَّة والشدَّة هي في الغضب والضرب والتكسير، وما علم هذا المسكينُ أنَّ الأمر على خلاف ما يتصوَّر؛ فالشديد هو الذي يملِك نفسَه عند الغضب؛ فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشديد بالصُّرَعَة[1]؛ إنَّما الشديد الذي يملِك نفسَه عند الغضب)).   • قال ابن القيم رحمه الله: "أي: مالِكُ نفسِه عند الغضب أولى أن يسمَّى شديدًا من الذي يصرع الرجال".   • وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولهذا كان القوي الشَّديد هو الذي يملِك نفسَه عند الغضب، حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح، فأمَّا المغلوب حين غضبه، فليس بشجاعٍ ولا شديد".   • وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فما تعدُّون الصُّرَعَة فيكم؟))، قال: قلنا: الذي لا يصرعه الرجال، قال: ((ليس بذلك؛ ولكنَّه الذي يملِك نفسَه عند الغضب)).   • يقول عكرمة رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا ﴾ [آل عمران: 39]، قال: "السيِّد: الذي يملِك نفسَه عند الغضَب، ولا يغلبه غضبُه".   • وأخرج البزار عن أنس رضي الله عنه قال: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقومٍ يصطرعون، فقال: ((ما هذا؟))، فقالوا: يا رسول الله، فلانٌ ما يصارع أحدًا إلا صرعَه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أفلا أدلُّكم على مَن هو أشدُّ منه، رجلٌ ظلَمه رجلٌ فكظَم غيظَه فغلبه وغلبَ شيطانَه، وغلبَ شيطان صاحبه))؛ (قال الحافظ ابن حجر: إسناده جيد). فيا ربِّ هب لي منك حلمًا فإنَّني ♦♦♦ أرى الحلمَ لم يندم عليهِ كريمُ   • أخرج البيهقي عن عامر بن سعدٍ رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بناس يتحادون مِهْرَاسًا، فقال: ((أتحسبون الشِّدَّة في حمل الحجارة؟ إنما الشدَّةُ أن يمتلئَ الرَّجل غيظًا ثمَّ يغلبه))، وفي رواية عن أنس رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ بقوم يرفعون حجرًا، فقال: ((ما يصنع هؤلاء؟))، قال: يرفعون حجرًا يريدون الشدَّة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أفلا أدلُّكم على مَن هو أشد منهم - أو كلمة نحوها - الذي يملِك نفسَه عند الغضب)).   أحبتي في الله، لا بدَّ أن نَعلم أنَّ الجزاء من جنس العمل؛ فمَنْ غَضبَ بغير حقٍّ وأمضى غضبه، فهذا لا يأمن غضبَ الله يوم القيامة.   أخرج ابن حبان عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قلتُ: يا رسول الله، ما يمنعني من غضَب الله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تَغضَب)).   • وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: "أقرب ما يكون العبدُ مِن غضَب الله إذا غَضِبَ، واحذر أن تظلم مَن لا ناصر له إلاَّ الله"؛ (البيان والتبيين 1/ 456).   أمَّا مَن كظم غيظَه وعفا عن النَّاس وأصلح، فإنَّ الله تعالى سيعفو عنه يومَ القيامة ويغفر له، والجزاء من جنس العمل، كما قال تعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم كما عند الطبراني من حديث جرير: ((إنَّما يرحم الله مِن عباده الرُّحماء))؛ (صحيح الجامع 3218).   • أخرج الإمام مسلم عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنتُ أضربُ غلامًا لي بالسَّوط، فسمعتُ صوتًا من خلفي: ((اعلم أبا مسعود!))، فلم أفهم الصوتَ من الغضب، قال: فلما دنا منِّي إذا هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول: ((اعلم أبا مسعود، اعلم أَبا مسعودٍ!))، قال: فألقيتُ السَّوطَ من يدي، فقال: ((اعلم أبا مسعود أنَّ الله أَقْدر عليك مِنك على هذا الغلام))، قال: فقلتُ: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا، وفي رواية أخرى عند مسلم أيضًا: فقلتُ: يا رسول الله، هو حرٌّ لوجه الله، فقال: ((أمَا لو لم تَفعل للفحَتْك النَّارُ، أو لمسَّتك النار)).   • وقال بعض الحكماء: "مَن ذكر قُدرةَ الله، لم يستعمل قدرتَه في ظُلم عباد الله"، وقال عبدالله بن مسلم بن محارب لهارون الرشيد: "يا أمير المؤمنين، أسألك بالَّذي أنت بين يديه أذل منِّي بَين يديك، وبالذي هو أَقدَر على عقابِك منك على عقابِي إلاَّ عفوتَ عنِّي، فعفا عنه لما ذكَّرهُ قدرةَ الله تعالى".   • وقال رحاء بن حيوة لعبدالملك بن مروان لما تمكَّن من بعض أعدائه وأَسَرَهُم: "إنَّ الله قد أعطاك ما تحب من الظَّفر، فأعطِ اللهَ ما يحب من العفو".   لذا ينبغي علينا أن نتحلَّى بالحلم والأَناة والرِّفق، وأن نعفو ونصفَح ونُعرض عمَّن جهل علينا من الجاهلين؛ حتى يعفوَ عنا أَرْحم الراحمين، وهو القائل في محكم التنزيل: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22].   • وجاءت الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية تشير بقوة على هذا الأصل الأصيل: كما قال تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، وقال تعالى: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43]، وقال تعالى: ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85]، وقال تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].   وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [الشورى: 37]، فيكون المعنى: والذين إذا تسلَّط عليهم الغضَب، ملكوا أنفسَهم فلم يعاقِبوا بقولٍ أو بفعل.   قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية: "أي: تَخَلَّقُوا بمكارم الأخلاق ومحاسِن الشِّيَم، فصار الحِلم لهم سجيَّة، وحُسن الخُلق لهم طبيعة، حتى إذا أغضبهم أحدٌ بمقالة أو فعلة كظموا ذلك الغضب، فلم ينفذوه بل غَفروا له، ولم يقابلوا المسِيء إلاَّ بالإحسان والعفو والصفح، فترتَّب على هذا العفو والصفح مِن المصالح ودَفْع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيءٌ كثير".   كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ لي قرابةً أَصِلُهُم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلُمُ عنهم ويجهلُون عليَّ، فقال: ((لئن كنتَ كما قلتَ فكأنَّما تسفهم الملَّ[2]، ولا يزال معك من الله تعالى ظهيرٌ[3] عليهم ما دمتَ على ذلك)).


[1] الصُّرَعَة: الذي يصرعُ الناس ويغلبهم. [2] تسفهم الملَّ: تجعلهم يسفون الرماد الحارَّ. [3] ظهير: معين.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣