أرشيف المقالات

ما هي الأغلوطات؟ وما حكمها؟

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2ما هي الأُغلوطات؟ وما حكمها؟ [1]
وتتمَّة للفائدة نذكر هنا هذا الموضوع والذي بعنوان "الأغلوطات": والأغلوطات: هي المسائل التي يُقصد بها تعنِيت المسؤول وإحراجه أمام الآخرين، أو وضعه في مَأْزق ما.
وقد قال الأوزاعي رحمه الله: "الغُلُوطات: شداد المسائل وصعابها"؛ (جامع بيان العلم: رقم 2038).
وقيل: "هي المسائل التي يُغالَط بها العلماء ليَزلُّوا فيها، فيهيج بذلك شرٌّ وفتنة".
وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات؛ فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند فيه مقال عن معاوية رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلوطات"، وفي رواية: "الأغلوطات".
وجاء في كتاب "جامع بيان العلم" بسند واهٍ عن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وقد ذكروا المسائل عنده فقال: "أمَا تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عُضَل[2] المسائل؟".
قال الخطابي رحمه الله في شرح الحديث السابق: "المعنى أنَّه نهى أن يُعتَرَض العلماء بصِعاب المسائل التي يكثر فيها الغلط، ليُستَزلوا ويستسقط رأيهم فيها، وفيه كراهة التَّعمُّق والتَّكلُّف فيما لا حاجة للإنسان إليه من المسألة، ووجوب التَّوقُّف عمَّا لا علم للمسؤول به، وقد روينا عن أبيِّ بن كعب: أن رجلاً سأله عن مسألة فيها غموض، فقال: "هل كان هذا بعد؟"، قال: لا، قال: "أَمْهلني إلى أن يكون".
وسأل رجل مالك بن أنس عن رجل شرِب في الصلاة ناسيًا، فقال: "ولِمَ لم يأكل؟"، ثمَّ قال: حدَّثنا الزهري، عن علي بن حسين، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من حُسْنِ إسلام المَرْء تركَه ما لا يعنيه))؛ اهـ (معالم السنن: 4/ 172).
وعن أمير المؤمنين عليٍّ رضي الله عنه أنه قال: "سلوني"، فسأله ابن الكواء، فقال: "ويلك سَل تفقُّهًا، ولا تسل تعنُّتًا"، وفي موضع آخر قال علي رضي الله عنه لابن الكواء: "إنك لَذَهَّابٌ في التِّيه، سل عمَّا ينفعك أو يعنيك"، قال: "إنما نسأل عما لا نعلم"؛ (جامع بيان العلم رقم: 726).
وقال الربيع بن خثيم رحمه الله: "يا عبدالله، ما علَّمك الله في كتابه مِن عِلم، فاحمد الله، وما استأثر عليك به من علم، فكِله إلى عالمه ولا تتكلَّف؛ فإن الله يقول لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86](المصدر السابق رقم: 2011).
وقال يحيى بن أيوب رحمه الله: "بلغني أنَّ أهل العلم كانوا يقولون: إذا أراد الله ألا يُعَلِّم عبدَه، أشغله بالأغاليط"؛ (المصدر السابق: 2099).
وعن الأوزاعي رحمه الله قال: "إذا أراد الله أن يَحرم عبدَه بركة العلم، ألقى على لسانه الأغاليط"؛ (المصدر السابق: 2083).
وعن الحسن البصري رحمه الله قال: "شِرار عباد الله ينتقون شرارَ المسائل يُعنِتون بها عباد الله"؛ (المصدر السابق: 2084).
وعن مالك بن أنس قال: جاء ابن عجلان إلى زيد بن أسلم، فسأله عن شيء فخلط عليه، فقال له زيد: "اذهب فتعلَّم كيف تسأل، ثم تعال فَسَلْ"؛ (الجامع للخطيب: 1/ 213).
كان ابن سيرين إذا سئل عن مسألة فيها أغلوطة، قال للسائل: "أَمْسكها حتى تَسأل عنها أخاك إبليس"؛ (العقد الفريد: 2/ 91).
وقال مالك: "قال رجل للشَّعبي: إني خبَّأت لك مسائل، قال: أخبِئها لإبليس حتى تلقاه فتسأله عنها".
وسأل رجلٌ الشعبيَّ عن المسح على اللِّحية؟ فقال: "خلِّلها بأصابعك"، فقال: "أخاف ألا تبلَّها"، قال الشعبي: "إن خفتَ، فانقعها من أول الليل"؛ (المراح في المزاح: ص 39).
وسأله آخر: "هل يجوز للمحرم أن يَحُكَّ بدنه؟"، قال: "نعم"، قال: "مقدار كَمْ؟"، قال: "حتى يبدُوَ العظم"؛ (المصدر السابق).
وعن سعيد بن بشير قال: "كان مالك إذا سئل عن مسألة يظن أن صاحبها غير مُتعلِّم، وأنه يريد المغالطة، زَجَره بهذه الآية: ﴿ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ﴾ [الأنعام: 9]".
وسأل عمرو بن قيس مالكَ بن أنس: "عن مُحْرِم نزع نَابَي ثعلب، فلم يرد عليه شيئًا"؛ (العقد الفريد: 2/ 91).
وعن عبدالرحمن بن أبي نُعْم: أن رجلاً سأل ابن عمر وأنا جالس عن دمِ البعوض يصيب الثوبَ؟ فقال له: "ممَّن أنت؟"، قال: "من أهل العراق"، فقال ابن عمر: "ها انظروا إلى هذا! يسأل عن دم البعوض[3]، وقد قتلوا ابنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم! سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الحسن والحسين هما رَيْحانتاي من الدنيا))؛ (رواه البخاري والترمذي واللفظ له).
وفي رواية: أنه سُئِلَ عن المُحْرِم يَقتل الذباب؟ فقال: "يا أهل العراق، تسألونا عن قَتْل الذباب، وقد قتلتم ابنَ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!".
وسأل رجل عمرَ بن قيس: "عن الحصاة يجدها الإنسان في ثوبه أو في خُفِّه أو في جبهته من حصى المسجد، فقال: "ارم بها"، قال الرجل: "زعموا أنَّها تصيح حتى تُرَدَّ إلى المسجد؟"، فقال: "دعها تصيح حتى ينشَقَّ حلقها"، فقال الرجل: "سبحان الله! ولها حلق؟"، قال: "فمِن أين تصيح؟"؛ (العقد الفريد: 2/ 92).
وعن أيوب قال: "سمعتُ رجلاً قال لعكرمة: "فلان قذفني في النوم"، قال: "اضرِبْ ظلَّه ثمانين"؛ (سير أعلام النبلاء: 5/ 19).
وعن الأعمش قال: "أتى رجلٌ الشعبيَّ، فقال: ما اسم امرأة إبليس؟ قال: "ذاك عُرْسٌ ما شهدته"؛ (المصدر السابق: 4/ 312).
وجاء رجل إلى أبي حنيفة فقال له: "إذا نزعتُ ثيابي ودخلتُ النهرَ أغتسل، فإلى القبلة أتوجَّه، أم إلى غيرها؟ فقال له: "الأفضل أن يكون وجهك إلى جهة ثيابك؛ لئلا تُسْرَق"؛ (المراح في المزاح: ص 43).


[1] حرمة أهل العلم: ص 271 - 277. [2] المُعضلةُ: هي الأمر المعيي الذي لا يُهتدى لوجهه. [3] البعوض: جمع بعوضة، وهو صغار البَقِّ.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢