أرشيف المقالات

حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في انشقاق القمر: دراسة تحليلية

مدة قراءة المادة : 25 دقائق .
2حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في انشقاق القمر (دراسة تحليلية) مقدمة إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.   ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].   ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].   ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].   أما بعد: فإنَّ أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.   وبعد: فهذه دراسة مختصرة لحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في انشِقاق القمر، جاءت فيما يلي: أولًا: ترجمة الصحابي عبدالله بن مسعود[1]: هو عبدالله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ الهذلي، كنيتُه: أبو عبدالرحمن، كان إسلامه قديمًا في أول الإسلام، قبل إسلام عمر بن الخطاب بزمان، كان ملازمًا له صلى الله عليه وسلم، كان أول من جَهر بالقرآن في مكَّة، ولقي في ذلك الأذى من قريش، وشهد بدرًا والحُديبيَةَ، هاجر الهجرتين، وصلى إلى القِبلتين، وشهد له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالجنَّة، كان حذيفة بن اليمان يَحلف بالله: "ما أعلم أحدًا أشبه دَلًّا وَهَدْيًا وَسَمْتًا برسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يَخرج من بَيْته إلى أن يرجع إليه من عبدالله بن مسعود"، أخذ من فيه صلى الله عليه وسلم سبعين سورةً لا ينازعه فيها أحدٌ، بعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة، وكتب إلى أهلها: "أمَّا بعد، فإنِّي بعثتُ إليكم عمارًا أميرًا، وعبدالله معلِّمًا ووزيرًا؛ وهما من النُّجباء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسمعوا لهما واقتَدوا بهما، وإنِّي والله الذي لا إله إلا هو آثرتُكم بابن أمِّ عبدٍ على نفسي، فخذوا عنه"، روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم (848) حديثًا، وتوفِّي رضي الله عنه بالمدينة سنة (32 هـ)، ودُفن بالبقيع، وصلَّى عليه عثمان رضي الله عنه.   ثانيًا: تخريج الحديث: اقتصرتُ في تخريج الحديث على الكتب الستَّة، حيث ورد الحديث في: 1 - صحيح الإمام البخاري[2]: قال الإمام البخاري في صحيحه: كتاب المناقب: باب سؤال المشركين أن يريهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم آيةً، فأراهم انشقاق القمر: • حدَّثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: انشقَّ القمر على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شقَّين، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((اشهَدوا)).   وقال أيضًا في صحيحه: كتاب فضائل الصَّحابة: باب انشقاق القمر: • حدَّثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبدالله رضي الله عنه قال: انشقَّ القمر ونحن مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمنًى، فقال: ((اشْهَدوا))، وذهبت فِرقة نحو الجبل.   وقال أبو الضحى، عن مسروق، عن عبدالله: "انشقَّ بمكَّة"، وتابعه محمد بن مسلم، عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبدالله.   • حدَّثنا عمر بن حفص، حدَّثنا أبي، حدَّثنا الأعمش، حدَّثنا إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبدالله رضي الله عنهما قال: "انشقَّ القمر".   وقال أيضًا في صحيحه تحت كتاب التفسير: باب ﴿ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ﴾ [القمر: 1، 2]: • حدَّثنا مسدد، حدَّثنا يحيى، عن شعبة وسفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن ابن مسعود قال: انشقَّ القمر على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فرقتين؛ فرقةً فوق الجبَل، وفرقةً دونه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اشهَدوا)).   • حدَّثنا علي بن عبدالله، حدَّثنا سفيان، أخبرنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبدالله قال: انشَقَّ القمر ونحن مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين، فقال لنا: ((اشْهَدوا اشْهَدوا)).   2 - صحيح الإمام مسلم[3]: قال مسلم في صحيحه: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب انشقاق القمر: • حدَّثنا عمرو الناقد وزهير بن حرب قالا: حدَّثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبدالله قال: انشَقَّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشقَّتين، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اشهَدوا)).   • حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن أبي معاوية، ح، وحدَّثنا عمر بن حفص بن غياث، حدَّثنا أبي، كلاهما عن الأعمش، ح، وحدَّثنا منجاب بن الحارث التميمي - واللَّفظ له - أخبَرَنا ابنُ مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبدالله بن مسعود قال: بَينما نحن مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بمنًى إذا انفلَق القمر فلقتَين، فكانت فلقةٌ وراء الجبَل وفلقة دونه، فقال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اشهَدوا)).   • حدَّثنا عبيدالله بن معاذ العنبري، حدَّثنا أبي، حدَّثنا شعبة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبدالله بن مسعود قال: انشَقَّ القمر على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فلقتين؛ فستر الجبلُ فلقةً، وكانت فلقة فوق الجبل، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهمَّ اشهَد)).   3 - جامع الإمام الترمذي[4]: قال الترمذيُّ في جامعه: كتاب تفسير القرآن: باب ومن سورة القمر: • حدَّثنا علي بن حجر، أخبرنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: بينما نحن مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بمنًى فانشقَّ القمر فلقتين؛ فلقة من وراء الجبَل، وفلقة دونه، فقال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اشهَدوا))؛ يعني: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر: 1]، قال: هذا حديث حسَن صحيح.   • حدَّثنا ابن أبي عمر، حدَّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود قال: انشقَّ القمر على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: ((اشهدوا))، قال أبو عيسى: هذا حديث حسَن صحيح.   ثالثًا: تلخيص طرق الحديث: هذا الحديث رواه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ابنُ مسعود، وعنه أبو معمر عبدالله بن سخبرة، وعنه كلٌّ من مجاهد وإبراهيم بن يزيد: ♦ فأما مجاهد: فقد روى عنه ابنُ أبي نجيح، وعنه ابن عيينة، الذي روى عنه كلٌّ من صدَقة بن الفضل، وعلي بن عبدالله، وزهير بن حرب، وعمرو الناقد، وابن أبي عمر: • فأمَّا صدقة بن الفضل وعلي بن عبدالله: فقد روى البخاريُّ عنهما روايتين؛ ففي الرواية الأولى بإفراد الشَّهادة، وفي الثانية بتثنيَتِها. • وأمَّا زهير بن حرب وعمرو الناقد: فقد روى مسلم عنهما روايةً بإفراد الشَّهادة. • وأما ابن أبي عمر: فقد روى الترمذيُّ عنه روايةً بإفرادها أيضًا.   ♦ وأما إبراهيم بن يزيد: فروى عنه الأعمش، الذي روى عنه كلٌّ من أبي حمزة، وشعبة، وسفيان، وحفص بن غياث، وعلي بن مسهر، وأبو معاوية: • فأمَّا أبو حمزة: فقد روى عنه عَبْدَانُ، الذي أخرج البخاري له في رواية بإفراد الشَّهادة. • وأمَّا شعبة وسفيان: فقد أخرج عنهما البخاري روايةً أخرى من طريق مسدَّد، عن يحيى بن أبي كثير، عنهما بإفرادها أيضًا. • وشعبة أيضًا أخرج عنه مسلم أيضًا من طريق عبيدالله بن معاذ العنبري، عن أبيه، عنه، بلفظ: ((اللهمَّ اشهَد)). • وأمَّا حفص بن غياث: فقد روى عنه ابنُه عمر بن حفص، الذي أخرج عنه كلٌّ من: البخاري دون لفظ الشَّهادة، ومسلم بإفراد الشَّهادة. • علي بن مسهر، وعنه كلٌّ من: علي بن حجر، ومنجاب بن الحارث؛ فأمَّا عليُّ بن حجر، فقد روى عنه الترمذيُّ روايةً بإفراد الشهادة، وأمَّا منجاب بن الحارث التيمي، فقد روى عنه مسلم روايةً بإفرادها أيضًا. • وأمَّا أبو معاوية محمد بن حازم: فقد أخرج عنه مسلم أيضًا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كريب، وإسحاق بن إبراهيم، جميعًا روايةً بإفراد الشَّهادة.   رابعًا: شرح ألفاظ الحديث: • "انشَقَّ القمَر"؛ أي: انقسم وانفلَق إلى شقَّين؛ كما هو ظاهر الروايات الواردة عند البخاري ومسلم والترمذي في بعض ألفاظها.   • "على عهد رسول الله"؛ أي: زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.   • ((اشهدوا))؛ "أي: على نبوَّتي أو معجزتي؛ من الشَّهادة، وقيل معناه: احضروا وانظروا؛ من الشُّهود"[5].   خامسًا: المعنى الإجمالي للحديث: "انشَقَّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ أي: في زمانه، "فرقتين"؛ أي: قطعتين متفارقتَين؛ "فرقةً فوق الجبل"؛ أي: جبَل حِراء، "وفرقةً دونه"، والمراد أنَّهما تباينتَا؛ فإحداهما إلى جهة العلوِّ والأخرى إلى السفل، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اشهَدوا))؛ أي: على نبوَّتي أو معجزتي؛ من الشَّهادة، وقيل معناه: احضروا وانظروا؛ من الشُّهود.   سادسًا: وجه الاستشهاد بالحديث في دلائل النبوَّة: أيَّد الله نبيَّه وخاتمَ رسله صلى الله عليه وسلم بمعجزاتٍ كثيرة وباهرة، قال شيخُ الإسلام ابن تيمية: "كان يَأتيهم بالآيات الدالَّة على نبوَّتِه صلى الله عليه وسلم، ومعجزاتُه تزيد على ألف معجزة"[6].   وقال ابن القيم بعد أن ذكَر معجزات موسى وعيسى عليهما السلام: "وإذا كان هذا شأن مُعجزات هذين الرَّسولين، مع بُعد العهد وتشتُّت شمل أمَّتَيْهما في الأرض، وانقطاع معجزاتهما - فما الظَّنُّ بنبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم ومعجزاتُه وآياتُه تزيد على الألف والعهد بها قريب، وناقلوها أصدَقُ الخَلق وأبرُّهم، ونقْلُها ثابتٌ بالتواتر قرنًا بعد قرن؟"[7].   ولقد أيَّد الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالمعجزات الدالَّة على نبوَّته، ورأى مشرِكو مكَّة الكثيرَ منها، لكنَّهم لم يؤمنوا، ولم يذعِنوا للحقِّ، بل طلبوا على سبيل العناد والاستِكبار المزيدَ من الآيات: ﴿ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 90 - 93].   وحتى يقيم الله حجَّتَه على قريش؛ فإنَّه آتى نبيَّه صلى الله عليه وسلم معجزةً من جِنس ما طلَبوه على سبيل التعجيز؛ ألا وهي انشِقاق القمَر، وهو حدَثٌ عظيم لا يَقع إلَّا بتقدير العزيز العليم؛ "وهذا أمر متَّفقٌ عليه بين العلماء - أي: انشِقاق القمر - قد وقع في زمان النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأنَّه كان إحدى المعجزات الباهِرات"[8].   فقد روى الشيخان وغيرهما من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: انشَقَّ القمر على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فرقتين؛ فرقةً فوق الجبَل، وفرقةً دونه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اشْهَدوا))[9].   قال الخطَّابي: "انشِقاق القمر آيةٌ عظيمة، لا يَكاد يَعدلها شيء من آيات الأنبياء؛ وذلك أنَّه ظهر في ملَكوت السماء خارجًا من جبلَّة طِباع ما في هذا العالم، فليس ممَّا يُطمع في الوصول إليه بحِيلةٍ، فلذلك صار البرهان به أظهَر"[10].   قال ابن كثير بعد أن ساق رواياتٍ عدَّة لحادثة انشِقاق القمر: "فهذه طرُق عن هؤلاء الجماعة من الصَّحابة، وشُهرة هذا الأمر تُغني عن إسناده، مع ورودِه في الكتاب العزيز، والقمر في حال انشِقاقه لم يُزايل السَّماء، بل انفرَق باثنتين، وصار بينهما، وكلتا الفرقتين في السَّماء، وأهل مكَّة يَنظرون إلى ذلك، وظنَّ كثيرٌ من جهلتهم أنَّ هذا شيء سُحِرَت به أبصارهم، فسألوا مَن قَدِم عليهم من المسافرين، فأخبروهم بنظير ما شاهدوه، فعلِموا صحَّةَ ذلك وتيقَّنوه"[11].   وهذا الذي حكاه الله بقوله: ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ﴾ [القمر: 1 - 3]، فلم يكذِّبوا رؤيتَهم للقمر منشقًّا، ولم يجدوا أمام هذه الآية الباهِرة إلَّا أن يتَّهموا نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم بالسِّحر.   واليوم في عصر العِلمِ والمعرفة تتجدَّد هذه الآيةُ العظيمة؛ فقد نَشرَت وكالةُ الفضاء الأمريكية ناسا في موقعها على شبكة الإنترنت صورةً للقمر وقد اخترطه خطٌّ طويل من أقصاه إلى أقصاه، ويَعتقد العلماء أنَّه أثَر لانشِقاقٍ حصل في القمر قديمًا، "وقد نقل عالم الجيولوجيا المسلم د.
زغلول النجار عن داود موسى بيتكوك - رئيس الحزب الإسلامي البريطاني - أنَّه شاهَد ندوةً تلفزيونيَّةً بين معلِّقٍ بريطاني وثلاثة علماء فضاء أمريكيين أنَّهم شاهدوا أثَرَ انشِقاق القمر من سطحه إلى جوفه إلى سَطحه الآخر؛ أخبروا بذلك، وهم لا يَعلمون أنَّ الله تحدَّث بهذه الآية في قرآننا، وقد كانت هذه الآية سببًا في إيمان ناقِل الخبر داود موسى"[12].   ولله في خلقه شؤون: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ﴾ [فصلت: 53، 54].   الخاتمة وبعد هذا العرض الموجز، نصِل إلى ما يلي: • الحديث رواه من أصحاب الكتب الستَّة عن ابن مسعود كلٌّ من: البخاري ومسلم والترمذي.   • المدار الأصلي للحديث هو أبو معمر عبدالله بن سخبرة؛ حيث هو الذي رواه عن ابن مسعود، وعنه أخذ كلٌّ من: مجاهد وإبراهيم بن يزيد، وعنهما انتشَر الحديث.   • المدارات الفرعيَّة جاءت كالآتي: ♦ ابن عيينة من طريق مجاهد عن أبي معمر؛ ومن هذا الطَّريق أخرج البخاريُّ روايتين، ومسلمٌ والترمذيُّ روايةً. ♦ الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر؛ والأعمش روى الحديث من طريقه البخاريُّ ومسلم؛ كلُّ واحدٍ منهما ثلاث روايات. ♦ علي بن مسهر الذي روى عن الأعمش؛ ومن طريقه أخرَج مسلم والترمذيُّ إحدى الروايات.   • الحديث جاء بألفاظٍ موجزة، لا خلاف ولا تَعارض بينها، وهي بمعنًى واحد، معتمدة على الوصف فيها وفي غالبيَّة الروايات قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((اشهَدوا))؛ كما عند البخاريِّ ومسلم والترمذي، لكلِّ واحد منهم روايتان، والبخاري في روايتين أُخريين: الأولى فيها تَكرار الشهادة؛ أي: ((اشهَدوا اشهدوا))، والثانية ليس فيها لَفظ الشهادة؛ وإنَّما فيها ذِكر انشِقاق القمر فقط، ومسلم في رواية فيها: ((اللهمَّ اشهَد)).   • الحديثُ معجِزة من معجزات النبيِّ صلى الله عليه وسلم الباهِرة والخالِدة، وهو من دلائل النبوَّة.   هذا، والله أعلم، وصلَّى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد وآله وسلم.   قائمة المصادر والمراجع 1- "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان"؛ ابن قيم الجوزية، دراسة وتحقيق: محمد عفيفي المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان - مكتبة فرقد الخاني، الرياض، السعودية، ط الثانية، 1408 هـ، 1988 م. 2- "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي"؛ أبو العلا محمد عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري، تحقيق: عبدالرحمن محمد عثمان، طبعة دار الفكر - بيروت د.
ط، د.
ت. 3- "تفسير القرآن العظيم"؛ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق: محمود حسن، دار الفكر، ط 1، 1414 هـ - 1994 م. 4- "جامع الترمذي"؛ محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، تحقيق الدكتور: بشار عواد معروف، طبعة: دار الغرب الإسلامي - بيروت، ط 2، 1998. 5- "الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح"؛ لأحمد بن عبدالحليم بن تيمية، دراسة وتحقيق: علي بن حسن بن ناصر الألمعي وغيره، دار الفضيلة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1424 هـ / 2004 م. 6- "سير أعلام النبلاء"؛ لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، إشراف وتحقيق: شعيب الأرنؤوط وحسين الأسد، مؤسسة الرسالة، ط 3، 1405 ه، 1985 م. 7- "صحيح البخاري"؛ محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق: د.
مصطفى ديب البغا، طبعة دار ابن كثير، اليمامة - بيروت، ط الثالثة، 1407 - 1987. 8- "صحيح مسلم"؛ مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، اعتناء أبي صهيب الكرمي، طبعة: بيت الأفكار الدولية - الرياض، 1419 هـ - 1998 م. 9- "الطبقات الكبير"؛ محمد بن سعد بن منيع الزهري، تحقيق د/ علي محمد عمر، مكتبة الخانجي، القاهرة د.
ط، د.
ت. 10- "فتح الباري بشرح صحيح البخاري"؛ أحمد بن علي بن حجر، تحقيق: عبدالقادر شيبة الحمد، مكتبة الملك فهد، الرياض، ط 1، 1421 هـ - 2001 م. 11- "البداية والنهاية"؛ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق: علي شيري - دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1408 هـ - 1988 م. 12- "مجلة العالمية الكويتية"، العدد: 156.


[1] انظر: ترجمته في كتاب "الطبقات الكبير"؛ لمحمد بن سعد بن منيع الزهري، تحقيق د/ علي محمد عمر، مكتبة الخانجي، القاهرة د.
ط، د.
ت، ج 3 ص (139 - 148)، و"سير أعلام النبلاء"؛ لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، إشراف وتحقيق: شعيب الأرنؤوط وحسين الأسد، مؤسسة الرسالة، ط 3، 1405 هـ، 1985 م، ج 1 ص (461 - 500). [2] تحقيق: مصطفى ديب البغا، طبعة دار ابن كثير، اليمامة - بيروت، ط 3، 1407 هـ - 1987 م.
[3] اعتناء أبي صهيب الكرمي، طبعة بيت الأفكار الدولية - الرياض، 1419 هـ - 1998 م.
[4] تحقيق: بشار عواد معروف، طبعة دار الغرب الإسلامي - بيروت ط2 ، 1998، ج 5 ص (319، 320).
[5] "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي"؛ أبو العلا محمد عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري، تحقيق: عبدالرحمن محمد عثمان، طبعة دار الفكر - بيروت د.
ط، د.
ت، ج 9 ص (173، 174). [6] "الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح"؛ أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، دراسة وتحقيق: علي بن حسن بن ناصر الألمعي وغيره، طبعة دار الفضيلة، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط 1، 1424 هـ - 2004 م، ج 1 ص 399. [7] "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان"، دراسة وتحقيق: محمد عفيفي، طبعة المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان - مكتبة فرقد الخاني، الرياض، السعودية ط 2، 1408 هـ - 1988 م، ج 2 ص 347. [8] "تفسير القرآن العظيم"؛ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق: محمود حسن، طبعة: دار الفكر، ط 1، 1414 هـ، 1994 م، ج 4 ص 315.
[9] انظر الروايات تحت عنوان: تخريج الحديث. [10] "فتح الباري بشرح صحيح البخاري"؛ أحمد بن علي بن حجر، تحقيق: عبدالقادر شيبة الحمد، طبعة مكتبة الملك فهد، الرياض، ط 1 ، 1421 هـ - 2001 م، ج 7 ص 224.
[11] "البداية والنهاية"؛ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق: علي شيري، طبعة: دار إحياء التراث العربي، الكويت، ط 1، 1408 هـ - 1988 م، ج 6 ص 85. [12] نقلًا عن: "مجلة العالمية الكويتية"، العدد: 156.




شارك الخبر

مشكاة أسفل ١