أرشيف المقالات

الاستسقاء بالأنواء (قول: مطرنا بنوء كذا وكذا)

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2الأخطاء اللفظية التي تخالف العقيدة (3) الاستسقاء بالأنواء؛ كقول البعض: مُطِرْنا بنَوْء كذا وكذا
يقول الله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وعلى هذا ينبغي على الإنسان أن يتحرز من خطأ وزلل اللسان، خصوصًا فيما يتعلق بالمسائل العقائدية، التي تتعلق بالله تعالى، وبأسمائه وصفاته.   وهناك بعض الأخطاء اللفظية الخاصة بالأمور العقائدية يقع فيها البعض، نذكرها هنا للتنبيه عليها، والحذر منها، ومن هذه الأقوال: الاستسقاء بالأنواء؛ كقول البعض: مُطِرْنا بنَوْء كذا وكذا: وهذا لا يجوز؛ فقد أخرج البخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية على إثر سماء[1] كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: ((هل تدرون ماذا قال ربكم؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطِرْنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي[2]، وكافر بالكواكب، وأما من قال: مُطِرْنا بنَوْء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب)).   وجاء في "فتاوى العقيدة" (ص724): "والأنواء ما هي إلا أوقات، لا تُحمَد ولا تُذَمُّ، وما يكون فيها من النِّعَم والرخاء فهو من الله تعالى، وهو الذي له الحمد أولًا وآخرًا، وله الحمد على كل حال"، وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - كما في "الأذكار" (ص 174): "قال العلماء: "إن قال المسلم: "مطرنا بنوء كذا" مريدًا أن النوء هو المُوجِد والفاعل المحدث للمطر، صار كافرًا مرتدًّا بلا شك، وإن قاله مريدًا أنه علامة لنزول المطر، فينزل المطر عند هذه العلامة، ونزوله بفعل الله تعالى وخلقه سبحانه، لم يكفر، واختلفوا في كراهته، والمختار: أنه مكروه؛ لأنه من ألفاظ الكفر، وهذا ظاهر الحديث، ونص عليه الشافعي - رحمه الله تعالى - في "الأم" وغيره، والله أعلم"؛ اهـ.   يقول الشافعي - رحمه الله تعالى - في "الأم" (1 /252): "رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي - هو عربي واسع اللسان، يحتمل قولُه هذا معانيَ، وإنما مطر بين ظهرانَيْ قومٍ أكثرهم مشركون؛ لأن هذا في غزوة الحديبية، وأرى معنى قوله - والله أعلم -: أن من قال: "مطرنا بفضل الله ورحمته" فذلك إيمان بالله؛ لأنه يعلم أنه لا يمطر ولا يعطي إلا الله عز وجل.   وأما من قال: "مطرنا بنوء كذا وكذا" على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى نوء كذا، فذلك كفر؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن النوء وقت، والوقت مخلوق، لا يملِكُ لنفسه ولا لغيره شيئًا، ولا يمطر ولا يصنع شيئًا، فأما من قال: "مطرنا بنوء كذا" على معنى: "مطرنا بوقت كذا"، فإنما ذلك كقوله: "مطرنا في شهر كذا"، ولا يكون هذا كفرًا، وغيره من الكلام أحب إلي منه، أحب أن يقول: "مطرنا في وقت كذا"؛ اهـ.   وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - أيضًا، كما في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: "فمن زعم أن المطر يحصل عند سقوط الثريا مثلًا، فإنما هو إعلام للوقت والفصول، فلا محذور فيه، وليس من وقت ولا زمن إلا وهو معروف بنوع من مرافق العباد يكون فيه دون غيره"؛ اهـ.   أي إن الأشهر علامات وأوقات لأحوال وسنن لله تعالى؛ فمن سنة الله تعالى في الشتاء: البرد والمطر، ومن سنته سبحانه في الصيف: الحرارة والقيظ، فإذا قلنا: "إن الله تعالى يمطرنا في شهر طوبة" فلا شيء في ذلك، وإن قلنا: "إن الله يرسل علينا الريح والغبار في شهر أمشير" فلا شيء في ذلك، والله تعالى أعلم.   تنبيه: ويشبه هذا القول: "مطرنا بنوء كذا وكذا" قول البعض: "طوبة" (أي الشهر) تفعل بنا الأفاعيل من البرد والمطر، و"أمشير" (أي الشهر) يرسل علينا الرياح والغبار والزعابيب، وهذا كله لا يجوز؛ لأنهم ينسبون شدة البرد ونزول المطر إلى مشيئة شهر طوبة، وينسبون الزعابيب (الرمال التي تندفع بشدة) وشدة الريح وكثرة الغبار إلى شهر أمشير، وأن هذه الأشهر تفعل الأفاعيل بالناس، وهذا خطأ فاحش.


[1] على إثر سماء: عقب مطر. [2] من قال: "مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي"؛ لأنه نسب الفعل لفاعله الأصلي، وهو الله تعالى.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١