أرشيف المقالات

ظن اللئام مفتاح الآثام

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2ظن اللئام مفتاح الآثام
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إياكم والظنَّ؛ فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث))؛ متفق عليه.   ظنَّ بفلانٍ: اتَّهمه وجعله موضع ظنِّه. قال النووي في شرح مسلم عند شرح حديث: ((إياكم والظن؛ فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث)) قال: المُراد النهي عن ظن السوء، قال الخطابي: هو تَحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس؛ فإن ذلك لا يُملك، ومراد الخطابي أن المحرَّم مِن الظن ما يستمرُّ صاحبه عليه ويستقرُّ في قلبه دون ما يَعرض في القلب ولا يستقرُّ.

المعنى العام: الحديث يبيِّن خطورة الظن وأثره السيئ على الفرد والجميع.
الظن قسمان: ظن حسن، وظن سيِّئ.
ومن أقبح الظن على الإطلاق هو أن يظنَّ العبد بربه ظنًّا سيئًا - عياذًا بالله - وقد جاء ذِكر سوء الظنِّ بالله في غير ما آية؛ قال جلَّ وعلا: ﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [آل عمران: 154]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [الفتح: 6].   فعاقبة هذا الظن الغضب واللعنة مِن الله - عياذًا بالله. وما يُنتبه له في هذا الزمان هو سوء الظن بصحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والطعنُ في عدالتِهم، والسبُّ والشتم لهم، كما تفعل طائفة من أهل الأهواء، نسأل الله السلامة من شرِّهم.   قطوف: 1- الإسلام دين بُنيت أحكامه على اليقين، فلا يَحكم على الأشخاص بمجرد الشكِّ في أفعالهم أو أقوالهم.

2- كثرة الظن تجرُّ إلى مفاسدَ عديدة؛ فهي الدافعة للتجسُّس على عورات الناس وتحسُّس أخبارهم، والغِيبة والنميمة، والكذب عليهم؛ لذلك ذكرها الله تعالى في مقدمة هذه الكبائر في سورة الحجرات؛ فقال جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، قال القرطبي في تفسيره: والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها: أنَّ كل ما لم تُعرف له أمارةٌ صحيحة وسبب ظاهر كان حرامًا واجب الاجتناب، ذلك إذا كان المظنون به ممَّن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظنُّ الفساد به والخيانة محرَّم، بخلاف مَن اشتَهَره الناس بتعاطي الريب والمُجاهَرة بالخبائث..
ا هـ.   3- خُلُق النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يعلِّم المسلمين حُسن الظن؛ فقد جاءه رجل يقول: إنَّ امرأتي ولدت غلامًا أسود، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هل لك مِن إِبِل؟)) قال: نعم، قال: ((فما ألوانُها؟)) قال: حُمْر، قال: هل فيها مِن أورق؟ [يعني فيه سواد] قال: إن فيها لوُرقًا، قال: ((فأنَّى أتاها ذلك؟)) قال: عسى أن يكون نزعه عِرْقٌ، قال: ((وهذا عسى أن يكون نزَعه عِرْق))؛ رواه البخاري ومسلم واللفظ له.   4- خُلُق السلف الصالح رضوان الله عليهم: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محمَلًا".
وقال بعضهم: إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعلَّ له عذرًا لا أعرفه.
قال بعض العلماء رحمة الله عليهم: وكل مَن رأيتَه سيِّئ الظن بالناس طالبًا لإظهار معايبهم، فاعلم أن ذلك لخبث باطنه، وسوء طويّته.
المجاجة: سوء الظن من أشد عوامل إفساد الود وتفكك الروابط، ومِن أخطَره في المجتمع: سوء الظن بين الأرحام والأقارب.
صورة عجيبة: تجد الابن يُسيء الظن بوالدَيه، وأنهما سبب ضياعه وهلاكه.
وآخر يُسيء الظن بإخوانه الأشقاء، فتراه يسعى لإلحاق الضرر بهم؛ لسوء ظنِّه بهم. والثالث: جارة تسيء الظن بجارتها، وأنها سبب في كثير مِن مشاكل حلَّت بها.
وقفة: إذا حلَّ سوء الظن بين الزوجين وأصبح كل طرف يشكُّ في الآخر، فهي النهاية المرتقبة لتفكُّك الأسرة وضياع الأولاد.
وكم من حوادث طَلاق أو خُلْع أو حتى قتل كان سببها سوء ظنٍّ، عياذًا بالله.   5- من الأشعار: إذا ساء فعْل المَرء ساءت ظنونه وصدَّق ما يَعتاده مِن توهُّمِ وعادى محبِّيه بقَولِ عِداته وأصبَحَ في لَيلٍ مِن الشكِّ مُظلِمِ     قال آخر: حسِّن الظنَّ تعِش في غبطة إنَّ حسن الظنِّ مِن أَوقى الجُنَنْ مَن يظنَّ السوء يُجزى مثله قلَّما يُجزى قبيحٌ بحسَنْ   وقال آخر: ظُنَّ بالناس خيرًا فالخَيرُ طبعُ الكِرامِ وشرُّ شرِّ البَرايا مَن ظنَّ ظنَّ اللِّئامِ   اللهمَّ إنا نسألك ظنَّ الكرام، ونعوذ بك مِن ظنِّ اللئام



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١