أرشيف المقالات

ثمرات الإيمان بالله تعالى

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2ثمرات الإيمان بالله تعالى
في الآثار الإجمالية: أسماء الرب تبارك وتعالى وأوصافُه التي ثبتَتْ بها النُّصوص الشرعيَّة الواردة في الكتاب والسُّنَّة أنواعٌ، لكلِّ نوعٍ أثرُه على المؤمن: 1- فأسماء وأوصاف العظمة والكبرياء والمجد والجلال: كالعظيم والكبير والواسع والمجيد والجليل؛ تملأ قلوب أهل الإيمان هيبةً لله تعالى وتعظيمًا له وتقديسًا.   2- وأسماء وأوصاف العزَّة والقوَّة والقهر والقُدرة والغلبة؛ تُخضِع القلوب وتذلُّها وتجعلها تنكسر بين يدي خالقها ومُدبِّرها.   3- وأسماء وأوصاف الرحمة والبر والغنى والجود والكرم ونحوها من أسماء وأوصاف الجمال والكمال تملأ القلوبَ محبةً لله تعالى ورغبةً ورجاءً وطمعًا في امتِنانه وفضله وَجُودِه وبرِّه.   4- وأسماء وأوصاف العلم والإحاطة: كالعليم والخبير والحفيظ والمحيط تُوجِب للمؤمن مراقبةَ الله تعالى في جميع حركاته وسكناته.   في الثمرات التفصيليَّة: فللإيمان بالله تعالى ثمراتٌ مباركة كثيرة؛ منها: 1- العلم بعظمة الله تعالى وكبريائه وجلاله وجماله ولُطفه وعظمة شأنه وعزِّ سلطانه؛ كما دلَّت على ذلك أسماؤه وصِفاته وأفعاله وإنعامه، وذلك العلم يملأ القلب توحيدًا وإيمانًا، ويَحمِل الجوارح والحواس على الذلِّ لله تعالى والانقِياد له عن رغبةٍ ورهبة ومحبَّة وإجلال.   2- الثناء على الله تعالى بالأسماء الحسنى وصفات العظمة والجلال والجمال، واللهج بذِكره في سائِر الأحوال تلذُّذًا بذِكره، وطلبًا لمثوبته، وهو من أعظم أسباب صَلاح القلوب وسَلامتها، وزكاة النُّفوس وطَهارتها، ونور البصيرة واهتدائها.   3- دعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى وصِفاته العُلَى بحسَب الحاجات والأحوال، رغبةً وثقةً بتحصيل الخير واستجارةً من الشر وأهله، واستغناءً بالله عن الخلق، وسُكونًا واضطرارًا إليه.   والدعاء من أعظم أسباب حُصول النعماء، وصَرف البلاء، والوقاية من سوء ما يجري به القضاء، والنصر على الأعداء، وزيادة الإيمان والاهتداء.   4- صِدْق التوكُّل على الله، وتفويض الأمر إليه، والاعتماد عليه، والثقة به، والتحرُّر من التعلُّق بغيره.   5- نشاط الهمَّة والقوَّة في المسارعة إلى الخيرات، والمنافسة في الأعمال الصالحات، ومجانبة الخطيئات، والمبادرة إلى التوبة من جميع الزلات، فكلَّما قوي الإيمان بالله وأسمائه وصفاته قويَ حظُّ العبد من هذه الأمور.   6- التصديق بأخباره والتسليم لأحكامِه والاعتراف بحكمته وعدله ورحمته، واعتقاد أنَّ ذلك كله صدقٌ وحقٌ، وأنَّه لحكمٍ عظيمة وغاياتٍ سامية.   7- التسليم لتدبيره سبحانه لملكه وتصرُّفه في خلقه وقَضائه لعَبدِه، وأنَّه كله عن عِلمٍ تامٍّ وقُدرةٍ باهرةٍ وحِكمة بالغة، وأنَّه دائرٌ بين الفضل والعدل، فإذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كُنْ فيكون، ولا يُسأَل عمَّا يفعل وهم يُسألون.   8- تَحقُّق الأمن والهـداية للمؤمن في الدنيا والآخِرة؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].   9- الفوز بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة والأجر الحسن؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].   10- النصر المبين على الأعداء من الكافرين والمنافقين وسائر المناوئين؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].
11- الاستِخلاف في الأرض وتمكين الدِّين؛ قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].   12- اجتماع الكلمة ووحدة الصف والتعاون على تحقيق الغايات المطلوبة شرعًا، وفي ذلك تحقيق عزَّة المسلمين وكَرامتهم لوحدة عقيدتهم وصحَّتها، فإنَّه لا يجمع الناس جمعًا تامًّا إلا العقيدة الصحيحة التي يلتزم بمُقتضاها الجميع، وضعْف التمسُّك بالعقيدة الصحيحة أو الضلال في الاعتقاد من أسباب الاختلاف والتفرُّق والنِّزاع والتعصُّب لغير الحقِّ من الأهواء والأجناس والألوان والشعارات المصطَنعة، واعتبر ذلك بحال العرب قبل الإسلام؛ فإنهم لما كانوا ضالِّين في عقيدتهم كانوا مختلفين مُتفرِّقين مُتحارِبين، قد فرَّقوا دِينهم وكانوا شِيَعًا، وتقطَّعوا أمرهم بينهم زبرًا كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون.   ثم لما مَنَّ الله عليهم بالإيمان والعمل الصالح أجمعوا على الكتاب والسُّنَّة، وتعاوَنوا على البرِّ والتقوى، وتناهوا عن الإثم والعُدوان، واعتصَموا بالله مولاهم، فاتَّحدوا وتحابوا، وعزوا وانتصروا، وسادوا الأمم وصاروا أئمَّة الدنيا والعالم، وصدَق الله العظيم إذ يقـول ممتنًّا على رسوله والمؤمنين ومُذكِّـرًا لهم بهذه النِّعمة العظيمة: ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 63]، ويقول: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الحجرات: 7، 8]، وانظُر لحال جُملة المسلمين اليوم لما ضَعُفَ الإيمان ونقص التوحيد بسبب قلَّة العلم وغلبة الأعداء وكثْرة الشبهات واتِّباع الأهواء أصابَهم من الوهن والتفرُّق ما جعلَهُم نَهبًا للأعداء وهدفًا للبلاء؛ مَنَّ الله عليهم بلُطفه وردَّهم إلى دِينهم بحوله وقوَّته وكرمه ومنِّه.   13- امتلاء القلب من خشية الله، وتحلِّي العبد بالتقوى لله، فإنَّ مَن عرَف الله تعالى حقَّ معرفته واستشعَر عظمته وجَلاله وكبرياءَهُ وذكَر جمالَه وكماله وآلاءه، امتَلأ قلبُه من خَشية الله؛ فكان أتْقى لله ممَّن ليس كذلك؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، والخشية صفة عِباد الله الصالحين: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39].
ولذا لمَّا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمَلَ الأمَّة علمًا بربِّه تبارك وتعالى كان أعظمهم له خشيةً وأكملهم له تقوى؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: "والله إنِّي أخْشاكم وأتْقاكم له"[1].   وفي قوله ذلك قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة: 7، 8].   14- الطاعة المُطلَقة لله تعالى والانقِياد الاختياري لحكمه الشرعي، فلا يختارُ المؤمن غيرَ ما اختار الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - له، ولا يَتحاكَم إلى غيرِ كتابه وسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 51، 52]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].   15- الإحسان إلى الخلق ورحمتهم والعفو عنهم والصَّفح، طمعًا في حُصول ذلك من الله لمن كان كذلك، فالراحمون يرحمهم الله، ومَن عفا عفا الله عنه، ومَن غفر غفر الله له.


[1] وردت هذه الجملة في أكثر من حديث: • فوردت في حديث النفر الثلاثة الذين جاؤوا يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -...
الحديث، أخرجه البخاري برقم (5063)، ومسلم برقم (1401)، عن أنس رضي الله عنه. • وفي حديث الرجل الذي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني أصبح جنبًا؛ أخرجه مسلم برقم (1110)، عن عائشة رضي الله عنها. • وفي حديث عمرو بن أبي سلمة رضي الله عنه أنَّه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُقَبِّل الصائم؟ أخرجه مسلم برقم (1107) (74).



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير