أرشيف المقالات

حول السعادة الحقيقية

مدة قراءة المادة : 14 دقائق .
2حول السعادة الحقيقية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وكل من اهتدى بهديه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه "رسالة إلى من يبحث عن السعادة": 1) لأن كل من على وجه الأرض يبحث بما أوتى من قوة عن السعادة.
قد يختلف الناس في مذاهبهم وأعرافهم ومبادئهم وعقائدهم وأفكارهم ومقاصدهم وغاياتهم إلا غاية واحدة اتفق فيها الخلق جميعاً إنها طلب السعادة.
فلو سألت أي إنسان مؤمناً كان أو كافراً براً أو فاجراً لو سألته: لم تعمل هذا؟ ولم فعلت ذلك؟ لقال: أريد السعادة سواء قالها بحروفها أم بمعناها ومدلولها.
2) أن كثيراً من الناس خطئ طريق السعادة بل إن القلة القليلة هي التي سلكت سبيل السعادة الحقيقية.
3) أن كثيراً من الناس عندما يرون أصحاب السعادة الوهمية الشكلية الزائفة تكون هذه الرؤية عائقاً له، فى الطريق إلى الله تعالى.
فيأتيه الشيطان فيقول له: أما تريد أن تكون مثل هؤلاء فيضعف عن الطريق وكم من مستقيم انحرف عن الطريق بسبب ذلك.
كم من إنسان كان يعيش السعادة الحقيقية فانتقل منها إلى السعادة الوهمية فلم يحقق السعادة في الدنيا ولن يحققها في الآخرة.
لأن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.

فكثير من الناس ظن أن السعادة في المال: وأنا لا أقلل ابتداءً من شأن المال فالمال هو عصب الحياة فالمال ما أجمله وما أشرفه وما أعزه وما أكرمه إن حركته أيدي الصالحين.
وما أحقره وما أهونه إن حركته أيدي المجرمين العابثين فقد يكون المال سبباً من أسباب السعادة مع الإيمان مع الطاعة مع الالتزام مع إتباع هدى النبي عليه الصلاة والسلام أما المال وحده مجرد من الطاعات خال من القربات ومن طاعة رب الأرض والسموات فلا شك سيكون من أعظم أسباب الشقاء حتى الممات.
قصة أغنى امرأة فى العالم: إنها كريستينا أوناسيس ابنة الملياردير الشهير أوناسيس الذي يملك المليارات والجزر والأساطيل مات أبوها فورثت كل هذا المتاع أموال وتجارات وشركات فهل كانت سعيدة؟ الجواب: تزوجت هذه المرأة برجل أمريكي عاش معها شهوراً ثم طلقها أو طلقته ثم تزوجت برجل يوناني عاش معها شهوراً ثم طلقها أو طلقته ثم تزوجت للمرة الثالثة برجل شيوعي فسألها أحد الصحفيين يوماً لماذا كل هذا؟ ما هذا التشتت؟ قالت: أبحث عن السعادة.
وعاش معها هذا الشيوعي فترة قصيرة ثم طلقها كذلك ثم تزوجت للمرة الرابعة برجل فرنسي وبعدها حضرت حفلاً كبيراً في فرنسا فسألها أحد الصحفيين: هل أنتِ أغنى امرأة؟ قالت: نعم أغنى امرأة ولكن أشقى امرأة وعاش معها هذا الفرنسي مدة ثم وجدوها بعد ذلك جثة هامدة بإحدى الشاليهات بدولة الأرجنتين!!
والسؤال: هل هذه المرأة استطاعت بمالها تحقيق السعادة؟ والجواب:أما في الدنيا فلا وأما في الآخرة فستقول كما قال الله تعالى: ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ...﴾ [الحاقة 28،29].
وصدق من قال: ولست أرى السعادة جمع مال ♦♦♦ ولكن التقىّ هو السعيدُ
وصنف من الناس يظن أن السعادة في المنصب والشهرة: والحقيقة أن المنصب أو الشهرة كالمال فقد يكون سبباً من أسباب السعادة إذا راعى صاحبُه الله في منصبه.
وقد يكون سبباً من أسباب الشقاء والتعاسة إن اتخذه صاحبه على أنه غاية فمن ثًم يبذل في تحقيق هذه الغاية ماله ووقته وعقله وربما دينه لذلك في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزىُ وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ".
قارون: تقلد المنصب كان مشهوراً أعطاه الله كنوزاً كالجبال وأعطاه من المال ما لا يخطر على بال ما جمعه بجهده ولا بذكائه وعبقريته وظن أن المال هو الحياة وظن أنه السعيد وحده فكفر بنعمة الله وقد حذره ربه وأنذره مولاه فعاند واستكبر وقال: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص:78]فكان الجزاء المر ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص:81].
1- وصنف من الناس ظن أن السعادة في تقليد العصاة والتشبه بهم: باسم التطور والحضارة ظناً أنه سيجد السعادة.
فنجد من يقص شعره قصة معينة تشبهاً بالعصاة من الغرب وغيرهم وتقليداً لهم، ونجد المرأة قد خرجت من بيتها وقد كشفت عن زينتها وأظهرت عورتها ولبست البنطال واختلطت بالرجال تقليداً لهؤلاء فهؤلاء هم الذين قالوا: "اخلعوا الحجاب عن المرأة وغطوا به المصحف ولا تجزعوا من بنائهم المساجد ودعوهم يبنون كما يشاءون مادام أبناؤهم يتعلمون في مدارسنا".
وليس لي أن أوجه إلى هؤلاء وأولئك إلا قوله عليه الصلاة والسلام: "من تشبه بقوم فهو منهم" [رواه أبو داود وصححه الألبانى] فالسعادة الحقيقية تتمثل في طاعة الرب العلىّ وإتباع هدى الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه:124]،وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء:69].
2- وصنف من الناس ظن أن السعادة في الاستسلام لهذه النفس والجرى وراء شهواتها وتلبية رغباتها: فيقع في المعصية التي تهواها نفسه من ربا وزنا وغيبة ونميمة وكذب وظلم ونظر إلى المحرمات ومعاكسات وغير ذلك..
فلا تظن أن صاحب المعصية يلتحف بثوب السعادة بل إنه يتقمص سربال الشقاء والتعاسة.
يقول الحسن البصري رحمه الله: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه".
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها   3- فأين السعادة لمن يبحث عنها؟ أين طريقها؟ لا سعادة إلا بالإيمان والعمل الصالح.
وجدها في هذا الطريق كثيرون.
وجدها محمد عليه الصلاة والسلام وهو يحاط في الغار بسيوف الكفر ويرى الموت رأى العين ويلتفت إلى أبى بكر مطمئناً وهو يقول: "يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا".
ووجدها أصحابه رضى الله عنهم أوذوا من كل الناس حوربوا من القرابة قُدًّم رجالهم إلى المعركة فكانوا يأتون الموت كأنهم في نزهة أو في ليلة عيد لأنهم شعروا بالسعادة حقاً مع نبيهم وإمامهم وقدوتهم عليه الصلاة والسلام.
وجد السعادة ابنُ تيمية وهو يكبل بالحديد ويغلق عليه السجان الباب داخل غرفة ضيقة مظلمة فيقول ابنُ تيمية: ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد: 13] ثم ينشد نشيداً ويدون رسالة دًوّنها له التاريخ: " ماذا يفعل أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري إن سرت فهي معي أنا قتلى شهادة وسجني خلوة وإخراجي من بلدي سياحة "
• السعادة: ليست قصر عبد الملك بن مروان ليست جيوش هارون ولا كنوز قارون ليست السعادة شيكاً يصرف ولا سيارة تركب ولا وردة تُشم ولا فتاةً يُنظر إليها السعادة في الإيمان بالله تعالى والعبادة. • لا تفرح بالدنيا إذا أعرضت عن الآخرة • لا تفرح بالولد إذا أعرضت عن الواحد الصمد. • لا تفرح بالأموال إذا أسأت الأعمال.
لكن الفرح في الإيمان في العيش مع الرحمن ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾.   السعادة سعادتان: سعادة في الدنيا وسعادة في الآخرة.
ففي الدنيا لا تكون إلا بطاعة الله عزوجل قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل:97] وفي الآخرة عند أول قدم نضعه في الجنة وأعلى درجات السعادة في الجنة التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم كما قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة:22،23] وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود] وفي صحيح مسلم من حديث أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله تعالى: "يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك فيقول: هل رضيتم فيقولون: ومالنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون: يارب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"هذه هي السعادة الحقيقية.

السعادة في الاستقامة على منهج الله: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف:13].
  السعادة في الإيمان بالقضاء والقدر: فالفقير لا يحزن لفقره والغنى لا يفرح لغناه.
الإيمان بالقضاء والقدر سعادة لا يَحْظَى بها إلا الموحدون، أن تعلم أن ما حدث لك أو عليك إنما هو بقدر الله فلا تحزن على أمرٍ فات ولا تخف مما هو آت.

السعادة في قضاء حوائج الناس وتنفيس كرباتهم: ففي صحيح مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نًفّس عن مسلم كربة نفّس الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ".
قصة واقعية يحكها الثقات من العلماء: أن أستاذاً جامعياً ابتلاه الله بمرض في القلب فسافر إلى بريطانيا لإجراء عملية عاجلة فلما قررّ الأطباء الجراحة فظن أنه ربما يموت قال أمهلوني ثلاثة أيام لأرجع إلى أهلي لألقى عليهم نظرة أخيرة ولأرتب بعض الأمور حتى إذا قدر الله لي الوفاة أكون مطمئناً فعاد إلى أهله وقبل أن يسافر إلى بريطانيا مرة أخرى لإجراء الجراحة كان يجلس إلى جوار مكتب صديق له بجوار جزار يبيع اللحم.
ولفت نظرة امرأة كبيرة تلتقط العظم وبعض قطع اللحم النيئ من على الأرض وتضع في سلة معها فتعجب الرجل وتحرك إلى هذه الأم الكبيرة وقال: ما تصنعين يا أماه؟ قالت: والله يا بنى لقد رزقني الله خمسة من الأولاد ما ذاقوا طعم اللحمة منذ سنة تقريباً! فبكى الرجل ودخل على هذا الجزار وقال: يا أخي هذه المرأة ستأتيك كل أسبوع فأعطِها من اللحم ما تريد قالت: أريد كيلو واحد قال: فأعطها اثنين وأخرج الرجل من جيبه قيمة لحمِ لٍعام كامل فبكت المرأة ولم تصدق ورفعت يدها إلى السماء تضرع بالدعاء أن يُسعد الله هذا الرجل وهو صاحب القلب المريض.
يقول: فو الله ما أن عدت إلى بيتي وأنا أشعر بهمة ونشاط حتى لو كلفوني بهدم بيت لفعلت ذلك.
فلما دخلت قابلتني ابنتي وقالت: ما شاء الله يا أبى أرى وجهك يتهلل فقص عليها الخبر فبكت البنت وكانت صالحة ورفعت يدها إلى السماء وقالت: أسأل الله أن يسعدك بشفاء مرضك كما أسعدت هذه المرأة وأولادها واستجاب الملك وسافر الرجل وأمام الأطباء صرخ طبيبه الذي يعلم حالته وقال: ما هذا؟ من الذي بذل لك العلاج بهذه الصورة؟ عند أي الأطباء قد تعالجت وطلبت العلاج؟ فبكى الرجل وقال: تاجرت مع الله عز وجل.
فبين غمضة عين وانتباهتها اعلم أن الله على كل شيء قدير والله ستسعد في الدنيا والآخرة إن تقربت إلى الله وعرفت طريق الله وسرت على نهج رسول الله.
هذه هي السعادة لا يشعر بها إلا من سلك الطريق ومن ذاق عًرًف وأختم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣