أرشيف المقالات

الصلاة عمود الدين

مدة قراءة المادة : 21 دقائق .
2الصلاة عمود الدِّين
الحمد لله الكريم المنان، ذي الفضل والإحسان، الذي هدانا للإيمان، وفضَّل دِيننا على سائر الأديان، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله الله هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد: فإن الصلاةَ لها منزلة كبيرة في الإسلام بعد توحيد الله تعالى، فأقول وبالله تعالى التوفيق: معنى الصلاة: الصلاة في اللغة: الدعاء بالخير. قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 103]. روى مسلمٌ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دُعِيَ أحدكم فليُجِبْ، فإن كان صائمًا فليُصَلِّ، وإن كان مفطِرًا فليطعَمْ))؛ (مسلم حديث 1431).
الصلاة في الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم، مع النية، بشرائط مخصوصة، وسُمِّيت صلاة؛ لاشتمالها على الدعاء؛ (معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية جـ 2 صـ 376: صـ 377).
إن للصلاة في الإسلام بعد التوحيد منزلةً رفيعة، لا تدانيها منزلةُ أي عبادة أخرى، نوجزها فيما يلي: 1 - الصلاة أول فريضة بعد التوحيد: قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].   روى الشيخانِ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبلٍ حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قومًا من أهل الكتاب، فإذا جئتَهم فادعُهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم طاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرَض عليهم خمسَ صلواتٍ في كل يومٍ وليلةٍ، فإن هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم طاعوا لك بذلك، فإياك وكرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب))؛[البخاري حديث 4347/ مسلم حديث 19].
2 - افتراض الصلاة على الأمم السابقة: قال سبحانه عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [إبراهيم: 37]، وقال جل شأنه عن موسى وهارون عليهما السلام: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 87]، وقال الله تعالى عن عيسى عليه السلام: ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 30، 31]، وقال سبحانه وتعالى عن إسماعيل عليه السلام:﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 54، 55].   3 - افتراضُ اللهِ الصلاةَ على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مباشرة: مما يدلُّ على تعظيم قدر الصلاة في الإسلام أن الله تعالى قد افترضها على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مباشرة وبدون واسطة من الملائكة الكرام، وذلك حينما عُرِجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى في السماء السابعة؛روى الشيخان عن أنس بن مالكٍ قال - وهو يتحدث عن رحلة الإسراء والمعراج -: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ففرض الله على أمتي خمسين صلاةً، قال: فرجعت بذلك حتى أمر بموسى، فقال موسى عليه السلام: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قال: قلت: فرَض عليهم خمسين صلاةً، قال لي موسى عليه السلام: فراجِعْ ربَّك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك،قال: فراجعتُ ربي، فوضع شطرها، قال: فرجعت إلى موسى عليه السلام فأخبرته، قال: راجع ربك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك، قال: فراجعت ربي، فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يُبدَّل القول لديَّ، قال: فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: قد استحييت من ربي))؛ [البخاري حديث 349/ مسلم حديث 162].
4 - الصلاة أحد أركان الإسلام: روى الشيخانِ عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بُنِيَ الإسلام على خمسٍ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجِّ، وصوم رمضان))؛ [البخاري حديث 8/ مسلم حديث 16].
وروى الترمذي عن معاذ بن جبلٍ، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأصبحتُ يومًا قريبًا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبِرْني بعملٍ يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار، قال: ((لقد سألتَني عن عظيمٍ، وإنه ليسيرٌ على من يسَّره الله عليه؛ تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت))، ثم قال: ((ألا أدلُّك على أبواب الخير؛ الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل))، قال: ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16] حتى بلغ: ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر كله، وعَمُوده، وذِروة سنامه؟!))، قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر: الإسلام، وعَمُوده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد))، ثم قال: ((ألا أُخبرك بمِلاكِ ذلك كله؟!))، قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال: ((كُفَّ عليك هذا))، فقلت: يا نبي الله، وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: ((ثكِلَتْكَ أمُّك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم!))، [حديث صحيح: صحيح الترمذي للألباني حديث 2110).
5 - الصلاة أول ما يحاسِب اللهُ عليه العبدَ من الأعمال يوم القيامة: روى الترمذي عن حريث بن قبيصة قال: قدمت المدينة فقلت: اللهم يسِّرْ لي جليسًا صالحًا، قال: فجلست إلى أبي هريرة، فقلت: إني سألت الله أن يرزقني جليسًا صالحًا، فحدِّثْني بحديثٍ سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لعل الله أن ينفعني به، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلَحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسَدت فقد خاب وخسِر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوعٍ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك))؛ [حديث صحيح: صحيح الترمذي حديث 337].
6 - الصلاة أفضل الأعمال عند الله بعد التوحيد: روى الشيخانِ عن عبدالله بن مسعود قال: سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ((ثم برُّ الوالدين))، قال: ثم أي؟ قال: ((الجهادُ في سبيل الله))،قال: حدَّثني بهن، ولو استزدتُه لزادني؛[البخاري حديث 527، ومسلم حديث 85].
7 - الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم: روى النسائي عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حُبِّب إليَّ من الدنيا: النساء، والطِّيب، وجُعِل قرة عيني في الصلاة))؛ [حسن صحيح: صحيح النسائي للألباني، حديث 3949].
8 - المحافظة على الصلاة آخر وصية للنبي صلى الله عليه وسلم: روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلاةَ الصلاةَ، اتقوا الله فيما ملكَتْ أيمانُكم))؛ (صحيح) (صحيح أبي داود للألباني، حديث 4295).
9 - الأمر بتعليم الأطفال الصلاةَ: مما يدلُّ على منزلة الصلاة في الإسلام: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الآباء بتعليم أبنائهم الصغار الصلاةَ، مع أمرهم بالمحافظة على أدائها منذ طفولتهم، مع ضربهم على تركها تهاونًا ضربًا غير مؤذٍ، مع أنهم غير مكلفين؛ وذلك حتى يعتادوا على أداء الصلاة في باقي مراحل حياتهم؛روى أبو داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع))؛ (حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 466).
10 - الصلاة صِلة بين العبد وربِّه: روى مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن صلَّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خِداجٌ - ثلاثًا - غيرُ تمام))، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، قال: مجَّدني عبدي، وقال مرَّة: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل))؛ [مسلم حديث 395].
روى البخاريُّ عن عبدالله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقًا في جدار القِبلة، فحكَّه، ثم أقبل على الناس فقال: ((إذا كان أحدكم يُصلي، فلا يبصُقْ قِبَلَ وجهه، فإن الله قِبَلَ وجهِه إذا صلى))؛ [البخاري حديث 406].
11 - جميع أعمال الصلاة توحيد وتعظيم لله تعالى: قال محمد بن نصر المروزي رحمه الله: لا عمل بعد توحيد الله أفضلُ من الصلاة لله؛ لأنه افتتحها بالتوحيد والتعظيم لله بالتكبير، ثم الثناء على الله، وهي قراءة الفاتحة، وهي حمد لله وثناء عليه وتمجيد له، ودعاء، وكذلك التسبيح في الركوع والسجود، والتكبيرات عند كل خفض ورفع، كل ذلك توحيد لله وتعظيم له، وختَمها بالشهادة له بالتوحيد، ولرسوله بالرسالة، وركوعها وسجودها خشوع له، وتواضع، ورفع اليدين عند الافتتاح والركوع ورفع الرأس تعظيم له، وإجلال له، ووَضْع اليمين على الشمال بالانتصاب لله تذلُّلٌ له وإذعان بالعبودية؛ [تعظيم قدر الصلاة للمروزي جـ 1 صـ 268].
12 - مدحُ الله للمحافظين على الصلاة: ومما يدلُّ على المنزلة العالية للصلاة في الإسلام: أن الله تعالى عندما مدح عباده المؤمنين، بدأ بذِكْر الصلاة قبل أي عمل آخر؛ قال سبحانه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]، ثم ذكر - سبحانه - باقيَ الأعمال، وختَمها بذكر المحافظة على الصلاة؛ فقال جل شأنه:﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 9 - 11]، وقال سبحانه مادحًا أهل الصلاة: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 19 - 23].   13 - التحذيرُ الشديد لِمَن تهاون بالصلاة: إن منزلةَ الصلاة في الإسلام رفيعةٌ، ويدل على ذلك ما جاء في القرآن والسنَّة من التحذير الشديد من إضاعتِها والتهاون في أدائها؛ قال تعالى: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59]، روى ابن جريرٍ عن عمر بن عبدالعزيز: "لم تكن إضاعتُهم تَرْكَها، ولكن أضاعوا الوقتَ"؛ [تفسير الطبري ج16 ص98].
وقال سبحانه: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 4 - 7].   روى مسلمٌ عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن بين الرجل وبين الشِّرك والكفر: تَرْكَ الصلاة))؛ [مسلم حديث 82].
14 - الوصية بالاستعانة بالصلاة على جميع أمور الدنيا والآخرة: قال المروزيُّ - رحمه الله -: أمَر الله عباده أن يفزَعوا إلى الصلاة، ويستعينوا بها على كل أمر مِن أمور دنياهم وآخرتهم، ولم يخصَّ الاستعانةَ بها شيئًا دون شيء، فقال: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، وهم المنكسِرة قلوبُهم إجلالًا لله، ورهبةً منه، فشهِد لِمَن حقَّتْ عليه أن يقيمَها له إنه لَمِن الخاشعين؛ (تعظيم قدر الصلاة للمروزي جـ 1 صـ 218).
روى أبو داود عن حذيفة بن اليمان قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمرٌ، صلَّى؛(حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث 1171).
15 - الصلاة تؤدى بالقلب مع جميع الجوارح: قال المروزي - رحمه الله -: مِن الدليل على عِظَمِ قدر الصلاة وفضلها على سائر الأعمال: أن كلَّ فريضة افترضها الله، إنما افترضها على بعض الجوارح دون بعض، ثم لم يأمر بإشغال القلب بها إلا الصلاة، فإنه أمَر أن تقام بجميع الجوارح؛ وذلك أن ينتصب العبدُ ببدَنِه كله، ويَشغَل قلبه بها ليعلَمَ ما يتلو وما يقول فيها، ولم يفعل ذلك بشيء من الفرائض، لم يمنَعْ أن يشتغل العبد في شيءٍ مِن الفرائض بعمل سواه، إلا الصلاة وحدها؛ فإن الصائم له أن يلتفت وينام ويتكلم بغير ذكر الصوم، ويعمل بجوارحه ويشغلها فيما أحب من منافع الدنيا ولذاتها مما أُحِلَّ له، والمقاتل في سبيل الله له أن يلتفت ويتكلم، والحاج في قضاء مناسكه قد أبيح له أن يتكلم كذلك فيما بين ذلك وينام ويشتغل بما أحب من منافع الدنيا المباحة له، وله أن يتكلم في الطواف، وكذلك إعطاء الزكاة وجميع الطاعات له أن يعمل فيها ويتفكر في غيرها؛ [تعظيم قدر الصلاة للمروزي جـ 1 صـ 171: 172].
16 - الصلاة تشتمل على معظم أنواع العبادات: تشتمل الصلاةُ على الاعتقادات القلبية؛ كالانقياد والإخلاص والمحبة والخشوع والمراقبة لله تعالى، وتشتمل على أقوال اللسان من الشَّهادتين وتلاوة القرآن والتسبيح وسائر أنواع الذِّكر، وتشتمل الصلاة أيضًا على عمل الجوارح من الركوع والسجود والقيام والرفع والخفض وغير ذلك، وتضمن الصلاة أيضًا كثيرًا من الشرائط والفضائل، منها: الطهارة الحسية من الأحداث والأنجاس، والطهارة المعنوية من الإشراك والفحشاء والمنكر، وغير ذلك مما لم يجتمع في غيرها من العبادات؛ [معارج القبول جـ 2 صـ 42].
17 - الصلاة تميِّز بين المؤمنين والمنافقين في الدنيا والآخرة: أما في الدنيا، فإن الصلاة ثقيلةٌ على المنافقين؛ قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].
روى الشيخانِ عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعِشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، لقد هممت أن آمر المؤذِّن فيقيم، ثم آمر رجلًا يؤم الناس، ثم آخذ شعلًا من نارٍ فأُحرِّقَ على من لا يخرج إلى الصلاة بعدُ))؛ [البخاري حديث 657/ مسلم حديث 252].
وأما في الآخرة فإن المنافقين لا يستطيعون السجود إذا أُمِروا بذلك؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [القلم: 42، 43].   روى البخاريُّ عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يكشِفُ ربنا عن ساقِه، فيسجد له كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ، فيبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعةً فيذهب ليسجد، فيعود ظهرُه طَبَقًا واحدًا))؛ [البخاري حديث 4919].
18 - النار لا تُحرِق آثار السجود: قال المروزي رحمه الله: من فضل الصلاة على سائر الأعمال: أن مَن دخل النار من المؤمنين لم يجدوا شيئًا من الأعمال التي عملوها بجوارحهم تمنع شيئًا من أجسامهم من الاحتراق إلا السجود لله في الدنيا؛ فإن النارَ لا تصيب مواضع السجود من المصلين خاصة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ [تعظيم قدر الصلاة للمروزي جـ 1 صـ 292].
روى الشيخان عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يُخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئًا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يشهد أن لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النارُ ابنَ آدم إلا أثر السجود، حرَّم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتُحِشُوا، فيُصَبُّ عليهم ماء الحياة، فينبتون تحته كما تنبُتُ الحِبَّةُ في حميل السيل))؛[البخاري حديث 7437/ مسلم حديث 182].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالَمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢