أرشيف المقالات

صيام ستة أيام من شوال

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2صيام ستة أيام من شوال
من صِيَامِ التطوعِ صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، وهو مستحبٌ عند جمهور العلماء؛ لما ثبت عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".[1]   وَاِسْتِحْبَابُ صَوْم هَذِهِ السِّتَّة مَذْهَبُ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد بنُ عَليِّ وعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ من الأحناف؛ لهذا الحديث ولغيره من الأحاديث كما سيأتي، وهو الراجح، وَكره أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك صيامها لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُا.   قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَالِكاً يَقُولُ فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ يَصُومُهَا، وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ، وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ، وَأَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْلُ الْجَهَالَةِ وَالْجَفَاءِ، لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ.[2]
وقال الدسوقي: فَيُكْرَهُ لِمُقْتَدًى بِهِ، وَلِمَنْ خَافَ عَلَيْهِ اعْتِقَادَ وُجُوبِهَا إنْ صَامَهَا مُتَّصِلَةً بِرَمَضَانَ مُتَتَابِعَةً وَأَظْهَرَهَا أَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ سُنِّيَّةَ اتِّصَالِهَا.[3]   وقال في المحيط البرهان: الفصل الثامن في بيان الأوقات التي يكره فيها الصوم: صوم ست من شوال مكروه عند أبي حنيفة رحمه الله متفرقاً كان أو متتابعاً، وقال أبو يوسف: كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صياماً خوفاً من أن يلحق بالفريضة.[4]   وَنقول إِذَا ثَبَتَتْ السُّنَّة فلَا يجوز لأحد أن يخالفها، ولا يلتفت إلى من تركها ولو تركها أكثر الناس.   قال النووي: فِيهِ دَلَالَة صَرِيحَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد وَمُوَافِقَيْهِمْ فِي اِسْتِحْبَاب صَوْم هَذِهِ السِّتَّة، وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة: يُكْرَه ذَلِكَ، قَالَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ: مَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَصُومهَا، قَالُوا: فَيُكْرَهُ؛ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ.
وَدَلِيل الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح الصَّرِيح، وَإِذَا ثَبَتَتْ السُّنَّة لَا تُتْرَكُ لِتَرْكِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَوْ كُلِّهِمْ لَهَا، وَقَوْلهمْ: قَدْ يُظَنّ وُجُوبهَا، يُنْتَقَض بِصَوْمِ عَرَفَة وَعَاشُورَاء وَغَيْرهمَا مِنْ الصَّوْم الْمَنْدُوب.
قَالَ أَصْحَابنَا: وَالْأَفْضَل أَنْ تُصَامَ السِّتَّةُ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْم الْفِطْرِ، فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِل شَوَّال إِلَى أَوَاخِره حَصَلَتْ فَضِيلَة الْمُتَابَعَةُ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال.[5]   وإنما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سِتًّا مِنْ شَوَّال"؛ لأن الْحَسَنَةَ بِعَشْرةِ أمثالٍ، فمن صام شَهْرَ رَمَضَانَ فهو في الأجر بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، فإذا أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فهذه ثلاثمائة وستون، وَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ، فإذا كان هذه حاله كل سَنَةٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ، كما أخبر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ المتقدم.   وَهَذَا مَعْنَى مَا ثبتَ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ".[6]   وفي رواية عَنْهُ رَضِي اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "جَعَلَ اللَّهُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرٍ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ تَمَامُ السَّنَةِ".[7]


[1] رَوَاهُ مُسْلِمٌ- كتَابُ الصِّيَامِ، باب اسْتِحْبَابِ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ اتِّبَاعًا لِرَمَضَانَ، حديث رقم: 2815. [2] الموطأ- كتاب الصِّيَامِ، باب جَامِعِ الصِّيَامِ، حديث رقم: 867. [3] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (5/ 87). [4] المحيط البرهاني (2/ 655). [5] شرح النووي على مسلم (4/ 186). [6] رواه أحمد- حديث رقم: 22465، والنسائي في السنن الكبرى- صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، حديث رقم: 2873، بسند صحيح. [7] رواه النسائي في السنن الكبرى- صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ، حديث رقم: 2874، بسند صحيح.



شارك الخبر

المرئيات-١