أرشيف المقالات

إعلان النكاح

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
2إعلان النكاح المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع
قوله: (ويُسنُّ إعلان النكاح والدف فيه للنساء ...) إلى آخره[1].   قال البخاري: "(بابُ ضَرب الدُّفِّ في النكاح والوليمة).   حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا خالد بن ذكوان، قال: قالت الربيعُ بنت معوذ ابن عفراء، جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُنِيَ عَلَيَّ فجلس على فِرَاشي كمجلسك مني فجعلت جويريات لنا يضربن بالدُّفِّ ويَنْدُبْنَ من قُتِلَ من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبيٌّ يعلمُ ما في غدٍ، فقال: (دعي هذه وقولي بالذي كُنتِ تقولين)[2]".   قال الحافظ: "قال الكِرْمَانِيُّ: هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب، أو كان قبل نزول آية الحجاب، أو جاز النظر للحاجة، أو عند الأمن من الفتنة، قال الحافظ: والأخير هو المعتمد.   قوله: (ويَندُبن مَن قُتِل مِن آبائي يوم بدر)، قال الحافظ: النُّدْبة: ذِكْرُ أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها.   قوله: (فقال: دَعِي هذه)، أي: اتركي ما تعلق بمدحي الذي فيه الإطراء المنهي عنه.   زاد في رواية حماد بن سلمة: (لا يَعْلمُ ما في غدٍ إلا الله)[3]، فأشار إلى عِلَّة المنع.   قوله: (وقولي بالذي كنت تقولين)، فيه إشارة إلى جواز سماع المدح والمَرْثِيَّة مما ليس فيه مُبالغة تُفْضِي إلى الغُلوِّ.   وأخرج الطبراني في "الأوسط" بإسنادٍ حسنٍ من حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ بنساءٍ من الأنصار في عُرسٍ لهنَّ وهن يُغَنِّينَ: وأَهْدَى لَهَا كَبْشاً تَنَحْنَحَ في المِرْبَدِ وَزَوْجُك في النَّادِي ويَعْلَم ما في غَدِ   فقال: (لا يعلمُ ما في غدٍ إلا الله)[4].   قال المُهَلَّب: في هذا الحديث إعلان النكاح بالدُّف وبالغناء المُباح، وفيه إقبال الإمام إلى العُرس وإن كان فيه لهوٌ ما لم يَخرج عن حدِّ المباح.   وفيه: جواز مدح الرجل في وجهه ما لم يخرج إلى ما ليس فيه، وأغرب ابن التين فقال: إنما نهاها لأن مدحه حق، والمطلوب في النكاح اللهو، فلما أَدْخَلَت الحَدَّ في اللهوِ منعها، كذا قال! وتمام الخبر الذي أشرت إليه يردُّ عليه، وسياق القصة يُشعر بأنهما لو استمرتا على المَرَاثِي لم ينههما، وغالب حسن المَرَاثِي جِدٌّ لا لهو، وإنما أنكر عليها ما ذكر من الإِطْرَاءِ حيث أَطْلَقَ علم الغيب له، وهو صفة تختصُّ بالله تعالى، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [النمل: 65] وقوله لنبيه: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ﴾ [الأعراف: 188] وسائر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُخبِر به من الغيوب بإعلام الله تعالى إيَّاه لا أنه يستقل بعلم ذلك، كما قال تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ [الجن: 26 - 27]"[5].   وقال البخاري أيضاً: "(باب النِّسْوة اللَّاتِي يَهدِين المرأة إلى زوجها ودعائهنَّ بالبركة).   حدثنا الفضل بن يعقوب، حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إسرائيل، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنها زَفَّت امرأةً إلى رجلٍ من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يُعجبهم اللهو)[6]".   قال الحافظ: "قوله: (ما كان معكم لهو؟) وفي رواية شريك: فقال: (فهل بعثتهم معها جارية تضرب بالدُّفِّ وتغني؟)، قلتُ: تقول ماذا؟ قال: تقول : أَتيناكم أتيناكم فحَيَّانا وحيَّاكُمْ ولولا الذَّهب الأحمر مَا حلَّتْ بِوَادِيكُمْ ولولا الحِنْطَة السَّمراء ما سَمِنَتْ عذَارِيكُم[7]
وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد، عن قَرَظَة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين قال: إنه رُخِّصَ لنا في اللهو عند العرس ...
الحديث، وصححه الحاكم[8].   وللطبراني من حديث السائب بن يزيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له: أتُرَخِّص في هذا؟ قال: (نعم، إنه نِكاح لا سفاح، أَشِيدُوا النكاح)[9].   وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصحَّحه ابنُ حبان والحاكم: (أعلنوا النكاح)[10].   زاد الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة: (واضربوا عليه بالدُّف)، وسنده ضعيف[11].   ولأحمد والترمذي والنسائي من حديث محمد بن حاطب: (فَصْل ما بين الحلالِ والحرام الضَّربُ بالدُّف)[12].   واستدل بقوله: (واضربوا) على أن ذلك لا يختص بالنساء، لكنه ضعيف، والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء، فلا يَلْتَحِق بهنَّ الرجال؛ لعموم النهي عن التشبُّه بهنَّ"[13].   وقال الصنعاني في "سبل السلام": "دلَّت الأحاديث على الأمر بإعلان النكاح، وعلى شرعية ضرب الدُّف؛ لأنه أبلغ في الإعلان من عدمه، ولكن بشرط ألّا يصحبه مُحَرَّم من التغني بصوتٍ رَخِيم من امرأةٍ أجنبيةٍ بِشِعْرٍ فيه مدح القُدُودِ والخُدُودِ، بل ينظر الأسلوب العربي الذي كان في عصره صلى الله عليه وسلم فهو المأمور به.   وأما ما أحدثه الناس من بعد ذلك فهو غير المأمور به، ولا كلام في أنه في هذه الأَعْصَار يقترن بمُحَرَّمَات كثيرة، فيحرم لذلك لا لنفسه"[14].


[1] الروض المربع ص402. [2] البخاري (5147). [3] أخرجه ابن ماجه (1897). [4] أخرجه الطبراني في "الأوسط" 3/360 (3401)، وفي "الصغير" (343). قال الهيثمي في المجمع 4/290: رجاله رجال الصحيح. وقال ابن حجر في الفتح 9/203: إسناده حسن. [5] فتح الباري 9/203. [6] البخاري (5162). [7] الطبراني في "الأوسط" 3/315 (3265)، من طريق محمد بن أبي السري العسقلاني، عن أبي عاصم رواد بن الجراح، عن شريك بن عبد الله، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، به. قال الطبراني: لم يروه عن هشام إلا شريك، ولا عنه إلا رواد، تفرد به محمد بن أبي السري. قال الهيثمي في المجمع 4/289: فيه روَّاد بن الجراح، وثقه أحمد وابن معين وابن حبان، وفيه ضعف. وقال الألباني في الإرواء 7/51 (1994): هذا إسناد مسلسل بالضعفاء: شريك فمَن دونه ...
وللحديث طريق أخرى، يرويه الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر، عنها، به نحوه، دون البيتين الأخيرين.
أخرجه ابن ماجه (1900)، والبيهقي 7/289، وأحمد 3/391.
وهذا إسناد حسن؛ لولا عنعنة أبي الزبير، لكنه حسن بالذي قبله. [8] النسائي 6/135، والحاكم 1/183و 2/201. [9] الطبراني 7/152 (6666). قال الهيثمي في المجمع 4/290: فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي، وهو ضعيف، ووثقه ابن معين في رواية. وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة 4/37 (1463) لشواهده. [10] أحمد 4/5، وابن حبان في 9/374 (4066)، والحاكم 2/200. قال الهيثمي في المجمع 4/289: رجال أحمد ثقات. [11] الترمذي (1089)، وابن ماجه (1895). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب في هذا الباب، وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث. قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير 2/442 (2914): إسناده ضعيف. [12] أحمد 3/418، والترمذي (1088)، والنسائي 6/127. قال الترمذي: حديث حسنٌ. [13] فتح الباري 9/226. [14] سبل السلام 3/986 – 987.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير