أرشيف المقالات

المنن في النجاة من الفتن

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2المنن في النجاة من الفتن   إنَّ الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفِره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعَه بإحسان إلى يوم الدين. قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].   تحذير يهزُّ القلوب هزًّا من شر الفتنة التي هي مِن سُنن الله في خلقه، والتي يَقضي الله فيها ما يشاء، فيُمحِّص الله الذين آمنوا ويَمحق الكافرين والمنافقين؛ قال الله تعالى: ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 1 - 3].   وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ستكون فِتَن، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خير مِن الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومَن يُشرِفْ لها تَستشرِفْه، ومن وجَدَ ملجأً أو مَعاذًا، فلْيَعُذْ به))؛ رواه البخاري 3601، ومسلم 2886.   أعظم الفتن هي ما يكون في دين العبد وعقيدته، وهي ما كان يتعوَّذ منها النبي صلى الله عليه وسلم؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلَّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم مِن مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه، وذكر: ((ولا تجعل مصيبتَنا في ديننا))؛ صحَّحه الألباني في صحيح الترمذي.   وفي زماننا كثرت الفِتَن، وعمَّت الفوضى والقلاقل والبلابل في أمور كثيرة، وتفشى الجدل في كثير من قضايا الدِّين والعقيدة، حتى أصبح دمُ المسلمين في متناول فتاوى المُفتين الذين ضَلُّوا وأضلوا كثيرًا، وضَلُّوا عن سواء السبيل.   وموقف المسلم من هذه الموجة العارمة مِن الفِتَن الهوجاء، هو مجانبتها، والابتعاد عنها، وعدم الخوض فيها، وتركها لله سبحانه وتعالى فهي تَجري بمشيئته لحكمة لا يعلمها إلا هو.   ومن جُملة ما يَلتزم به المسلم في زمن الفتنة: الاشتغال بطاعة الله عز وجل، وعمارة الأوقات بالعبادات والقُربات المتنوِّعة؛ فقد ندب إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وحثَّ عليه، ورغَّب فيه، ونوَّه بشأنه كما في الحديث عن مَعقِل بن يَسار رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العبادة في الهرْج كهِجرة إليَّ))؛ رواه مسلم 2948.   • الحذر من التعرض للفتن، واتقاء أسباب الوقوع فيها، وقد ورَد قول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: ((مَن تشرَّفَ لها تَستشرفه))؛ أي: مَن تطلَّع إليها وتعرَّض لها، أصابته ووقع فيها.   • الاستعاذة بالله تعالى مِن الفتن، واللجوء إليه، والتضرُّع إليه والدعاء أن يَصرفه عنها، ويُبعده مِن الوقوع فيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من قوله: عن أَنَسٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثِر أن يقول: ((يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينِك))، فقلتُ: يا رسول الله، آمنَّا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: ((نعم؛ إن القلوب بين إصبعَينِ من أصابع الله، يُقلِّبها كيف يشاء))؛ صحَّحه الألباني في صحيح الترمذي عليهما رحمة الله.   • الإمساك عن الخوض في الفِتَن والكلام فيها بغير علم ودون ضرورة ومصلحة، والارتباط بالعلماء الربانيِّين، الذين يتقون الفِتَن ويحذَرون من الوقوع فيها، والرجوع إليهم، والالتزام بتوجيههم. • اعتزال أهل الفتن، ومُقاطعتهم، وهجرهم، والبُعد عنهم. • الإنكار بحسب العلم والقدرة على أهل الفِتَن، والنُّصح لهم إن أمكن. • عدم الاستماع إلى مُثيري الفِتَن والدُّعاة إليها، وهم كثُر، وفي الفِتَن سقَط مَن سقَط، ويَسقُط من خلق الله كثيرٌ.   • لزوم البيوت، وجعلها مكانًا لذكر الله، إلا لما لا بد منه؛ قال الله تعالى لموسى عليه السلام لما اشتدت الفتنة وخَشي موسى عليه السلام على أتباعه مِن الردَّة والرجوع إلى الكفر: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 87]. ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفتن، قال له صحابته رضي الله عنهم: فما تأمرنا؟ قال: ((كونوا أحلاس بيوتكم)).   عن أبي موسى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بين أيديكم فتنًا كقِطَع الليل المُظلم، يُصبِح الرجل فيها مؤمنًا ويُمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويُصبح كافرًا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي))، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: ((كونوا أحلاس بيوتكم))؛ صحيح أبي داود.   قال الحافظ المنذري: الحِلس هو الكساء الذي يَلي ظهر البعير تحت القتَب، يعني: الزموا بيوتَكم في الفِتَن كلزُوم الحِلس لظَهر الدابة.   للعلم: النجاة من الفتن لا تكون إلا بتوفيقٍ من الله وهداية منه، وبالتالي فلا تَترك ذِكره طرفة عينٍ، ففي وقْت غفلتِك هفْوَتُك.   توجيه: ﴿ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 155].   هلكةُ مَن هلك في الفتنة هي بفعل السفهاء، فأكثِرْ عند ظهورها من التوبة والاستغفار، واللجوء إلى الله الواحد القهار. احذر من الوقوع في أعراض العلماء زمن الفِتَن، وادع الله للجميع بالسداد والرشاد. اللهمَّ إنا نعوذ بك مِن الفِتَن والمِحَن، ما ظهر منها وما بطَن. اللهمَّ ألِّف بين قلوبنا، وأَصلح ذات بينِنا. اللهمَّ أَرِنا الحقَّ حقًّا وارزُقْنا اتباعه، وأَرِنا الباطل باطلًا وارزُقنا اجتنابه. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه ومَن والاه إلى يوم الدين.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢