أرشيف المقالات

السلام تحية الإسلام

مدة قراءة المادة : 31 دقائق .
2السلام تحية الإسلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه الله تعالى رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومَن استنَّ بسنَّته، واهتدى بهديه، واقتفى أثره، وسار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد: فإن السلام هو تحية الإسلام الخالدة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: معنى السلام: قال الإمام النووي: معنى السلام: قيل: هو اسم الله تعالى، فقوله: السلام عليك؛ أي: اسم السلام عليك، ومعناه: اسم الله عليك؛ أي: أنت في حفظه، كما يقال: الله معك، والله يصحَبك، وقيل: السلام بمعنى السلامة؛ أي: السلامة ملازمة لك؛ (مسلم بشرح النووي جـ 7 صـ 395).
السلام مِن أسماء الله الحسنى: قال الله تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الحشر: 23].
روى البخاري (في الأدب المفرد) عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن السلام اسمٌ من أسماء الله تعالى، وضَعه الله في الأرض؛ فأفشوا السلامَ بينكم))؛ (حديث حسن) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 1019).
روى البخاري (في الأدب المفرد) عن عبدالله بن مسعود قال: إن السلام اسمٌ من أسماء الله، وضعه الله في الأرض؛ فأفشوه بينكم، إن الرجل إذا سلَّم على القوم فردُّوا عليه، كانت له عليهم فضل درجةٍ؛ لأنه ذكَّرهم السلام، وإن لم يُرَدَّ عليه، رد عليه من هو خيرٌ منه وأطيب" (يعنى الملائكة)؛ (حديث صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 793).
السلام تحيَّة رضِيها الله لعباده: روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خلَق الله آدم وطوله ستون ذراعًا، ثم قال: اذهب فسلِّم على أولئك من الملائكة، فاستمع ما يحيونك، تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكل مَن يدخل الجنةَ على صورة آدم، فلم يزل الخَلْق ينقص حتى الآن))؛ (البخاري حديث 6227/ مسلم حديث 2841).
السلام تحية أهل الجنة: قال الله تعالى: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24]، وقال سبحانه: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10]، وقال جل شأنه: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 44]، وقال سبحانه: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 25، 26].
اليهود يحسُدُون المسلمين على السلام: روى أحمدُ عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما حسَدَتْكم اليهود على شيءٍ ما حسَدَتْكم على السلام والتأمين))؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني حديث 5613).
إلقاء السلام من حقوق المسلم على أخيه: روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((حق المسلم على المسلم خمسٌ: ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميتُ العاطس))؛ (البخاري حديث 1240/ مسلم حديث 2162).
فضلُ إفشاء السلام: روى أبو داود عن عمران بن حصينٍ، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام، ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عشرٌ))، ثم جاء آخرُ فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فردَّ عليه، فجلس، فقال: ((عشرون))، ثم جاء آخرُ فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: ((ثلاثون))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 4327).
تأمل - أخي الكريم - في هذا الثواب العظيم من رب كريم، وكم تكون حسناتُنا لو اتبعنا هَدْيَ النبي صلى الله عليه وسلم عند تحية إخواننا المسلمين، عجبًا لكثير من الذين استبدلوا بالسلام تحيةً ما أنزل الله بها من سلطان، ولا شرعها النبي صلى الله عليه وسلم لأمَّته، متبعين في ذلك غير المسلمين!
روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلَا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم))؛ (مسلم حديث 54).
قال الإمام النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا) معناه: لا يكمُل إيمانُكم ولا يصلُح حالكم إلا بالتحابِّ، وأما قوله: (أفشوا السلام بينكم) فهو بقطع الهمزة المفتوحة، وفيه الحث العظيمُ على إفشاء السلام وبذلِه للمسلمين كلهم؛ مَن عرَفت، ومَن لم تعرف، كما تقدم في الحديثِ الآخَر، والسلامُ أول أسباب التآلف، ومِفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائِه تمكُّن ألفةِ المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شِعارهم المميز لهم من غيرهم مِن أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين؛ (مسلم بشرح النووي جـ 1 صـ 312).
روى الترمذي عن عبدالله بن سلامٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلُّوا والناس نيامٌ، تدخلوا الجنة بسلامٍ))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2019).
قال أبو بكر بن العربي: مِن فوائد إفشاء السلام: حصول المحبة بين المتسالمين، وكان ذلك لِما فيه من ائتلاف الكلمة؛ لتعم المصلحة بوقوع المعاونة على إقامة شرائع الدين، وإخزاء الكافرين، وهي كلمة إذا سمعت، أخلصت القلب الواعي لها عن النفور إلى الإقبال على قائلها؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11 صـ 21).
إفشاء السلام من أسباب المودة بين المسلمين: قال القاضي عياض: والألفة إحدى فرائض الدين، وأركان الشريعة، ونظام شمل الإسلام؛ (مسلم بشرح النووي جـ 1 صـ 286). روى أبو داود عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أولى الناس بالله مَن بدَأَهم بالسلام))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 4328).
روى أبو داود عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا لقي أحدكم أخاه، فليُسلِّم عليه، فإن حالت بينهما شجرةٌ أو جدارٌ أو حجرٌ ثم لقيه، فليُسلِّم عليه أيضًا))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 4331).
قال النووي: إذا سلَّم عليك إنسان ثم لقيته عن قرب، يُسَنُّ لك أن تسلم عليه ثانيًا وثالثًا وأكثر؛ (الأذكار للنووي صـ 314). روى البخاري (في الأدب المفرد) عن عمر بن الخطاب قال: كنت رديف أبي بكرٍ، فيمر على القوم فيقول: السلام عليكم، فيقولون: السلام عليكم ورحمة الله، ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، فيقولون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال أبو بكرٍ: فضلنا الناس اليوم بزيادة كثيرة؛ (حديث صحيح) (صحيح الأدب المفرد للبخاري للألباني حديث: 758).
روى البخاري (في الأدب المفرد) عن الطفيل بن أُبَيِّ بن كعبٍ: أنه كان يأتي عبدالله بن عمر، فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبدالله بن عمر على سقاطٍ (جزار)، ولا صاحب بيعةٍ، ولا مسكينٍ، ولا أحدٍ، إلا يسلم عليه، قال الطفيل: فجئت عبدالله بن عمر يومًا، فاستتبعني إلى السوق، فقلت: ما تصنع بالسوق؟ وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق، فاجلس بنا ها هنا نتحدث، فقال لي عبدالله: "يا أبا بطنٍ - وكان الطفيل ذا بطنٍ - إنما نغدو من أجل السلام، نسلِّم على مَن لقِينا"؛ (حديث صحيح) (صحيح الأدب المفرد للبخاري للألباني حديث: 406).
حُكم إلقاء السلام والرد عليه: قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 86]. هذه الآية المباركة دليلٌ على أن رد السلام فرض على كل مسلم بالغ عاقل قادر على رد السلام. قال ابن كثير: قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86]؛ أي: إذا سلَّم عليكم المسلم، فردُّوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلَّم؛ فالزيادة مندوبةٌ، والمماثلة مفروضةٌ؛ (تفسير ابن كثير جـ 1 صـ 544).
روى البخاري عن الحسن البصري قال: "التسليم تطوُّعٌ، والرد فريضةٌ"؛ (حديث صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث: 794).
قال ابن كثير - تعليقًا على كلام الحسن البصري -: هذا الذي قال هو قول العلماء قاطبةً؛ أن الردَّ واجبٌ على مَن سلم عليه، فيأثم إن لم يفعل؛ لأنه خالَف أمرَ الله في قوله: ﴿ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86]؛ (تفسير ابن كثير جـ 1 صـ 545).
وقال القرطبي: أجمع العلماء على أن الابتداءَ بالسلام سنةٌ مرغَّبٌ فيها، ورده فريضةٌ؛ لقوله تعالى: ﴿ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86]؛ (تفسير القرطبي جـ 5 صـ 298).
ردُّ الواحد السلامَ عن الجماعة: روى أبو داود عن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: يجزئ عن الجماعة إذا مرُّوا أن يسلِّمَ أحدُهم، ويجزئ عن الجلوس أن يردَّ أحدُهم؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 4342).
قال الإمام النووي: ابتداءُ السلام سنَّة، وردُّه واجب، فإن كان المسلِّم جماعة فهو سنَّة كفاية في حقهم، إذا سلَّم بعضهم حصلت سنَّة السلام في حق جميعهم، فإن كان المسلَّم عليه واحدًا تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم، فإذا رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يبتدئ الجميعُ بالسلام، وأن يردَّ الجميعُ؛ (مسلم بشرح النووي جـ 7 صـ 394). قال القرطبي: يرد الواحدُ عن الجماعة، وينوب عن الباقين، كفروض الكفاية؛ (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ 5 صـ 299).
ردُّ الأطفال السلامَ نيابة عن المكلفين: إذا سلَّم مسلمٌ بالغ عاقل على جماعة فيهم صبي، فرد الصبي، ولم يرد السلام إلا هذا الصبي، لا يسقُط؛ لأنه ليس أهلًا للفرض، والرد فرضٌ، فلم يسقط به؛ (الأذكار للنووي صـ 314).
رد السلام على الأطفال: إذا سلَّم طفل على رجل، وجَب على الرجل رد السلام؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86]؛ (الأذكار للنووي صـ 313: صـ 314).
صفة إلقاء السلام ورده: الأفضل أن يقول المسلِّم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلَّم عليه واحدًا، ويقول المجيب: وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله: (وعليكم)، فإن قال المبتدئ بالتسليم: السلام عليكم، أو قال: السلام عليك، أو سلام عليك، حصل السلام بهذه الألفاظ، أما الجواب فأقله: وعليك السلام، أو عليكم السلام، وأما إذا قال: عليكم، لم يكن هذا جوابًا، ويشترط أن يكون الجواب على الفور، فإن أخره ثم رد، لم يعُدْ جوابًا، وكان آثمًا بترك الردِّ؛ (الأذكار للنووي صـ 308: صـ 310).
فائدة هامة: إذا لقي المسلم أخاه، فقال المبتدئ: "وعليكم السلام"، لا يكون ذلك سلامًا، فلا يستحق جوابًا؛ لأن هذه الصيغة لا تصلُحُ للابتداء؛ (الأذكار للنووي صـ 315).
الإشارة بالسلام بلا لفظ: تُكرَه الإشارة بالسلام، سواء كان ذلك باليد وغيرها بدون التلفظ بالسلام؛ لأن ذلك تشبُّهٌ بغير المسلمين، وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتشبَّهَ بهم.
روى الترمذي عن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس منا مَن تشبَّه بغيرنا، لا تَشبَّهوا باليهود ولا بالنصارى؛ فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكفِّ))؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2168).
وأما من كان بعيدًا، بحيث لا يسمع التسليم، فإنه يجوز السلام عليه إشارة، ويتلفظ مع ذلك بالسلام؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11 صـ 21).
إلقاء السلام على المعارف فقط: اعتاد كثيرٌ من المسلمين على إلقاء السلام على المعارف فقط، وهذا مخالفٌ لسنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم، الذي حثنا على إلقاء السلام على مَن نعرفه ومَن لا نعرفه مِن المسلمين.
روى الشيخانِ عن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما: أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الإسلام خيرٌ؟! قال: ((تُطعم الطعام، وتقرأ السلامَ على مَن عرَفتَ ومَن لم تعرف))؛ (البخاري حديث 6236/ مسلم حديث 39).
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: (تقرأ السلام على مَن عرفت ومن لم تعرف)؛ أي: تسلِّم على كل مَن لقيتَه، عرفته أم لم تعرفه، ولا تخص به من تعرفه، كما يفعله كثيرٌ من الناس؛ (مسلم بشرح النوي جـ 1 صـ 286).
وقال النووي أيضًا: هذا الحديث فيه دليلٌ على بذل السلام لِمَن عرفتَ، ولِمَن لم تعرف، وإخلاص العمل فيه لله تعالى، لا مصانعةً ولا ملقًا، وفيه مع ذلك استعمال خُلق التواضع، وإفشاء شِعار هذه الأمة؛ (مسلم بشرح النووي جـ 1 صـ 286).
تبليغ السلام: يُسَنُّ تبليغ السلام للآخرين من المسلمين؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلِّم بنفسه على من يواجهه، ويحمل السلام لمن يريد أن يسلم عليه من الغائبين.
روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا رسولَ الله، هذه خديجة قد أتت معها إناءٌ فيه إدامٌ أو طعامٌ أو شرابٌ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام مِن ربها ومني، وبشِّرْها ببيتٍ في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب))؛ (البخاري حديث 3820/ مسلم حديث 2432).
روى البخاريُّ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا: ((يا عائشُ، هذا جبريل يقرئك السلام))، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته؛ (البخاري حديث 3768).
روى مسلمٌ عن أنس بن مالكٍ: أن فتًى من أسلم قال: يا رسول الله، إني أريد الغزو، وليس معي ما أتجهز، قال: ((ائتِ فلانًا؛ فإنه قد كان تجهَّز، فمرض))، فأتاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام، ويقول: ((أعطِني الذي تجهزت به))، قال: يا فلانةُ، أعطيه الذي تجهزتُ به، ولا تحبِسي عنه شيئًا؛ فوالله لا تحبِسي منه شيئًا فيباركَ لك فيه؛ (مسلم حديث 1894).
فائدة مهمة: إذا بعَث المسلم إلى آخرَ سلامًا، فقال الرسول: فلان يسلم عليك، وجب على المرسَل إليه السلامُ أن يجيب؛ فقد قدمنا أنه يجيب على الفور، ويستحب أن يرد على المبلغ أيضًا، فيقول: وعليك وعليه السلام؛ (الأذكار للنووي صـ 312: صـ 313).
تبليغ السلام أمانة: روى عبدالرزاق عن معمرٍ، عن أيوب، عن أبي قلابة: أن رجلًا أتى سلمانَ الفارسي فوجده يعجن، فقال: أين الخادم؟ فقال: (أرسلته في حاجةٍ، فلم يكن لنجمع عليه اثنتين، أن نرسله ولا نكفيه عمله)، قال: فقال الرجل: إن أبا الدرداء يقول: عليك السلام، قال: (متى قدمت؟)، قال: منذ ثلاثٍ، قال: (أمَا إنك لو لم تؤدِّها، كانت أمانةً عندك)؛ (إسناده صحيح) (مصنف عبدالرزاق جـ 10 صـ 393 رقم 19464).
آداب إلقاء السلام: إن لإلقاء السلام آدابًا سامية ينبغي على كل مسلم أن يعرفها، ومنها أن يسلِّمَ الراكب على الماشي، ويسلِّم الماشي على الجالس، ويسلِّم الصغير على الكبير، ويسلِّم القليل على الكثير، واتباع سنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم في ألفاظ السلام والرد عليه.   روى الشيخانِ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يسلِّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليلُ على الكثير))؛ (البخاري حديث 6232/ مسلم حديث 2160).
وروى البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسلِّم الصغير على الكبير))؛ (البخاري حديث 6231).
رفع الصوت بالسلام: إفشاء السلام معناه: إظهار السلام. روى البخاريُّ عن ثابت بن عبيدٍ، قال: أتيت مجلسًا فيه عبدالله بن عمر، فقال: "إذا سلمتَ فأسمِعْ؛ فإنها تحيةٌ مِن عند الله مباركة طيبة"؛ (إسناده صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 769). قال النووي: وأقلُّه أن يرفع صوتَه بحيث يسمع المسلَّم عليه، فإن لم يسمعه لم يكن آتيًا بالسنَّة.
وقال ابن حجر العسقلاني: ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه، فإن شكَّ استظهر، ويستثنى من رفع الصوت بالسلام ما إذا دخل على مكان فيه أيقاظ ونيام، فالسنَّة فيه ما ثبت في صحيح مسلم عن المقداد قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيء من الليل فيسلِّم تسليمًا لا يوقِظ نائمًا، ويُسمِع اليقظان"؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11 صـ 20).
إلقاء السلام على الأطفال: مِن السنَّة: إلقاء السلام على الأطفال؛ لأن ذلك يغرس في نفوسهم شِعار الإسلام منذ الصغر، فيعتادون على ذلك في باقي حياتهم.
روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على غلمانٍ فسلَّم عليهم؛ (البخاري حديث 6247/ مسلم حديث 2168).
قال القرطبي - تعليقًا على تسليم النبي صلى الله عليه وسلم على الأطفال -: هذا مِن خُلقه العظيم صلى الله عليه وسلم، وفيه تدريبٌ للصغير، وحضٌّ على تعليم السُّنن، ورياضةٌ لهم على آداب الشريعة فيه؛ (تفسير القرطبي جـ 5 صـ 302).
إلقاء السلام عند الاستئذان: مِن السنَّة أن يبدأ المسلم بإلقاء السلام قبل أن يستأذن على أخيه المسلم. روى أبو داود عن عمر بن الخطاب: أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في مشربةٍ له، فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم، أيدخُلُ عمرُ؟؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 4333).
روى أبو داود عن ربعي، قال: حدثنا رجلٌ من بني عامرٍ: أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيتٍ، فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: ((اخرُجْ إلى هذا فعلِّمْه الاستئذان؛ فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخُلُ!))، فسمِعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذِن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخَل؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 4312).
روى البخاري (في الأدب المفرد) عن أبي هريرة - فيمن يستأذن قبل أن يسلِّم - قال: "لا يؤذَنُ له حتى يأتيَ بالمفتاح؛ يبدأ بالسلامِ"؛ (إسناده صحيح) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث: 813).
قال النووي: الصحيحُ الذي جاءت به السنة، وقاله المحققون، أنه يقدم السلام على الاستئذان، فيقول: السلام عليكم، أأدخل؟؛ (مسلم بشرح النووي جـ 7 صـ 388).
إلقاء السلام عند مغادرة المجلس: إذا كان المسلِم جالسًا مع إخوانه ثم قام ليفارقهم، فالسنَّة أن يسلِّم عليهم. روى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس، فليسلِّمْ، فإذا أراد أن يقوم، فليسلِّمْ؛ فليست الأولى بأحقَّ مِن الآخِرة))؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 4340).
إلقاء السلام على مَن يقرأ القرآن: يُكرَه إلقاء السلام على من يقرأ القرآن، أو من هو مشغول بالدعاء أو التلبية في الحج أو العمرة، ولكن إذا سلَّم عليه أحد، وجَب عليه رد السلام؛ (الأذكار للنووي صـ 31).
إلقاء السلام على المؤذن أثناء الأذان: يُكرَه إلقاء السلام على المؤذِّن أثناء أذانه، ولكن لو سلَّم عليه أحد، وجَب عليه رد السلام بلفظه المعتاد؛ لأن ذلك يسيرٌ لا يُبطِل الأذانَ، ولا يُخِلُّ به؛ (الأذكار للنووي صـ 318).
إلقاء السلام والرد عليه أثناء خطبة الجمعة: يسن لمن دخل المسجد والإمام يخطب أن يصلي ركعتين تحية المسجد، وليتجوَّز فيهما، ثم يجلس وينصت للإمام، ولا يلقي السلامَ على أحد من المصلين، وإذا ألقى عليه أحدٌ السلام، لا يرد بالقول، ولكن يشير بيده فقط، وإذا عطس أحدٌ فلا يشمِّته؛ (المغني لابن قدامة جـ 3 صـ 198: صـ 199).
إلقاء السلام على الأموات: مِن السنَّة أن يسلِّم المسلم على الأموات عند زيارة المقابر، ويدعوَ لهم بالرحمة. روى مسلمٌ عن بريدة، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول - في رواية أبي بكرٍ -: السلام على أهل الديار، وفي رواية زهيرٍ: السلام عليكم أهل الديار، مِن المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافيةَ))؛ (مسلم حديث 975).
روى مسلمٌ عن عائشة: أنها قالت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: ((قولي: السلام على أهل الديار، مِن المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون))؛ (مسلم حديث 974).
إلقاء السلام على مَن في الحمَّام: لا يجوز إلقاء السلام على من بداخل الحمام، ويحرم على الموجود داخله ردُّ السلام. روى مسلمٌ عن ابن عمر: أن رجلًا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلَّم عليه، فلم يردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه السلام؛ (مسلم حديث 370). قال القرطبي: لا ينبغي أن يسلِّمَ على من يقضي حاجته، فإن فعل لم يلزمه أن يردَّ عليه؛ (تفسير القرطبي جـ 5 صـ 304).
إلقاء السلام على مَن لا يسمع: إذا سلَّم المسلم على مسلم أصمَّ لا يسمع، فينبغي أن يتلفظ بلفظ السلام؛ لقدرته عليه، ويشير باليد؛ حتى يحصلَ الإفهام، ويستحق الجواب، فلو لم يجمع بينهما لا يستحق الجواب، وكذلك لو سلم عليه أصمُّ وأراد الرد، وجب عليه أن يتلفظ باللسان، ويشير بيده؛ ليحصل به الإفهام، ويسقط عنه فرض الجواب؛ (الأذكار للنووي صـ 313).
إلقاء السلام على الأخرس: إذا سلَّم أحدنا على أخرس، فأشار الأخرس باليد، سقط عنه الفرض؛ لأن إشارتَه قائمة مقام العبارة، وكذلك لو سلَّم علينا أخرس بالإشارة، وجب علينا الردُّ باللفظ؛ (الأذكار للنووي صـ 313).
إلقاء السلام على الفاسق والمبتدع: أولًا: يجب علينا أن ننصح الفاسق أو المبتدع بالحكمة والموعظة الحسنة، مع ذكر الأدلة الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن نسلك جميع السبل الممكنة في نصحه مع التحلي بالصبر، فإذا لم يتوقف الفاسقُ عن فسقه، والمبتدع عن بدعته، فإننا لا نسلِّم عليه؛ زجرًا له ولأمثاله، ولكن إذا سلَّم علينا وجب علينا ردُّ السلام.
روى البخاري عن الحسن البصري، قال: ليس بينك وبين الفاسق حرمةٌ؛ (صحيح الإسناد) (صحيح الأدب المفرد للألباني رقم 777). قال النووي: يستحب هجرانُ أهل البدع والمعاصي الظاهرة، وترك السلام عليهم، ومقاطعتهم تحقيرًا لهم وزجرًا؛ (مسلم بشرح النووي جـ 9 صـ 113).
إلقاء السلام على النساء مِن غير المحارم: يجوز إلقاء السلام على النساء من غير المحارم، بشرط ألا يترتب على ذلك فتنة، فإذا ترتبت فتنةٌ حرُم إلقاءُ السلام عليهن. روى البخاريُّ عن سهل بن سعد: أنهم كانوا يصلون الجمعة ثم يأتون إلى عجوزٍ في طريقهم فيسلِّمون عليها؛ (البخاري حديث 225).
روى أبو داود عن أسماء ابنة يزيد، قالت: مرَّ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوةٍ فسلَّم علينا؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 4336).
روى البخاري عن الحسن البصري قال: "كنَّ النساءُ يُسلِّمْنَ على الرجال"؛ (حديث حسن) (صحيح الأدب المفرد للألباني حديث 779).
روى عبدالرزاق، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: أما امرأةٌ من القواعد، فلا بأس أن يسلِّمَ عليها، وأما الشابةُ فلا؛ (إسناده صحيح) (مصنف عبدالرزاق جـ 10 صـ 389 رقم 19449).
قال النووي: أما النساء فإن كن جميعًا سلم عليهن، وإن كانت واحدة سلم عليها النساء، وزوجها وسيدها ومحرمها، سواء كانت جميلة أو غيرها، وأما الأجنبي فإن كانت عجوزًا لا تشتهى، استحبَّ له السلام عليها، واستحب لها السلام عليه، ومَن سلم منهما لزم الآخرَ ردُّ السلام عليه، وإن كانت شابة أو عجوزًا تشتهى، لم يسلم عليها الأجنبي، ولم تسلم عليه، ومَن سلم منهما لم يستحق جوابًا، ويكره رد جوابه، هذا مذهبنا، ومذهبُ الجمهور؛ (مسلم بشرح النووي جـ 7 صـ 404).
قال القرطبي: التسليمُ على النساء جائزٌ، إلا على الشابات منهن؛ خوف الفتنة من مكالمتهن بنزعة شيطانٍ، أو خائنة عينٍ، وأما المتجالات (كبيرات السن) والعُجُز، فحسنٌ؛ للأمنِ فيما ذكرناه، هذا قول عطاءٍ وقتادة، وإليه ذهب مالكٌ وطائفةٌ مِن العلماء؛ (تفسير القرطبي جـ 5 صـ 303) (موطأ مالك - كتاب السلام صـ 687).
وختامًا، أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعَ به طلاب العلم. وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١