أرشيف المقالات

الاجتهاد من حيث التكليف

مدة قراءة المادة : 50 دقائق .
2حكم الاجتهاد من حيث التكليف ورأي الإمام الشاطبي   التكليف: أصله من كلف، وهو أصل صحيح يدل على إبلاغ بالشيء وتعلق به، وكلف بالأمر؛ أي: أحبه وأولع به، وكلفت بالأمر؛ أي: حملته على مشقة، والكلفة: ما تكلفه على مشقة، والتكاليف: المشاق، وكلفته كذا؛ أي: حملته فتحمَّله على مشقة[1].   والتكليف في الاصطلاح: هو إلزام مقتضى خطاب الشرع[2]. والمراد هنا هو حكم الاجتهاد من حيث تعلُّقه بالمكلفين؛ ذلك أننا تعرضنا في المطلب السابق لحكم الاجتهاد في الأصل من جهة التشريع، وأما هنا فإننا نعرض له بالنظر إلى القائم به، وهو المكلَّف.
والأفعال كلها - من وجهة نظر الشَّاطبي - تختلف أحكامها بالنظر إلى الكلية والجزئية[3]، ولا شك أن الاجتهاد من هذا القبيل؛ فحُكمه يختلف باختلاف النظرين؛ ولذا فالشَّاطبي ينظر إلى حكم الاجتهاد التكليفي بنظرين: أولهما: النظر الكلي، ونعني به النظر إلى ذات الشيء بمجموعه. وثانيهما: النظر الجزئي، ونعني به النظر إلى ذات الشيء عن طريق جزئياته ومتعلقاته. وفيما يلي نفرد لكل من النظرين مسألة مستقلة نبين فيها رأي الشَّاطبي ومن وافقه أو خالفه.   المسألة الأولى: حكم الاجتهاد بالنظر الكلي: لما أن كان بيان الحكم في هذا المطلب مرتبطًا بالمكلفين، كان مرادنا بالنظر الكلي هنا هو حكم الاجتهاد على الأمة وعلى المكلفين بمجموعهم، بقطع النظر عن حكمه المتوجه على الأعيان.   رأي الشَّاطبي: يرى الشَّاطبي أن الاجتهاد فرض كفاية على الأمة[4].
قال الشَّاطبي في معرض كلام له في الاعتناء بالمتعلِّم إذا برز أو مال إلى علم معين أو أدب خاص ونحو ذلك: "وبذلك يتربى لكل فعل هو فرض كفايةٍ قومٌ؛ لأنه أولًا سير في طريق مشترك، فحيث وقف السائر وعجز عن السير، فقد وقف في مرتبة محتاج إليها في الجملة، وإن كان به قوة زاد في السير إلى أن يصل إلى أقصى الغايات في المفروضات الكفائية، وفي التي يندر من يصل إليها كالاجتهاد في الشريعة والإمارة، فبذلك تستقيم أحوال الدنيا وأعمال الآخرة"[5].
وما قرره الشَّاطبي هنا من حكم الاجتهاد وافَق فيه الإجماع - على القول بعدم اعتبار أهل البدع في الخلاف - أو الجمهور القائلين بمشروعية الاجتهاد - على الاعتبار بخلاف من خالف في الاجتهاد - حيث أكدوا أن الاجتهاد فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين[6].
ولا يعترض على هذا بما ذكره بعض المالكية من أن الاجتهاد واجب؛ كقول ابن القصار: "وجوب النظر والاستدلال هو مذهب مالك - رحمه الله - في سائر العلماء"[7]، وقول القَرافي: "مذهب مالك وجمهور العلماء - رضوان الله عليهم - وجوبه وإبطال التقليد"[8]؛ لأنهم إنما عنوا بالوجوب هنا الوجوب الكفائي، ومما يؤكده قول القرافي: "فيمن يتعين عليه الاجتهاد: أفتى أصحابنا - رضي الله عليهم - بأن العلم على قسمين: فرض عين، وفرض كفاية، وحكى الشافعي في رسالته[9]، والغزالي في إحياء علوم الدين[10] الإجماع على ذلك"، ثم قال: "وأما فرض الكفاية فهو العلم الذي لا يتعلق بحالة الإنسان، فيجب على الأمة أن يكون منهم طائفة يتفقهون في الدين؛ ليكونوا قدوة للمسلمين؛ حفظًا للشرع من الضياع، والذي يتعين لهذا من الناس مَن جاد حفظه، وحسُن إدراكه، وطابت سجيته وسريرته، ومن لا فلا"[11]، وبهذا يعلم أنهم موافقون للشاطبي وللجمهور في حكم الاجتهاد.   المسألة الثانية: حكم الاجتهاد بالنظر الجزئي: سبق أن بينا في المسألة السابقة حكم الاجتهاد بالنظر الكلي، وفي هذه المسألة نوضح حكم الاجتهاد بالنظر الجزئي، ونعني بالنظر الجزئي النظر إلى كل مكلف ومعين على وجه الخصوص، لا النظر إلى مجموع الأمة، وهو في حقيقته نظر إلى ذات الشيء عن طريق جزئياته ومتعلقاته، ومثال ذلك: ما كان مباحًا بأصل الشرع، ولكن إذا نظر إلى أعيان المكلفين وأحوالهم، فقد يختلف الحكم عن ذلك الأصل، فينتقل إلى حكم الوجوب أو الحرمة أو الندب أو الكراهة، أو يبقى على أصل الإباحة، فمن ضيع ما أمره الله من الواجبات بسبب تعلقه بالمباح، فإن هذا المباح يكون حرامًا في حقه، ومن قارب الملَل من الطاعة لنقص فيه، فقد يستحب له ذلك المباح، وهكذا، فإن الأحكام تتغير بتغير الأعيان والأحوال، وهي متعلقات تتعلق بالحكم فتؤثر عليه، وليست في ذات الحكم[12]. والاجتهاد - كغيره من الأحكام - يتأثر بما يتعلق به من أعيان أو أحوال، وفي هذه المسألة نعرض لتفصيل أحكامه بهذا النظر الجزئي.   رأي الشَّاطبي: بتتبع كلام الشَّاطبي يلحظ أنه نظر إلى الاجتهاد من خلال جزئياته ومتعلقاته بنظرات متعددة، ومثل بأمثلة تفيد أن الاجتهاد يأخذ الأحكام التكليفية الخمسة: فهو يرى أن الاجتهاد قد يكون واجبًا عينيًّا، وذلك في حالة ما إذا وقعت واقعة وسئل العالم عنها ولم يكن في البلد أحد غيره[13]. ويفهم من جعله الاجتهاد فرض كفاية على الأمة أن الاجتهاد قد يكون فرض كفاية على المجتهد، وذلك فيما إذا كان في البلد أحد غيره يقوم بالاجتهاد عنه، ولا شك أنه سيكون مندوبًا في حقه حينئذ.
ومثَّل الشَّاطبي على الاجتهاد المحرم بأمثلة، وهي: • أن يكون الاجتهاد في مقابل النص؛ لأنه لا يسعه فيما فيه دليل إلا اتباعُ الدليل[14]. • أن يكون القائم به عاميًّا لا يحسن الاجتهاد[15]. • أو يكون غير مستكمل لشروط الاجتهاد، وهو مَن لا يكون عارفًا بما يفتقر إليه الاجتهاد، وعلل ذلك بأن حقيقة هذا الاجتهاد رأي بمجرد الهوى، وهو ضد الحق الذي أنزل الله: ﴿ يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26][16]. • وأيضًا إذا خالف فيه المجتهدُ مقاصد الشرع، وإذا أخطأ المجتهد في ذلك فخطؤه معدود في زلات المجتهدين[17]. • وكذا إذا توقف المجتهد دون أقصى المبالغة في البحث عن النصوص في المسألة المبحوث عن حكمها[18].
وقد ذكر الشَّاطبي جملة من الأسئلة وعدها مكروهة[19]، ويمكننا أن نقيس عليها الاجتهاد فيما يمكن فيه الاجتهاد منها؛ فالسؤال عما لا ينفع مكروه، ولا شك أن الاجتهاد فيما لا ينفع أولى بهذا الحكم؛ لِما فيه من إهدار الجهد والوقت فيما لا يُجدي، وإذا كان السؤال يأخذ وقتًا يسيرًا، فإن الاجتهاد يأخذ وقتًا ليس باليسير، فيكون أولى بالحكم. ومثله أيضًا السؤال بعدما يبلغ الإنسان حاجته من العلم، ومثله الاجتهاد أيضًا، فإنه إذا كان لا يزيد باذله علمًا فلا نفع فيه. ومثله أيضًا السؤال عن علة الحكم، وهو من قبيل التعبدات التي لا يُعقَل معناها، والاجتهاد في استخراج العلل من الأحكام التعبدية قريب من هذا؛ فهو من الاجتهاد الذي لا ينفع، إلا أن يكون من باب استخراج الحِكم التي قد تزيد القلب إيمانًا ونورًا، فهذا أمر محبوب ومشروع.
ومنها أيضًا السؤال عن المتشابهات؛ فهو مكروه؛ بدلالة الآية: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7]، ومثَّل له الشَّاطبي بمن سأل الإمام مالكًا عن الاستواء[20]. ولا شك أن الاجتهاد في مثل كيفية الصفات أولى بالتحريم والمنع من السؤال عنها[21].
وبهذا يتبين أن الاجتهاد عند الشَّاطبي بالنظر الجزئي قد يأخذ الأحكام التكليفية الخمسة، ويلاحظ أن الشَّاطبي ذكر أن الاجتهاد قد يكون عينيًّا، وكفائيًّا، ويفهم من كلامه أنه قد يكون مندوبًا؛ إذ هذا لازم من جعله الاجتهاد فرضًا على الكفاية، كما يلحظ أيضًا أنه ذكر أمثلة تفيد أن الاجتهاد قد يكون محرمًا عنده، وخرَّجْنا على قوله مواضعَ يكره فيها الاجتهاد أو يحرم. ولا غرابة أن يكون الاجتهاد عنده مباحًا في مواضع، كأن يكون من متأهل له، مستوفٍ لشروطه، وكانت الواقعة مما يمكن وقوعه، والوقت متسع، وهو مكفيٌّ بقيام غيره من المجتهدين بما يحتاج إليه الناس.
أما علماء الأصول فهم لا يخالفون الشَّاطبي في هذه النظرة؛ ولذا نراهم قسموا الاجتهاد إلى أقسام مختلفة الحكم باختلاف الأحوال والأزمان والأشخاص، فهو عندهم تواكبه الأحكام التكليفية الخمسة، وبيان ذلك فيما يلي: الحكم الأول: الوجوب: قد يكون الاجتهاد واجبًا، وحينئذ لا يخلو من حالين: الحال الأول: أن يكون فرض عين، وقد ذكروا لذلك حالتين: الحالة الأولى: اجتهاد المجتهد في حق نفسه إذا نزلت به حادثة، وقيدها بعضهم بما إذا خاف فوتها على غير الوجه الشرعي[22]. الحالة الثانية: اجتهاده في حق غيره إذا تعين عليه الحكم فيه؛ بأن لم يكن في البلد غيره، أو ضاق عليه وقت الحادثة بحيث لا يستطيع السائل سؤال غيره؛ لأن حوالة المستفتي إلى مجتهد آخر يوجب فوتها على غير الوجه الشرعي[23]. الحال الثاني: أن يكون فرض كفاية، وذكروا لذلك حالتين: الحالة الأولى: إذا نزلت بالمستفتي حادثة، فاستفتى أحد العلماء، توجه الفرض على جميعهم، وأخصهم بمعرفتها من خص بالسؤال عنها، فإن أجاب هو أو غيره سقط الفرض عن جميعهم، وإلا أثموا جميعًا، واشترط بعضهم ألا يخشى فوت الحادثة على غير وجهها الشرعي، وإلا كانت من القسم الأول[24]. الحالة الثانية: إن تردد الحكم بين قاضيين مشتركين في النظر، فيكون فرض الاجتهاد مشتركًا بينهما، فأيهما تفرد بالحكم فيه سقط الفرض عنهما[25].
الحكم الثاني: الندب، وقد يكون ذلك - كما ذكروا - في حالتين: الحالة الأولى: فيما يجتهد فيه العالم من غير النوازل ليسبق إلى معرفة حكمه قبل نزوله[26]. الحالة الثانية: أن يستفتيه العامي قبل نزول الحادثة، فلا يجب عليه حينئذ الاجتهاد في تحصيل حكمها، بل هو مستحبٌّ في حقه[27].
الحكم الثالث: التحريم، وقد ذكروا لذلك حالات: الحالة الأولى: أن يكون الاجتهاد في مقابل نص، أو إجماع قطعي[28]. الحالة الثانية: أن يقع ممن لا تتوفر فيه شروط الاجتهاد؛ فالاجتهاد ممن ليس أهلًا لا يوصل إلى الحكم الشرعي؛ ولذلك كان حرامًا[29]. الحالة الثالثة: أن يكون مقصرًا في اجتهاده، بحيث لا يستفرغ وُسْعه في تحصيل الحكم الشرعي من أدلته الشرعية[30].
الحكم الرابع: الكراهة، وقد يكره الاجتهاد إذا كان في شيء لا ينفع[31]. الحكم الخامس: المباح، وقد يباح إذا كان المجتهد أهلًا، وكانت المسألة مما يمكن وقوعه، والوقت متسع[32]. ومن خلال هذا العرض يتبين أنه لا خلاف بين الشَّاطبي والجمهور في حكم الاجتهاد التكليفي بهذا النظر.   أدلة الشَّاطبي ومن وافقه: لم يستدل الشَّاطبي على جميع ما ذكرناه عنه من تنوع حكم الاجتهاد بالنظر الجزئي، ولكنه استدل على بعض الحالات السابق ذكرها: فاستدل على تحريم الاجتهاد الذي يتبع فيه الهوى: بأن الله عز وجل نهى عن اتباع الهوى، وحذر منه أشد التحذير، بل جعل من اتبع هواه مخالفًا للحق الذي أنزل الله: ﴿ يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26]، ومَن اجتهد وهو غير مستكمل لِما يفتقر إليه الاجتهاد، فهو متبع لهواه، ومخالف للحق الذي أُمر باتباعه[33].
واستدل على تحريم الاجتهاد مع وجود النص: بأن الله عز وجل أمر باتباع الوحي، ومن اجتهد مع وجود الوحي، فلا يسعه إلا اتباعه، وإلا كان مخالفًا لأمر الله متبعًا لهواه[34].
كما يمكن أن يستدل على كراهة بعض أنواع الاجتهاد: بأن الأدلة الشرعية جاءت بذم أصناف من الأسئلة؛ كالسؤال عما لا ينفع، والسؤال بعدما يبلغ المكلف حاجته من العلم، والسؤال عن علة الحكم التعبدي، والسؤال عن المتشابهات: ومن أدلة ذم الأول: حديث أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يومًا فذكر الساعة، ثم قال: ((من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به، ما دمت في مقامي هذا))، فسأله عبدالله بن حذافة السهمي، فقال: من أبي؟ قال: ((أبوك حذافة))، فأكثر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((سلوني))، وقد بكى الناس لذلك، حتى قام عمر فبرك على ركبتيه، وقال: يا رسول الله، قد رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا))، فسكت عليه الصلاة والسلام، فكان ذلك سببًا لنزول قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [المائدة: 101]، وأيضًا أن بعض الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الهلال يبدو رقيقًا كالخيط، ثم لا يزال ينمو حتى يصير كما كان بدرًا، ثم ينقص إلى أن يصير كما كان، فأنزل الله: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ﴾[35] [البقرة: 189] الآية، فأعرَض عما لا نفع فيه بالنسبة لهم، وأجابهم عما فيه نفع لهم، وهذا ما يسمى بأسلوب الحكيم[36].
أما الثاني فيدل عليه سؤال الأقرع بن حابس حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحج: أفي كل عام؟[37]، مع أن قول الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97] مُغْنٍ عن هذا السؤال؛ إذ هو قاضٍ بظاهره للأبد؛ لإطلاقه.
وأيضًا سؤال بني إسرائيل عن البقرة، حتى أوقعهم سؤالهم في الحرج والتشديد[38]، وأما الثالث فيدل عليه: ما في حديث معاذة العدوية حينما سألت عائشةَ عن قضاء الصوم دون الصلاة، فأنكرَتْ عليها وقالت: (أحروريَّة[39] أنت؟!)[40]، أما الرابع فيدل عليه: قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7]. ولا شك أن الاجتهاد في مثل هذه الأمور أولى بالحكم من السؤال[41].
ويمكن أن يستدل على كراهة الاجتهاد فيما لا ينفع بما ذكره الشَّاطبي دليلًا على كراهة الأسئلة التي لا تنفع، واستدل على ذلك بأدلة: الدليل الأول: أن الاجتهاد فيما لا ينفع إشغال للنفس عما لا يفيد في الدنيا والآخرة، ولا هو من أمور التكليف التي بها سعادة الدارين، وتتبين عدم فائدته في الآخرة بكون المكلف إنما يسأل عن الأوامر والنواهي دون غيرها، وأما في الدنيا فإن علمه بذلك لا يزيده في تدبير رزقه ولا ينقصه، واللذة الحاصلة من علمه لا تساوي مشقة اكتسابه، ولو فرض أن فيه فائدة لاشترط شهادة الشرع لها بذلك، فكم من فائدة ولذة هي كذلك عند الإنسان إلا أن الشرع لا يعُدها كذلك، وعليه فإن من اجتهد فيما لا ينفع أمضى الزمان بدون فائدة، وأشغله ذلك عما ينفع[42]. الدليل الثاني: أن الاشتغال فيما لا ينفع قضت التجربة بأنه موصل إلى الفتنة، والبُعد عن صراط الحق، وإثارة للخلاف المؤدي إلى التقاطع والتدابر والتعصب والتفرق شِيعًا، وفي ذلك بُعد عن السنة، وإعراض عن المشروع، وتعطيل للزمان فيما لا ينفع[43]. الدليل الثالث: أن الاشتغال فيما لا ينفع إنما هو تشبُّه بالفلاسفة[44]، الذين تبرأ منهم المسلمون، وإنما تبرؤوا منهم لتعلُّقهم بما يخالف السنة؛ فاتباع نِحلتهم والتشبه بطريقتهم مذموم[45].   الاعتراض على الأدلة: ذكر الشَّاطبي ما يمكن أن يعترض به على هذه الأدلة، ثم أجاب عنها: الاعتراض الأول: أن العلم محبوب ومطلوب على الإطلاق، فيندرج في ذلك كل علم، سواء تعلق به عمل أم لم يتعلق به عمل، وتخصيص أحدهما بالحكم دون الآخر تحكُّم[46]. جوابه: أجاب عنه الشَّاطبي: بأن عموم الطلب مخصوص، وإطلاقه مقيد، ويوضح ذلك أمران: الأول: أن السلف لم يخوضوا في هذه الأشياء مع أنهم أعلم بمعنى العلم الذي يطلب منهم تعلمه، بل عدَّ عمر معنى الأبِّ في قوله تعالى: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾[47] [عبس: 31] من التكلف[48]، وأدَّب صبيغًا لسؤاله عما لا يتعلق به عمل[49]، وإنما فعلوا ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخُضْ في مثل هذه الأشياء، ولو فعل لنقل لنا، والثاني: أن هذه الشريعة أمية لأمة أمية، وهذه المسائل لا توافق تلك الأمية[50].   الاعتراض الثاني: أن العلماء قالوا: تعلم كل علم فرض كفاية، كالسحر وغيره من العلوم المذمومة التي لا يترتب عليها عمل؛ فالمسائل التي هي أخف من ذلك من باب أولى، ولو لم يترتب عليها عمل[51]. جوابه: وأجاب عنه الشَّاطبي: بأنا لا نسلم ذلك على الإطلاق، وإنما الغرض الرد على كل فاسد وإبطاله؛ فموسى لم يتعلم السحر للرد على السحرة، وإنما بطَل على يديه بأمرٍ هو أقوى من السحر، وهو المعجزة؛ ولذا لما جاؤوا بسحرهم أوجس موسى في نفسه خيفةً، ولو كان عالمًا بالسحر لما خاف منهم كما لم يخَفِ العالمون به، وهم السحرة، وبأي طريق حصل الرد فهو المراد، ولا يتعين تعلُّم ذلك العلم حينئذ[52].   الاعتراض الثالث: أن علم التفسير لا يتعلق به عمل، ومع ذلك فهو مطلوب، فكذلك هذه المسائل[53]. جوابه عنه: أجاب عنه الشَّاطبي: بأن علم التفسير مطلوب فيما يتوقف عليه فهم المراد، وما زاد عن ذلك فهو تكلُّف لا ينبغي؛ ولذا قال عمر في الأبِّ ما قال؛ فهو يعلم أنه نوع نبات، ولو كان يتوقف على علمه المعنى التركيبي لطلب علمه وسأل عنه، كما سأل عن معنى التخوُّف في قوله تعالى: ﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ﴾[54] [النحل: 47].   الاعتراض الرابع: قوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 185] يشمل كلَّ علم ومسألة من معقول ومنقول[55]. جوابه: أجاب عنه الشَّاطبي بجوابين: الأول: أنَّا لا نسلم أن يندرج في ذلك العلم الذي ليس تحته عمل؛ إذ ذلك من قبيل ما لا تعرفه العرب، وإنما نزل القرآن بلسانهم ومعهودهم. الثاني: لو سلمنا، فكيف يطلب من العرب النظر بهذه الوسائل التي لا يعرفونها؟! هذا ما لا يمكن أن تأتي به الشريعة[56].


[1] انظر: معجم مقاييس اللغة (5/ 136) المصباح المنير (2/ 537) مفردات ألفاظ القرآن (721) مادة: " كلف". [2] البلبل (11) وانظر لتعريفه: الحدود لابن فورك (116) البرهان (1/ 88) روضة الناظر (ت النملة 1/ 220) شرح مختصر الروضة (1/ 177) التعريفات (90) الكليات (299)، وقد رأى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن الأوامر والنواهي الشرعية لا تسمى تكليفًا، وأنه لم يرِدْ في الكتاب والسنة تسميتها بذلك، بل جاء تسميتها روحًا ونورًا، وإنما جاء بلفظ التكليف في جانب النفي؛ كقوله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ (من الآية 286 من سورة البقرة)، وأن هذه التسمية لم ترد عن السلف، وإنما جاءت من لدُنْ كثير من المتكلمة والمتفقهة؛ انظر: مجموع الفتاوى (1/ 25 - 26) إغاثة اللهفان (1/ 40) معجم المناهي اللفظية (129) المواضعة في الاصطلاح (54 هامش) والشاطبي - كغيره من العلماء - يسميها تكليفًا، وله تعليل لذلك أشار إليه، له وجهه وقوته، انظر: الموافقات (2/ 209، 214، 4/ 105). [3] انظر: الموافقات (1/ 216). [4] نظر الشاطبي إلى فرض الكفاية من جهة الطلب بنظرين: الأول: كلي الطلب، وعنى به أن فروض الكفاية بمجموعها مطلوبة من الأمة جميعها، والثاني: جزئي الطلب، وعنى به النظر إلى كل عين من فروض الكفاية مستقلًّا عن غيره، وجعل من الممكن ضبط هذا القسم في جملته بأن الطلب وارد على المتأهلين للقيام بذلك الفعل المطلوب لا على الجميع، ومفهوم ذلك أنه إذا قام به المتأهلون سقط الطلب، وإذا لم يقم به هؤلاء المتأهلون أثموا، وقد يأثم غيرهم، لا لعدم قيامهم بالطلب المتوجه على المتأهلين، وإنما لأمرٍ خارج عن ذلك؛ لأن القيام بذلك الفرض قيام بمصلحة عامة؛ فغير المتأهل مأمور بإقامة المتأهل؛ كالإمامة العظمى، إذا لم يقم بها أحد المتأهلين وجب على الناس أن يقيموا الأهل للإمامة، ولعل السر في هذا التقسيم - فيما يبدو لي - هو أن إثم من كان أهلًا أعظم من إثم من ليس كذلك، فمن كان ذاتُ الطلب متوجهًا عليه ليس كغيره، وإذا صح لنا ذلك فلا يتوجه ما اعترض به من أن التقسيم لا فائدة منه، وانظر لكلامه والتعليق عليه من قبل دراز؛ الموافقات (5/ 278 وما بعدها)، وأيضًا كتاب تقسيمات الواجب وأحكامه لمختار بابا آدو (240 - 242). [5] الموافقات (1/ 286). [6] انظر: المقدمة لابن القصار (7) الحاوي (1/ 20 - 21) بذل النظر (384) شرح اللمع (2/ 1026) المجموع (1/ 75 - 76) الملل والنحل (1/ 205) الضروري (144) إحكام الفصول (2/ 730) تنقيح الفصول مع شرحه (430) نفائس الأصول (9/ 3832) البحر المحيط (6/ 206، 208) صفة الفتوى (16 - 17، 53) التحرير مع التقرير والتحبير (3/ 292) تيسير التحرير (4/ 241) فواتح الرحموت (3/ 400) إرشاد الفحول (422)، وقد أطال السيوطي النقل عن أئمة الشافعية وغيرهم في حكم الاجتهاد، انظر كتابه: الرد على من أخلد إلى الأرض (3 وما بعدها). [7] المقدمة لابن القصار (7). [8] تنقيح الفصول مع شرحه (430) وانظر: نفائس الأصول (9/ 3832). [9] انظر: الرسالة (357 وما بعدها). [10] انظر: إحياء علوم الدين (1/ 21 وما بعدها). [11] تنقيح الفصول مع شرحه (435)، وانظر: نفائس الأصول (9/ 3832)، وقد ذكر السيوطي في كتابه الرد على من أخلد إلى الأرض (14) قريبًا من كلام القرافي عن ابن القصار، وكأن القرافي نقله عن ابن القصار دون إشارة، ولكني لم أجده في كتاب ابن القصار المطبوع، والله أعلم. [12] انظر: الموافقات (1/ 216 وما بعدها). [13] انظر: الموافقات (5/ 372). [14] انظر: الاعتصام (2/ 503). [15] انظر: الاعتصام (1/ 107، 2/ 330 - 331). [16] انظر لكلامه: الموافقات (5/ 131، 142) الاعتصام (1/ 107). [17] انظر: الموافقات (5/ 135). [18] انظر: الموافقات (5/ 136). [19] انظر لها: الموافقات (1/ 43 وما بعدها، 256 - 258، 3/ 150 - 151، 5/ 387). [20] وهو أثر مشهور؛ رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، سياق ما روي في قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وأن الله على عرشه في السماء (3/ 441/ 664)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (6/ 325) والصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث (38 - 39/ 24 - 26) والبيهقي في الاعتقاد باب القول في الاستواء (56) وابن عبدالبر في التمهيد (7/ 151)، وصححه الذهبي في العلو للعلي العظيم (2/ 952)، وجوَّد إسناده ابن حجر في فتح الباري (13/ 406 - 407). [21] بخلاف السؤال عن معانيها من جهة اللغة، فهو أمر جائز، خلافًا لِما يُفهَم من كلام الشاطبي. [22] انظر: العدة (5/ 1595) التمهيد (4/ 392) قواطع الأدلة (2/ 303) المسودة (371) كشف الأسرار (4/ 26) صفة الفتوى (54) البحر المحيط (6/ 207) التقرير والتحبير (3/ 292) تيسير التحرير (4/ 179) فواتح الرحموت (2/ 362) الاجتهاد والتقليد للعلواني (44) إرشاد الفحول (422) أصول الفقه للخضري (367). [23] انظر: التمهيد (4/ 392) قواطع الأدلة (2/ 303) صفة الفتوى (6) المسودة (371) كشف الأسرار (4/ 26) البحر المحيط (6/ 207) التقرير والتحبير (3/ 292) تيسير التحرير (4/ 179) إرشاد الفحول (422) فواتح الرحموت (2/ 362) قمر الأقمار (2/ 154) أصول الفقه للخضري (367) الاجتهاد والتقليد للعلواني (44). [24] انظر: اللمع (127) قواطع الأدلة (2/ 303، 355) أدب الفتوى (58) المجموع (1/ 53، 79) صفة الفتوى (6) المسودة (512) كشف الأسرار (4/ 26 - 27) البحر المحيط (6/ 207) التحرير مع التقرير والتحبير (3/ 292) تيسير التحرير (4/ 179 - 180) إرشاد الفحول (422) فواتح الرحموت (2/ 362 - 363) أصول الفقه للخضري (367). [25] انظر: قواطع الأدلة (2/ 303) المسودة (512) كشف الأسرار (4/ 27) البحر المحيط (6/ 207) تيسير التحرير (4/ 180) إرشاد الفحول (422). [26] انظر: قواطع الأدلة (2/ 303) المسودة (371) كشف الأسرار (4/ 27) البحر المحيط (6/ 207) التقرير والتحبير (3/ 292) تيسير التحرير (4/ 180) إرشاد الفحول (422) أصول الفقه للخضري (367). [27]انظر: قواطع الأدلة (2/ 303) المسودة (371) إعلام الموقعين (4/ 193) البحر المحيط (6/ 207) كشف الأسرار (4/ 27) التقرير والتحبير (3/ 292) تيسير التحرير (4/ 180) إرشاد الفحول (422) أصول الفقه للخضري (367). [28] انظر: المستصفى (2/ 309) التقرير والتحبير (3/ 292) تيسير التحرير (4/ 180) فواتح الرحموت (2/ 363). [29] انظر: صفة الفتوى (6، 12) قرة العين (86). [30] انظر: الإحكام (4/ 184) شرح المحلي على جمع الجوامع (4/ 352 - 353). [31] انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 584). [32] انظر: معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة (486). [33] انظر: الموافقات (5/ 131، 142) الاعتصام (1/ 107). [34] انظر: الاعتصام (2/ 503). [35] الحديث: رواه ابن جرير في جامع البيان (2/ 192/ 3080) من طريق العوفي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (سأل الناس عن الأهلَّة، فنزلت...)، والعوفي معروف بضعفه؛ (ميزان الاعتدال 3/ 79)، ورواه أبو نعيم في فضائل الصحابة (1/ 493/ 1400) عن ابن عباس أنه قال: (نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عَنَمة، وهما من الأنصار، قالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقًا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان على حال واحدة؟ فنزلت...)، وفيه محمد بن السائب الكلبي، وهو متهم بالكذب، ورُمي بالرفض؛ (تقريب التقريب 847)، وقد رواه ابن جرير (1/ 191 - 192/ 3074، 3075، 3077) مرسلًا عن قتادة وعن ابن جريج وعن الربيع - هكذا في نسختي وفي تفسير القرآن العظيم (1/ 232) نقلًا عن ابن جرير عن الربيع عن أبي العالية - وقد ذكر جماعة من المفسرين هذا الأثر سببًا لنزول هذه الآية؛ انظر: معالم التنزيل (1/ 211) أسباب النزول للواحدي (32) الجامع لأحكام القرآن (2/ 341). [36] أسلوب الحكيم: عبارة عن ذكر الأهم تعريضًا بالمتكلم على تركه الأهم؛ انظر: التعريفات (39) كشاف اصطلاحات الفنون (2/ 322). [37] رواه أبو داود في سننه، كتاب المناسك باب فرض الحج (2/ 344/ 1721) والنسائي في سننه كتاب مناسك الحج باب وجوب الحج (5/ 111/ 2620) وابن ماجه في سننه كتاب المناسك باب فرض الحج (2/ 963/ 2886) وأحمد في المسند (1/ 255، 290 - 291، 352، 370 - 371) والحاكم في المستدرك كتاب المناسك (1/ 441، 470) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقال الحاكم: "إسناد صحيح"، ولم يتعقبه الذهبي، وصححه أحمد شاكر في شرحه على المسند (2/ 2304/ 2304) والألباني في إرواء الغليل (4/ 150) وأصل الحديث عند مسلم في صحيحه كتاب الحج باب فرض الحج مرة في العمر (9/ 85/ 1337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ آخر، ووقع فيه إبهام السائل. [38] انظر بسط القصة في: جامع البيان (1/ 379) عرائس المجالس للثعلبي (231) تفسير القرآن العظيم (1/ 122). [39] الحَرُورية: هم الخوارج، سموا بذلك؛ لأنهم لما خرجوا انحازوا إلى مكان يقال له: حروراء بالعراق، والخوارج: هم أول الفِرَق خروجًا في الإسلام، وهم الذين يكفِّرون بالمعاصي، ويخرجون على أئمة المسلمين وجماعتهم، وسموا بذلك؛ لأنهم خرجوا على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وقاتَلوه لما اتفق مع معاوية على تحكيم الحكمين، فقالوا: لا حكم إلا لله، وكان من أوائل مَن قال بذلك عروة بن جرير، ثم أخذها عنه بعض القراء الجهلة، والأعراب، وقتلة عثمان - رضي الله عنه - وفارَقوا الجماعة بذلك، ثم كفَّروا عليًّا ومعاوية، وكل من خالفهم، وقاتلهم علي في النهروان، ويسمون بالمحكمة؛ لأنهم فارقوا عليًّا وجماعة المسلمين بسبب مسألة التحكيم، وبالشُّراة؛ لأنهم زعموا أنهم يشرون أنفسهم ابتغاء مرضات الله في قتال المسلمين، وبالمارقة؛ لأن السنَّة وصفتهم بأنهم يمرقون من الدين، وبالناصبة؛ لأنهم ناصبوا عليًّا وآله وجماعة المسلمين العداء، وبالمكفرة؛ لأنهم يكفرون بالمعاصي، ومن أصولهم: التكفير بالكبائر، وتكفير من خالفهم، والخروج على الأئمة، ولهم فِرق كثيرة، منها: الأزارقة والنجدات والإباضية والصفرية؛ انظر: التبصير في معالم الدين (160) مقالات الإسلاميين (1/ 167) الفرق بين الفرق (49) الملل والنحل (1/ 114) الحور العين (200)، وانظر دراسة موسعة في كتاب: الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام ومناهجهم وأصولهم وسماتهم - قديمًا وحديثًا - وموقف السلف منهم لناصر العقل، وانظر: ذم الشاطبي للخوارج في الاعتصام (1/ 41 - 42، 87 - 90، 123، 2/ 404 - 407، 433، 482). [40] رواه البخاري في صحيحه كتاب الحيض باب لا تقضي الحائضُ الصلاةَ (1/ 95/ 321) ومسلم في صحيحه كتاب الحيض باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة (4/ 23/ 335)، وفي البخاري إبهام السائلة، وفي مسلم التصريح بأنها معاذة. [41] انظر: الموافقات (1/ 43 وما بعدها، 256 - 258، 5/ 387). [42] انظر: الموافقات (1/ 53). [43] انظر: الموافقات (1/ 53 - 54). [44] الفلاسفة: كلمة فلسفة مشتقة من اليونانية، وأصلها: "فيلا، صوفيا"، و"فيلا" تعني "محب"، وصوفيا بمعنى الحكمة، ومعنى الكلمة: محبة الحكمة، وتطلق الفلسفة قديمًا على العلم بحقائق الأشياء، وهي على قسمين: قسم نظري، ومنه العلم الإلهي، والعلم الرياضي، وقسم عملي، ومنه علم الأخلاق، وعلم السياسة، وقد استقل أكثر العلوم التي كانت مندرجة في الفلسفة، وغالبًا ما يطلق علم الفلسفة على المنطق، وغالبًا ما يراد بالفلاسفة أتباع أرسطو، وهو المعلم الأول، والفارابي، وهو المعلم الثاني، وابن سينا، وهو المعلم الثالث، وهو مهذب علمهم، ومن آرائهم أنهم يرون قدم العالم، وأنه لا مبدأ ولا معاد، وأن النبوة والإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق لينتفع به الجمهور لا أنه الحق، ولا هدي به الخلق، وأن الله تعالى - كما يرى ابن سينا - هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، فليس له عندهم صفة، ولا يفعل شيئًا باختياره، ولا يعلم شيئًا من الموجودات أو المغيَّبات، وأن الملائكة ما يتصوره النبي في نفسه من أشكال نورانية، وهي العقل عندهم؛ انظر: الملل والنحل (2/ 58) الفتوى الحموية (282) إغاثة اللهفان (2/ 275) العبر وديوان المبتدأ والخبر (1/ 595) وانظر: ذم الشاطبي للفلاسفة في الاعتصام (1/ 36، 152) الموافقات (4/ 198). [45] انظر: الموافقات: (1/ 54). [46] انظر: الموافقات (1/ 54). [47] الأبُّ: نبت الأرض مما تأكله البهائم ولا يأكله الناس؛ جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ رواه عنه ابن جرير في جامع البيان (12/ 452/ 36373 - 36374) وصححه عنه ابن حجر في فتح الباري (13/ 271) وانظر: لتفسير الآية إضافة إلى جامع البيان، زاد المسير (9/ 34) تفسير القرآن العظيم (4/ 504). [48] جاء هذا عن أنس رضي الله عنه: أن عمر قرأ على المنبر: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾ [عبس: 31]، فقال: (هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبُّ؟)، ثم رجع إلى نفسه فقال: (لعمرك إن هذا لهو التكلف يا عمر)؛ أخرجه سعيد بن منصور في سننه في فضائل القرآن (ت: آل حميد 1/ 181/ 43) وابن أبي شيبة في مصنفه كتاب فضائل القرآن، باب من كره أن يفسر القرآن (6/ 136/ 30105) وأبو عبيد في فضائل القرآن باب تأويل القرآن بالرأي وما في ذلك من الكراهة والتغليظ (2/ 211/ 843) والطبري في جامع البيان (12/ 451، 453/ 36367، 36371، 36387) والحاكم في المستدرك كتاب التفسير باب تفسير سورة عبس وتولى (2/ 514) والبيهقي في شعب الإيمان باب تعظيم القرآن (2/ 424/ 2281) عن أنس رضي الله عنه، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي، وصحح ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (4/ 504) أحد أسانيده، وأخرج البخاري في صحيحه كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه (8/ 181/ 7293) عن أنس رضي الله عنه قال: (كنا عند عمر فقال: نُهِينا عن التكلف)، وقد ذكر ابن تيمية في كتابه المسمى: مقدمة في أصول التفسير (109 - 110) أن قول عمر رضي الله عنه هذا محمول على أنه أراد استكشاف ماهية الأب، وإلا فكونه نباتًا من الأرض ظاهر لا يجهل، وقال ابن كثير في تفسيره: "هذا محمول على أنه أراد أن يعرف شكله وجنسه وعينه، وإلا فهو وكلُّ مَن قرأ هذه الآية يعلم أنه من نبات الأرض"، وانظر لذلك أيضًا: فتح الباري (13/ 272). [49] روى القصة الدارمي في مقدمة السنن باب مَن هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع (1/ 67/ 148) عن نافع به، ورجاله ثقات، إلا عبدالله بن صالح كاتب الليث؛ ففيه كلام، وأخرجه الآجري في كتاب الشريعة باب تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمتَه الذين يجادلون بمتشابه القرآن، وعقوبة الإمام لمن يجادل فيه (73) وابن بطة في الإبانة باب ترك السؤال عما لا يعني، والبحث والتنقير عما لا يضر جهله، والتحذير من قوم يتعمقون في المسائل، ويتعمدون إدخال الشكوك على المسلمين (1/ 415/ 330) كلاهما عن السائب بن يزيد به، ورجاله ثقات، ورواه ابن بطة في الموضع السابق (1/ 414/ 329) عن أبي عثمان النهدي ورجاله ثقات، ولابن بطة تعليق جميل على الأثر. [50] انظر: الموافقات (1/ 55 - 56). [51] انظر: الموافقات (1/ 54). [52] انظر: الموافقات (1/ 56 - 57). [53] انظر: الموافقات (1/ 55). [54] انظر للجواب: الموافقات (1/ 57 - 59)، أما الأثر فسيأتي سياق لفظه وتخريجه (ص 312). [55] انظر: الموافقات (1/ 55، 3/ 152). [56] انظر: الموافقات ( 1/ 59 - 65).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣