أرشيف المقالات

آداب العالم والمتعلم

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
2آداب العالم والمتعلم
اللهم ربَّنا لك الحمد، مِلْءَ السموات وملء الأرض، وما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعدُ، أهلَ الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ (صاحب المال) منك الجَدُّ، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد: فإن للعالم والمتعلم آدابًا ينبغي أن يتحلَّيَا بها، فنقول وبالله تعالى التوفيق: آداب خاصة بالعالم: يمكن أن نوجز آداب العالم في نفسه في الأمور التالية: (1) أن يقصِد بتعليمه وجه الله تعالى، ولا يقصد توصُّلًا إلى غرضٍ دنيوي؛ كتحصيل مالٍ أو جاهٍ أو شهرةٍ أو سمعةٍ أو تميزٍ عن الأشباه، أو تكثُّر بالمشتغلين عليه، أو نحو ذلك.   (2) أن يتخلَّق بالمحاسن التي ورد الشرع بها، وحثَّ عليها، والخِلال الحميدة، والشِّيم المَرْضية التي أرشد إليها مِن التزهُّد في الدنيا، والتقلُّل منها، وعدم المبالاة بفواتها، والسخاء والجود، ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروجٍ إلى حدِّ الخلاعة، والحِلْم والصبر.   (3) ملازمة الورع والخشوع، والسكينة والوقار، والتواضع والخضوع، واجتناب الضَّحِك والإكثار مِن المزاح.   (4) ملازمة الآداب الشرعية الظاهرة والخفيَّة؛ كالتنظيف بإزالة الأوساخ، وتنظيف الإبط، وإزالة الروائح الكريهة، واجتناب الروائح المكروهة، وتسريح اللِّحية.   (5) الحذَر مِن الحسد والرياء والإعجاب واحتقار الناس، وإن كانوا دونه بدرجاتٍ.   (6) استعماله أحاديثَ التسبيح والتهليل ونحوهما مِن الأذكار والدعوات، وسائر الآداب الشرعيات.   (7) دوامُ مراقبتِه لله تعالى في علانيتِه وسرِّه، محافظًا على قراءة القرآنِ، ونوافل الصلوات والصوم وغيرهما، معتمدًا على اللهِ تعالى في كل الأحوال.   (8) إذا فعَل فعلًا صحيحًا جائزًا في نفس الأمر، ولكن ظاهره أنه حرامٌ أو مكروهٌ أو مخلٌّ بالمروءة ونحو ذلك، فينبغي له أن يُخبِر أصحابه ومن يراه يفعل ذلك بحقيقة ذلك الفعل؛ لينتفعوا، ولئلا يأثَموا بظنهم الباطل، ولئلا ينفِروا عنه ويمتنع الانتفاع بعمله؛ (المجموع شرح المهذب - للنووي - جـ 1 صـ: 29: 28).   آداب العالم مع طلَّابه: يمكِنُ أن نوجزَ آداب العالم مع طلَّابه في الأمور التالية: (1) يجبُ على المعلِّم أن يقصِد بتعليمه وجهَ الله تعالى. (2) ينبغي أن يحُثَّ طلابَه على الإخلاص في طلب العلم، وفي جميعِ أمور حياتهم. (3) ينبغي أن يرغِّبَ الطالبَ في العلم، ويذكِّره بفضائله وفضائل العلماء وأنهم ورَثةُ الأنبياء، ولا رتبةَ في الوجود أعلى من هذه. (4) ينبغي أن يحنُوَ على الطالب، ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح نفسِه وولده، ويُجريه مجرى ولده في الشَّفقة عليه، والاهتمام بمصالحه، والصبر على جَفائه وسوء أدَبه، ويعذِره في سوء أدبٍ وجفوةٍ تعرِضُ منه في بعض الأحيان. (5) ينبغي أن يحبَّ للطالب ما يحبُّ لنفسه من الخير، ويكرَه له ما يكرَهه لنفسه مِن الشرِّ. (6) ينبغي أن يكون سَمْحًا ببذلِ ما حصله من العلم، سهلًا بإلقائه إلى مبتغيه، متلطِّفًا في إفادتِه طالبيه مع رِفْقٍ ونصيحةٍ وإرشادٍ إلى المهمَّات. (7) لا يدَّخِر عن طلَّابه من أنواع العلم شيئًا يحتاجون إليه، إذا كان الطالبُ أهلًا لذلك. (8) ينبغي ألا يتعظَّمَ على المتعلمين، بل يَلِين لهم ويتواضع. (9) ينبغي أن يكون حريصًا على تعليم طلابه، مهتمًّا بهم، مؤثِرًا لهم على حوائجِ نفسه ومصالحه، ما لم تكن ضرورةٌ، ويرحِّب بهم عند إقبالهم إليه. ويُظهر لهم البِشر وطلاقة الوجه، ويحسن إليهم بعلمه وماله وجاهِه - بحسَب التيسير.   (10) ينبغي أن يتفقَّدَ أحوال طلابه، ويسأَل عمن غاب منهم. (11) ينبغي أن يكون باذلًا وُسْعَه في تفهيم طلابه، وتقريب الفائدة إلى أذهانهم، حريصًا على هدايتهم، ويُفهِّم كل واحدٍ بحسب فهمه وحفظه؛ فلا يعطيه ما لا يحتمله، ولا يقصِّر به عما يحتمله بلا مشقةٍ، ويخاطب كل واحدٍ على قدر درجتِه، وبحسَب فهمه وهمَّته.   (12) ينبغي أن يحرِّض طلابه على الاشتغال في كل وقتٍ، ويطالبهم في أوقاتٍ بإعادة محفوظاتهم، ويسألهم عما ذكَره لهم من المهمات، فمَن وجده حافظه مراعيًا له أكرمه وأثنى عليه، وأشاع ذلك، ما لم يخَفْ فساد حاله بإعجابٍ ونحوه، ومَن وجده مقصرًا عنَّفه، إلا أن يخافَ تنفيره، ويُعيده حتى يحفظه حفظًا راسخًا.   (13) ينبغي للعالم أن يورِّث طلابَه كلمة: (لا أدري)، ويُكثِر منها؛ ليتعلَّم الطلاب أن قول العالم: (لا أدري) لا يضَعُ منزلتَه، بل هو دليلٌ على عِظَمِ تقواه.   (14) ينبغي للمعلِّمِ أن يطرَحَ على طلابه ما يراه مِن المسائل؛ ليختبِرَهم بذلك، وليعرفَ مدى تحصيلهم للعلم.   (5) إذا فرَغ مِن تعليم الطلاب أو إلقاء درسٍ عليهم، أمَرهم بإعادته؛ ليرسخ حفظهم له، فإن أشكل عليهم منه شيءٌ ما، أعاده عليهم؛ (المجموع شرح المهذب - للنووي - جـ 1 صـ 34: 30).   آداب طالب العلم: يمكِن أن نوجِزَ آدابَ طالب العلم في الأمورِ التالية: (1) الإخلاصُ لله تعالى في طلَب العلم. (2) ينبغي أن يقطَعَ العلائقَ الشاغلة عن كمالِ الاجتهاد في التحصيل، ويرضى باليسيرِ مِن القُوت، ويصبِر على ضِيق العيش. (3) ينبغي له أن يتواضَعَ للعلم والمعلِّم؛ فبتواضُعِه ينالُه. (4) ينبغي أن ينظر مُعلِّمَه بعين الاحترام، ويعتقد كمال أهليته، ورُجْحانه على أكثرِ طبقتِه. (5) مِن آداب المتعلم أن يتحرى رضا المعلِّم، وإن خالف رأيَ نفسه، ولا يغتابَ عنده أحدًا، ولا يفشيَ له سرًّا، وأن يرُدَّ غَيبتَه إذا سمعها، فإن عجَز فارَق ذلك المجلسَ.   (6) لا يدخُلُ الطالبُ على العالم بغير إذنٍ، وإذا دخَل جماعةٌ قدَّموا أفضلَهم وأكبرهم سنًّا. (7) أن يدخُلَ على الشيخِ كاملَ الهَيبة، فارغ القلب مِن الشواغل، وهو حسَنُ المَظهَر والرائحةِ. (8) يسلِّم الطالبُ على الحاضرين كلِّهم بصوتٍ يُسمِعهم، ويخُص الشيخ بزيادة إكرامٍ. (9) يتأدَّب الطالبُ مع زملائِه في مجلس الشيخ.   (10) لا يرفع الطالبُ صوته في مجلس شيخِه رفعًا شديدًا مِن غير حاجةٍ، ولا يضحَك ولا يُكثِر الكلام بلا حاجةٍ، ولا يعبَث بيدِه ولا غيرها، ولا يلتفِت بلا حاجةٍ.   (10) يُقبِل الطالب على الشيخ مصغيًا إليه، ولا يسبِقه إلى شرحِ مسألةٍ، أو جواب سؤال، إلا أن يعلَمَ رضَا الشيخِ عن ذلك. (11) يغتَنِم الطالبُ سؤالَ الشيخ عند طِيبِ نفسه وفراغه، ويتلطَّف في سؤالِه، ويُحسن خطابه. (12) ينبغي على الطالبِ أن يصبِرَ على جَفْوة شيخه، وسُوء خُلقه، ولا يصُدَّه ذلك عن ملازمته. (13) إذا جَفاه الشيخُ ابتدأ هو بالاعتذار، وأظهَر أن الذنبَ له والعَتْبَ عليه؛ فذلك أنفعُ له دِينًا ودُنْيَا، وأبقى لقلبِ شيخِه. (14) أن يكونَ الطالبُ حَليمًا ومتأنيًا، وأن تكون همَّتُه عاليةً في تحصيل العلم.   (15) إذا جاء الطالبُ مجلس الشيخِ فلم يجِدْه، انتظَره، ولا يفوت درسَه، إلا أن يخافَ كراهةَ الشيخ لذلك، بأن يعلَمَ مِن حاله الإقراءَ في وقتٍ بعينِه، فلا يشق عليه بطلب القراءةِ في غيره، قال الخطيبُ: إذا وجَد الشيخَ نائمًا لا يستأذن عليه، بل يصبِرُ حتى يستيقظَ، أو ينصرف، والاختيار: الصَّبر.   (16) ينبغي على الطالبِ أن يغتنم التحصيلَ في وقت الفراغ والنشاط، وحال الشباب وقوة البدن وقلَّة الشواغل.   (17) يعتني الطالبُ بتصحيح درسِه الذي يتحفَّظه تصحيحًا متقنًا على الشيخ، ثم يحفظه حفظًا محكَمًا، ثم بعد حِفظه يكرِّره مراتٍ؛ ليرسخَ رسوخًا متأكدًا، ثم يراعيه بحيث لا يزال محفوظًا جيدًا.   (18) أولُ ما يبتدئ به الطالبُ هو حفظ القرآنِ العزيز؛ فهو أهمُّ العلوم، وكان السلفُ لا يعلِّمون الحديثَ والفقه إلا لِمَن حفظ القرآن، وإذا حفِظه فليحذَرْ مِن الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما اشتغالًا يؤدِّي إلى نسيانِ شيء منه، أو تعريضه للنسيان.   (19) بعد حِفظ القرآنِ يحفظ الطالب مِن كل فن مختصرًا، ويبدأ بالأهمِّ، ومِن أهمها الفقه والنحو، ثم الحديث والأصول، ثم الباقي على ما تيسَّر.   (20) ينبغي على الطالب أن يُرشِدَ رُفقته وغيرَهم مِن الطلبة إلى مواطن الاشتغال والفائدة، ويذكر لهم ما استفاده على جهةِ النصيحة والمذاكرة، وبإرشادهم يبارَكُ له في علمه، ويستنيرُ قلبُه، وتتأكَّد المسائل معه، مع جزيل ثوابِ الله عز وجل.   (21) لا يحسُد أحدًا، ولا يحتقره، ولا يُعجَب بفهمه؛ فإن العُجْبَ آفةُ العِلم؛ (المجموع شرح المهذب ـ للنووي ـ جـ 1 صـ 39: 35).   أفضلُ أوقات الحِفظ: قال الخطيبُ البَغدادي - رحمه الله -: أجودُ أوقات الحِفظ الأسحار، ثم نصف النهار، ثم الغَداة، وحفظُ الليل أنفعُ مِن حفظ النهار، ووقتُ الجوع أنفعُ مِن وقت الشِّبع؛ قال: وأجود أماكن الحفظ: الغُرَف، وكل موضعٍ بعُد عن المُلهيَات، قال: وليس بمحمودٍ الحفظُ بحضرةِ النبات والخضرة والأنهار وقوارع الطرق؛ لأنها تمنَع غالبًا خُلوَّ القلب؛ (المجموع شرح المهذب ـ للنووي ـ جـ 1 صـ 37).   وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالَمين. وصلَّى الله على سيدنا محمدٍ، سيد الأولين والآخِرين، وعلى إخوانه من النبيين والمرسَلين، وعلى مَن اتبع النور الذي أنزل معه إلى يوم الدِّين.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١