أرشيف المقالات

أركان الاجتهاد عند الشاطبي

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2أركان الاجتهاد عند الشاطبي   أركان: جمع رُكن - بضم الراء - وهو أصل يدل على قوة؛ فركن الشيء: جانبه الأقوى، وهو يأوي إلى ركن شديد؛ أي: إلى عزٍّ ومنعة[1]. وهو في الاصطلاح: ما يقوم به الشيء[2]، أو هو جزء الشيء الداخل في حقيقته[3]. وأركان الاجتهاد: هي ما تقوم به عملية الاجتهاد، أو هي أجزاء عملية الاجتهاد، التي لا يتم الاجتهاد إلا بها.   رأي الشَّاطبي: ليس للشاطبي كلام واضح في أركان الاجتهاد، ولكن يمكن أن يستنبط من كلامه ما هو من أركان الاجتهاد: وأولها: المجتهد: وهذا الركن لا بد منه لعملية الاجتهاد؛ ولذا فلا ريب أن يرى الشَّاطبي ركنيته، ويمكن أن يؤخذ هذا من قول الشَّاطبي: "إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين؛ أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها، والثاني: التمكن من الاستنباط بناءً على فهمه فيها"[4].
فيستفاد من هذا أن المجتهد ركن من أركان الاجتهاد؛ إذ الشروط إنما تكون متممة للأركان، وهذه الشروط تبحث في المجتهد، وهي متممة له، وأيضًا يفهم هذا من تعريف الشَّاطبي للاجتهاد؛ فهو عنده: استفراغ الوسع في تحصيل العلم أو الظن بالحكم[5]، واستفراغ الوسع لا بد له من مستفرغ، وكأن الشَّاطبي لم يفصح عنه؛ لفهمه من السياق، ولأنه من لازم الاستفراغ، ولما أن كان التعريف يحتوي على ماهية الاجتهاد، والأركان جزء من الماهية، دلَّ التعريف على أن المجتهد، وهو المستفرغ للوسع، ركنٌ في الاجتهاد.
كما يشير التعريف إلى ركن آخر - وهو الركن الثاني من أركان الاجتهاد - وهو المجتهَد فيه، فقوله: "في تحصيل العلم أو الظن بالحكم" يلزم منه أن يكون استفراغُ الوسع في أمر مجتهَدٍ فيه.
ورأي الشَّاطبي - وهو جعل المجتهِد والمجتهَد فيه ركنَيِ الاجتهاد - نص عليه موافقًا له فيه: العبدري[6] من المالكية، والعضد[7]، ولم يتعقبه التفتازاني[8]، وأخذ هذا الزركشي من كلام ابن السبكي، وأقره عليه[9]، ويفهم من كلام البخاري[10]، والأسنوي[11]. أما كلام عامة الأصوليين فليس فيه ما يصرح بالمراد، وإن كان قد يلتمس من تعريفاتهم وبعض كلامهم موافقتهم لهذا الرأي، ولكن ليس الأمر صريحًا.
وقد خالف الشَّاطبيَّ في رأيه الغزاليُّ؛ فإنه جعل أركان الاجتهاد ثلاثة، فقال: أما أركانه فثلاثة: المجتهِد، والمجتهَد فيه، ونفس الاجتهاد[12]، ويعني بنفس الاجتهاد بذل الوسع، وتبعه على هذا ابن رشد الحفيد[13]، والزركشي في البحر المحيط[14]. ورأى بعض المتأخرين أنها أربعة أركان، وهي: المجتهِد، والمجتهَد فيه، والاجتهاد، والأدلة[15]. ورأى بعضهم أنها أربعة باستثناء الأدلة، وإضافة الواقعة بدلًا عنها[16].


[1] انظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 430) القاموس المحيط (1550) كلاهما مادة: "ركن". [2] متن التنقيح ومعه التوضيح (2/ 273). [3] انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 611) وانظر لتعريفه: التعريفات (149) كشف الأسرار (3/ 611) شرح الكوكب المنير (4/ 12) الكليات (481). [4] الموافقات (5/ 41 - 42). [5]الموافقات (5/ 52). [6] انظر: البحر المحيط (6/ 198). [7] انظر: شرح العضد (2/ 290). [8] انظر: حاشية التفتازاني على شرح العضد (2/ 290). [9] انظر: تشنيف المسامع بجمع الجوامع (4/ 564). [10] انظر: كشف الأسرار (4/ 26). [11] انظر: نهاية السول (4/ 528). [12] انظر: المستصفى (2/ 350). [13] انظر: الضروري (137). [14] انظر: البحر المحيط (6/ 195). [15] انظر: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية لحسن أحمد مرعي (مع الاجتهاد في الشريعة الإسلامية وبحوث أخرى 19)، وانظر مناقشة ذلك في: الاجتهاد في الإسلام (51). [16] وهو قول لبعض الكاتبين، ونوقش في كتاب: الاجتهاد في الإسلام (50).



شارك الخبر

المرئيات-١