أرشيف المقالات

الاستغاثة دعاء المكروب

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
2الاستغاثة دعاء المكروب   الاستغاثة: هي طلب الغوث، وهو إزالة الشدة، وهي نوع من الدعاء، فهي (دعاء المكروب)؛ أي الدعاء حال الكرب، فيدعو الداعي ربَّه أن يكشف كربه، فيُسمَّى مستغيثًا بالله، والدعاء أعم من الاستغاثة؛ لأنه يكون من المكروب وغيره، (فكل استغاثة دعاءٌ، وليس كل دعاءٍ استغاثةً).   والله تعالى هو الذي يُغيث عباده؛ أي: الذي يُدرِكهم في الشدائد إذا دَعَوْه؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9]، وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا حيُّ يا قيُّومُ، برحمتك أستغيث))؛ رواه الطبراني[1].   وجه الدلالة من الآية على أن الاستغاثة عبادةٌ ولا يجوز صرفها لغير الله: 1) الاستغاثة دعاء، والدعاء هو العبادة؛ إذًا لا يجوز صرفها لغير الله؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]. 2) مدح الله عز وجل مَن استغاث به، إذًا فهي عبادة. 3) قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ ﴾ [آل عمران: 195] يدل على أنها دعاء، والدعاء هو العبادة.   أقسام الاستغاثة الاستغاثة بالله الاستغاثة بغير الله حكمها: عبادة لا يجوز صرفها لغير الله. دليلها: قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 9].
(1) الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله (2) الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه المخلوق (3) الاستغاثة بالغائبين والأموات حكمها: شرك أكبر. مثل أن يستغيث بمخلوقٍ في إنزال المطر، وإنبات النبات، فهذه من خصائص الله عز وجل. حكمها: جائزة. مثل إنسان يغرق، فيستغيث بإنسان آخر على الشاطئ. شروطها: أن يكون هذا المخلوق حيًّا حاضرًا قادرًا. حكمها: شرك أكبر. كمَن يستغيثون بالأموات وأصحاب الأضرحة، ويعتقدون أن لهؤلاء قدرةً على السمع والإحاطة، وعلى التصرف في الكون.   ومِن مظاهر الاستغاثةِ بغيرِ الله تعالى: الاستغاثة بالأموات من الأولياء والصالحين وغيرهم: كمَن يقول: يا بَدَوي أغِثني، ويا دسوقي أدرِكْني، ويا جِيلاني اكشف عني كربي! حتى قال بعضهم: إذا ضاقت بكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴾ [الأحقاف: 5]. قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ﴾ [الإسراء: 56].   قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومِن أعظم الشرك أن يستغيث برجلٍ ميت أو غائب، يستغيث به عند المصائب، فيقول: يا سيدي فلان"؛ اهـ.   • والاستغاثة عبادةٌ، والمستحق للعبادة هو الله عز وجل وحدَه، وكل مَن في السموات والأرض، فهو مخلوق مربوب، لا يستحق من العبادة شيئًا، حتى الملائكة وهم أقوى الخلق خلقةً، ومِن أقربهم إلى الله تعالى منزلة، وقد أخبر الله تعالى عنهم بأنهم يخافُون الله ويخشَونه!   قال عز وجل: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [النحل: 49، 50]، قال تعالى عن ملائكته: ﴿ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 28]، حتى إنهم إذا تكلَّم الله عز وجل بأمرِه الذي قضاه في السماء وسمِعوا صوته، صَعِقوا وخرُّوا سُجَّدًا، فإذا أُزيل عنهم الفزعُ، سألوا: ماذا قال ربكم؟ قال سبحانه: ﴿ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [سبأ: 23]، فالملائكة عبادٌ للهِ سبحانه، مفتقرون إليه؛ قال تعالى: ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 26]، ليس لهم من الأمر شيء، وهذا يدل على بطلان عبادتهم مِن دون الله، أو عبادتهم مع الله، وإذا بطلت عبادتهم من دون الله أو مع الله، بطلت عبادة مَن سواهم مِن باب أولى.   • كذلك الأنبياءُ والرسل عليهم الصلاة والسلام، مع علوِّ منزلتهم عند الله عز وجل، وأن الله اصطفاهم وفضَّلهم على جميع البشر؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ﴾ [الحج: 75] - فإنه لا تجوزُ عبادتهم من دون الله عز وجل؛ لأنهم عبادٌ لله جل وعلا، قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]، بل إن جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام جاؤوا يدعون الناس جميعًا إلى عبادة الله وحده، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].   • وأفضل الأنبياء والرسل هو محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أشرف الخلق وأعلاهم منزلةً عند الله عز وجل، ومع ذلك فهو لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وقد قال الله تعالى لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188]، قيل له أيضًا: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ [آل عمران: 128]، فالأمر كله لله وحدَه، فهو الذي يعطي ويمنع، وهو الذي يضر وينفع، وهو الذي يرفع ويخفض، وهو الذي يُعِزُّ ويُذِلُّ، لا رادَّ لحكمه، ولا مُعقِّب لقضائه، ولا رب غيره، ولا إله سواه.   • وقد قال صلى الله عليه وسلم لأقربِ الناس إليه، لفاطمةَ ابنته رضي الله عنها إنه لا يغني عنها من الله شيئًا، (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، قال: ((يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم، لا أُغنِي عنكم من الله شيئًا، يا بني عبدمناف، لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباسُ بنَ عبدالمطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفيَّةُ عمةَ رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمةُ بنتَ محمد صلى الله عليه وسلم، سَلِيني ما شئتِ من مالي، لا أغني عنك من الله شيئًا).[2]   • فإذا كان هذا حالَ الملائكة، وحال الأنبياء والرسل عليهم السلام، أنهم عبادٌ فقراء إلى الله عز وجل، ليس لهم من الأمر شيء، إذًا فلا يجوز عبادتُهم أو دعاؤهم، أو الاستغاثة بهم من دون الله عز وجل، فغيرهم من باب أولى، فلا يجوز دعاء الصالحين أو سؤالهم، أو الاستغاثة بهم، أو التقرب إليهم بالعبادة، ومَن تقرب إليهم بشيء من العبادة، فهذا كفر وشرك بالله عز وجل، وقد قال عز وجل: ﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 80]، فدلَّ ذلك على أن دعاء الملائكة أو الأنبياء وعبادتهم من دون الله عز وجل، كفرٌ وشرك به سبحانه، والله تعالى لا يرضى عن الكفر ولا يرضى أن يُشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل؛ لأن العبادة حق لله وحده، لا شريك له.   • قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]؛ أي لا تدعو دعاءَ عبادة ولا دعاءَ مسألة أحدًا غير الله تعالى، وقوله: ﴿ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18] نكرةٌ في سياق النهي، فتدلُّ على العموم، فلا يُدعَى مع الله أحد؛ لا ملك، ولا نبي، ولا ولي، ولا حجر، ولا شجر، ولا صنم، ولا نجم، ولا كوكب، ولا إنس، ولا جن، ولا غير ذلك، فالعبادة حق لله عز وجل وحده.   عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنتُ رَدِيفَ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أتدري ما حق الله على عباده؟))، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟))، قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حقُّهم ألا يُعذِّبهم))[3].   • ولهذا يجب على العباد أن يتوجَّهوا بالعبادة إلى الله وحدَه؛ فهو الذي يدعى، وهو الذي يُسأل، وهو الذي يُستغاث به، وهو الذي يُستعان به، وهو الذي يُلجَأ إليه في الشدة، ويُتوكَّل عليه عند الحاجة، ويُتعلَّق به في كل وقت وحين.   فهو القادر على قضاء الحاجات وتفريج الكربات، أما غيره ممن يُدْعَى ويسأل من دونه، فلا يقدر على شيء من ذلك؛ قال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ﴾ [الإسراء: 56]؛ يعني الذين تزعمون أنهم ينفعونكم أو يكشفون الضر عنكم، ادعُوهم، هل يملكون كشف الضر عنكم؟ هل يقدرون على تحويله من حالة إلى حالة، أو مِن شخص إلى شخص؟   • قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 57]؛ أي: هؤلاء المَدْعُوون عبادٌ لله تعالى، يعبدون الله عز وجل، ويتقربون إليه، فكيف تطلب القربى إلى اللهِ منهم؟!   الوسيلة: هي القربى، هم يبتغون؛ أي: يطلبون القربى إلى الله تعالى بعبادتهم إياه، بصلاتهم ودعائهم بأعمالهم الصالحة، يريدون القرب من الله تعالى، يرجون رحمته ويخافون عذابه، فهم عبادٌ أمثالكم، لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، فكيف يملكون لكم؟   • قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 13، 14].   وقال تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ﴾ [سبأ: 22].   فهؤلاء الذين يُدْعَون مِن دون الله ويُستغاث بهم مِن دون الله، لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، لا يملكون استقلالًا، وليسوا شركاء لله تعالى في الملك والتدبير، وليسوا مُعاوِنين له، حتى أمر الشفاعة لا يملكونه؛ لأن الشفاعة مِلكٌ للهِ عز وجل وحده، قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 44]، فهو الذي يملكها، ولا يملكها غيره.   • وإنما يشفع الشفعاء بإذنه؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، فهو سبحانه الذي يأذن للشفعاء أن يشفعوا؛ قال تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26].   • وهذا فيه الرد على المشركين الذين اتَّخذوا الشفعاء والوسطاء، اعتقادًا أنهم يملكون الشفاعة، وأنهم سيشفعون لهم يوم القيامة، فالشفاعة لا تحصل إلا بشرطين: الإذن للشافع، والرضا عن المشفوع له، بأن يكون من أهل التوحيد والإيمان، أما مَن تلبَّس بالشرك، فدعا غير الله، أو استغاث بغير الله، أو نذر لغير الله، أو ذبح لغير الله، أو سجد لغير الله، فلا تُقبَل في المشركين شفاعةٌ؛ قال تعالى: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 48]، وقال تعالى: ﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18].   • والشرك أعظم الذنب، وأظلم الظلم؛ لأن فيه تسويةً للخالق بالمخلوق، أخبر تعالى عن المشركين أنهم وهم في النار يقولون تحسُّرًا وندمًا: ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 97، 98]، والشرك فيه صَرْفٌ لخالص حق الله تعالى لسواه، فالعبادة حق لله وحدَه، يجب أن تكون خالصة لله وحده، نقية من شوائب الشرك والرياء؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 3]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].   • والله تعالى مَلِكُ المُلُوك، ليس مثلَ مُلُوك الدنيا، يشفع الشفعاء عندهم، ولو لم يأذنوا، ويضطر الملوك إلى قَبول الشفاعة من أجل حاجتهم إلى الوزراء والأعوان والأمراء.   • أما الله جل وعلا، فهو غني عن عباده، لا أحد يتقدَّم بالشفاعة عنده إلا بإذنه، محمد صلى الله عليه وسلم أفضلُ الخلق، يوم القيامة إذا طلبَتْ منه الخلائق أن يشفع لهم عند الله لفصلِ القضاء، لا يشفع إلا بعد أن يسجد لله عز وجل ويحمَد الله بمحامدَ عظيمةٍ ويدعوه، فيقال له: ((يا محمد، ارفع رأسك، وسَلْ تُعطَه، واشفع تشفع))[4].   • فالشفاعة مِلكٌ لله وحدَه، تطلب منه وحده، فيقال: يا رب شفِّع فيَّ نبيَّك صلى الله عليه وسلم، أما أن يقال: يا محمد اشفع لي، أو يا فلان اشفع لي، كما يطلبون ذلك من الأموات وأصحاب القبور، فيقال: (مدد يا بدوي - مدد يا مرسي - يا سيدي عبدالقادر – يا بن عربي - يا حسين - يا فلان، يا فلان؛ أعني، اشفع لي عند ربي)، فهذا كله شرك أكبر بالله عز وجل!   • وبذلك ينتفي عن تلك الشركاءِ والأنداد والآلهةِ التي تعبد من دون الله كلُّ ما يتعلَّقُ به عابدوها، مما يكون سببًا في عبادتها، فهي لا تملك شيئًا على سبيل الانفراد والاستقلال، ولا على سبيل المشاركة ولا المعاونة، وحتى الشفاعة لا يملكونها.   • وإنما ذلك كله لله وحدَه، فتعيَّن أن يكون هو المعبودَ وحدَه؛ فهو الذي يُدعى ويسأل، ويلجأ إليه ويستغاث به؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ [الأنفال: 9].   • وهو وحدَه الذي يُجِيب المضطرَّ، ويكشف الضرَّ، فلا يكشف الضر إلا مَن قدَّره؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17].


[1] المعجم الأوسط 4 /43. [2] صحيح البخاري 4771. [3] مجموع الفتاوى 1 /23. [4] صحيح البخاري 7510.



شارك الخبر

المرئيات-١