أرشيف المقالات

الزاد والعدة في زمان الغربة (٢)

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2الزاد والعدة في زمان الغربة (2)
ما زلنا يا أحبة نُعِدُّ الزاد والعدة؛ لنُقوِّي إيماننا بالله جل وعلا، ونسلك درب الصالحين؛ حتى نكون من الفائزين في الدنيا والآخرة، وكنا تكلَّمنا سابقًا عن الزاد الأول (التمسك بالكتاب والسُّنة)، واليوم نستكمل.   والزاد الثاني: فهم القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، وسيدور الحديث على أربعة محاور هامة: 1- مَن هم السلف؟ 2- ولماذا نفهم القرآن والسنة بفهم السلف؟ 3- تطاول أعداء الدين على الصحابة، وموقفنا من ذلك. 4- متى ظهر مصطلح (السلفية)؟ وما الحاجة إليه؟   أولًا: السلف: هم مَن كانوا على هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم وسُنته، وهم القرون الثلاثة الأُولى، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))، فالسلف كلمةٌ تشمل الصحابة ومَن تبعهم بإحسان.   ثانيًا: نقول: نفهم القرآن والسُّنة بفهم السلف؛ وذلك لأنهم أدرى الناس بالكتاب والسنة، فالصحابة رضوان الله عليهم جميعًا هم الذين عاشوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الوحي يتنزَّل بين أظهرهم، فأخذوا العقيدةَ الصافية مِن البدع، وسمِعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم غضًّا طريًّا كما نزل، وتعلموا الأحاديث، وسمِعوا مِن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرةً، وشاهدوا أفعاله صلى الله عليه وسلم، وهم مَن نقلوا لنا الدين كاملًا، فلا يَسَعُنا إلا أن نتبعهم؛ فهم شاهدوا ما لم نُشاهِده نحن، وعايَنوا ما لم نُعاينه، وقد زكَّاهم الله عز وجل في كثير من آيات القرآن، قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100]، فأولئك قومٌ قد رضي الله عنهم، أفلا نرضَى عنهم نحن ونقتدي بهم؟!   قال الله عز وجل: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح: 29]، فالله تعالى زكَّاهم في عبادتهم وفي أخلاقهم، أفلا نتأسَّى بهم؟   فمَن أراد النجاة، فعليه أن يسلك مسلكهم، وأن يقتدي بهم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم بسُنَّتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين مِن بعدي)).   لمَ الهجوم على الصحابة؟ وما موقفنا؟ ولما كان التمسك بما عليه الصحابة رضوان الله عليهم هو العُدَّة والعتاد لكل مسلمٍ، أراد أعداء الإسلام الطعنَ فيهم، وخرج علينا بالأمس القريب مَن يطعن ويشكك في الصحابة! وهذا ليس نَيْلًا منهم فقط، لا والله، بل للنَّيْل والتشكيك في الإسلام، فمَن طعن في الصحابة كأنما طعن في أصول وثوابت الدين. والإمام النسائي لما سُئل عمَّن ينتقص ويطعن في الصحابة، قال: إن الإسلام لنا كدارٍ له بابٌ، والصحابة هم باب الإسلام، ومَن طعن فيهم كأنه نال مِن الإسلام. فكما أن الله تعالى زيَّن السماء الدنيا بمصابيحَ تُضِيء ليهتدي بها الناس في الظلام، فكذلك الصحابة الأعلام رضوان الله عليهم هم مصابيح الهدى في ظلمات الفتن وظلام الشبهات، ومَن تطاول عليهم فهو كالذباب الذي أغاظه ضوء الثُّريا، فحاول أن يشوش على ضيائها، فلما اقترب احترق ومات! وكذلك مَن يطعن في الصحابة احترقت أسماؤهم عندنا، وعلِمنا ما في قلوبهم مِن فسوق ونفاق، وعقوبةُ الله تعالى أشد إن لم يتوبوا ويرجعوا.   وفي ظل هذه الفتن والهجمة الشرسة على الدين ليلَ نهارَ، ينبغي لكل مسلم أن يعلم واجبه نحو الصحابة رضي الله عنهم جميعًا، ومن ذلك: 1- حب الصحابة، وسلامة القلوب نحوهم، فكما قال الطحاوي رحمه الله: (وحبُّهم دين وإيمان وإحسان، وبُغْضهم كفرٌ ونفاق وعصيان). 2- معرفة فضلهم ومناقبهم، ويكفيهم شرفًا أنهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل تبليغ الدين، وجاهدوا في الله حقَّ جهاده، والاقتداء بهم واجب. 3- معرفة حياتهم وكيف عاشوا، وهذه النقطة تحديدًا الكثير مقصرٌ فيها إلا مَن رحم ربي، فإذا قيل لك أنت: تحدث عن أبي بكر وما مناقبه في الإسلام، أو تحدث عن عمر بن الخطاب، أو خالد بن الوليد، أو الطُّفَيل بن عمرو الدوسي، أو غيرهم من الصحابة الكرام، فماذا ستقول، وماذا تعرف عنهم؟! للأسف! الكثير منا يعرف الصحابة مجرَّد أسماء فقط، وهذا لا يليق بنا أبدًا، ومَن أحبَّ قومًا أحب سِيرَتَهم، وتطلَّع لمعرفة أخبارهم، فأوصي نفسي وإياكم بمطالعة سِيَر هؤلاء الأخيار، فوالله إن في سِيَرهم وفي حياتهم ما يشحذ الهمم، وما يزيد الإيمان، وما يُهوِّن علينا الصعاب.   متى ظهر مصطلح (السَّلفية)؟ لما تعدَّدت الطوائف وجميعهم تحت مسمَّى الإسلام، وكثرت البدع بظهور الفِرَق الضالَّة؛ كالقدرية، والخوارج، والشيعة، وغيرهم - كان لا بد من تمييز أهل الحق ومتَّبِعي السُّنة باسم؛ تمييزًا لهم عمَّن اتبعوا الأهواء، فالجميع يدَّعي أنه على الإسلام، وأنه على الحق، وهم غارقون في البدع، فكان لا بد مِن وصف يُميِّز مَن اتبعوا عمَّن ابتدعوا، وهذه الفرق والطوائف التي افترقت عليها الأمة أخبرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فِرقة، كلها في النار إلا واحدة))، قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: ((ما أنا عليه اليوم وأصحابي)).   وهؤلاء هم الفِرقة الناجية بإذن الله، ومنه يتضح أن السلفية إنما هي منهج الإسلام الصحيح، والسير على هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم، فالسلفية منهج حياة، لا أحزاب ولا جماعات.   وقد سئل الإمام الألباني رحمه الله: لماذا لا يترك السلفيون هذه التسمية؟ فقال: انخلعوا أنتم مِن الانتساب إلى الحزب الفلاني والمذهب الفلاني، حينئذٍ نقول: نحن مسلمون، أما هذه الأسماء، فهي تفرق في الأمة، فكرًا وواقعًا وتعصبًا مذهبيًّا، فما علينا نحن إذا قلنا: نجمع الانتساب كله في لفظة واحدة، لا يستطيع أحد من أولئك إذا كان عالمًا بالحق أن يماري في أن دعوة السلف هي دعوة الحق، واستدل بقول الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].   واجب على كل مسلم اتَّبع القرآن والسنة أن يفهم مرادهما كما فهِمه السلف، ولا يتَّبِع هواه فيَشْقَى، والإسلام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ))، فلما ثبت سلفُنا في زمان الغربة الأولى وصبروا على الحق، سادوا. فعلينا أن نقتفي آثارهم ونحن الآن في زمان الغربة الثانية؛ فمَن اتَّبعهم نجا كما نجوا، ومَن خالفهم هلك، وأسأل الله أن يثبتنا على الحق حتى نلقاه، وأن يجمعَنا بهم في جنات النعيم مع النبيين والصدِّيقين والشهداء. ما زال للحديث بقية، نستكمل فيها الزاد والعدة في زمان الغربة المرة القادمة إن شاء الله تعالى.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢