أرشيف المقالات

امرأة من أهل الجنة (سعيرة الأسدية)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2امرأة من أهل الجنة (سعيرة الأسدية)   إنها تلك المرأةُ التي أتَتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: "إني أُصرَع، وإني أتكشَّف، فادعُ الله لي"، قال: ((إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيَكِ))، فقالت: أصبِرُ، فقالت: إني أتكشَّف، فادعُ الله ألَّا أتكشف، فدعا لها[1].   إنها تلك المرأة التي آثرَتِ الآخرة على الدنيا؛ لأن ما عند الله خيرٌ وأبقى، لكنها فطِنت لأمرٍ هو أكثر ما يشغَلُ بالَها، أمر هو أشد أذى وإيلامًا - بالنسبة لها - مما تُلاقيه من آلام الصرع، إنه أمرُ العفاف والستر الذي ربما ينخدش أثناء نوبةِ المرض؛ ولذا سارعت وقالت: "إني أتكشَّف، فادعُ الله ألا أتكشف"، تحمَّلت الصرع وآلامه، ولم ترضَ أن تتكشف وهي معذورة شرعًا! خشِيَت أن يظهر منها شيء وهي لا تشعر، فكيف بمن تتكشَّف وهي تشعر؟!   فيا صاحبة الحجاب العصري، يا مَن تظنين أن الحجاب هو هذا (الإيشارب) الملوَّن، الذي وضعتِه على رأسكِ، وقد يكون فيه من الزينة والجاذبية أضعافُ الزينة التي تظهر بها المرأة الحاسرة عن شعر رأسها، (لباس ضيق، بنطال يصِفُ أعضاء الجسم ويُبرِز مفاتنه، شيء من الكحل والماكياج، عطور نفَّاذة، خضوع بالقول وجرأة في الضحك مع الرجال)، هل هذا هو الحجاب؟!   أخيَّتي: لا تخدعي نفسَكِ، أنت تعلمينَ أن الحجاب له شروط؛ من أهمها: أن يكون ساترًا واسعًا فضفاضًا، لا يشفُّ ولا يَصِف، ولا يكون معطَّرًا ولا زينة بذاته. اسألي نفسَكِ بصراحة وصدق: لماذا خرجتِ بهذه الألبسة المتبرِّجة؟ هل خرجتِ لإرضاء الله تعالى، أم خرجت لأجل أن يراك الشباب والرجال فيُعجبوا بك؟ وربما كنت سببًا في وقوع أحدهم في الحرام، فيكون عليكِ وزرُه.   فإذا قلت: لا، أنا لا ألبَسُ هذه الألبسةَ لذلك؛ وإنما أخرُج بتلك الملابس لنفسي، فأنا أهتمُّ بمظهري وأناقتي، وأحب الموضة والأزياء الجديدة. أقول لك: إذًا فارتَدِي هذه الملابس الجميلة والأزياء الأنيقة دون أن تقعي في حرام، ارتديها أمام محارِمِك من الرجال، أو بنات جنسك من النساء، واعلمي أن مَن ترك شيئًا للهِ عوَّضه الله خيرًا منه؛ فاتَّقي الله، واعلمي أن هذه الملابس الضيِّقة الكاشفة لن تنفَعك في ظُلمة القبر، ولن تجلب لك السعادة في الدنيا، ما هي إلا سعادة مزيفة، ومتعة مؤقَّتة، ثم تكون الحسرة والندامة في الدنيا والآخرة. قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾[طه: 124].

حبيبتي: السعادة ليست في موضة أو أناقة تكون سببًا في معصية الله وغضبه وعقابه؛ إنما السعادة في طاعة الله عز وجل والسعي في مرضاته، هذه هي الحياة الطيبة التي أخبَر الله عز وجل عنها في كتابه، قال الله عز وجل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].   واحذري أخيتي، احذري هذا الوعيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيكون في آخر أمتي رجالٌ نساؤهم كاسياتٌ عاريات، على رؤوسهن كأسنمة البُخْت العجاف، الْعَنُوهنَّ، فإنهن ملعونات))[2]، وفي الحديث الآخر: ((صِنفانِ مِن أهل النار لم أرَهما: قومٌ معهم سِياط كأَذْناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مُمِيلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البُخْت المائلة، لا يَدْخُلن الجنة ولا يَجِدْن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))[3].   ويا صاحبة النقاب العصري، يا مَن تدينين لله عز وجل بوجوب الحجاب الكامل: ما هذا النقاب الواسع الذي يُظهِر العينين والحاجبين وجزءًا من الخدين؟! وما هذه العباءة المخصرة التي تُظهِر تفاصيل الجسد وتصف مفاتنَه؟! ولماذا أظهرتِ قدمَيْك لغيرِ محارمك، مع أنه - باتفاق أهل العلم - يجبُ تغطيتُهما؟! ألَا تعلمين أنك عُنوانٌ للالتزام، ورمز للثبات في زمن الغربة؟ فاحذري أن يؤتَى الإسلام من قِبَلك.   أختاه: إن العباءة الشرعية للمرأة (الجلباب)، هي ما تحقَّق فيها قصدُ الشارع من كمال التستر والبعد عن الفتنة، فيجب أن تكون سميكةً، ساترة، واسعة، خالية من الرسوم والزخارف، وأن توضع على هامة الرأس ابتداءً، أو يضرب فوقها الخمار؛ حتى تستر جميع الجسد ولا تبدي تقاطيعه.   أخيتي: لقد لبستِ الحجاب الكامل تعبُّدًا لله تعالى وتأسيًا بنساء الصحابة رضي الله عنهم،"فلا تجعلي حجابَكِ يحتاج إلى حجاب".

أخيتي: كوني مِثلَهن، تمسَّكي بحجابك، واعتزِّي بحيائك، ولا تتخلَّي عنه حتى في أصعب المواقف، كما فعلَت تلك المرأةُ المؤمنة، تمسَّكت بحيائها حتى وهي تُصرَع وتسقط على الأرض. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحياء كلُّه خير))[4]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((الحياء شُعْبة من الإيمان))[5]، فاستَحْيِي من الله أن يطَّلِع على قلبك وهو معتقد لشيء يكرَهه، أو على جوارحك وهي تتحرك بما يُغضِبه، فطهِّري قلبك، وطهِّري جوارحك، وكوني مثلَهن.


[1] صحيح البخاري 5652، صحيح مسلم 2576. [2] رواه ابن حبان في صحيحه 5753، والهيثمي في مجمع الزوائد 5/140، وأحمد في المسند 12/36، والألباني في السلسلة الصحيحة 2683. [3] صحيح مسلم 2128. [4]صحيح مسلم 37، صحيح أبي داود 4796، صحيح الجامع 3196. [5] صحيح النسائي 5021.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣