أرشيف المقالات

الخشوع في الصلاة (الذين هم في صلاتهم خاشعون)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2مجاهدة النفس على الخشوع في الصلاة ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
قال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يتوضأ، فيُحسن الوضوء، ويُصلي ركعتين، يُقبل بقلبه ووجهه عليهما - إلا وجبت له الجنة)؛ (رواه مسلم). وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم يومًا بين يدي أصحابه، ثم قال: (مَن توضأ وضوئي هذا، وصلى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه بشيءٍ، غفَر له ما تقدم من ذنبه)؛ (متفق عليه).   وفي المقابل: يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل لينصرف من صلاته، وما كُتِب له إلا عُشرها وتُسعها، وثُمنها وسُبعها، وسُدسها وخُمسها، ورُبُعها وثُلُثها ونصفها)؛ (رواه أحمد وأبو داود وغيرهما بسند صحيح). وقال صلى الله عليه وسلم: (أَسوأ الناس سرقةً الذي يَسرق في صلاته)؛ فتعجب الصحابة الكرام وقالوا: يا رسول الله، كيف يسرق أحدنا في صلاته؟ فقال: (لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها)؛ (رواه أحمد والحاكم، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب). وإنما كان أسوأ الناس سرقة؛ لأنه يسرق في بيت الملك وهو واقف بين يديه، ليس بينه وبينه ترجمان ولا حاجب، ولأن سارق الدنيا ينتفع بما يسرقه ويتمتع به، أما هو فيسرق من حق نفسه في الثواب، فيشتري بذلك العقاب في الآخرة، فأقبح بها من سرقة! وأعظم بها من جناية!   ولأن الصلاة الخاشعة هي الصلاة التي لها الأثر في الحياة؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]. ولذلك فإن كثيرًا من الناس يُصلي، ثم يخرج ينظر إلى الحرام أو يأكل الربا، أو يظلم الناس! لماذا لم تَنههم صلاتهم عن الأقوال والأعمال المنكرة؟ أين أثرُ صلاتهم في حياتهم؟ لماذا لا يتغيَّرون بالصلاة؟ الجواب: لأنهم لا يُحسنون الصلاة، إنهم بحاجة إلى أن يعرفوا لِمَن يصلون؟ لمن يركعون ويسجدون؟ وبين يدي مَن يقفون؟! [1].   اعتناء السلف رضي الله عنهم بالخشوع في الصلاة: • صَعِدَ عمر بن الخطاب المنبر يومًا، فقال: "إن الرجل ليَشيب عارضاه في الإسلام، وما أكمل لله تعالى صلاة، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا يتم خشوعها وتواضعها، وإقباله على الله فيها" [2]. • قال حذيفة: "إياكم وخشوع النفاق! فقيل: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعًا والقلب ليس بخاشع"[3]. • كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتلوَّن وجهه، فقيل له يومًا: ما لك يا أمير المؤمنين؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض، فأبينَ أن يَحملْنَها وأشْفَقْنَ منها وحملتُها"[4].
• وكان علي بن الحسين يعتريه ذلك عند الوضوء، فيقول: أتدرون بين يدي مَن أريد أن أقوم؟[5]. • وسُئل حاتم الأصم عن صلاته، فقال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والجنة عن يميني والنار عن شمالي، وملك الموت من ورائي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الخوف والرجاء، أكبر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعًا بتواضع، وأسجد سجودًا بخشوع، وأُتبع ذلك كله الإخلاص، ثم لا أدري أَقبلت مني أم لا؟!![6]. • قال سهل بن عبدالله التستري: "من خشع قلبه لم يَقربه الشيطان".   كيف يجاهد الإنسان نفسه على الخشوع في الصلاة؟ 1- التبكير إلى الصلاة. 2- ادفع الشواغل: كمدافعة الأخبثين، وحضور الطعام، والانشغال بأمور الدنيا. 3- احذر شيطان الصلاة: عن أنس رضي الله عنه أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يُلبسها عليّ، فقال صلى الله عليه وسلم: (ذاك شيطان يقال له: خِنزَب، فإذا أحسسته، فتعوَّذ بالله منه، واتْفِل عن يسارك ثلاثًا)، قال: ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني؛ (رواه مسلم).   4- استشعار مناجاة الله: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا ينقر الصلاة، فقال له: (يا فلان، ألا تتقي الله؟ ألا تنظر كيف تصلي؟ إن أحدكم إذا قام يصلي، إنما يقوم يناجي ربه، فلينظر كيف يُناجيه)؛ (رواه مسلم والنسائي وغيرهما). 5- صلِّ صلاة مودع: عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: يا رسول الله، حدثني حديثًا واجعله موجزًا، فقال: (صلِّ صلاة مودع؛ فإنك إن كنت لا تراه فإنه يراك، وايْئَسْ مما في أيدي الناس تَعِشْ غنيًّا، وإياك وما يُعتذَرُ منه)؛ (رواه الطبراني في الأوسط، وانظر الصحيحة). 6- تَفهم ما تقول: بداية من التكبير إلى التسليم، فإن ذلك من أكبر العون على خشوعك لله وتحسين وقوفك بين يديه. واعلم أن لك بين يدي الله موقفين: موقفًا بين يديه في الصلاة، وموقفًا بين يديه يوم القيامة، فمن قام بحق الموقف الأول هوَّن الله عليه الموقف الآخر، ومن استهان بالموقف الأول ولم يُوفه حقَّه، شدَّد الله عليه الموقف الآخر.


[1] أم آن لقلبك أن يعبد؟ المؤلف. [2] إحياء علوم الدين ج1. [3] مدارج السالكين ج1. [4] إحياء علوم الدين. [5] إحياء علوم الدين. [6] إحياء علوم الدين.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن