أرشيف المقالات

موضع دعاء: اللهم أعوذ برضاك من سخطك

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
2موضع دعاء: اللهم أعوذ برضاك من سخطك...
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسَجَد وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» [1].   وعن علي رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: « اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ » [2].   فهل حديث عائشة رضي الله عنها يبين المراد بآخر وتره في حديث علي رضي الله عنه أو هما موضعان مختلفان؟ اختلف أهل العلم في موضع هذا الدعاء. القول الأول: يدعى به في القنوت: وهو مذهب الأحناف [3] والحنابلة [4] واختاره أبو داود [5] والترمذي [6]والنسائي [7] وابن ماجه [8] والطبراني [9] والحاكم [10]. القول الثاني: يدعى به في آخر دعاء القنوت وبعد الفرغ منه وفي السجود: اختاره ابن القيم [11].   فآخر الوتر أي آخر دعاء القنوت وهو ظاهر الحديث وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فكنت أسمعه إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ،...» وتقدم [12] أنَّه مرسل وإسناده ضعيف.   ولما يروى عن كعب الأحبار عن صهيب رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته قال: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي جَعَلْتَهُ لِي عِصْمَةً، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي جَعَلْتَ فِيهَا مَعَاشِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ نِقْمَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» [13].   وما بعد السلام يسمى آخرها كحديث المغيرة، بن شعبة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلم: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ» [14].   القول الثالث: يدعى به بعد الوتر: اختاره عبد الله بن أبي شيبة [15]. لما تقدم في القول الثاني.   القول الرابع: يدعى به في السجود وبعد الوتر: مذهب الشافعية [16] واختاره البيهقي[17]. فيدعى به في السجود لحديث عائشة رضي الله عنها وبعد الفراغ لما تقدم في القول الثاني.   القول الخامس: يدعى به في السجود: وهو مذهب المالكية [18] واختاره عبد الرزاق [19] ومحمد بن نصر المروزي [20] وابن المنذر [21] وابن خزيمة [22] وأبو عوانة الإسفراييني [23] لحديث عائشة رضي الله عنها.   القول السادس: يدعى به في آخر سجدة من الوتر: اختاره الحافظ ابن حجر [24]. لحديث عائشة رضي الله عنها فالمراد بآخر وتره أي السجود قبل السلام.   القول السابع: يدعى به في التشهد: اختاره السندي [25]. فآخر الصلاة حقيقة هو التشهد وهو موضع للدعاء.   الترجيح: الأقوال السابقة تحتملها الأدلة ما عدا قنوت الوتر لما تقدم أنَّه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر حديث عند الحفاظ الشافعي وأحمد وابن خزيمة وابن عبد البر وغيرهم فحديث علي رضي الله عنه لا بد من صرفه عن ظاهره وكون آخر الوتر التشهد أو بعد السلام محتمل فهو مجمل لكن حديث عائشة رضي الله عنها نص في أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء في سجود قيام الليل فيكون مبيناً لموضع الدعاء فيحمل عليه والله أعلم.


[1] رواه مسلم (486).
المسَجَد مصدر ميمي وهو مكان سجوده في بيتها. [2] انظر: [3] انظر: فتح القدير (1/ 375) والبناية (2/ 583) والبحر الرائق (1/ 526). [4] انظر: المغني (1/ 784) والمبدع (2/ 11) وكشاف القناع (1/ 420) وشرح منتهى الإرادات (1/ 298). [5] بوب في سننه (2/ 63) باب القنوت في الوتر وذكر حديث علي رضي الله عنه. [6] بوب في سننه (5/ 561) باب في دعاء الوتر وذكر حديث علي رضي الله عنه. [7] بوب في سننه الصغرى (3/ 248) باب الدعاء في الوتر وقال في السنن الكبرى (1/ 452) ما يقول في آخر وتره وذكر حديث علي رضي الله عنه. [8] بوب في سننه (1/ 372) باب ما جاء في القنوت في الوتر وذكر حديث علي رضي الله عنه. [9] قال في الدعاء ص: (234) باب القول في قنوت الوتر وذكر حديث علي رضي الله عنه. [10] ذكر حديث علي رضي الله عنه في كتاب الوتر من المستدرك (1/ 306). [11] قال في زاد المعاد (1/ 336) هذا يحتمل، أنَّه قبل فراغه منه وبعده، وفي إحدى الروايات عن النسائي: كان يقول إذا فرغ من صلاته، وتبوأ مضجعه،...
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال ذلك في السجود، فلعله قاله في الصلاة وبعدها. [12] انظر: [13] حديث كعب بن ماتع الحميري المعروف بكعب الأحبار مضطرب سنداً ومتناً فرواه: 1: النسائي في الصغرى (1346) والكبرى (1269) (9965) أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني حفص بن ميسرة، وابن خزيمة (745) نا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا ابن وهب، أخبرني حفص بن ميسرة وابن حبان (2026) أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال: حدثنا بن أبي السري قال قرئ على حفص بن ميسرة والفريابي في القدر (183) حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة، ح (184) حدثني محمد بن مجاهد النسائي، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، والطبراني في الكبير (8/ 38) حدثنا علي بن المبارك الصنعاني، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا ابن أبي الزناد، والبيهقي في الدعوات الكبير (117) أخبرنا أبو جعفر كامل بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المستملي، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الضبعي، حدثنا الحسن بن علي بن زياد، حدثنا ابن أبي أويس، حدثني ابن أبي الزناد، يرويانه ـــ حفص بن ميسرة وعبد الرحمن بن أبي الزناد ـــ عن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، أنَّ كعباً حلف له بالله الذي فلق البحر لموسى عليه السلام إنَّا لنجد في التوراة أنَّ داود نبي الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا انصرف من صلاته قال: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي...» وأنَّ صهيباً رضي الله عنه حدثه، أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم كان يقولهن عند انصرافه من صلاته وإسناده ضعيف. عبد الرحمن بن أبي الزناد في حفظه شيء واختلف عليه لكنَّه متابعٌ للثقة حفص بن ميسرة وعطاء بن أبي مروان الأسلمي وثقه أحمد وابن معين والنسائي. واختلف في أبي مروان قيل اسمه سعيد وقيل مغيث وقيل عبد الله بن مصعب وقيل غير ذلك وقيل له صحبة وذكره ابن حبان والعجلي في ثقات التابعين وقال النسائي: أبو مروان الأسلمي غير معروف.
وكعب الأحبار ثقة مخضرم. قال الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 318) حديث حسن...
وذكر النسائي الاختلاف فيه.
وضعفه الألباني في ضعيف النسائي (73). 2: الشاشي في مسنده (996) حدثنا أحمد بن زهير والبزار (2092) حدثنا إبراهيم بن محمد بن سلمة، قالا: نا سعد بن عبد الحميد بن جعفر، قال: نا ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، أنَّ عبد الرحمن بن مغيث الأسلمي، حدثه، قال: قال كعب: إنَّا لنجد في التوراة أنَّ نبي الله داود كان إذا انصرف من صلاته قال: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي...» قال كعب الأحبار: إنَّ صهيب الخير، أخبر أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم كان ينصرف بهذه الكلمات من صلاته فذلك هاج كعباً على الحديث وإسناده ضعيف. إبراهيم بن محمد بن سلمة، لم أقف له على ترجمة لكنَّه متابعٌ للثقة الحافظ أحمد بن زهير بن أبي خيثمة صاحب التاريخ الكبير. وعبد الرحمن بن مغيث ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ونقل عن ابن المديني قوله لا يعرف إلا في هذا الحديث وجعله ابن حبان أبا مروان.
وترجم له المزي في تهذيب الكمال فقال: عبد الرحمن بن مغيث ويقال: ابن أبي مغيث، ويقال: عبد الله بن معتب الأسلمي. عن كعب الأحبار، عن صهيب في القول عند الانصراف من الصلاة قاله موسى بن عقبة (س)، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عنه.
وفيه اختلاف كثير على عطاء بن أبي مروان.
قال محمد بن أحمد بن البراء ، عن علي ابن المديني: عبد الرحمن بن مغيث لا يعرف إلا في هذا الحديث.
وقال الذهبي في الكاشف والحافظ في التقريب مجهول.
وتقدم أنَّ في حفظ ابن أبي الزناد شيء. قال البزار هذان الحديثان [هذا الحديث وحديث دعاء دخول القرية] لا نعلمهما يرويان عن صهيب رضي الله عنه إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. تنبيه: قول المزي: فيه اختلاف كثير على عطاء بن أبي مروان ذكر هذا الاختلاف في تحفة الأشراف (4/ 200 ـــ 201) بعد رواية النسائي السابقة لكن هذه الروايات في حديث دخول القرية انظر السنن الكبرى (6/ 140) وتقدم قول الحافظ ابن حجر ذكر النسائي الاختلاف فيه.
وقال ابن رجب في الفتح (7/ 419) خرج النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم [(1/ 446) (2/ 100) في دعاء دخول القرية من غير ذكر عبد الرحمن بن مغيث الأسلمي بين أبي مرون وكعب الأحبار] من حديث كعب الأحبار، عن صهيب رضي الله عنه،...
وفي إسناده اختلاف. فهل هذا اضطراب آخر في المتن؟ هذا الذي فهمته من صنيع المزي وكلام ابن رجب والله أعلم. [14] ارواه البخاري (6330). [15] بوب في مصنفه (10/ 386) ما يدعو به الرجل في آخر وتره ويقوله وذكر حديث علي رضي الله عنه وحديث ابن أبزى رضي الله عنه. [16] انظر: بحر المذهب (2/ 54) والحاوي (2/ 129) وأسنى المطالب (1/ 162,204) والمجموع (4/ 16) ونهاية المحتاج (1/ 516). [17] بوب في السنن الكبرى (3/ 41) باب ما يقول بعد الوتر وذكر حديث علي رضي الله عنه. [18] انظر: الجامع لمسائل المدونة (24/ 117) [19] بوب في مصنفه (2/ 155) باب القول في الركوع والسجود وذكر حديث عائشة رضي الله عنها. [20] بوب في قيام الليل ـــ مختصره ص: (165) ـــ باب ما يقال في ركوع صلاة الليل وسجودها وفيما بين ذلك وذكر حديث عائشة رضي الله عنها. [21] قال في الأوسط (3/ 355) ذكر الدعاء في السجود وذكر حديث عائشة رضي الله عنها. [22] بوب في صحيحه (1/ 334) باب الدعاء في السجود وذكر حديث عائشة رضي الله عنها. [23] قال في مستخرجه على مسلم (1/ 503) بيان قول المصلي في سجوده، وبيان انتصاب القدمين في السجود وذكر حديث عائشة رضي الله عنها. [24] قال في نتائج الأفكار (3/ 27) يمكن الجمع بينهما [حديث علي رضي الله عنه وحديث عائشة رضي الله عنها] بأنَّ المراد بآخر وتره آخر سجده منه. [25] قال في حاشيته على سنن النسائي (3/ 249) يحتمل أنَّه كان يقول في آخر القيام فصار هو من القنوت كما هو مقتضى كلام المصنف ويحتمل أنَّه كان يقول في قعود التشهد وهو ظاهر اللفظ.



شارك الخبر

المرئيات-١