أرشيف المقالات

مصارف الزكاة

مدة قراءة المادة : 25 دقائق .
2مصارف الزكاة
الحمد لله ﴿ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62]، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، الذي أرسله ربُّه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد: فسوف نتحدث عن المصارف الشرعية للزكاة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: المصارف الشرعية للزكاة ثمانيةٌ، ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].   (1) (2) الفقراء والمساكين: هم المحتاجون الذين لا يجِدون ما يكفيهم. تنبيه مهم: مَن كان مِن الفقراء أو المساكين قادرًا على كسب كفايته وكفاية مَن يَعولُهم، لا يجوز له الأخذ من الزكاة، ولا يحلُّ للمزكي إعطاؤه من الزكاة، ولا تُجزِئه لو أعطاه وهو يعلم بحاله. روى النسائي عن عُبيدالله بن عدي بن الخيار أن رجلينِ حدَّثاه أنهما أتَيَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانِه من الصدقة، فقلَّب فيهما بصَرَه فرآهما جَلْدينِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن شئتما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ ولا لقوي مكتسب))؛ (حديث صحيح، صحيح النسائي للألباني، ج 2ص 228)، (الموسوعة الفقهية الكويتية ج 23ص 315).   (3) العاملون على الزكاة: العاملون على الزكاة هم السُّعاة الذين يبعثهم إمام المسلمين أو نائبُه لجمعِ الزكاة، ويدخل في ذلك أيضًا: كاتبُها، وقاسمها، والخازن، والحارس، ولا يشترط أن يكون العاملون على الزكاة من الفقراء؛ لأنهم يأخذون من الزكاة في مقابل عملهم، وليس لفقرهم. روى أبو داود عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحلُّ الصدقةُ لغني، إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارمٍ، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جارٌ مسكين فتصدَّق على المسكين، فأهداها المسكين للغنيِّ))؛ (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث 1440)، (الموسوعة الفقهية الكويتية ج 23ص 315)، (المغني لابن قدامة، ج4 ص107، ص108).   (4) المؤلَّفة قلوبُهم: المؤلَّفة قلوبُهم الذين يُعطَون مِن الزكاة، هم الرؤساء المُطاعون في قومهم، إذا كان يُرجَى بذلك إسلامهم، أو قوة إيمانهم إن كانوا مسلمين، أو كفُّ شرِّهم، أو إسلام نظرائهم.   (5) الرقاب: هم المكاتَبون والعبيد والأُسارى المسلمون، يُعطَون من الزكاة لتحرير رقابهم من العبودية والأَسْر.   (6) الغارمون: لقد ذكر الله تعالى المستحِقِّين للزكاة، ومنهم الغارمون، والغارِمون قسمان: قسم غرم لإصلاح ذات البَيْن، ما أخمد به فتنةً وقعت بين جماعة، حصل بسببها التزاماتٌ مالية مثلًا، فالتزم بدفعها على نيَّة الرجوع بها على زكاة المسلمين، فهذا الصِّنفُ مِن الغارمين يُعطَى ما غرِمه من الزكاة، وإن كان غنيًّا. القسم الثاني الغارم لإصلاح نفسِه وحاله في مباحٍ؛ كمَن يستدين لنفقته ونفقة مَن تلزَمُه مُؤْنَتُه، أو تجب عليه التزامات مالية ليس الظلم والعدوان سببَها؛ فإنه يُعطَى مِن الزكاة ما يُقابِل به ما غرمه.   (7) سبيل الله: المقصودُ بقوله تعالى: ﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 60] هم المجاهدون والمرابِطون في الثغور.   (8) ابن السبيل: المقصودُ بابن السبيل هو المسافر المُجتَاز في بلدٍ ليس معه شيء يستعين به على سفره، فيُعطَى مِن الصدقات ما يكفيه إلى بلده؛ نظرًا لِما عرض له من الفقر والحاجة أثناء سفره؛ (تفسير ابن كثير، ج7 ص224).   أصناف لا يجوز إخراج الزكاة لهم: الذين تحرم عليهم الزكاة هم: (1) غير المسلمين: روى الشيخانِ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعَث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن، فقال: ((ادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأَعلِمْهم أن الله قد افتَرَض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخَذ مِن أغنيائهم وتُرَد على فقرائهم))؛ (البخاري حديث 1395 / مسلم حديث 19).   والمقصود بهم أغنياء المسلمين وفقراؤهم دون غيرهم، قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العلم أن الذِّمِّيَّ لا يُعطَى مِن زكاة الأموال شيئًا"؛ (الإجماع لابن المنذر، ص 46، رقم 118). ويُستثنَى مِن ذلك المؤلفة قلوبهم.
ويجوز إعطاء غير المسلمين مِن صدقة التطوُّع: روى الشيخان عن أسماءَ بنتِ أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "قدِمَتْ عليَّ أمي وهي مشركةٌ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قلت: وهي راغبةٌ أَفَأَصِلُ أمي؟ قال: ((نعم، صِلِي أُمَّك))؛ (البخاري، حديث 2620 / مسلم حديث 1003).   (2) آل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب: وهم: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس، وآل الحارث، وكذلك آل المطلب. قال ابن قدامة رحمه الله: "لا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحلُّ لهم الصدقة المفروضة"؛ (المغني لابن قدامة، ج 4 ص 109، ص 111). روى مسلم عن أبي هريرة قال: أخذ الحسنُ بن عليٍّ تمرةً مِن تمرِ الصدقة، فجعلها في فِيهِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كِخْ كِخْ، ارمِ بها، أمَا علمتَ أنَّا لا نأكل الصدقة؟))؛ (مسلم حديث 1069).
روى البخاري عن سعيد بن المسيب أن جُبير بن مُطعم أخبره، قال: مشَيتُ أنا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أعطيتَ بني المطلب مِن خُمُس خيبر، وتركتنا ونحن بمنزلة واحدةٍ منك؟ فقال: ((إنما بنو هاشم وبنو المطَّلِب شيء واحد))؛ (البخاري حديث 3502). قال ابن حزم رحمه الله - تعليقًا على هذا الحديث -: "فصحَّ أنه لا يجوز أن يُفرق بين حكمِهم في شيء أصلًا؛ لأنهم شيء واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد، فالصدقة عليهم حرامٌ"؛ (المحلى لابن حزم ج 6، ص 147).   (3) الآباء والأبناء: أجمع أهلُ العلم على أنه لا يجوز إعطاءُ الزكاة إلى الآباء والأجداد، والأمهات والجدات، والأبناء وأبناء الأبناء، والبنات وأبنائهن؛ لأنه يجب على المزكِّي أن يُنفِق على آبائه وإن علَوا، وأبنائه وإن نزلوا، وإن كانوا فقراء فهم أغنياء بغِناه، فإذا دفع الزكاة إليهم، فقد جلب لنفسِه نفعًا بمنع وجوب النفقة عليه. قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدينِ، في الحال التي يجبر الدافعُ إليهم على النفقة عليهم؛ ولأن دفع زكاته إليهم تُغنِيهم عن نفقته، وتُسقطها عنه، ويعود نفعها إليه، فكأنَّه دفعها إلى نفسه، فلم تَجُزْ، كما لو قضى بها دَيْنه"؛ (الإجماع لابن المنذر، ص 46، رقم 119)، (المغني لابن قدامة، ج 4، ص 98، ص 100).   (4) الزوجة: قال ابنُ المنذر: "أجمع أهلُ العلم على أن الرجلَ لا يُعطِي زوجتَه مِن الزكاة؛ وذلك لأن نفقتَها واجبةٌ عليه، فتستغني بها عن أخذ الزكاة، فلم يَجُزْ دفعُها إليها، كما لو دفعها إليها على سبيلِ الإنفاق عليها"؛ (الإجماع لابن المنذر، ص 46، رقم 120)، (المغني لابن قدامة، ج 4 ص 98).   (5) الأغنياء: روى الشيخانِ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن، فقال: ((ادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأَعلِمْهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلِمْهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم تُؤخَذ من أغنيائهم وتُرَد على فقرائهم))؛ (البخاري حديث 1395 / مسلم حديث 19). روى أبو داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحلُّ الصدقة لغني، ولا لذي مِرَّةٍ سويٍّ))، (قوي قادر على الكسب)، (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث 1439).   (6) جهات الخير غير الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: لا يجوز إنفاقُ زكاةِ الأموال في بناء المساجد، والمدارس، وإقامة القناطر، وإصلاح الطرق، وما شابهها من تكفين الموتى، وإنارة القرى. قال ابن قدامة رحمه الله: "لا يجوز صرفُ الزكاة إلى غير مَن ذكَر الله تعالى؛ من بناء المساجد والقناطر والسقايات، وإصلاح الطرقات، وسد البثوق، وتكفين الموتى، والتوسعة على الأضياف، وأشباه ذلك من القُرَب التي لم يذكُرها الله تعالى، قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...
[التوبة: 60]، و﴿ إِنَّمَا ﴾ للحصر والإثبات، تُثبت المذكور وتَنفي ما عداه، والخبر المذكور، قال أبو داود: سمعتُ أحمد، وسئل: يكفن الميت من الزكاة؟ قال: لا، ولا يقضى مِن الزكاة دَيْن الميت، وإنما لم يَجُزْ دفعها في قضاء دَيْن الميت؛ لأن الغارمَ هو الميت، ولا يمكن الدفع إليه، وإن دفعها إلى غريمه صار الدفع إلى الغريم لا إلى الغارم"؛ (المغني لابن قدامة ج 4 ص 126:125).   إعطاءُ المرأةِ زكاةَ مالِها لزوجها الفقير: يجوز إعطاءُ الزوجة زكاةَ مالِها لزوجها إذا كان فقيرًا، ولها أجران؛ أجر صلة القرابة، وأجر الصدقة، وذلك أنه لا تجبُ نفقتُه عليها؛ (المغني لابن قدامة، ج4 ص101، ص102، فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج3، ص386).   إعطاء أموال الزكاة إلى الأقارب: يجب أن يكون مِن المعلوم أن كل قريب تجب نفقته على المزكِّي، فإنه لا يجوز أن يُعطيَه الزكاةَ، وعلى ذلك لا يجوز للمسلم أن يدفع زكاة أمواله إلى أصله وإن علا، أو إلى فرعه وإن سفل، بمعنى أنه تحرُمُ الزكاة على الآباء والأجداد والأمهات، أو للبنات وأبنائهن؛ وذلك لأنه يجب عليه نفقتُهم متى كانوا فقراء، وكذلك لا يجوز أن يُعطِيَ الزكاةَ لزوجته؛ لأن نفقتها واجبة عليه، ويجوز دفع الزكاة إلى الأقارب مِن غير هؤلاء؛ كالإخوة والأخوات، والأعمام والعمَّات، والأخوال والخالات، بشرط أن يكونوا فقراء، وليست نفقةُ أحدِهم واجبةً على المزكِّي، ودفعُ الزكاة إلى الأقارب أفضلُ من إعطائها للغريب؛ لأنها صلة وصدقة"؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية، ج5، رقم 784، ص1799).   استثمار الجمعيات الخيرية لأموال الزكاة: لا يجوزُ للجمعيات الخيرية أو غيرِها استثمارُ أموال الزكاة، بل يجب صرفُها في وقتها في مصارفها الشرعية المنصوص عليها في القرآن الكريم؛ لأن المقصود مِن الزكاة سدُّ حاجة الفقراء، وقضاءُ دَيْن الغرماء؛ ولأن استثمار هذه الزكاة يضيع هذه المصالح على المستحقين أو يؤخرها كثيرًا؛ (فتاوى اللجنة الدائمة، ج9 ص454).   إعطاء الزكاة إلى أهل الصلاح: قال ابن تيمية رحمه الله: "ينبغي للإنسان أن يتحرَّى بالزكاة المستحِقِّين مِن الفقراء والمساكين والغارمين، وغيرهم من أهل الدين، المتَّبِعين للشريعة، فمَن أظهر بدعة أو فجورًا، فإنه يستحق العقوبة بالهجر وغيره، والاستتابة، فكيف يُعان على ذلك؟"؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية ج 25ص 87). قال ابن تيمية رحمه الله: "لا يجوز أن تُعطى الزكاة لِمَن لا يستعينُ بها على طاعة الله، فإن الله فرضها مَعُونةً على طاعته، فمَن لا يصلِّي لا يُعطى حتى يتوب، ويلتزم بأداء الصلاة"؛ (مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية ص345).   كيف يُخرِج مَن يعيش في بلد غير إسلاميٍّ زكاةَ أمواله؟ إذا كان البلدُ الذي يعيش فيه صاحبُ المال ليس فيه مسلمون يستحقون زكاة الأموال، فإنه يُرسِلها إلى أي بلد إسلاميٍّ أو الأقليات المسلمة الفقيرة؛ (فتاوى اللجنة الدائمة، ج9، رقم 3128، ص420).   تعجيل إخراج الزكاة قبل موعدها: يجوز تعجيلُ الزكاة قبل موعدها، متى وجد سببها، وهو النصاب الكامل؛ فقد روى أبو داود من حديث علي بن أبي طالب أن العبَّاس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخَّص له في ذلك. روى الترمذي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: ((إنَّا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام)). ويجوز إخراج الزكاة قبل وقتها بسنة أو سنتين، إذا اقتضت المصلحة الشرعية ذلك، وإعطاؤها للفقراء المستحِقِّين في شكل مرتَّب شهري؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية، ج8، رقم 1146، ص2831).   تأخير إخراجُ الزكاة حتى يتم إخراجُها في شهر رمضان: لا يجوزُ تأخيرُ إخراج الزكاة بجميعِ أنواعها مع القدرة والتمكن من إخراجها، حتى يأتي شهر رمضان؛ لأن في هذا التأخير ضياعًا لحقوق المستحقين للزكاة، وإخراجُ الزكاة في وقت وجوبِها أفضلُ مِن تأخيرها لإخراجها في شهر رمضان؛ فإن المسلم لا يدري متى ينتهي أجلُه، أو ماذا يحدث لمالِه؛ (المغني لابن قدامة بتحقيق التركي، ج4 ص146).   نقل الزكاة من مكان وجوبها إلى بلد آخر: المشروع أن تُصرَف زكاةُ كل بلد في أهلها المستحِقِّين لها؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: ((فأَعلِمْهم أن الله افتَرَض عليهم صدقةً في أموالهم، تُؤخَذ من أغنيائهم وتُرَد إلى فقرائهم))، ولا يجوز نقلُها مِن مكان وجوبِها إلى بلد آخر إلا لمصلحةٍ شرعية راجحة؛ كأن يستغنيَ أهلُ البلدِ الذي وجَبَت فيه الزكاة، أو يكون فقراء البلد الذي تُنقَلُ إليه الزكاة أشدَّ حاجة مِن فقراء البلد الذي وجبَت فيه الزكاة، أو أن يكون للمُزكِّي أقارب فقراء ولم تحصل لهم كفايتُهم من غيره، فيكون هذا رعايةً وصلة لذوي القربى؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية، ج 1، رقم 39، ص123).   إسقاط الدَّينِ الموجود على الفقير واحتسابُه مِن زكاة المال: لا يجوزُ لِمَن كان له دَيْن على فقيرٍ أن يخصم هذا الدَّين مِن الزكاة، ويبرئ ذمة مَدِينه الفقير؛ لأن في ذلك منفعةً لنفس الغني ووقايةً لماله؛ ولأنه ضامن؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية، ج5، رقم 776، ص1781).   مقدار ما يُعطَى الفقيرُ مِن الزكاة: مِن مقاصد الزكاة كفايةُ الفقيرِ وسدُّ حاجته، فيُعطَى مِن الصدقةِ القدرَ الذي يُخرِجه من الفقر إلى الغنى، ومن الحاجة إلى الكفاية، على الدوام، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، قال عمر رضي الله عنه: إذا أعطيتم فأغنوا؛ يعني في الصدقة؛ (فقه السنة للسيد سابق، ج 1 ص 443).   إعلام الفقير بالزكاة: قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا دفع الزكاة إلى مَن يظنه فقيرًا، لم يحتَجْ إلى إعلامه أنها زكاة، قال الحسن: أتريد أن تقرعه؟! لا تخبره، وقال أحمد بن الحسين: قلت لأحمد: يدفعُ الرجلُ الزكاة إلى الرجل، فيقول: هذا من الزكاة، أو يسكت؟ قال: ولِمَ يُبكِّتُه بهذا القول؟ يعطيه ويسكت، وما حاجته إلى أن يقرعه؟"؛ (المغني لابن قدامة بتحقيق التركي، ج 4 ص 98).   هل يجوز احتساب الضرائب من الزكاة؟ لا يجوزُ احتساب أيِّ نوعٍ مِن أنواع الضرائب التي تفرِضُها الحكومة على المواطنين في أموالهم من الزكاة الواجبة من أموالهم؛ لأن هذه الضرائب التي تفرضها الحكومة تكون من أجل الصالح العامِّ الذي يعود نفعُه على الغني والفقير، وعلى الحاكم والمحكوم، وعلى حَسَب ما تراه الحكومة مناسبًا لصرفها وتقديرها، وليست هذه الضرائب خاصةً بالمصارف الشرعية التي حدَّدَتْها الشريعة الإسلامية، وفضلًا عن ذلك، فإن هذه الضرائبَ لا تنطبق عليها ماهيَّة الزكاة شرعًا؛ لأنها تختلف في مقاديرها وشروطها عن مقادير الزكاة وشروطها التي بيَّنَتْها الشريعة، وبدونها لا يتحقق معنى الزكاة؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية، ج5، رقم 776، ص1784).   الأقارب أولى الناس بالزكاة: إذا تولى الرجلُ إخراج زكاته، فالمستحبُّ أن يبدأ بأقاربه الذين يجوزُ دفع الزكاة إليهم. روى الشيخانِ عن زينبَ امرأةِ عبدالله بن مسعود قالت: كنتُ في المسجد فرأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((تصدَّقن، ولو مِن حُليِّكن))، وكانت زينب تُنفِق على عبدِالله وأيتامٍ في حِجْرها، قال: فقالت لعبدالله: سَلْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أيجزي عني أن أُنفِق عليك وعلى أيتامٍ في حجري من الصدقة؟ فقال: سَلِي أنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدتُ امرأةً مِن الأنصار على الباب، حاجتُها مثل حاجتي، فمرَّ علينا بلال، فقلنا: سَلِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيجزي عني أن أُنفِق على زوجي وأيتامٍ لي في حجري؟ وقلنا: لا تخبر بنا، فدخل فسأله، فقال: ((مَن هما؟))، قال: زينب، قال: ((أيُّ الزَّيانِب؟))، قال: امرأةُ عبدالله، قال: ((نعم، لها أجران؛ أجر القرابة، وأجر الصدقة))؛ (البخاري حديث 1466/ مسلم حديث 998).   روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثرَ الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحبَّ أمواله إليه بَيْرُحَاءُ، وكانت مستقبلةَ المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيِّبٍ، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وإن أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرُحَاء، وإنها صدقة لله، أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بَخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أن تجعَلَها في الأقربين))، فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه؛ (البخاري حديث 1461).   قال ابن قدامة رحمه الله: "يُستَحبُّ أن يبدأ بالأقربِ فالأقربِ، إلا أن يكون منهم مَن هو أشد حاجةً فيُقدِّمه، ولو كان غيرُ القرابة أحوجَ أعطاه، قال أحمد بن حنبل رحمه الله: إن كانت القرابةُ مُحتاجةً أعطاها، وإن كان غيرُهم أحوج أعطاهم، ويعطي الجيران"؛ (المغني لابن قدامة ج 4 ص 151:150).   إخراج الطيِّب في الزكاة: قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 267، 268].   قال ابن عباس: أمَرَهم بالإنفاق من أطيب المال وأجودِه وأَنْفَسِه، ونهاهم عن التصدُّق برذالةِ المال ودنيِّه - وهو خبيثه - فإن الله طيِّب لا يقبَلُ إلا طيِّبًا؛ ولهذا قال: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا ﴾؛ أي: تقصدوا ﴿ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ ﴾؛ أي: لو أُعطيتُموه ما أَخذتموه، إلا أن تتغاضَوا فيه، فالله أغنى عنه منكم، فلا تجعلوا لله ما تكرَهون؛ (تفسير ابن كثير ج 2ص 466).   روى ابن ماجه عن البراء بن عازب في قوله سبحانه: ﴿ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾، قال: نزلت في الأنصار، كانت الأنصارُ تخرُجُ إذا كان جَداد النخلِ مِن حيطانها أقناءَ البُسْر، فيُعلِّقونه على حبل بين أُسطوانتينِ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل منه فقراء المهاجرين، فيَعمِد أحدهم فيُدخِل قِنوًا فيه الحَشَف (التمر الرديء)، يظن أنه جائزٌ في كثرة ما يوضع من الأقناء، فنزل فيمَن فعل ذلك: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾، يقول: لا تعمدوا للحَشَف منه تنفقون، ﴿ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾، يقول: لو أُهدِي لكم ما قبِلتُموه إلا على استحياء مِن صاحبه غيظًا أنه بعث إليكم ما لم يكن لكم فيه حاجة، واعلموا أن الله غني عن صدقاتكم؛ (حديث صحيح، صحيح ابن ماجه للألباني حديث 1475).   الدعاء لصاحب المال: من سنة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم الدعاء لصاحب المالِ عند أخذ الزكاة منه، قال الله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]، وروى البخاري عن عبدالله بن أبي أَوْفَى - (وكان من أصحاب الشجرة) - قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قومٌ بصدقة، قال: ((اللهم صلِّ عليهم))، فأتاه أبي بصدقته، فقال: ((اللهم صلِّ على آل أبي أَوْفَى))؛ (البخاري حديث 4166).   وروى النسائي عن وائل بن حُجر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعَث ساعيًا، فأتى رجلًا فآتاه فصيلًا مخلولًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بعثنا مصدقَ الله ورسوله، وإن فلانًا أعطاه فصيلًا مخلولًا، اللهم لا تبارِكْ فيه ولا في إبله))، فبلغ ذلك الرجلَ فجاء بناقةٍ حسناءَ، فقال: أتوب إلى الله عز وجل، وإلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارِكْ فيه وفي إبله))؛ (حديث صحيح، صحيح سنن النسائي للألباني ج 2ص 185). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣