أرشيف المقالات

أسباب الخلاف بين العلماء عند الشاطبي

مدة قراءة المادة : 23 دقائق .
2أسباب الخلاف بين العلماء عند الشَّاطبي
تمهيد: الخلاف والاختلاف مما جُبلت عليه العقول البشرية، وهو نتيجة لاختلاف الأغراض والطبائع بين المجتهدين، وأسباب الخلاف هي: البواعث التي بَعثت على اختلاف الآراء بين المجتهدين.
وفي هذا الفصل نبين رأي الشَّاطبي في الأسباب التي تؤدي إلى اختلاف المجتهدين، ولا ريب أنه لا يمكن في مثل هذا المبحث الوفاء بالموضوع من جميع نواحيه، ولكن أشير إلى جملة من الأسباب التي رأى الشَّاطبي أنها باعثة على الخلاف بين العلماء.
رأي الشَّاطبي: تعرَّض الشَّاطبي لجملة من الأسباب الباعثة على الخلاف بين العلماء، ويمكن تقسيمها إلى قسمين: القسم الأول: الأسباب التي نقلها عن غيره مقرًّا له عليها. والقسم الثاني: الأسباب التي ذكرها هو من عند نفسه.
أما القسم الأول: وهو الأسباب التي نقلها عن غيره مقرًّا له عليها، فهو ما نقله الشَّاطبي عن البَطَلْيَوسي من أسباب الخلاف الواقع بين حملة الشريعة، وقد حصرها البطليوسي في ثمانية أسباب، وهي[1]: السبب الأول: الاشتراك الواقع في الألفاظ، واحتمالها للتأويلات، وقد جعله على ثلاثة أقسام: القسم الأول: الاشتراك في موضوع اللفظ المفرد؛ كالقرء[2]، و"أو" في آية الحرابة[3].
القسم الثاني: الاشتراك في أحوال اللفظ العارضة في التصرف؛ نحو: ﴿ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ﴾ [البقرة: 282][4].
القسم الثالث: الاشتراك مِن قبل التركيب في التصرف؛ نحو: ﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10][5]، ونحو: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴾ [النساء: 157][6].   والسبب الثاني: دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز، وجعله ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما يرجع إلى اللفظ المفرد؛ مثل قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [النور: 35][7]، وكحديث النزول[8].
القسم الثاني: ما يرجع إلى أحواله؛ نحو: ﴿ بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [سبأ: 33][9]، ولم يبيِّنْ وجهَ الخلاف.
القسم الثالث: ما يرجع إلى جهة التركيب؛ كإيراد الممتنع بصورة الممكن، ومنه قول الرجل الذي أمر بَنِيه أن يحرقوه وقال: (فوالله لئن قدر الله عليَّ، ليعذبني عذابًا شديدًا)[10]، ونحو ذلك مما يورد من أنواع الكلام بصورة غيره: كالأمر بصورة الخبر[11]، والمدح بصورة الذم[12]، والتكثير بصورة التقليل[13]، وعكسها[14].
والسبب الثالث: دوَران الدليل بين الاستقلال بالحكم وعدمه: كحديث أبي حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة في مسألة البيع والشرط[15]، وكمسألة الجبر والقدر والاكتساب[16].
والسبب الرابع: دورانه بين العموم الخصوص؛ نحو قوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256][17]، وقوله تعالى: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5][18].
والسبب الخامس: اختلاف الرواية، وله ثمان عِلل، وهي: فساد الإسناد، ونقل الحديث على المعنى، ونقله من الصحف، والجهل بالإعراب، والتصحيف، وإسقاط جزء من الحديث، أو إسقاط سبب الحديث، وسماع بعض الحديث وفَوْت بعضه.
السبب السادس: جهات الاجتهاد والقياس. السبب السابع: دعوى النسخ وعدمه.
السبب الثامن: ورود الأدلة على وجوه تحتمل الإباحة وغيرها؛ كالاختلاف في الأذان، والتكبير على الجنائز، ووجوه القراءات، وهذه الأسباب منها ما هو سبب لخلاف معتبر، ومنها ما هو سبب لخلاف غير معتبر؛ كبعض ما ذكر في السبب الخامس؛ فخَفاء الدليل ونقله مصحفًا ونحو ذلك مما لا يعتبر خلافًا حقيقيًّا.
وأما القسم الثاني: فهو ما ذكره الشَّاطبي دون نقل خاص عن غيره، واعتبره من جملة أسباب الخلاف: ويندرج تحت هذا القسم ثلاثة من أسباب الخلاف بين العلماء، وهي: السبب الأول: ألا يبلغه الأصل أو الدليل فيخالفه المجتهد لعدم العلم به؛ قال الشَّاطبي: "أن يخالف أصلًا مخالفةً ظاهرة من غير استمساك بأصل آخر، فهذا لا يقع من مفتٍ مشهور، إلا إذا كان الأصل لم يبلغه، كما وقع لكثير من الأئمة؛ حيث لم يبلغهم بعض السنن، فخالفوها خطأ..."[19].
السبب الثاني: أن يخالف المجتهد الأصل بنوع من التأويل وهو فيه مخطئ؛ قال الشَّاطبي: "وهو الخروج عن مقتضى الدليل عن غير قصد، أو عن قصد لكن بالتأويل، فمنه الرجل يعمل عملًا على اعتقاد إباحته؛ لأنه لم يبلغه دليل تحريمه أو كراهته، أو يتركه معتقدًا إباحته إذا لم يبلغه وجوبه أو ندبه"[20].
السبب الثالث: وهو من أهم أسباب الخلاف، وهو: تحقيق المناط؛ ذلك أن كل دليل لما أن كان مبنيًّا على مقدمتين، الأولى شرعية: وهي ترجع إلى نفس الحكم الشرعي، والثانية نظرية: وهي الراجعة إلى تحقيق المناط[21]، وهذه المقدمة هي مثار الاشتباه وباعث كثير من الخلاف، قال الشَّاطبي: "مثار الاختلاف إنما هو التشابه يقع في مناطه"[22].
ذلك أن المجتهد قد يرى أن مناط النص أو القاعدة متحقق في الجزئية المعروضة، بينما قد يخالفه غيره من المجتهدين، فيرى أن مناط ذلك النص أو تلك القاعدة غير متحقق في الجزئية.
وفي الحقيقة أن أكثر طرق الشَّاطبي هنا قد تبع فيها غيره؛ ففي القسم الأول كان الشَّاطبي ناقلًا مستفيدًا من ابن السيد البطليوسي، وأما في القسم الثاني فإن السببين الأولين قد وافقه في ذكرهما غيره من الأصوليين[23]، أما القسم الثالث وهو تحقيق المناط، فلم أرَ أحدًا - من غير المتأخرين[24]- صرح باندراجه ضمن أسباب الخلاف، ولكن بعض العلماء ذكر من أسباب الخلاف ما يمكن أن يكون من جزئيات تحقيق المناط، كالاختلاف في صحة نقل الحديث بعد بلوغه إلى كل مجتهد[25]، فتحقق صحة الحديث من ضعفه هو تحقيق للمناط، وكالخلاف في وجه الإعراب مع اتفاق القرَّاء على الرواية، فإن هذا إنما هو تحقيق لمناط ذلك اللفظ المراد إعرابه وإلحاق له بالقاعدة النحوية التي تناسبه، ومثل ذلك إذا كان اللفظ مشتركًا بين معنيين، فأخذ بعض العلماء بأحدهما وخالفه غيره، أو اختلف في حمل اللفظ على العموم أو الخصوص، أو في حمله على الحقيقة أو المجاز ونحو ذلك[26]، فهذا كله يعتبر من جزئيات تحقيق المناط، التي ذكرها بعض العلماء أسبابًا مؤثرة في الخلاف.
وإذا اتضح ما سبق، كان لنا أن نقول: إن للشاطبي قدمَ سبق في جمع متفرقات تحقيق المناط وتأصيل أصل واحد لها، ليكون سببًا رئيسًا من أسباب الخلاف.


[1] أجملها في مقدمة كتابه: التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم ومذاهبهم واعتقادهم (11) ثم فصلها بعد ذلك، وقد نقلها عنه الشاطبي في الموافقات (5/ 140، 201 وما بعدها). [2] ) وردَتْ هذه اللفظة مجموعة في قوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228]، وقد ذهب الحجازيون من الفقهاء إلى أن المراد بالقرء هنا الطهر، وذهب العراقيون إلى أنه الحيض، ولكل قولٍ دليلُه؛ انظر: التنبيه (13) وانظر للخلاف: الأم (5/ 302) جامع البيان (2/ 452) أحكام القرآن للجصاص (1/ 440) أحكام القرآن للكيا الهراسي (1/ 152) لسان العرب (11/ 80) مادة: "قرأ" الجامع لأحكام القرآن (3/ 113) تفسير القرآن العظيم (1/ 277). [3] وهي قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المائدة: 33]، واختلف في "أو" هنا، فقيل: هي للتخيير، وهو قول ابن عباس، وابن المسيب، وجماعة من السلف، واختاره مالك، وقيل: للترتيب والتعقيب، وهو قول الجمهور؛ انظر: التنبيه (26) وللخلاف جامع البيان (4/ 555 - 556) أحكام القرآن للجصاص (2/ 511) المحرر الوجيز (5/ 89) الجامع لأحكام القرآن (6/ 152) تفسير القرآن العظيم (2/ 53). [4] قوله تعالى: ﴿ وَلَا يُضَارَّ ﴾ [البقرة: 282] يحتمل أن يكون تقديره: ولا يضارر بفتح الراء، فيلزم على هذا أن يكون الكاتب والشهيد مفعولًا بهما، لم يسمَّ فاعلهما، والآية تنهى عن الإضرار بهما، وبه قال جماعة من المفسرين، ويحتمل أن يكون تقديره: ولا يضارر بكسر الراء، فيلزم أن يكون الكاتب والشهيد فاعلين، والآية تنهاهما عن أن يضرا غيرهما بالامتناع أو بالأداء على غير الوجه المراد؛ انظر: التنبيه (32 - 33) وللخلاف: جامع البيان (3/ 134) المحرر الوجيز (2/ 372) الجامع لأحكام القرآن (3/ 405) تفسير البحر المحيط (2/ 370). [5] يجوز أن يكون الضمير الفاعل الذي في ﴿ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10] عائدًا على الكلم، والضمير المفعول عائدًا على العمل؛ فالمعنى أن الكلم الطيب - وهو التوحيد - يرفع العمل الصالح، فلا يصح عمل إلا بإيمان، ويجوز أن يكون الضمير الفاعل عائدًا على العمل، والمفعول عائدًا على الكلم؛ فالمعنى: العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، والمعنيان صحيحان؛ انظر: التنبيه (38 - 39) وللخلاف في المعنى: جامع البيان (10/ 398) المحرر الوجيز (13/ 158) الجامع لأحكام القرآن (14/ 329) تفسير البحر المحيط (7/ 290). [6] الضمير في: ﴿ قَتَلُوهُ ﴾ [النساء: 157] إما أن يكون راجعًا إلى المسيح، أو إلى العلم المذكور في قوله في نفس الآية: ﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ﴾ [النساء: 157]، وثَمَّ قول ثالث، وهو أنه راجع إلى الظن المذكور في الآية؛ انظر: التنبيه (49) وأيضًا: جامع البيان (4/ 355) المحرر الوجيز (4/ 305) الجامع لأحكام القرآن (6/ 10) تفسير البحر المحيط (3/ 406). [7] ذكر البطليوسي في التنبيه (75) أن المجسمة توهموا أن ربهم نور، والمعنى الصحيح في نظره: الله هادي أهل السموات والأرض، وهذا الذي ذكره في معنى الآية قول صحيح؛ فالله منوِّر السموات والأرض وهادي أهلهما؛ فبنوره اهتدى مَن فيهما، وهذا إنما هو فعله، وأما إنكاره نسبة هذه الصفة لله فغير صحيح؛ فالله سبحانه قد وصف نفسه بذلك، فقال في الآية نفسها: ﴿ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ [النور: 35]؛ فالصواب أن الله نور، وأن ذلك صفة مِن صفاته، أثبتها أهل السنة وعلماء الحديث، بل وأكابر الأشاعرة؛ كما قال ابن تيمية، وقد عد ابن القيم النور اسمًا من أسماء الله، وانظر كلامًا مفصلًا حول هذه الصفة في مجموع الفتاوى (6/ 374) اجتماع الجيوش الإسلامية (6) مختصر الصواعق المرسلة (2/ 398). [8] سبق تخريجه ص 68 من حديث أبي هريرة بلفظ: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا...
إلخ))، وقد ذكر البطليوسي في التنبيه (65 وما بعدها) أن المجسمة ممثلة على الحقيقة، ثم إنه صوَّب أن يكون المعنى أن الله أمر ملَكًا بالنزول، وهذا القول الذي ذكره ابن السيد البطليوسي، وأقره عليه الشاطبي، هو قول الأشاعرة، والجهمية، والمعتزلة، والخوارج، وهو قول باطلٌ؛ فيه صرفٌ للفظ عن معناه الحقيقي بغير بيِّنةٍ ولا دليل. [9] فالمعنى: بل مكركم في الليل والنهار، فحذف المضاف إليه وحل محله الظرف، أو يقال: إن الإسناد إلى الظرف، فيكون الأمر مجازًا؛ انظر: التنبيه (80) وأيضًا جامع البيان (10/ 379) المحرر الوجيز (13/ 141) الجامع لأحكام القرآن (14/ 302) تفسير البحر المحيط (7/ 270). [10] الحديث سبق تخريجه ص658، وذكر البطليوسي في التنبيه (93 - 94) أن معنى (قدر)؛ أي: ضيَّق الله عليَّ، والمعنى: والله لئن ضيق الله عليَّ طرق الخلاص، ليعذبني، ولم يقل ذلك شكًّا في قدرة الله، ويجوز أن يكون من القدر الذي هو القضاء؛ فالمعنى: والله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني العذاب، فحذف المفعول اختصارًا، ويجوز أن يكون مِن القدرة على الشيء، والمعنى: والله إذا قدر الله عليَّ ليعذبني عذابًا شديدًا؛ فيكون شاكًّا في قدرة الله، ورأى ابن حزم في الفصل (2/ 272) وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/ 410) أن من تأول قوله (قدر) بمعنى قضى أو ضيق فقد أبعد النجعة، وحرَّف الكلِم عن موضعه، وأن الصواب أن قوله (قدَر) مِن القدرة على الشيء، وقد أطال شيخ الإسلام في بيان ذلك، ورد ما سواه. [11] كقوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ [البقرة: 233]، وكقولهم: حسبك درهم، ونحو ذلك؛ انظر: التنبيه (82 - 83). [12] كقولهم: أخزاه الله ما أسعره، لعنه الله ما أفصحه، ونحو ذلك؛ انظر: التنبيه (96). [13] كقولهم: رُبَّ ثوب حسن قد لبِست، ورُبَّ رجل عالم قد لقِيت؛ انظر: التنبيه (98). [14] كقول رجل يهدِّد صاحبه: لا تُعادِني؛ فربما ندمت، وهذا موضع ينبغي أن تكثُرَ فيه الندامة، وليس بموضع تقليل، وإنما المعنى أن الندامة على هذا لو كانت قليلة، لوجب أن يتجنب ما يؤدي إليها، فكيف وهي كثيرة؟! فصار فيه مِن معنى المبالغة ما ليس فيه التكثير لو وقع ها هنا؛ انظر: التنبيه (99). [15] سبق تخريجه ص 254. [16] ذكر ابن السيد البطليوسي في التنبيه (134 وما بعدها): أن قومًا تأملوا القرآن والسنَّة فوجدوا فيهما أشياء ظاهرها الإجبار، وهو أن العباد مُجبَرون على أعمالهم، ولا قدرة لهم، ولا إرادة، ولا اختيار، والله وحده هو خالق أفعال العباد، وأعمالهم إنما تُنسب إليهم مجازًا، وهو قول الجبرية، ومنهم الجهمية، وآخرون وجدوا آياتٍ وأحاديث ظاهرها أن العبد مستطيع، بل ومفوَّض إليه أمره، يفعل ما يشاء، فقالوا: العبد مخيَّر مفوض، ولا قدرة لله عليه، وهذا قول القدرية، ومنهم المعتزلة، وتأملت فرقة ثالثة مقالتي الفرقتين معًا فلم يرتضوا بواحدة منهما، فأخذوا بأدلة الفرقتين، وجمعوا بين الآيات والأحاديث، فأثبتوا للعبد مشيئة لا تتم إلا بمشيئة ربه، وللعبد حول وقوة لا يتمان إلا بمعونة الله إياه، ثم أطال ابن السيد في تصحيح هذا القول، وهو القول بالكسب، وهو مذهب الأشاعرة، وحقيقة الكسب عندهم: أن أفعال العبد الاختيارية واقعة بقدرة الله وحده، وليس لقدرة العبد تأثير فيها، بل اللهُ أجرى عادته بأن يوجد العبد قدرة واختيارًا، والعمل الذي يقوم به العبد من كسبه، والمراد بكسبه إياه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير سوى كونه محلًّا للفعل، وضرب بعضهم لذلك مثلًا في الحجر الكبير قد يعجز عن حمله رجل ويقدر آخر على حمله منفردًا به، فإذا اجتمعا جميعًا على حمله كان حصول الحمل بأقواهما وما خرج أضعفهما بذلك عن كونه حاملًا، فكذلك العبد لا يقدر على الانفراد بفعله، ولو أراد الله وقوع الفعل بدون العبد لحصل ذلك؛ فوجود الفعل على الحقيقة بقدرة الله، ولا يخرج عن كونه كسبًا للعبد، كذا قالوا، وهو قول باطل مضطرب مخالف للأدلة الشرعية، والرد عليهم مبسوط في غير ما موضع؛ انظر لبيان رأي الأشاعرة: كتاب أصول الدين للبغدادي التميمي (133) طوالع الأنوار (301) المواقف (311) وللرد عليهم كتاب القدر مع مجموع الفتاوى (8/ 188) القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للمحمود (242). [17] قد قيل: إن الأمر خاص بأهل الكتاب، وقيل: هي عامة، ثم نسخت بقوله تعالى: ﴿ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾ [التوبة: 73]؛ انظر: التنبيه (156) وانظر أيضًا: كتاب الناسخ والمنسوخ للنحاس (76) الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (44) نواسخ القرآن لابن الجوزي (92) الناسخ والمنسوخ لابن العربي (61) تفسير القرآن العظيم (1/ 318). [18] قيل: إن الآية مخصوصة بقوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ ﴾ [البقرة: 31]، وقيل: هي على عموها؛ انظر: التنبيه (156) وأيضًا جامع البيان (12/ 646) معالم التنزيل (8/ 479) زاد المسير (9/ 176) الجامع لأحكام القرآن (20/ 122). [19] الاعتصام (2/ 465) وانظر: الموافقات (5/ 132، 218). [20] الموافقات (1/ 267) وانظر منه: (5/ 132، 218) الاعتصام (2/ 465). [21] انظر: الموافقات (3/ 231، 5/ 414). [22] الموافقات (3/ 309). [23] انظر: الرسالة (219، 330) رفع الملام مع مجموع الفتاوى (20/ 232 - 233، 344 - 346) تقريب الوصول (493). [24] انظر بحثًا مطولًا عن كون تحقيق المناط من أسباب الخلاف في: بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله للدريني (1/ 122 وما بعدها) وانظر: أضواء البيان (5/ 401، 437). [25] انظر: رفع الملام مع مجموع الفتاوى (20/ 239) تقريب الوصول (496). [26] انظر: تقريب الوصول (500 - 503).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣