أرشيف المقالات

نص من المقتنص في فوائد تكرار القصص

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2نص من "الـمُقْتَنص في فوائد تكرار القصص"
  من الموضوعات القرآنية التي تناولها العلماءُ حكمة تكرار القصص في القرآن، وقد ألَّف في ذلك من السابقين: العلامةُ بدر الدين ابن جماعة (ت: 733هـ)، وكتابه: "الـمُقْتَنص في فوائد تكرار القصص". ومِنْ علماء القرن الرابع عشر: مفتي دمشق أبو الخير عابدين (ت: 1343هـ)، وكتابه: "التقرير في التكرير"[1].
وقد ذكرَ السيوطي في "الإتقان في علوم القرآن" الكتابَ الأولَ ونقلَ منه، ورأيتُ من المفيد إبرازَ هذا النقل [2].
قال -رحمه الله-[3]: "قد ألَّفَ البدرُ بنُ جماعة كتابًا سمّاه "الـمُقْتَنص في فوائد تكرار القصص"، وذكرَ في تكرير القصص فوائد: منها: أنَّ في كل موضعٍ زيادةَ شيءٍ لم يُذْكرْ في الذي قبله، أو إبدالَ كلمةٍ بأخرى لنكتةٍ، وهذه عادة البلغاء.
ومنها: أنَّ الرجلَ كان يَسْمَعُ القصة من القرآن، ثم يعودُ إلى أهله، ثم يهاجرُ بعدَه آخرون يحكون ما نزلَ بعد صدورِ مَنْ تَقَدَّمهم، فلولا تكرار القصص لوقعتْ قصةُ موسى إلى قوم، وقصةُ عيسى إلى آخرين، وكذا سائر القصص، فأراد اللهُ اشتراكَ الجميعِ فيها، فيكون فيه إفادة لقوم، وزيادة تأكيد لآخرين.
ومنها: أنَّ في إبراز الكلام الواحد في فنونٍ كثيرةٍ وأساليبَ مختلفةٍ ما لا يخفى من الفصاحة.
ومنها: أنَّ الدواعي لا تتوفَّر على نقلها كتوفُّرها على نقل الأحكام، فلهذا كُرِّرت القصص دون الأحكام.
ومنها: أنّه تعالى أنزلَ هذا القرآن وعجز القومُ عن الإتيان بمثله، ثم أوضح الأمرَ في عجزهم، بأنْ كرَّرَ ذكرَ القصة في مواضع، إعلامًا بأنهم عاجزون عن الإتيان بمثله، أي بأي نظمٍ جاءوا، وبأي عبارةٍ عبّروا.
ومنها: أنّه لمّا تحدّاهم قال: ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ ﴾ [4] فلو ذُكِرَت القصةُ في موضعٍ واحدٍ واكتُفِيَ بها لقال العربي: ائتونا أنتم بسورةٍ مِنْ مثله، فأنزلها سبحانه وتعالى في تعداد السور دفعًا لحجتهم مِنْ كلِّ وجه.
ومنها: أنَّ القصة لمّا كُرِّرتْ كان في ألفاظها في كل موضع زيادةٌ ونقصانٌ، وتقديمٌ وتأخيرٌ، وأتتْ على أسلوبٍ غير أسلوب الأخرى، فأفاد ذلك: ظهورَ الأمرِ العجيبِ في إخراجِ المعنى الواحدِ في صورٍ متباينةٍ في النظم، وجذبِ النفوسِ إلى سماعها، لما جُبِلتْ عليه مِنْ حبِّ التنقلِ في الأشياءِ المتجدِّدة، واستلذاذِها بها.

وإظهارَ خاصّةِ القرآن، حيث لم يحصلْ مع تكرير ذلك فيه هُجْنةٌ في اللفظ، ولا مللٌ عند سماعه، فباينَ بذلك كلامَ المخلوقين".
 


[1] وهو مطبوع. [2] وقد ذكر الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" (3 /109) هذه الفوائد، ولم يعزُها إلى ابن جماعة. [3] الإتقان (5 /1655-1656)، من طبعة مجمع الملك فهد. [4] من سورة البقرة، الآية23.



شارك الخبر

المرئيات-١