أرشيف المقالات

تفسير الربع الأخير من سورة القصص

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
2سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] الربع الأخير من سورة القصص
• الآية 76، والآية 77: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ﴾ أي ظَلَمهم وتَكَبَّر عليهم، (ويبدو أنّ فرعون كانَ قد أسند إليه إمارة على بني إسرائيل فأطغته عليهم)، ﴿ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ ﴾ شيئًا عظيمًا، ﴿ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ ﴾ يعني: حتى إنَّ مفاتحه ﴿ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ﴾ أي يَثقل حملها على العدد الكثير من الأقوياء، ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ ﴾ أي قال له بعض قومه من بني إسرائيل - وهم يَعِظونه -: ﴿ لَا تَفْرَحْ ﴾ مُتكَبّراً بما أنت فيه من المال ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ أي لا يحب المتكبرينَ مِن خلقه، الذين لا يشكرونه على نعمه، ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ ﴾: أي اطلب ثواب الدار الآخرة بما أعطاك الله من المال (وذلك باستخدامه في طاعة الله، وأن تعمل فيه بما ينجيك من عقابه) ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾: أي لا تترك حظك من الدنيا (بأن تتمتع فيها بالحلال الطيب دونَ إسراف)، ﴿ وَأَحْسِنْ ﴾ إلى الناس بالصدقة ﴿ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ بهذه الأموال الكثيرة، ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾ أي لا تكن هِمَّتُك أن تُفسد في الأرض (باستخدام هذه النعم في المعاصي والإساءة إلى الخَلق) ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾.
• الآية 78: ﴿ قَالَ ﴾ قارون للذين وعظوه: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾: يعني إنما أُعطيتُ هذه الكنوز بما عندي من العلم والقدرة، (أو لعل المقصود: على عِلمٍ عندي بأن الله يعلم أني أستحق ذلك فأعطانيه)، فرَدّ الله على ذلك الادِّعاء بقوله: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ ﴾ أي من الأمم ﴿ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ﴾ للأموال؟!، فما المانع من إهلاك قارون كما أهلكناهم؟!، (ولو كان كثرة المال دليلاً على حب الله لأصحابه ورِضاهُ عنهم، ما أهلك عاداً وثمود وغيرهم، وقد كانوا أشد منه قوة وأكثر مالاً ورجالاً)، ﴿ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ (والمعنى أن العبد إذا أكثر من الإجرام بالشرك والكبائر: وَجَبَ عليه العذاب، فلا يُسأل عن ذنوبه سؤال حساب، وإنما يُسْألُ عنها سؤال توبيخ وتقرير وافتضاح، ثم يَدخل النار بغير حساب).   • الآية 79: ﴿ فَخَرَجَ ﴾ قارون ﴿ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾ - ليُظهِرَ لهم عظمته وكثرة أمواله -، فلمّا رأوه: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾: ﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ﴾ من المال والزينة والجاه، ﴿ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ أي ذو نصيب عظيم من الدنيا.   • الآية 80: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ (وهم العالِمونَ بشرع الله تعالى، العارفونَ بحقائق الأمور)، قالوا للذين يريدون الدنيا: ﴿ وَيْلَكُمْ ﴾ أي احذروا الهلاك ولا تغتروا بالدنيا، فـ ﴿ ثَوَابُ اللَّهِ ﴾ - وهي الجنة - ﴿ خَيْرٌ ﴾ مِمّا أُعطِيَ قارون، وسيُعطيها سبحانه ﴿ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ ﴿ وَلَا يُلَقَّاهَا ﴾ أي لا يَتَقَبَّل هذه النصيحة، ولا يُوَفَّق للعمل بها ﴿ إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ الذين جاهدوا أنفسهم، وصبروا على طاعة ربهم.   • الآية 81: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ انتقاماً مِنّا لظُلمه وكبريائه ﴿ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ يعني لم تكن له جماعة يَمنعونه مِن عقاب اللهِ حينَ نَزَلَ به﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ أي: وما كان قارون مُمتنعًا بنفسه وقوّته (لأنّ مَن خَذَله اللهُ فلا ناصرَ له).   • الآية 82: ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ ﴾ - نادمينَ مُعتبِرين -: ﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ ﴾ يعني نتعجبُ مِن أنّ الله ﴿ يَبْسُطُ الرِّزْقَ ﴾ أي يُوَسِّع الرزق ﴿ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ ﴿ وَيَقْدِرُ ﴾ أي يُضَيِّقه على مَن يشاء منهم (بحسب حِكْمته البالغة؛ إذ هو سبحانه الأعلمُ بما يُصلِح عباده مِن الفقر والغنى)، ﴿ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾ يعني: لولا أنّ الله أنعم علينا فلم يُعاقبنا بما قلنا ﴿ لَخَسَفَ بِنَا ﴾ كما فعل بقارون، ﴿ وَيْكَأَنَّهُ ﴾ يعني نتعجب مِن أنه ﴿ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ يعني إنهم لا يُفلحون في الدنيا ولا في الآخرة.   • الآية 83: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ ﴾ - وهي هنا: الجنة - التي أخبر اللّه بها في كُتُبه، والتي جمعتْ كل نعيم، واندفع عنها كل ما يُفسِد نعيمها أو ينغصه: ﴿ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا ﴾ أي لا يريدون تكبرًا على الناس ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾ التي خلقها الله لهم ﴿ وَلَا فَسَادًا ﴾ فيها بالشرك والمعاصي، ﴿ وَالْعَاقِبَةُ ﴾ المحمودة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ الذين اتقوا عذاب الله تعالى، ففعلوا الطاعات، وتركوا المُحَرّمات. ♦ واعلم أنّ الله تعالى قد ابتدأ هذه الآية ابتداءً مُشَوِّقاً، حيثُ ابتدأها بالإشارة إلى شيئٍ غير مذكور في الآيات السابقة - وهو الجنة - ليَنتبه السامع إلى أهمية المُشار إليه وعُلُوّ شأنه.   • الآية 84، والآية 85: ﴿ مَنْ جَاءَ ﴾ يوم القيامة ﴿ بِالْحَسَنَةِ ﴾ أي بتوحيد الله تعالى، وبالأعمال الصالحة (الخالصة لوجهه، والموافِقة لشَرعه): ﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ﴾ إذ تُضاعَف له أعماله عشرة أضعاف، ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ﴾ أي بالشرك والمعاصي: ﴿ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ يعني لا يُجزَون إلا مِثل أعمالهم، ولا تُضاعَف عليهم (وذلك لعدل الله تعالى ورأفته بعباده). ♦ ثم يقول تعالى - مُبَشِّرَّاً نَبِيَّهُ بالعودة إلى مَكَّة فاتحاً مُنتَصِراً -: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ ﴾: يعني إنّ الذي أنزل عليك القرآن وفَرَضَ عليك تبليغه والتمسُّك به: ﴿ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾: أي سوف يَرُدّك إلى المكان الذي خرجتَ منه، وهو "مكة" (إذ "معاد" هي اسم من أسماء مكة)، (وكانَ هذا الكلامُ يَستحِيلُ أن يَصدُرَ مِن أحدٍ في هذا الوقت بهذا اليَقِين إلا في حالةٍ واحدة: وهي أنْ يكونَ قائلُ القرآن متأكداً مِن أنَّ هذا سوف يَحدث في المستقبل، وكانَ يمتلك القدرة على تحقيق ما قال، فالذي قال هذا الكلام هو القادر، الذي يَعلمُ أنَّ ذلك سوف يَحدث يَقِيناً، وهو اللهُ سبحانه وتعالى).   ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: ﴿ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى ﴾ (وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بالحق الواضح من عند ربه)﴿ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ أي: في ضلالٍ واضحٍ (وهم المشركون الذين تركوا عبادة الخالق الرازق المستحق وحده للعبادة، وعبدوا آلهةً باطلة لا تخلق ولا ترزق ولا تنفع ولا تضر).   • الآية 86: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ ﴾ يعني: ما كنتَ تنتظر - أيها الرسول - ولا تتوقع نزول القرآن عليك، ﴿ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾ يعني: لكنّ الله أنزله عليك رحمةً بك وبالعالمين، ﴿ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ ﴾ أي لا تكن عونًا لأهل الشِرك على باطلهم (بموافقتهم على اقتراحاتهم، وعدم تبليغ ما فيه عيبٌ لآلهتهم)، وذلك لأنهم قالوا له: (لو أتَيْتَنا بكتابٍ ليس فيه سَبُّ آلهتنا لاتَّبعناك).   • الآية 87، والآية 88: ﴿ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ ﴾ أي لا تجعل هؤلاء المشركين يَصرفَونك - باقتراحاتهم وأذاهم - عن تبليغ آيات الله ﴿ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ ﴾ أي بعد أن شَرّفك الله بإنزالها عليك. ♦ وقد بَلَّغَ الرسول صلى اللهعليهوسلم رسالة ربه كاملة، تقول السيدة عائشة رضي اللهُ عنها: (لو كانَ النبي صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي، لَكَتَمَ هذه الآية: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾.   ﴿ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ ﴾ أي ادعُ إلى توحيد ربك وإخلاص العبادة له واتِّباع أمْره ﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ الذين يعبدونَ مع الله غيره من مخلوقاته، بل تبرّأ منهم، ولا تَرضَ بشِركهم وادعهم إلى توحيد ربهم، ﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ ﴾ لأنه ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ أي لا معبود بحقٍ إلا الله تعالى، ولا يَستحق العبادة غيره، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ يعني إلا ذاته سبحانه (لأنّ بقاء وجهه سبحانه يَستلزم بقاء ذاته كلها، لأنه سبحانه الحي الذي لا يموت)، ﴿ لَهُ الْحُكْمُ ﴾ أي له القضاء العادل بين عباده في الدنيا والآخرة ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ بعد موتكم للحساب والجزاء، (وفي هذهالآية إثباتُ صفة الوجه لله تعالى كما يليق بجلاله وكماله، وفيها أيضاً دليل على فناء كل شيء إلا الله تعالى وما ورد الدليل بعدم فنائه، وهم ثمانية أشياء: (العرش والكرسي، والنار والجنة، واللوح والقلم والأرواح، وعُجب الذَنَب (وهو الجزء الذي يتبقى من الإنسان بعد موته ولا يتحلل).


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة. • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



شارك الخبر

المرئيات-١