أرشيف المقالات

مبشرات شرعية وحقائق واقعية على أن المستقبل لدين الإسلام

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
2مبشرات شرعية وحقائق واقعية على أن المستقبل لدين الإسلام   يتميَّز دين الإسلام بقدرته الذاتية على الانتشار، وسرعة النفوذ إلى القلوب الحائرة، والنفوس المضطربة، التي قد تجُول ما شاء الله لها أن تجول في عالم التِّيهِ والخدر، لتؤوب في نهاية المطاف إلى الحق الذي تطمئنُّ إليه، وتتنسم عبير الهدى الذي تسكن إليه.   ولقد عرَفت الدعوة الإسلامية كبواتٍ تاريخية صعبة، ومسَّها من سطوة الغرب وهيمنته ما مسَّها، وتوالت عليها الحروب والهجومات ردحًا غير يسير من الزمان، ولكنها أثبتت قوتها على المواجهة، وقدرتَها على الغلبة؛ لأن وعد الله ماضٍ في جعل المستقبل لها، وكون الدائرة آيبة إليها؛ لأن بيدها وسائلَ النهوض، وفي جسمها جينات البعث من جديد لقيادة الأمم، وريادة الشعوب، وفي ذلك مبشِّرات شرعية، وحقائقُ واقعية.   أما المبشِّرات الشرعية، فكثيرة جدًّا، وجديرة بأن تَزرع في نفوس المسلمين بذور التفاؤل وانفساح الآمال في غدٍ مشرق، ومستقبل زاهر متألِّق.   يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ الليلُ والنهار، ولا يترك اللهُ بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخَلَه الله هذا الدين، بعزِّ عزيز، أو بذلِّ ذليل، عزًّا يُعز الله به الإسلام، وذلًّا يذل الله به الكفر))؛ أحمد وهو في الصحيحة.   ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المنحة تنبت وسط المحنة، فلا بد من أن يلقى المسلمون في سبيل دينهم ما شاء الله من العَنَتِ والبلاء، ثم يعود الأمر إليهم.   فعن خبَّاب بن الأَرَتِّ رضي الله عنه قال: شكَوْنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بردةً له في ظلِّ الكعبة، فقلنا: ألَا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا، فجلس محمرًّا وجهه فقال: ((قد كان من قبلكم يؤخذُ الرجل، فيُحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيُجاءُ بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون))؛ البخاري.   وفي وسط محنة حفر الخندق، والصحابة في انتظار المعركة مع الأحزاب، حيث الأجواء تبعث على الخوف والترقُّب، يبزغ نور الأمل، ويتكسَّر الخوف على صخرة التفاؤل.   فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، وعرَضَ لنا صخرة في مكان من الخندق لا تأخُذ فيها المعاولُ، فشكَوْها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع ثوبه، ثم هبط إلى الصخرة، فأخذ المِعْوَلَ، فقال: ((بسم الله))، فضرب ضربةً، فكسر ثلث الحجر، وقال: ((الله أكبر، أُعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأُبصر قصورها الحُمر من مكاني هذا))، ثم قال: ((بسم الله))، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر فقال: ((الله أكبر، أُعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأُبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا))، ثم قال: ((بسم الله))، وضرب ضربةً أخرى، فقلع بقية الحجر، فقال: ((الله أكبر، أُعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأُبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا))؛ رواه أحمد، وقال ابن حجر: إسناده حسن، وعند النسائي: أنه كلما ضرب ضربةً قال: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنعام: 115]. ولقد تحقَّق وعدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتخلَّف.   قال ابن إسحاق‏: ‏ وحدَّثني من لا أتَّهم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول حين فُتحت هذه الأمصار في زمان عمر، وزمان عثمان، وما بعده‏: "افتتحوا ما بدا لكم، فوالذي نفس أبي هريرة بيده، ما افتتحتم من مدينة، ولا تفتتحونها إلى يوم القيامة، إلا وقد أَعطى الله سبحانه محمدًا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك".   وحين قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ((بينا أنا نائم، رأيتُني أُتيتُ بمفاتيح خزائن الأرض، فوُضعَت في يدي))، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "فقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم تَرْغَثُونَهَا"؛ (أي: تأخذونها). بل وقع من ذلك ما كان قريبًا من عهد النبي صلى الله عليه وسلم.   فعن عديِّ بن حاتم رضي الله عنه قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أتاه رجل، فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر، فشكا قطع السبيل، فقال: ((يا عديُّ، هل رأيت الحيرة؟))، قلت: لم أرها وقد أُنبئت عنها، قال: ((فإن طالت بك حياة، لترينَّ الظعينة (المرأة) ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا الله))، قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعَّارُ طيِّئ (قطَّاع الطريق)، الذين قد سعَّروا البلاد (أشعلوا فيها نار الفتنة والفساد)؟ ثم قال: ((ولئن طالت بك حياة، لتُفتحنَّ كنوز كسرى))، قلت: كسرى بن هرمز؟! قال: ((كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة، لترينَّ الرجل يُخرِج ملء كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يَقبَلُه منه، فلا يجد أحدًا يقبله منه))، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة، لتروُنَّ ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: يُخرِج ملء كفه"؛ البخاري.   هذه وغيرها تباشيرُ خيرٍ تضمن المستقبل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، غيرَ أن ذلك متحقِّق بشروطه، مرتبطٌ بأسبابه، فلن تتحقَّق هيمنة الإسلام والمسلمون سادرون نائمون، أو خانعون تابعون، أو خائفون متشكِّكون، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، آنذاك يقبل دعاء الداعين، ويستجاب للمخبتين؛ لأنهم عاشوا في كنف الله، واستلَذُّوا بعبادة الله، وأخلصوا دينهم لله، فجعلوا العمل طريقًا للدعاء، فالذي لا يعمل لمؤسسة، أو لا يشتغل عند شركة، لا ينتظر منها أجرًا.   ففي آيات الدعاء في آخر سورة آل عمران، ذكر الله تعالى صفة مستجابي الدعاء بأعمالهم، فقال: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 191]، ثم جاء الدعاء: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191]، ثم قال تعالى بعد ذلك: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾ [آل عمران: 195]، ولم يقل: "لا أضيع دعوة داعٍ"؛ لأن الدعاء هو ثمرة العمل الطيب، والله تعالى طيِّب لا يقبل إلا طيبًا. لك في كتابِ اللهِ فجرٌ صادقٌ فاتْبَعْ هُداه، ودعْكَ ممَّن فرَّقَا لك في رسولك أسوةٌ فهو الذي بالصدقِ والخُلقِ الرفيع تخلَّقَا   وأما الحقائق الواقعية، فتتجلَّى في شهادة الأعداء على قدرة الإسلام على النهوض من جديد؛ لما علموا أن الدور إليه آيل، وأن النصر إليه موئل.   يقول أحد كبار الصهاينة: "نحن لا نخشى الاشتراكيات، ولا الثوريات، ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلًا، وبدأ يتململ من جديد".   ويقول أحد المستشرقين الحاقدين: "إذا أردتم أن تغزوا الإسلام، فعليكم أن توجهوا جهودَ هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم، بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم، وكتابهم القرآن، وتحويلهم عن كلِّ ذلك بواسطة نشر ثقافتكم وتاريخكم".   ويقول غوستاف لوبون: "وعلى ما بين الشعوب الإسلامية من الفروق العنصرية، ترى بينها من التضامن الكبير ما يمكن جمعها به تحت عَلَمٍ واحد في أحد الأيام".   نعم، إنهم يخافون الإسلام؛ لأنه ينتشر بذاته في بلادهم، يكفي أن يرى أحدهم معاملة حسنة من مسلم، فيُعلن إسلامه، أو خلقًا رفيعًا فيخضع لدينه.   تتحدث الدراسات اليوم عن إمكانية أن يبلغ عدد المسلمين في روسيا عام 2050 إلى 50% من مجموع السكان، وأن يرتفع عدد المسلمين في فرنسا إلى عشرين مليونًا، وفي ألمانيا إلى خمسة ملايين في السنوات القليلة القادمة.   وهذا أحد أساتذة القانون من اليهود، أعلن إسلامه لانبهاره بعشرة أسطر من القرآن الكريم، تضمنَّت كلَّ أحكام المواريث عند المسلمين، وبدقة متناهية، بعد أن درس المواريث في الدستور الأمريكي في أكثر من ثمانية مجلدات.   وهذا ابن الكنيسة "إبراهيم خليل فلوبوس"، يصول في مؤتمر تبشيري ويجول، سبًّا في الإسلام، وحطًّا من قيمته، وهو يعلم في نفسه أنه كاذب، ثم استأذن قبيل انتهاء المؤتمر، وذهب إلى بيته، ليقضي ليلة كاملة مع قول الله تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]، ليعلن إسلامه بعد ذلك، ولتُسْلِم أسرته كاملة، بمن فيهم ابنه الأكبر صاحب الدكتوراه في الفلسفة، والذي كان يعمل أستاذًا لعلم النفس في جامعة السوربون، ﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]. وكانَ ما كانَ من صحوٍ ومن مطرٍ وأولُ الغيثِ قطرٌ ثم ينهمرُ وما رَميتُم ولكنَّ الإلهَ رمَى فكيفَ يُهزمُ من بالله ينتصرُ



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن