أرشيف المقالات

النص القرآني.. قدسية النص وانفلات تأويلية التفكيك

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
2النص القرآني..
قدسية النص وانفلات تأويلية التفكيك
لعل مِن نافلةِ القول الإشارةَ إلى أنَّ النصَّ القرآنيَّ هو خطاب ربِّ العالمين إلى الناس أجمعين؛ ليقرؤوه عن تدبُّرٍ، ويأخذوا على عاتقهم تأويله، بلسانهم العربيِّ المبين، باعتبار أنه قد نزل بلغتهم على وجه الحقيقة، وعندما أعجزهم ببيانه، وسَحَرَتهم فصاحته، وهُمْ أهل الفصاحة والبيان، أحاطوه بقدسية بالغة، ولم يتأوَّلوه خارج معايير لسانهم، الذي ظلَّ وسيلةَ التعرُّف الصحيحة على مضامينِ ومدلولات هذا النصِّ، والتي مِن خلالها أدركوا مرادَ الله تعالى من النصِّ على حقيقته، ولا عجب في ذلك، فهو قد نزل بلغتهم.   ومن هنا كان للنصِّ القرآنيِّ هُويَّتُه المستقلَّة في تركيبه اللغويِّ، ومضامينه، ومراداته، كما أرادها الله تعالى، بعيدةً تمامًا عن أيِّ تأويلات، أو قراءاتٍ لاحقة، فهو ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3].   واستنادًا لذلك؛ فإن القارئ باستخدامه اللسانية التي نزل بها النصُّ القرآنيُّ، يمكنه أن يتعرَّف على ما يقوله النصُّ ذاته، بمعنى أنَّ على القارئ أن يعمل على تأويل النصِّ من داخل النصِّ، وهذا يعني أن اقتدار لغة القارئ في فهمه لمراد بِنْيَة النصِّ بدقة، هي التي تحدِّد ما يتجلَّى لقارئها من معانٍ ودلالاتٍ متصلة بالنصِّ عضويًّا، وبالتالي فلا علاقة لها بمتبنيات تصوُّرات القارئ الذاتيَّ.   ولأنَّ العرب الأوائل الذين نزل النصُّ القرآنيُّ بلغتهم، كانوا أقحاحًا وفصحاء في لسانهم، ولم تعترِهم عجمة بعدُ، فإنهم قد تعاملوا مع النصِّ فهمًا بتدبُّره لغويًّا على حقيقة مراد الله منه، فاستنبطوا منه الأحكام الشرعيَّة بمقتضى ما يهدف إليه النصُّ من مقاصد.   أما عندما تكون سلطة القارئ فوق النصِّ، كما هو الحال في القراءة التفكيكية الهدَّامة للنصِّ، فإنها تكون موجهة له بألفاظه ودلالته، وبالتالي فإنها تستولد معانيَ جديدةً، على وفق تعاطي القارئ مع الألفاظ الجديدة.   ولهذا؛ فإن الانسياق وراء ثقافة التفكيك، والتهافت على القراءة التأويلية الهدَّامة، والعزوف عن تمعُّن النصِّ القرآنيِّ بمقاييس الفَهم اللغويِّ العربيِّ الفصيح، الخالي من أي عجمة رطنت بها ألسنة المتنطِّعين بالغزو الثقافيِّ، الذي هبَّ علينا برياحِ تفكيكيَّةِ العصرنة، والتي اخترقت بتداعياتها السلبية أدبياتنا اللغويَّة، وأساليبنا التفسيرية - هي التي أفسَدَت علينا ذائقةَ التأمُّل، وحجمت فينا قدرةَ التمكُّن من الفَهم الصحيح للنصِّ القرآنيِّ كما ينبغي.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن