أرشيف المقالات

ما كان التصوف ركنا من أركان الإسلام في يوم من الأيام!

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2ما كان التصوف ركنًا من أركان الإسلام في يوم من الأيام!   الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا، أمَّا بعد: فقد شاهدنا في إحدى القنوات الفضائية مقابلةً مع أحد الجهلاء يتكلَّم عن التصوُّف في البحرين، وقد انتشر من مقابلته مقطع في خمسين ثانية، تناقَضَ فيها تناقضًا عظيمًا لا يخفى على أحد من البشر؛ فقال: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم دعا لمَلِك البحرين، فقال: (اللهم بارك في البحرين وأهلها، وارزقها الأمن والأمان)؛ فلذلك البحرين لا يصيبها شيء، هذه بداية التصوُّف في البحرين...
الإسلام هو التصوُّف، قال المقدِّم: من وجهة نظرك، قال: لا، ليس من وجهة نظري، من وجهة نظر الدين...
التصوُّف ركن من أركان الإسلام، نعم ركن من أركان الدين...
فالتصوُّف ركن من أركان الإحسان".   وهذا الكلام كلُّه خطأ من أوله إلى آخره؛ فلم يرد حديث في دعاء النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم للبحرين ولا لمَلِك مِن ملوكها، وليس للبحرين مَلِك في حضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يدعوَ له، ولا دعا صلى الله عليه وآله وسلم للبحرين بالأمن والأمان، وإنما دعا صلى الله عليه وآله وسلم لوفد ربيعة، فقال: ((مرحبًا بالقوم غير خزايا ولا ندامى))؛ كما في الصحيحين (البخاري: ٨٧، ومسلم: ١٧)، وجاء في لفظ أنه دعا لهم بالمغفرة؛ (مسند أحمد: ١٧٨٢٩).   وقوله: "فلذلك البحرين لا يصيبها شيء" كلام لا حقيقة تحته؛ فكم مِن مصيبةٍ قد حلَّت في بلادنا البحرين لا يجهلها أحد، وكم مِن أيام عصيبة مرَّت كان الناس فيها يعيشون في قلقٍ وخوف، والبحرين بلدة من بلاد المسلمين يصيبها ما يصيب غيرها من المحن والبلايا والفتن التي تجيء وتذهب، كفانا الله كلَّ شرٍّ، وحمى بلادنا وبلاد المسلمين من كلِّ فتنة ومكروه.   ثم قوله: "هذه بداية التصوف في البحرين" كلام لا معنى له؛ فإهداء وفد عبدالقيس إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم لا دلالة فيه على التصوُّف؛ فإهداء الهدايا لمَن نحبُّ خصلة موجودة في الناس قبل الإسلام وبعده، فلا يزال الناس يتهادون الهدايا مسلمين وكفارًا، وقد حثَّت الشريعة عليها ورغَّبت فيها؛ فلا أدري ما صلة التصوُّف بهذا؟!   ثم قال: "الإسلام هو التصوف" وهذا كلام باطل بالبديهة؛ فالإسلام هو ما أخبرنا به صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: ((الإسلام أنْ تشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعت إليه سبيلًا))؛ (أخرجه مسلم: ٨).   ثم اضطرب كلامه فقال أولًا: "التصوُّف ركن من أركان الإسلام"، وهذا كلام فاسد؛ فأركان الإسلام معروفة عند الصغير والكبير، كما في الحديث: ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))؛ (أخرجه البخاري: ٨، ومسلم: ١٦).   ثم قال: "ركن من أركان الدين"!، وهذه معلومة جديدة لا يعرفها الناس قبل ذلك، ولكن ليته ذكَرَ مستندها ودليلها من نصوص الشريعة.   ثم قال: "ركن من أركان الإحسان"، وهذه أيضًا معلومة جديدة؛ فالمسلمون لا يعرفون للإحسان إلا ركنًا واحدًا أخبَرَنا به النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك))؛ (أخرجه البخاري: ٥٠، ومسلم: ٨)، وهذا الركن هو مقام المراقبة والخشية لله تعالى.   والعجيب أنه لم يجعل هذا رأيَه؛ بل جعله وجهةَ نظر الدين، وهذا من الجرأة على الدين؛ فالعلماء والأئمة لا يجسرون على نسبة الأحكام التي يوصلهم إليها اجتهادُهم إلى الشريعة؛ وإنما يقولون: هذا رأينا، أو هذا اجتهادنا، ولا يجزمون بنسبة شيء إلى الشرع إلا ما كان منصوصًا عليه باسمه أو معناه، وهذا هو الهدي النبويُّ؛ كما كان يعلِّمه صلى الله عليه وآله وسلم لقادة السرايا، كما في الصحيح أنه كان يقول: ((وإذا حاصرتَ أهل حصن فأرادوك أنْ تُنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أَنزِلْهم على حكمك؛ فإنك لا تدري أتصيب حُكْمَ الله فيهم أم لا))؛ (أخرجه مسلم: ١٧٣١).   ثم إنَّ التصوُّف إن كان المراد منه الزهد والتقشُّف، فهذا ليس بواجب، وليس مندوبًا إليه بإطلاق؛ وإنما له أحوال، وإن كان مراده بالتصوُّف فِرَق الصوفية المعروفة بطُرُقِها وأحزابها، فليست هذه من الإسلام في شيء؛ وإنما هي محدَثاتٌ وبِدَع ليس على هدي النبوَّة، ولم يعرفها الصحابة ولا التابعون، ولا أئمة السُّنَّة؛ كمالك والشافعيِّ وأحمدَ، وإنما جاء عن بعضهم ذمُّها؛ كما ورد عن الشافعي رضي الله عنه، وجعل التصوُّف ركنًا يعني أنَّ تَرْكَه إثم؛ فالركن لا يحل لأحد تركُه، وهذا باطل باتفاق المسلمين، ولا نعلم أحدًا يحكم بإثْمِ مَن تَرَكَ التصوُّف.   ختامًا: إنَّ تصدير هؤلاء الجهلة في وسائل الإعلام ليس من الخير في شيء؛ فلا يحلُّ تصدير مَن يضلِّل الناسَ باسم الدين، ويأتي بكلامٍ ليس مِن شرع الله وينسُبه إلى الدين، وفي علماء المسلمين ممن يقوم هذا المقام من أهل الهداية كفاية تُغني عن هؤلاء الجهَّال.   هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا.



شارك الخبر

المرئيات-١