أرشيف المقالات

أولويات العبادة والعمل

مدة قراءة المادة : 26 دقائق .
2أولويات العبادة والعمل
1- أولوية العمل الدائم على العمل المنقطع: لقد بيّن القرآن الكريم كما وضحت السنة النبوية أن الأعمال عند الله سبحانه وتعالى متفاوتة المراتب، وأن هناك الأفضل والأحب إلى الله سبحانه وتعالى من غيره، ولكن هذا التفاوت ليس اعتباطيًا، وإنما هو مبني على معايير وأسس ينبغي أن تراعى، ومنها أن يكون العمل أدوم، أي: أن يداوم عليه فاعله ويواظب عليه، بخلاف العمل الذي يقع منه بعض المرات في بعض الأوقات.
قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خُذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"، وكان أحب الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدومها، وإن قل، كان إذا صلى صلاة داوم عليها.
يقول أبو سلمة: قال الله: ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 23][1].   2- أولوية العمل الأطول نفعًا والأبقى أثرًا: إن امتداد العمل وبقاءه زمانًا مطلوب ومحبوب عند الله عز وجل، وكلما كان النفع به أطول، كان أفضل وأحب إلى الله.
ومن أجل ذلك فُضّلت الصدقة بما يطول النفع به.
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقات ظل فسطاط في سبيل الله ومنيحة خادم في سبيل الله أو طروقة فحل في سبيل الله"[2].
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعون خصلةً: أعلاهن منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة"، قال حسان: فعددنا ما دون منيحة العنز من "رد السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق[3]، ونحوه فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة[4].
ومن هنا كان فضل الصدقة الجارية التي يستمر نفعها وأثرها بعد وفاة المتصدق بها، مثل الأوقاف الخيرية التي عرفها المسلمون منذ عصر النبوة، وتميزت الحضارة الإسلامية بسعتها وكثرتها وتنوعها، حتى استوعبت كل جوانب البر ونواحي الخير، مما شمل كل ذوي الحاجات من بني الإنسان بل امتد خيرها إلى الحيوان!
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية[5]، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"[6].
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علمًا نشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته"[7].   3- أولوية العمل المتعدِّي النفع على العمل القاصر النفع: فالعمل الأكثر نفعًا مفضلٌ على غيره، وعلى قدر نفعه للآخرين يكون فضله وأجره عند الله سبحانه وتعالى. فعن عُمر رضي الله عنه أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولئن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا في مسجد المدينة، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يُمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يُثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام"[8].
وعن كثير بن قيس قال: كُنت جالسًا عند أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طُرُق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"[9].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مُعلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر"[10]. ومن هنا كان كل عمل يتعلَّق بإصلاح المجتمع ونفعه أقل من العمل المقصور النفع على صاحبه، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة، والصيام، والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، قال: وفساد ذات البين هي الحالقة"[11].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس..
يعدل بين الاثنين صدقةٌ، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة"[12].
ومن هنا كان فضل الدعوة والعمل الواعي في سبيل الله أعظم أجرًا من الانقطاع إلى العبادة مرات ومرات.
وكذلك قرَّر الفقهاء أن المتفرِّغ للعبادة لا يأخذ من الزكاة، بخلاف المتفرغ للعلم، لأن لا رهبانية في الإسلام[13]، ولأن تفرُّغ المتعبد لنفسه، وتفرغ طالب العلم لمصلحة الأمة!
وعلى قدر من ينتفع بعلمه ودعوته يكن أجره ومثوبته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيءٌ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا"[14].
وكذلك جاء فضل عمل الإمام العادل على عبادة غيره عشرات السنين، لأنه في يوم واحد قد يصدر من القرارات ما ينصف آلاف المظلومين أو ملايينهم، ويرد الحق الضائع إلى أهله، ويعيد البسمة إلى شفاه حُرمت منها، وقد يصدر من العقوبات ما يقطع سبيل المجرمين، ويستأصل شأفتهم، أو يفتح لهم باب الهداية والتوبة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عدل ساعة خيرٌ من عبادة ستين سنة، قيام ليلها، وصيام نهارها، وجور ساعة في حُكم أشد وأعظم من معصية ستين سنة"[15].
وقد يهيئ للناس من الأسباب، ويفتح لهم من الأبواب: ما يرد الشاردين إلى الله، ويهدي الضالين إلى طريقه، ويعين المنحرفين على الاستقامة، وقد يقيم من المشروعات البناءة والنافعة ما يساعد على إيجاد عمل للعاطلين، وخبز للجائعين، ودواء للمرضى، وبيوت للمشردين، وكفاية للمحتاجين.
وهذا ما جعل العلماء الأوائل يقولون: لو كانت لنا دعوة مستجابة لدعوناها للسلطان: "أي: الرئيس أو الحاكم"، فإن الله يُصلح بصلاحه خلقًا كثيرًا.   4- أولوية العمل الصالح في أزمنة الفتن والشدائد: أي في الأزمنة الصعبة التي تمر على الأمة، فالعمل الصالح هنا دليل القوة في الدِّين والصلابة في اليقين والثبات على الحق، كما أن الحاجة إلى صالح الأعمال في هذا الزمن أشد من الحاجة إليه في سائر الأزمان.
بل إن العاملين في هذه الأزمنة لهم الأجر الأكبر، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يأتي على الناس زمانٌ الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر"[16].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من ورائكم أيام الصبر، المتمسك فيهن يومئذ بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين منكم"، قالوا: يا نبي الله، أو منهم؟ قال: "بل منكم"، قالوا: يا نبي الله، أو منهم؟ قال: "لا، بل منكم"[17].
وعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني، وأنا منهم"[18].
قال النووي: "وفي هذا الحديث فضيلة الأشعريين، وفضيلة الإيثار والمواساة، وفضيلة خلط الأزواد في السفر، وفضيلة جمعها في شيء عند قلتها في الحضر ثم يقسم.
والله أعلم"[19].   5- أولوية عمل القلب على عمل الجوارح: إن أعمال القلوب الباطنة مفضلة على أعمال الجوارح الظاهرة، لأن الأعمال الظاهرة نفسها لا تقبل عند الله سبحانه وتعالى ما لم يصحبها عمل باطن هو أساس القبول، وهو النية المصاحبة للأعمال، فعن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه"[20].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم، ولا أحسابكم، ولا أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"[21].
ولأن القلب هو حقيقة الإنسان، ومدار صلاحه أو فساده عليه.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "...
ألا، وإن في الجسد مُضغة، إذا صلحت صلح الجسد كُله، وإذا فسدت فسد الجسد كُله، ألا وهي القلب"[22].
• وصلاح القلب أساسه التقوى التي هي وصية الله للأولين والآخرين، وهي أساس الفضائل والخيرات والمكاسب في الدنيا والآخرة، وهي في حقيقتها ولبها أمر قلبي.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع أحدكم على بيع أخيه، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا، وأشار بيده إلى صدره ثلاث مرات، حسب امرئ مسلم من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمه وماله وعرضه"[23].
أي كرَّر ثلاث مرات مع الإشارة الحسية بيده إلى صدره ليثبتها في العقول والأنفس.
ولنستحضر دومًا قوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 2 - 4].
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 11]، وغير ذلك من الآيات[24].   6- اختلاف الأفضل باختلاف الزمان والمكان والحال: إن الأولوية والأفضلية في كثير من الأمور لا تكون أولوية مطلقة في الزمان والمكان والأشخاص والأحوال وإن تفاوتت؛ بل الغالب أنها تتفاوت بتفاوت المؤثرات الزمانية والبيئية والشخصية، ولهذا أحوال: أ- أفضل الأعمال الدنيوية: فقد اختلف علماؤنا: أي هذه الأعمال الدنيوية أفضل وأكثر مثوبة عند الله: الزراعة أم الصناعة أم التجارة؟، والذي دعاهم إلى هذا الاختلاف ما ورد في فضل كل منها: • ففي فضل الزراعة: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مُسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة"[25].
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان ما أُكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحدٌ إلا كان له صدقة"[26].
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلةٌ، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل"[27].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أمسى كالًا من عمل يده أمسى مغفورًا له"[28].
• وفي فضل الصناعة: عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وكان داود لا يأكل إلا من عمل يده"[29].
• وفي فضل التجارة: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التاجر الصدوق الأمين المسلم مع الشهداء يوم القيامة"[30].
وعن أبي حرة قال: سمعت أبا نضرة يقول: "التاجر الصدوق بمنزلة الشهيد عند الله تعالى يوم القيامة"[31]. وعن الحسن رحمه الله قال: "التاجر الأمين الصادق مع الصديقين والشهداء"[32]. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول من يدخل الجنة التاجر الصدوق"[33].
قال العلماء: لا نفضِّل واحدة منهم بإطلاق، بل التفضيل يكون بحسب حاجة المجتمع إليها: فحيث تقل الأقوات ويكون المجتمع في حاجة إلى غذائه اليومي الذي لا عيش له إلا به، تكون الزراعة أفضل من غيرها لحماية الأمة من الجوع وتوفير الأمن الغذائي، وخصوصًا إذا كان في الزراعة بعض المشقة والصعوبة، فالصبر عليها يكون من أفضل الأعمال.
وأما حيث تكثر الأقوات وتتسع دائرة الزراعة، ويحتاج الناس إلى الصناعات المختلفة للاستغناء عن الاستيراد من ناحية، ولتشغيل الأيدي العاملة من ناحية أخرى، ولحماية حرمات الأمة وحدودها - بالنسبة للصناعات الحربية - من ناحية ثالثة، ولتفادي نقص الكفاية الإنتاجية للأمة من ناحية رابعة، فهنا تكون الصناعة أفضل.
وأما حين تتوفر الزراعة والصناعة، ويحتاج الناس إلى من ينقل ما تنتجه هذه وتلك من بلد إلى آخر، فهو وسيط جيد بين المنتج والمستهلك، وكذلك عندما يسيطر على السوق تجار جشعون محتكرون ومستغلون لحاجات جماهير الخلق، ومتلاعبون بأسعار السلع، فهنا تكون التجارة أفضل، وخصوصًا إذا كان من الرجال الذين: ﴿ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37].
ومن أهم ما تحتاج إليه أمتنا في عصرنا هو التكنولوجيا المتطورة، وكذلك تطوير مناهجها ونظمها التعليمية بما يعيد إليها مكانتها العالمية يوم كانت لها حضارة متميزة، عميقة الجذور، باسقة الفروع، وأن تستشرف المستقبل وتنظر إليه من خلال ما يطلبه منها الإسلام، وما ينشده أهله، وما يتطلع إليه العالم من المعرفة به عقيدة ونظامًا وحضارة.
وإن تحصيل هذه المعارف والتفوق فيها، وفي العلوم الموصلة إليها، وبالتلازم مع تعليم العلوم الشرعية الأساسية من علم التوحيد، وعلم الحلال والحرام، وعلم الفرائض، وغيرها من العلوم قد أصبح فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدِّين، وضرورة يحتمها الواقع، وهي في مقدمة الأولويات للأمة اليوم.
ب- أفضل العبادات: وقد اختلف العلماء في أفضل العبادات بالنسبة للفرد اختلافًا بعيدًا، وتعددت أقوالهم وتباينت، والقول المرجح - والله أعلم - ما ذكره الإمام ابن القيم[34]، وهو أن ذلك يختلف من شخص إلى آخر، ومن وقت إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، ومن حال إلى آخر.
فالأفضل في وقت حضور الضيف مثلًا: القيام بحقه، والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل.
والأفضل في أوقات السَّحر: الاشتغال بالصلاة والدعاء والذكر والاستغفار.
والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته: عيادته، وحضور جنازته وتشييعه.
والأفضل في وقت نزول النوازل وإيذاء الناس لك: أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم، دون الهرب منهم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من الذي لا يُخالطهم ولا يصبر على أذاهم"[35].


[1] أخرجه البخاري، ح "6465"، ومسلم، ح "1866". [2] أخرجه الترمذي في سننه برقم "1727"، وحسَّن إسناده الألباني في صحيح الجامع برقم "1109".
الطروقة: الأنثى التي بلغت أن يطأها الفحل، الفسطاط: الخيمة.
[3] منيحة: المنيحة: هي الناقة أو الشاة يعطيها الرجل رجلًا آخر يحلبها، وينتفع بلبنها، ثم يعيدها إليه، تشميت العاطس: بالشين والسين، والشين أعلى، وهو أن تقول له: يرحمك الله، ونحو ذلك، وهو في الأصل: الدعاء، وكل داعٍ بخير: مشمِّت.
[4] أخرجه البخاري، ح "2631". [5] صدقة جارية: الصدقة الجارية: هي الدارة المتصلة، كالوقف وما يجري مجراه.
[6] أخرجه مسلم، ح "4310".
[7] أخرجه ابن ماجه، ح "242" وصحح الألباني إسناده بإرواء الغليل برقم "1580". [8] أخرجه الطبراني في المعجم الصغير، ح "861"، وصحح الألباني إسناده في السلسلة الصحيحة برقم "906".
[9] أخرجه أبو داود، ح "3643"، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم "6297". [10] أخرجه البزار في مسنده ح "169"، وصحح الألباني إسناده في الصحيحة ح "3024". [11] أخرجه أحمد في المسند برقم "27508"، وصحح الألباني إسناده في صحيح الجامع برقم "2595".
والحالقة: الخصلة التي من شأنها أن تحلق، أراد: أنها خصلة سوء تذهب الدِّين كما تذهب الموسى الشَّعر.
[12] أخرجه البخاري، ح "2989".
[13] انظر: الآداب الشرعية، للماوردي "2/ 35". [14] أخرجه مسلم، ح "6980". [15] فضيلة العادلين من الولاة ومن أنعم النظر في حال العمال والسعاة، لأبي نعيم الأصبهاني "1/ 8" "12"، حسن.
[16] أخرجه الترمذي ح "2260" وصحح الألباني إسناده في السلسلة الصحيحة ح "957".
[17] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم "13736"، وابن نصر المروزي في السنة برقم "32"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم "494". [18] أخرجه البخاري، ح "2486"، ومسلم، ح "6564". [19] شرح النووي على مسلم "16/ 62". [20] أخرجه البخاري، ح "6689"، ومسلم، ح "5036".
[21] أخرجه مسلم، ح "6707".
[22] أخرجه البخاري، ح "52"، ومسلم، ح "4178". [23] أخرجه مسلم، ح "6706". [24] وذكر ما سبق لا يعني إهمال عبادات وأعمال الجوارح، حيث إنها تدخل في مسمى الإيمان، وقد نبهت على هذا دفعًا لشبهات المرجئة.
[25] أخرجه البخاري، ح "2320" ومسلم، ح "4055".
[26] أخرجه مسلم، ح "4050"، يرزأ: يأخذ منه وينقصه.
[27] أخرجه أحمد في المسند، ح "12981" وصحح الألباني إسناده في صحيح الجامع برقم "1424".
[28] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم "17019" وصحح الألباني إسناده في صحيح الجامع "5546".
[29] أخرجه البخاري، ح "2072".
[30] أخرجه الترمذي في سننه برقم "1209"، وقال الألباني: صحيح لغيره، في صحيح الترغيب والترهيب "1782".
[31] مصنف ابن أبي شيبة "4/ 555"، برقم "23088".
[32] المرجع السابق "4/ 555"، "23089".
[33] المرجع السابق "7/ 275"، "36043". [34] مدارج السالكين "1/ 89، 88" بتصرف يسير، وقد سبق ذكره في الفصل الثالث: القاعدة الثالثة من قواعد تفاضل الأعمال "تقديم وظائف الأوقات والأحوال في الأوقات والأحوال التي شرعت فيها على غيرها من العبادات".
[35] أخرجه أحمد في المسند برقم "5022"، وصحح الألباني إسناده في السلسلة الصحيحة برقم "939".



شارك الخبر

المرئيات-١