أرشيف المقالات

ظاهرة الانتحار أسباب وحلول

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2ظاهرة الانتحار أسباب وحلول   "الانتحار" ظاهرة غريبة على مجتمعنا المسلم الذي يعظِّم النفس البشرية، بل وكل روح في جسد، يقول تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ النساء: 29-30.   وإذا أمعنا النظر في هذه الآية نجده سبحانه ينهانا عن قتل بعضنا بعضاً، وقتلِ المؤمن لنفسه، فكيف نقدم على هذا الفعل الإجرامي في حق أنفسنا؟   ولنا رب رحيم لا يرضى لنا التعدي والظلم على الروح التي هي نفخة الله في أجسادنا فقد ائتمننا عليها وجعلها أمانة في أعناقنا أودعنا إياها الوهاب.   وكم تلطف وترحم تعالى في نهينا على هذا الفعل المقيت وبعدها بيّن الجزاء والعقوبة لمقترف جريمة القتل في حق نفسه أو غيره.   فما أرفقه بخلقه وأعدله معهم، وما أظلم الخلق وأقساهم على أنفسهم!   وما أقرب العيب والنقصان للعبد، وما أتم جلاله عز وجل وكماله!   فيوصينا على أرواحنا حتى لا ينالها منا مكروه أو يصيبها منا سوء، بل الأولى أن نحافظ على سلامتها ونرفع من قدرها وغايتها في الحياة وهو الذي يقول: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾.   ولكن السؤال المطروح: ما هي أسباب "الانتحار" ودوافعه التي تستبد بالنفس وتضيق عليها الخناق حتى يفكر الشخص في التخلص من حياته بهذا الأسلوب الظالم البائس؟!   وفي ذلك نقول: تعددت الأسباب و"الانتحار" واحد، أي مهما بلغت الأسباب شدتها ومبلغها فإنها لا تبرر وتعلل قتل النفس التي حرم الله.   أما سبب الأسباب، وهو السبب المباشر والجذع الذي تتفرع عنه باقي الأسباب فهو "اليأس" الذي يعصف بمشاعر الشخص المحبط ويقتلعها من جذورها، فيهوي بها في شرك الهلاك والخسران في الدارين.   هذا "اليأس" الذي يُفقده كل انتصار لنفسه ويقطع به الأسباب، ليكون بعدها فريسة سهلة المنال للأفكار السوداوية فتزين له قتل نفسه للخلاص من عذابه المزعوم.   فاليأس عدو النفس اللدود الذي إذا وجد قلباً خالياً تمكن، لأن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، ولا حارس يمنع تغلغل اليأس للقلوب كزرعها بالثقة في الله واليقين بما عنده من الخير المقيم، ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ يونس: 87.   وهذه بعض الحلات التي تعترض سبل رحلة البعض الحياتية فتهز أركانها وتزلزل راحتها وأمانها فيثبت من ثبت وينجرف من ينجرف مع تيارها: * الفقر المادي: نجد البعض والشباب منهم خاصة قد طرق جميع السبل والتمس كل الوسائل واتخذ جميع الحيل لزيادة مدخوله وتحسين معيشته وبائت كل محاولاته بالفشل فيتسلل لنفسه اليأس ويستولي عليه فيفكر في الانتحار كآخر حل لمأساته.   ولكنه في غمرة هذا الإحساس ينسى أن مولاه وسيده وخالقه "الغني" فكيف يخشى الفاقة من كان له رب كريم رحيم رزاق، يرزق من يشاء بغير حساب، ﴿ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ المنافقون: 7.   فالسعي في طلب الرزق يكون التماسا للأسباب وليس للاعتماد عليها بل الاعتماد على الله ﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾.   * المرض: قد يتمكن السقم والمرض من صاحبه فيعز شفاؤه ويندر دواؤه ولا يحتمل المريض أوجاع الجسد، تتبعها أوجاع الروح، وعذاب وما أشقه من عذاب، فيفكر المريض في الانتحار كطريق مسدود توصّل إليه ليس منه منفذ. ولكن إن كان هذا المرض فسبحان "الشافي المعافي"، نعم توجد الأسقام لكن يوجد من يبرئها وهو أقرب من حبل الوريد، وهو رحيم بعباده رؤوف لطيف، فباب رحمته بعباده مفتوح لا يغلق، وأمره بين الكاف والنون { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } الشعراء: 80   * العدو: هذا العدو الذي حقيق علينا أن نتعوذ بالله من شره بهذا الدعاء "اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا".. فمهما بلغت قوته وجبروته وسلطانه ﴿ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا ﴾ النساء: 84.   فكيف نفر منه بمعصية الله في قتل أنفسنا ولا ملجأ من الله إلا إليه؟ فهو نعم المولى ونعم النصير، ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ التوبة: 51. وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمّنه ربه بقوله ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ المائدة: 67، ورغم ذلك نال منه عدوه وتسلط عليه حتى قال: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أو إلى قريب ملكته أمري".   والمحن والابتلاءات من سنة الحياة ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ البلد: 4 ولكن قوة الإيمان وذكر الله والثقة فيه هم البلسم الشافي لداء القلوب ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ الرعد: 28   ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ يونس: 107.   وقال الشاعر: إن الأمور إذا التوت وتعقدت * نزل القضاء من الفضاء فحلها فاصبر لها فلعلها ولعلها * ولعل من خلق السماء يحلها



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن