أرشيف المقالات

هو الله

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
2هو الله   هو الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى والصفات المثلى، على العرش استوى، لا تخفى عليه النجوى، يكشف البلوى، ويجبر الثكلى، وينزل السلوى، نعم النصير والمولى، يعلم الجهر وما يخفى.   ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾. يجيب من ناداه، ويسمع المريض وشكواه، ويعلم بحال المكروب ونجواه، ويغيث الملهوف إن قال واربَّاه...   تنزل البلايا وتحط الرزايا فيضيق القلب ذرعاً، وتهمي العين دمعاً..
ثم ما هو إلا وقفة ببابه، ودمعة في محرابه، وتدبر صفحة من كتابه، فيدخلك ضمن أحبابه، ويرزقك رزقاً عظيماً، وينزل على قلبك غيثاً عميماً، ويطهر قلبك ويجعله سليماً، ينزل عليك غفرانه، ويهمي عليك رضوانه، ويدخلك في رحمته ويريك امتنانه..
فتجد برد العيش، وطمأنينة القلب، وسكون النفس، واندمال الجروح، وبسلم القروح، وشفاء الروح.   من غير الله يهديك إن ضللت، يعافيك إن ابتليت، يطعمك إن جعت، يسقيك إن ظمئت، يغنيك إن افتقرت، يؤمنك إن خفت، ينصرك إن حوربت، يرعاك إن احتجت، يعلمك إن جهلت، يقيمك إن اعوججت، يبصِّرك إن احترت، يحتويك إن شردت، يؤنسك ان استوحشت، يطلقك إن سجنت، يجبرك إن انكسرت، يلمُّك إن انفطرت، يشفيك إن مرضت، يحييك إن مت، يبعثك إن أرمت؟ وعِش بقلب يرى مِن لُطفِ خالقهِ كيف الشدائدُ بعد الضيقِ تَنفرجُ فهذه الأرضُ رغم الدمع باسمةٌ وهذه الروحُ رغم الآه تبتهجُ   هو الله الذي ساق لك كل خير، ودفع عنك كل ضير، لا يُجار عليه وهو يُجير، لا يُسأل عما يفعل ويَسأل عن القطمير، هو العظيم الجليل المتعالي الكبير، الحق المبين السميع البصير. يكشف الغم، ويزيل الهم، ويشفي الألم، ويغفر ما به العبد ألمّ، وينزل الخير الأعم، فهو صاحب الجود والمن والفضل والكرم. ما طال ليلُ الأسى إلا وأعقبَهُ فجرٌ يُفَجّرُ في وجدانِنا الفرحا كم ساهرٍ دامعِ العينينِ مكتئبٍ وحين ناجى الذي يدري به انشرحا   هو الله الذي ينزل الأمطار، ويجري الأنهار، ويسيّر الفلك الدوار، ويكور النهار على الليل ويكور الليل على النهار. هو الله الذي خلق الخلق، وبسط الرزق، يهدي الجنين لثدي أمه بعد ولادته، ويحيي الأرض بعد موتها بغيث يكرمنا بوفادته، ويسهل الأمر العسير بعد اشتداده، ويقطع حبل الشدة بعد صلابته وامتداده. هو الله الذي لا إله إلا هو..
يسهل الصعب فيكون سهلاً، ويلهم الطالب الإجابة فيكتبها حلاً، ويسبغ عليك رحمته منّة منه وفضلاً، ويمهل المذنب عسى يتوب وعلاَّ. خلق كل ما في السماوات والأرض بقدرته، وصرف كل شيء في الوجود وفق حكمته، ثبت الأرض بالجبال الرواسي، وليّن بالقرآن القلوب القواسي. هو الله العظيم رب العرش العظيم خالق السماوات والأرض، ومنزل الماء يحيي به الأرض، منبت الحدائق، ومرسل البوارق، ومزيل العوائق، وفاتح المغالق، ورب المغارب والمشارق..   خلق الأرض والسماء وأنبت حدائق ذات بهجة.. وسير القمر وأجرى الماء وأرسل الرسل وبيّن المحجة...   اسمع ما يقوله الملك وهو يبين النعم العظيمة والآلاء الجسيمة في آيات تخاطب الوجدان وتهز القلوب: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾.
سورة النمل. هذا هو الله..
وهذه هي نِعَمهُ..
وهذه هي قدرته..
أإله مع الله؟؟ لا يقدر أحد قدره، ولا يبلغ أحد وصفه، ولا يستطيع أحد أن يحمده حق حمده..   يرتجف البَنان..
ويجف الحبر، ويحار العقل، وتيبس الشفاه إذا ما أراد أحد الثناء عليه..
ولو أن المحيطات مداد وحبر..
والأشجار أقلام تكتب الشعر..
في مدح صاحب العظمة والعزة والقهر..
ما بلغت من حمده عشر عُشير من عشر..
ولا جزءًا من قطرة في بحر..   لأنه الله لن نخاف من مستقبلنا، ولن نبكي على ماضينا، ولن نتجرع الأسى من حاضرنا... لأنه الله لن تقلقنا الكوابيس، ولن تسيطر علينا الأشباح، ولن نغرق في بحار الظلمات. لأنه الله سنبتهل إليه، ونتوكل عليه، ونعلن تضرعنا بين يديه.   تفنن أحد الأدباء وهو يصيغ حروفاً جميلة ساطعة فيقول: لأنك الله..
لا خوف..
ولا قلقُ ولا غروبٌ..
ولا ليلٌ..
ولا شفقُ لأنك الله..
قلبي كله أملٌ لأنك الله..
روحي ملؤها الألقُ لمّا عرفتك..
صار الحب أشرعتي أمضي وحيداً..
وعباد الهوى غرقوا لأنك الله..
دمعي بات نافذتي نحو السماوات أبكي..
ثم أنطلقُ لولا جلالك يا أللهُ بعثرَني في لجّة العمر..
ليل..
نبضه رهقُ لأنك الله..
أبقى مورقاً أبداً كم نبتة خانها في عمرها الورقُ لأنك الله..
لا صحراء تسحقني أمضي وفوق ظلالي يمطر الودقُ لأنك الله..
لا تهتز أوردتي لأنك الله..
أشباح الرؤى مِزقُ لأنك الله..
لن أختار لي ملكاً أنت العظيم الذي في مُلكه أثقُ   هو الله الذي سخر لك كونه، وأنزل عليك عونه، وأحاطك برعايته، وحفظك بحمايته. هو الله الذي هداك لمعرفته، ورباك بتربيته، وأغدق عليك من خيراته، وأولاك من بركاته. هو الله الذي جعلك من خير أمة، فضائله عليك جمة، صاحب الإنعام وذو الرحمة، يتجاوز عن السيئة ويغفر اللمة.. هو الله صاحب البطش الشديد، يبدئ ويعيد، وهو الغفور الودود، ذو العرش المجيد، فعال لما يريد. كيف تقنط وهو صاحب الحول، وكيف تيأس وهو صاحب الطول، وكيف تخاف وبيده الأمر، وكيف ترتهب وهو صاحب القهر؟   مهما نزل عليك من كرب، وأحاطت بك من بأساء تفنن في دعائه، وأتقن مناجاته، لن تخيب وعندك الماء تتطهر به وتدخل عليه في السحر..
وترجوه بإنابة ودمعك منهمر. ولن ترجع صفر اليدين وعندك الاستغفار والتبتل إليه والانكسار. ولن تحرم وأنت منتظر فتحه العظيم..
وعندك ثقة ويقين بوعده الكريم. إنْ طالَ لَيلُك لا تأْبَهْ له أبداً فإنَّ للفجْرِ قُرآناً ومحرابا وثقْ بربِّكَ وانظرْ ما يكونُ غداً سيفتحُ اللهُ أبواباً وأبوابا ‏ كل مَنْ تعترفُ له بخطئك وتقصيرك معه يقصُر عنده مقامك، إلا اعترافك لله بخطئك وزللك فإنك لا ترقب منه سوى رحمته، وكرمه وعفوه ورضوانه. وفي الحديث القدسي: "عَلِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به فغفر له" وكل من تشكو له من الناس فإنه يتبرم بك، ويضيق من شكواك..
ولا يهمه أمرك.. إلا الله فإنه يسمع شكواك، ويطلع على نجواك، ويلبي نداك ويرعاك..   وكل من تبكي أمامه من البشر يحتقرك وتهون منزلتك عنده ولربما تسقط من عينه..
إلا بكاؤك بين يدي ربك فإنه ينزل عليك الرضوان، ويكرمك بالغفران، ويعظم عنده قدرك، ويجل عنده أمرك..   لا تقلق من الرزق فالله هو الرزاق، لا تخف من الأعداء فالله هو الكافي.. لا تيأس من مرضك فالله هو الشافي، لا تقنط من فقرك فالله هو الغني، لا تنكسر من جرحك فالله هو الجبار. أتشكو في الحياة ظلام درْبكْ؟ ستُشرِق يا صديقُ..
فثِق بِربِّكْ يضيءُ المشرقينِ ومغربَيْها أيعجزُ أن يُضيء فضاء قلبِك؟   هو الله، مَن هداك للإسلام، وبصرك بالأحكام، وجنبك الحرام، وشفاك من الأسقام. هو الله الذي يحفظك من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك، ومن فوقك ومن تحتك. هو الله الذي ستر عيبك من أن يفشو بين الناس، وجعلك تبدو جميلا بلباس التقوى خير لباس، وألهمك الصواب عند اشتداد الباس، وجعلك على كل شديدة قوي المراس. مالك من دونه من ولي ولا نصير، سبحانه عز وجل بأمورك بصير، ليس له كفؤ ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير. عليم بخفايا الأمور، وما تخفي الصدور، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. في داخلي يا ربُّ لهفة يوسفٍ يدعوك غوثًا حين أظلمَ جبُّهُ وبداخلي أيّوبُ يغزلُ صبرهُ ‏مذ مسّني ضُرُّ الزمانِ وكربه‏ُ ربي..‏ أعِنْ قلبي وقوِّ جوارحي فالعفوُ دأبُكَ، والخطيئةُ دأبُهُ   يا محروم أين أنت من الكريم؟ يا مكسور أين أنت من الجبار؟ يا ذليل أين أنت من العزيز؟ يا مذنب أين أنت من الغفار؟ يا منغلق أين أنت من الفتاح؟ يا تائه أين أنت من الرشيد؟ يا بعيد أين أنت من القريب؟ يا مذنب أين أنت من الرقيب؟ يا غائب أين أنت من الشهيد؟ يا ميت أنت من الحي؟ يا فاني أين أنت من الباقي؟   كل الربح عنده.. هو مصدر الخير.. هو واسع المغفرة.. هو عظيم البر..   كيف تريد الفوز وقد تنكبت طريقه؟ لن تفلح ولو سكلتَ ألف طريقة.. كيف تريد النَّجاة..
وأنت لا تترجاه؟ كيف تريد الجنة، وما اتخذت لك دون عذابه جُنة؟ كيف تريد الهداية وأنت عنه في غواية؟ اقصده بصدق وإنابة، وانطرح على عتباته راجياً الإجابة، واعلم أنه -لكل سائلٍ- فاتحٌ أبوابه، يزلف أحبابه، ويجيب طلابه. اقصد إلهاً كريماً في عطاياهُ ما خاب عبدٌ بوقتِ الضيقِ ناداهُ قل استعنتُ بربٍّ لا شريكَ لهُ ربُّ العبادِ لطيفٌ في خفاياهُ مَن غيرُ ربِّكَ عندَ العُسرِ تقصدهُ فالعسرُ يسرٌ بلطفِ اللهِ تلقاهُ إنِّي التجأتُ ببابِ اللهِ أقصده ياسعدَ من بثَّ للرحمنِ شكواهُ هذي المناجاةُ للرحمنِ أرفعها ومَن سواكَ يجيبُ العبدَ ربَّاهُ



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١