أرشيف المقالات

2قد استولى الفزع على النفوس
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾[1] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 30. عجيبٌ أمرُ الناسِ يومَ القيامةِ، وحُقَّ له أن يكون عجيبًا. نُفِخَ فِي الصُّورِ ونَادَى الْمُنَادِ: أَيَّتُهَا الْعِظَامُ الْبَالِيَةُ، وَالْأَوْصَالُ الْمُتَقَطِّعَةُ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَجْتَمِعْنَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ؛ ﴿ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴾ سُورَةُ ق: الآية/ 41، 42. فقام الناس من قبورهم، مذعورين مفزوعين قد هالهم ذلك الصوت العظيم الذي أقض مضاجعهم، وأخذ بأَزِمَّةِ قلوبهم، وبعثهم من مرقدهم، يتساءلون: ﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ﴾ سُورَةُ يس: الآية/ 52 فلو رأيتهم والأرْضُ تَتَشَقَّقُ عَنْهُمْ، لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا؛ ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ﴾ سُورَةُ ق: الآية/ 44 قاموا بعد طول الرقاد ينفضون الغبار عن أجساد هزيلة، ووجوه شاحبة، شخصت عيونهم، وانعقدت ألسنتهم، قد استولى الفزع على النفوس، وطارت من الهلع القلوب، يسرعون نحو الصوت في ذل ووجوم، ورعب وخشوع؛ ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ﴾ سُورَةُ الْمَعَارِجِ: الآية/ 43 يؤمون النداء، ويقصدون الداعي، بلا تردد ولا توانٍ، لَا يَمِيلُونَ عَنْهُ قيد أنملة، لم يمنع مريضًا مرضه، ولا كبيرًا كبره، ولا رضيعًا صغره؛ ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا ﴾ سُورَةُ طَهَ: الآية/ 198 يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ».
رواه البخاري ومسلم فيأتون أرض المحشر، ويعرضون على الله تعالى، ظَاهِرٌ ذُلُّهُم وعجزهم؛ ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ سُورَةُ الْحَاقَّةِ: الآية/ 18 قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ».
رواه البخاري ومسلم ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ سُورَةُ الْفَجْرِ: الآية/ 23 ﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ مَا سَعَى ﴾ سُورَةُ النازعات: الآية/ 35 في هذا اليوم ﴿ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 30 فكم من باكٍ محزون، وكم من هائم متحير، وكم من نادم متحسرٍ! وكم من داع بالويل والثبور، لَيْسَ لَهُ هِجِّيرَى إِلَّا: ﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا ﴾ سُورَةُ الفرقان: 28- 29 فيا لله كم من وجوه في هذا اليوم مكفهرة مسودة، كانت في الدنيا ناعمة مبيضة، وكم من وجوه في هذا اليوم مسفرة مبيضة، كانت في الدنيا مشفقة وجلة؛ ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 106 وكم من وجوه في هذا اليوم ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ، وكم من وجوه علاها الحزن وأرهقها القترُ؛ ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ﴾ سُورَةُ عَبَسَ: 38- 42 اللهم ارحم في هذا اليوم ضعفنا، واجبر فيه كسر قلوبنا، وأجرنا من النار برحمتك.


[1] - سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 29