أرشيف المقالات

أحكام الإجارة

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2أحكام الإجارة   الحمدُ للهِ الذي أكملَ لنا الدين، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام ديناً، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد: فإن الشريعة الإسلامية المباركة قد اهتمت اهتماماً كبيراً بتنظيم أمور المعاملات بين الناس لتتحقق لهم السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
وللإجارة أحكامٌ أحببتُ أن أُذَكِّرَ بها نفْسي وأحبابي طلاب العِلْم الكرام، فأقول وبالله تعالى التوفيق:   تعريف الإجارة: الإجارة في اللغة: الإِجارَةُ: مشتقةٌ مِن الأجر: وهو ما أَعطيتَ مِن أَجْر في عمل، والأَجْر الثواب، والجمع أُجور.
(لسان العرب لابن منظور ج1 ص31)   الإجارة في الشرع: تمليك منفعة شيء مباح لمدة محدودة بعوض.
(المغني لابن قدامة ج8 ص6)   مشروعية الإجارة: الْإِجَارَةُ مشروعةٌ بالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ. أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ (الطلاق: 6) وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ﴾ (القصص: 26) وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْت لَاِتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾ (الكهف:77) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأَجْرِ عَلَى إقَامَتِهِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، اسْتَأْجَرَا رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا.
(المغني لابن قدامة ج8 ص5-6) رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ.
(البخاري حديث 2270)   شروط صحة الإجارة: (1) رضا المتعاقدين، فلو أُكْرِه أحدهما، فلا تصح الإجارة.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ (النساء: 29) (2) أن تكون المنفعة المعقود عليها معلومة علماً يمنع التنازع عليها.
(3) أن تكون المنفعة المعقود عليها مباحة شرعاً.
(4) القدرة على تسليم العين المستأجرة بمنافعها.
(5) أن تكون الأجرة مالاً معلوماً.
(6) أن تكون مدة الإجارة محددة.
(الفقه الإسلامي للزحيلي ج 4ص 737: ص749)   شروط استمرار عقد الإجارة: (1) سلامة العين المؤجرة من حدوث عيب يخل بالانتفاع بها: ويترتب عليه أنه لو حدث عيب يخل بالانتفاع، فيكون المستأجر بالخيار بين الإبقاء على الإجارة ودفع كامل الأجرة وبين فسخها، كما إذا حدث بالدابة المؤجرة مرض أو عرج أو انهدم بعض بناء الدار؛ لأن المعقود عليه وهو المنافع يحدث شيئاً فشيئاً، فإذا حدث العيب بالشيء المستأجر كان هذا عيباً قبل القبض، فيوجب الخيار كما في عقد البيع.

(2) عدم حدوث عذر يجيز فسخ الإجارة: كما إذا حدث عذر بأحد العاقدين أو بالشيء المأجور فيحق للمتعاقد فسخ العقد.
(الفقه الإسلامي للزحيلي ج4 ص753: ص755)   تأجير العين المستأجرة: إذا استأجر الإنسان محلاً أو بيتاً أو شقة أو معرضاً، جاز له أن يؤجر هذا المكان لغيره بمثل ما استأجره به أو بأكثر أو بأقل، بنفس مدة الإجارة وبشرط علم المالك ورضاه بذلك، وذلك لأن المستأجر يملك حق الانتفاع بالعين المستأجرة، فجاز له أن يستوفيها بنفسه أو بغيره , إلا أن يشترط المالك على المستأجر أن لا يؤجرها لغيره وبشرط أن لا يترتب على هذه الإجارة الجديدة ضرر للعين المستأجرة.
(المغني لابن قدامة ج 8 ص 56:54) (مجموع فتاوى ابن تيمية ج 32 ص 308) (فتاوى اللجنة الدائمة ج 15 ص 89:87)   أخذ الأجرة على تلاوة القرآن: لا يجوز أخذ أجرة على تلاوة القرآن الكريم سواء كان ذلك في سرادقات المأتم أو عند المقابر أو غير ذلك، ويجوز أخذ أجرة على تعليم القرآن وتحفيظه.
(فتاوى دار الإفتاء المصرية ج 3 رقم 455 ص 909:907) (مجموع فتاوى ابن تيمية ج 30 ص 193:192) (فتاوى اللجنة الدائمة ج 4 ص 91) روى أحمدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ شِبْلٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَغْلُوا فِيهِ وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ وَلَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ.
(حديث صحيح) (مسند أحمد ج 24 ص 288)   فسخ عقد الإجارة: يجوز فسخ عقد الإجارة للأعذار الآتية: (1) عذر من جانب المستأجر: مثل إفلاس المستأجر، أو انتقاله من الحرفة إلى الزراعة أو من الزراعة إلى التجارة، أو من حرفة إلى أخرى؛ لأن المفلس أو المنتقل من عمل لا ينتفع به إلا بضرر، لا يجبر على البقاء في الحرفة الأولى مثلاً.
ومثله السفر أي انتقال المستأجر عن البلد؛ لأن في إبقاء العقد مع السفر ضرراً به. (2) عذر من جانب المؤجر: مثل لحوق دين فادح به لا يجد طريقاً لقضائه إلا ببيع الشيء المأجور وأدائه من ثمنه، هذا إذا ثبت الدين قبل الإجارة بالبينة أو بالإقرار، أو ثبت عقد الإجارة بالبينة.
(3) عذر راجع للعين للمتسأجرة: مثل أن يستأجر شخص مطعماً في مكان ما ثم يهجر الناس هذا المكان.
(الفقه الإسلامي للزحيلي ج4 ص755 - 757)   هلاك العين المستأجرة: العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، فلا يضمنها إن تلفت أو تعيبت بغير تفريط منه.
(الفقه الإسلامي للزحيلي ج4 ص775) ختاماً: أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعلَ هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرَاً لي عنده يوم القيامة (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) كما أسأله سُبحانه أن ينفع به طلابَ العِلْم الكرام.   وآخرُ دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نبينا مُحَمَّدٍ، وَآلهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير